آخر الأخبار

Generic selectors
Exact matches only
....بحث
Search in content
Post Type Selectors

محاضرات مختارة

تهنئة لحلول شهر رمضان المبارك

الصفحة الرئيسية » تفسير القرآن الكريم » تفسير القرآن الكريم (المحاضرات الكتابية) » المحاضرة الرابعة عشر تفسير قوله تعالى : غير المغضوب عليهم ولا الضالين

المحاضرة الرابعة عشر

تفسير قوله تعالى : غير المغضوب عليهم ولا الضالين

من بعد أن طلب العبد المؤمن من ربه أن يوفقه ليصبح من الذين أنعم الله عليهم أرشده تعالى الى أن يدعو أيضا بألا يصبح من المغضوب عليهم ولا الضالين إما من باب التأكيد أو لأن العبد قد يظن نفسه من الذين أنعم الله عليهم وهو يعيش المغضوب عليهم او الضالين لأن سبل الخروج عن موازين الحق والعدل كما تهدد حياة غير المسلمين من اهل الكتاب و غيرهم كذلك هي قد تهدد حياة المسلمين فقد يعيش المسلم ما يجعله من مصاديق المغضوب عليهم او الضالين و هو يظن نفسه من المتقين.

وقد اشتهر هاهنا على الألسن بتبع أغلب التفاسير شيعة وسنة أن المغضوب عليهم هم اليهود و أن الضالين هم النصارى ولكن يجب التأمل فيما قد حصل في أيدينا من تراث حتى لا نأخذ الأمور إرسال المسلمات او بنحو إطلاقي و لذا نقول أولا إن الظاهر من الآية الشريفة و بالأخص بعد عطف الضالين على المغضوب عليهم أنهما صنفان مختلفان في الإبتعاد عن الله تعالى حيث يستفاد أن المغضوب عليهم هم أشد إتبعادا من الضالين عن ساحة رحمة الله و لذا ناسب المقام أن يقال إن المغضوب عليهم قوم قد سخط الله عليهم لعنادهم للحق بعد عرفانه لكبر او لمصلحة او لغير ذلك أخذت بهم لسحق جميع الحقائق لهذه الغايات فراحوا ليكتموا الحق و ليفسروا الآيات والكتب السماوية بعد عرفانها بتبع الهوى ومن أبرز هؤلاء مصداقا المنافقون في كل ملة ودين من منافقي اليهود والنصارى والمسلمين حيث أن هؤلاء هم الذين حرفوا الكتب السماوية و كتموا الحقائق و وجهوا الشرايع بتبع غاياتهم و من المغضوب عليهم كل من لعنه الله تعالى في كتابه المجيد ولهؤلاء مصاديق كثيرة وردت في الكتاب لمن تتبع الآيات وكذلك من تتبع الأحاديث و منهم ما أشار إليه تعالى بقوله (لُعن الذين كفروا من بني إسرائيل على لسان داوود و عيسى بن مريم ذلك بما عصوا وكانوا يعتدون كانوا لا يتناهون عن منكر فعلوه لبأس ما كانوا يفعلون) كما وأن من أبرز المغضوب عليهم قتلة الأنبياء والصالحين على طول التأريخ و الغضب هو السخط في مقابل الرحمة و الضلال هو التيه والضياع ويقابله الهدى و ظاهر التيه أنه عن جهل لا عن عناد ولجاج.

إذن قبل الرجوع الى الأحاديث والتفاسير في المغضوب عليهم و الضالين نقول أن هناك آيات كثيرة تبين مصاديقهم حيث أن المغضوب عليهم هم أسوء حالا من الضالين فالضال هو التائه عن الحق والمغضوب عليه إذا جعل في مقابله أريد منه المعاند عن علم.

وقد يقال إن المغضوب عليهم هم العلماء المعاندون والضالون من أضلوا الطريق و هم يرون أنفسهم على الصواب ومن أبرز مصاديق المغضوب عليهم هم النُصاب و إن كان الضلال لو لوحظ بنفسه بلا تقابل بينه وبين المغضوب عليهم لكان بإطلاقه يعم المغضوب عليهم لكن عند التقابل لا يراد منه إلا الضياع والتيه في مقابل الجحود والعناد بعد العرفان , هذا هو ما يبدوا من ظاهر الأمر.

فإذن الضال بعمومه يشمل المغضوب عليهم ولذا قال تعالى (وأما من كان من المكذبين الضالين فنزل من حميم) فمن كذب بالهدى فهو من الضالين كالذين كذبوا الأنبياء و الضالون هم المكذبون ولو لبعض آيات الله تعالى سواء كانوا من اليهود او النصارى او المسلمين او من غيرهم ويعم الأمر المشركين ومنكري الصانع أيضا , كما وأنه جاء في الكتاب : (…..ومن يكفر بالله وملائكته و كتبه ورسله و اليوم الآخر فقد ضل ضلالا بعيدا) و قد جاء أيضا (….ومن يشرك بالله فقد ضل ضلالا بعيدا) فالضلال بما هو عند عدم التقابل مع المغضوب عليهم يعم جميع الأخطاء سواء كانت عن عمد او جهل او كانت لأي غاية أخرى, وقد قال تعالى أيضا (ولكن من شرح بالكفر صدرا فعليه غضب من الله) و قال (يعذب الله المنافقين و المنافقات والمشركين والمشركات الظانين بالله ظن السوء عليهم دائرة السوء وغضب الله عليهم ولعنهم وأعد لهم جهنم).

