آخر الأخبار

Generic selectors
Exact matches only
....بحث
Search in content
Post Type Selectors

محاضرات مختارة

تهنئة لحلول شهر رمضان المبارك

الصفحة الرئيسية » تفسير القرآن الكريم » تفسير القرآن الكريم (المحاضرات الكتابية) » المحاضرة السابعة عشر تفسير قوله تعالى : (الذين يؤمنون بالغيب)

المحاضرة السابعة عشر

تفسير قوله تعالى : (الذين يؤمنون بالغيب)

من بعد ما تكلم الله تعالى عن المتقين جاء ليبن خصائصهم حتى يُعرف بسيماهم لدى من عرف الحق لا بألقاب قد تُفدى للرجال لزخارف الأقدار كحكم قد يهب طاغية عنوان أمير المؤمنين ومكرا قد يهب دجالا صفة الأولياء المقربين و أمية قد تهب جهالا صفة العلماء المتأهلين, كل ذلك منه تعالى حفظا لدينه حتى لا تأله الرجال بإسم الدين بتبع الهوى و ضرب من التقديس كما حدث ذلك في الأمم السابقة حيث يقول تعالى : (إتخذوا أحبارهم ورهبانهم أربابا من دون الله…) فأول صفة لهؤلاء المتقين هي الإيمان بالغيب و المراد منه على ما يبدو ليس مطلق الإيمان بالغيب لأن ذلك اعم من المراد في هذه الآية الشريفة كما وأنه ليس الإستسلام لكل ما يقال مما قد يغيب عن الحواس حيث أن مثل هذا الإيمان إنما هو شأن البسطاء من الخلق الذين قد يسوقوهم إيمانهم إلى الإيمان بالخرافات والأوهام حينما لا يستند الأمر الى موازين العقل و أسس الحكمة والعلم بل المراد من الإيمان هاهنا هو الإيمان الذي يجعل الغايب حاضرا لسلامة الفطرة وسعة العقل حيث يكون شهود الحقائق في محالّها كما قال لسان صدق المتقين (إلهي بك عرفتك ويا من دل على ذاته بذاته و إلهي متى غبت حتى يكون غيرك دليلا عليك) وحيث يرى هذا المقر بالتوحيد أن بعثة الأنبياء بلا جعل موازين ليوم الحساب عبثا من القول او ظلما لا يقره العدل و الإحسان و أن القول بتحقيق الغاية من بعثة الأنبياء وهي العدل على أيدي الحكام سفها من القول حيث أن العدل لا يُقام إلام بإمام عادل به تنتظم الامور ويسترشد الى الحق.

فإذن المراد من الإيمان بالغيب هو الإيمان بأمور غائبة عن الحواس حاضرة لدى الفطرة والعقل بأصولها و أسس موازينها لكن لا سبيل للإحاطة بها تفصيلا إلا عن طريق الوحي الحاصل من قبل الأنبياء عليهم السلام حيث يجزم بصحته هؤلاء المؤمنون المتقون حيث يكون الإيمان لديهم إيقانا لا يعتريها الريب عند طرو الشبهات او عروض الزلازل في مواطن الضراء والبأساء حيث تكون مزالق الأقدام في مواطن الإفتتان والإمتحان من الله تعالى.

و إن أمكن أن يكون المراد من الإيمان بالغيب هو الإيمان بكل ما غاب عن الحواس و إثباته بواسطة الدليل والبرهان بما يعود الى الغاية التي من أجلها خلق الإنسان وهي العبادة اي السلوك بخضوع وحب في المسالك الربوبية لكي لا يدخل في المراد كل ما غاب عن الحواس وجزم الإنسان بوجوده ككثير مما هو من شأن العلوم الطبيعية كالفيزياء والفلكيات وغيرهما.

و مما يعد من هذا المقام هو الإيمان بالتوحيد و نبوة الانبياء و البعث والحساب والملائكة والجنة والنار وقيام القائم (عج) وسائر الأمور التي يجب الإيمان بها مما لا يمكن بلوغها بواسطة الحواس.

وقال بعض أن الإيمان بالغيب هو ما يختص بالله و أن إدعاء الغيب يعتبر كفرا مخرجا من الملة ومن أمثلة إدعاء الغيب عند هؤلاء ما يدعى من علم الأبراج وخطوط الكف او تحضير الأرواح وعلم الفنجان ثم قالوا والغيب هو كل حقيقة لا يدرك حقيقتها العقل او لا يتعامل معها الإنسان بالحواس كالروح التي تحيي الجسد مثلا فكل ما كان من هذا القبيل فهو من علم الغيب الذي يجب الإيمان به ولا سبيل لاحد لبلوغ معرفته وهي كل ما يعد ما وراء الطبيعة او الميتيافيزياء.