هذا كله لو كنا نحن ومفهوم المغضوب عليهم والضالين وما يتناسب مع الآيات الشريفة لكن قد ورد في كثير من الأحاديث أن المغضوب عليهم هم اليهود والضالين هم النصارى فكيف يعقل ذلك وهناك من هو أشد منهم ضلالة كالمشركين والمنكرين للصانع والكثير من البشر الذين يعيشون اللادينية و عدم التفكر في توحيد او نبوة و إنما يريد حياة ليلتذ فيها ولم يتجاوز تفكيره هذا الحد فأين مثل هذه الضلالة بضلالة من يعيش المتاهات في غرب الدنيا و شرقها بما للبشر من عجائب وغرائب من المعتقدات التي لا يكاد يصدقها عاقل فأين مثل هؤلاء بضلالتهم من أمة اتبعت نبيا كاليهود والنصارى و إن اخطأت في كثير من الأمور و هل أن المسلمين بمعزل عن مثل هذه الأخطاء بعد الإنقلاب على الأعقاب وما هم عليه من إجتهادات كثيرة ما أنزل الله بها من سلطان ومن متابعة الأمة الإسلامية علمائها تقليدا بلا تثبت ولا علم فكيف يُجعل المغضوب عليهم اليهود والضالين النصارى و أغلب المسلمين هم على شاكلتهم للتهاون في الدين وهناك من الأمم من هم أشد ضلالة كما تقدم كالملحدين والمشركين .

أجل كثير من الروايات تقول إن الضالين هم النصارى لضلالهم عن الحق لعدم المعرفة و المغضوب عليهم هم اليهود لعنادهم وهاهنا تجري إحتمالات لابد من الإلتفات إليها فمن هذه الإحتمالات أن يقال إن الروايات إنما أشارت لبيان مصداقين من مصاديق المغضوب عليهم و الضالين كتقريب ذهني للسائل بعد أن انتهى دور الشرك والزندقة وما كان المراد من ذكر المثال ليدل على الحصر او كون اليهود والنصارى هما أشد مصاديق المغضوب عليهم او الضالين.

الإحتمال الثاني أن الأحاديث كانت لقرائن تشير الى مصاديق معينة من اليهود والنصارى ولم تقصد اليهود بما هم يهود ولا النصارى بما هم نصارى فهي تتكلم عن أشخاص معينين من اليهود والنصارى كانا في عهد رسول الله فخالفا الحق وكانت مخالفتهم عن عناد كاليهود او عن جهل كالنصارى وإلا فكيف يُعقل أن يطلق القول في حق كل من اليهود والنصارى وهما بلا شك ولا ريب أقرب الى الله تعالى من غيرهم ممن انكر الصانع او عاش الشرك او عاش حياة الضياع كالبهائم و قد قال الله تعالى في كتابه المجيد بالنسبة الى أهل الكتاب (ليسوا سواء من أهل الكتاب أمة قائمة يتلون آيات الله آناء الليل وهم يسجدون) وكيف يمكن جعل اليهود والنصارى المغضوب عليهم و الضالون وفي المسلمين من هو أقبح منهم عقيدة او عملا.

وقال البعض إن طريقة الإيمان مشتملة على العلم بالحق والعمل به و اليهود فقدوا العمل بعد عرفان الحق والنصارى فقدوا العلم ولذا جائت الروايات في حقهم لأن من علم ثم عاند كان مغضوبا عليه بخلاف من جهل فهو ضال تائه لكن نقول هذا جار في أمة محمد (ص) أيضا فمن ترك من علماء المسلمين العمل كان من المغضوب عليهم حيث يكون تركا للحق لغايات ومقاصد وأما أكثر الأمة الإسلامية فهي تتبع العلماء تقليدا حتى في الأمور العقائدية فأي خصوصية لليهود او النصارى في ذلك.

وبالجملة نقول الضالون هم من ضيعوا طريق الحق للجهل وهم يحسبون أنهم يحسنون صنعا و المغضوب عليهم من ترك الحق بعد عرفانه لعناد وعليه يكون القول بأن المراد من المغضوب عليهم هم اليهود و الضالين هم النصارى بنحو إطلاقي كلام غير صحيح.

و إن أمكن أن يقال في المقام أن الروايات التي أشارت إلى أن المغضوب عليهم هم اليهود و أن الضالين هم النصارى أرادت الإشارة الى أبرز المصاديق دون الحصر و لتقريب الأمر نضرب أمثلة لذلك و نقول إنه و إن كان الناظر الى المجتمع البشري لأول وهلة لا يتردد أن الملحدين و المشركين ومن يعيشون في الدنيا همها علفها هم أحق بالمغضوب عليهم و الضالين من اليهود والنصارى الذين كانوا في عهد رسول الله (ص) لأنه لا شك أن المراد من اليهود والنصارى يهود ونصارى بعينهم لا مطلق اليهود والنصارى لكن من رجع الى واقع الامر وجد أن من كان من أمة محمد (ص) عاش الإنقلاب على الأعقاب بإصرار وجحود ثم راح لغاياته الشخصية ليسحق جميع القيم الرسالية لهو أشد إستحقاقا للغضب الإلهي من غيره و كيف يمكن ان يُقال أن جهلة المشكرين مثلا هم أقبح حالا من مثل طلحة و الزبير او من ضلوا و أضلوا الأمة بعد وفاة رسول الله حيث أن حساب العاقل العالم عند الله لأشد من الجاهل المخالف للحق والعدل لكن مع شديد الأسف أن يبقى هذا الأمر من الأخطاء الشائعة بين الناس فراح ليظن الكثير من الناس أن المشركين مثلا او الملحدين هم أشد إبتعادا من الله تعالى من عالم إسلامي يعرف كل الموازين والمقاييس في مواطن العقيدة والعمل ويسحقهما لغاياته الشخصية, كما وأن من عاش الجهل المركب لأنه أصبح يجزم أنه على الحق في حين أنه لم يبن أسس معتقداته على أصول صحيحة حتى راح لجهل يقول بالثالثول وكون المسيح بن الله فإن مثل هذا لأشد ضلالة من ضلال لا يعرفون شيئا من النبوة والتوحيد فالنصارى الذين يعيشون الجهل المركب وهم يظنون أنهم يحسنون صنعا اولى بالضلالة من ضال آخر.

وعليه فنقول لو حملنا الروايات الواردة بالنسبة الى اليهود والنصارى لمن كان معاندا منهم ولمن كان يعيش الجهل المركب فإنه لا مانع من القول من كون هذين الفريقن من أبرز المصاديق لكل من المغضوب عليهم و الضالين كما وأن من عاش الإسلام و لمصالحه بدل وغير وحرف هو أشد ممن كان في زمن الجاهلية ضلالة و اتصافا بكونه من المغضوب عليهم وكذلك من كان من الأمة الإسلامية وهو لا يعرف شيئا وقد سلم أمره للآخرين وراح ليعيش الجهل المركب ظانا بأنه من أقرب المقربين الى الله فإنه كالنصارى من أبرز مصاديق الضالين وعلى هذا تحمل الروايات الواردة في المقام بالنسبة الى اليهود والنصارى إذا حملناها على يهود ونصارى معينين وليس كما ظن البعض أنها غير معقولة أن تنسب الى اليهود والنصارى وتترك الملحدين و المشركين والله هو العالم بحقائق الأمور والمسدد الى الصواب .

 

0 تعليق

إرسال تعليق

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

آخر الأخبار

المحاضرة السابعة عشر تفسير قوله تعالى : (الذين يؤمنون بالغيب)

المحاضرة السابعة عشر تفسير قوله تعالى : (الذين يؤمنون بالغيب) من بعد ما تكلم الله تعالى عن المتقين جاء ليبن خصائصهم حتى يُعرف بسيماهم لدى من عرف الحق لا بألقاب قد تُفدى للرجال لزخارف الأقدار كحكم قد يهب طاغية عنوان أمير المؤمنين ومكرا قد يهب دجالا صفة الأولياء...

المحاضرة الخامسة عشر تفسير : (ذلك الكتاب لا ريب فيه)

المحاضرة الخامسة عشر تفسير : (ذلك الكتاب لا ريب فيه) كلمة ذلك يؤتى بها للإشارة الى البعيد في حين أن الكتاب المجيد بأيدي الناس ينظرون إليه ويشاهدونه فكيف يؤتى للقريب بما هو من شأن البعيد؟ فنقول إن ذلك واضح لدى أهل الأدب والمعرفة حيث أن المراد بالإشارة للبعيد في المقام...

المحاضرة الرابعة عشر بداية عرض الأخبار الأمرة بالعرض على الكتاب المجيد ثم تفسير (ألم)

المحاضرة الرابعة عشر بداية عرض الأخبار الأمرة بالعرض على الكتاب المجيد ثم تفسير (ألم) سورة البقرة مدنية كلها إلا آية واحدة كما قيل. قبل الدخول في تفسير سورة البقرة لا بأس بذكر الأحاديث الآمرة بلزوم العرض على كتاب الله تعالى ليعرف القاريء الكريم أن الأساس في كل شيء هو...

المحاضرة الثالثة عشر الشبهة الثالثة في قوله تعالى: (صراط الذين انعمت عليهم)

المحاضرة الثالثة عشر الشبهة الثالثة في قوله تعالى: (صراط الذين انعمت عليهم) وهي أنه إذا كان الدين الإسلامي أكمل الأديان فكيف بعد ذلك يطلب المسلم المؤمن من ربه طريق الذين أنعم الله عليهم من الأمم السابقة وهو يعيش شرع الإسلام؟! الجواب : نقول أولا وقبل كل شيء الدعاء في...

أسئلة عقائدية

تابعنا على صفحاتنا