فهؤلاء المتقون وإن كان لا سبيل لهم للعلم بهذه الأمور لكن يصدقون الله تعالى و أنبيائه بها ثم يؤكدون عدم العلم بها مستشهدين ببعض ما جاء في الكتاب المجيد حيث يقول تعالى على لسان نبيه نوح عليه السلام (ولا أعلم الغيب) وما ورد كذلك على لسان محمد (ص) : (قل لا أقول لكم عندي خزائن الله ولا أعلم الغيب) ثم قالوا إذا انبياء الله لا يعلمون الغيب فكيف يمكن ادعائه بالنسبة الى سائر الناس.

و الإيمان هو التصديق والمراد من (وما انت بؤمن لنا) أي بمصدق لنا و يؤمنون بالغيب اي يصدقون به وقيل الإيمان مشتق من الأمان والمؤمن من يؤمن نفسه من عذاب الله.

وقد روي عن الإمام الرضا عليه السلام أن الإيمان هو التصديق بالقلب والعمل بالأركان والقول باللسان وعن الإمام الصادق (ع) في الذين يؤمنون بالغيب أنه قال : (من أمن بقيام القائم عليه السلام انه حق) وهذا المعنى مروي في روايات أخر ولعل المراد من الإيمان بالغيب عالم الغيب الذي جُعل في مقابل عالم الشهادة حيث لا سبيل الى شهوده ونحن نعيش عالم الدنيا و إن كان الأمر لا يتوقف على ذلك بل قد يعم كل ما ورد على لسان الوحي وكان لا سبيل للوصول إليه حتى ولو كان من قبيل الجن فضلا عن تفاصيل هي من شأن التوحيد والجنان والنيران والبرزخ والحساب.

وبالجملة قد جُعل او صفة من صفات المتقين هو الإيمان بالغيب بما يحمل في طياته هذا الغيب من عالم غير متناه يعود الى خالق غير متناه ذاتا وصفة بما له من عظيم الخلق والفيض فهؤلاء المؤمنون لعظيم معارفهم وسعة عقولهم يوقنون بهذا الواقع بما فيه من آفاق في عالم آخر او عوالم لا حد لها حيث أنهم لا يرون العالم متوقفا على حدود عالم المادة المشهود.

وقد ورد في تفسير الرازي

0 تعليق

إرسال تعليق

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

آخر الأخبار

المحاضرة الخامسة عشر تفسير : (ذلك الكتاب لا ريب فيه)

المحاضرة الخامسة عشر تفسير : (ذلك الكتاب لا ريب فيه) كلمة ذلك يؤتى بها للإشارة الى البعيد في حين أن الكتاب المجيد بأيدي الناس ينظرون إليه ويشاهدونه فكيف يؤتى للقريب بما هو من شأن البعيد؟ فنقول إن ذلك واضح لدى أهل الأدب والمعرفة حيث أن المراد بالإشارة للبعيد في المقام...

المحاضرة الرابعة عشر بداية عرض الأخبار الأمرة بالعرض على الكتاب المجيد ثم تفسير (ألم)

المحاضرة الرابعة عشر بداية عرض الأخبار الأمرة بالعرض على الكتاب المجيد ثم تفسير (ألم) سورة البقرة مدنية كلها إلا آية واحدة كما قيل. قبل الدخول في تفسير سورة البقرة لا بأس بذكر الأحاديث الآمرة بلزوم العرض على كتاب الله تعالى ليعرف القاريء الكريم أن الأساس في كل شيء هو...

المحاضرة الرابعة عشر تفسير قوله تعالى : غير المغضوب عليهم ولا الضالين

المحاضرة الرابعة عشر تفسير قوله تعالى : غير المغضوب عليهم ولا الضالين من بعد أن طلب العبد المؤمن من ربه أن يوفقه ليصبح من الذين أنعم الله عليهم أرشده تعالى الى أن يدعو أيضا بألا يصبح من المغضوب عليهم ولا الضالين إما من باب التأكيد أو لأن العبد قد يظن نفسه من الذين...

المحاضرة الثالثة عشر الشبهة الثالثة في قوله تعالى: (صراط الذين انعمت عليهم)

المحاضرة الثالثة عشر الشبهة الثالثة في قوله تعالى: (صراط الذين انعمت عليهم) وهي أنه إذا كان الدين الإسلامي أكمل الأديان فكيف بعد ذلك يطلب المسلم المؤمن من ربه طريق الذين أنعم الله عليهم من الأمم السابقة وهو يعيش شرع الإسلام؟! الجواب : نقول أولا وقبل كل شيء الدعاء في...

أسئلة عقائدية

تابعنا على صفحاتنا