الجهاد
الجهاد بذل الجهود لبلوغ الغايات واكبر جهاد هو ترويض النفس بالطهر والزكاة والعلم للعروج الى الله تعالى حيث انه الجهاد الأكبر ليصبح القرآن خُلقا والعلم نورا والعقل هاديا حيث يصير البصر حديدا لشهود الحق وذهاب حجب الظلمات من الكبر والحسد والنفاق والرياء وحب الدنيا الذي هو رأس كل خطيئة .
فهؤلاء هم المجاهدون في سبيل الله حقا فهم المتقون وعباد الله المخلصون الذين يرون الحق حقا والباطل باطلا , ينظرون بنور الله الى الآيات و الروايات بعيدين عن الأهواء والمغالطات و العناد واللجاج وهم بهذا الشهود يميزون ما صح من الجهاد وما كان باطلا مدعوما بهوى النفس وقد قال تعالى :(والذين جاهدوا فينا لنهدينهم سبلنا وأن الله لمع المحسنين )العنكبوت آية 69 , فلا حجاب بين الحق والمجاهدين في سبيل ربهم .
وبعد هذه المقدمة نقول إن الجهاد بحسب المصطلح الشايع بين الفقهاء يقسم الى قسمين جهاد ابتداعي وجهاد دفاعي .
أما الإبتدائي : فهو يبدأ بدعوة الأمم الى الاسلام فمن رفض منهم وكان كتابيا كان عليه ان يدفع الجزية وإلّا فالحرب , ومن رفض من غير أهل الكتاب الدخول الى الإسلام فالحَكَم هو السيف .
ثم انقسمت الأمة الإسلامية الى قسمين : فأبناء العامة والجماعة المعبرعنهم بحسب الإصطلاح بأهل السنة قالوا ان هذا النوع من الجهاد كما هو من شأن الرسول (ص) فكذلك هو لحكام المسلمين من بعده وعليه فللحاكم الإسلامي ان يندب الناس الى هذا الجهاد لنشر الإسلام في العالم وهو ما حدث بعد وفاة الرسول (ص) من قبل الخليفة الأول وكذا الثاني والثالث ثم بقية خلفاء بني أمية وبني العباس ومن جاء من بعدهم وما كفّ حكام المسلمين عن هذا النوع من الجهاد إلا في القرون المتأخرة للضعف وإلا فهو حكم شرعي يجب القيام به على مذهب أبناء العامة والجماعة , وأنه لابد من قهر البشر على قبول الإسلام إن لم يكونوا من أهل الكتاب وعلى أهل الكتاب أن يدفعوا الجزية ومثل هذا لا يرونه منافيا للحرية في العقيدة ولا مناقضا للآيات الدالة على الحرية كقوله تعالى : (لا إكراه في الدين ) وقد سفكوا الدماء وإستباحوا الأعراض و قسموها بينهم حتى فتحت أسواق النخاسين في أغلب المدن لبيع الجواري والعبيد ومن تردد في هذا المقال فعليه بالرجوع إلى ما قام به خالد بن الوليد كمثال لأروع دولة راحت لتمثل الإسلام السني بعد وفاة الرسول الأعظم (ص) وإلا فالشواهد على طول التأريخ كثيرة لكن من المؤسف أن أغلب الناس لا يقرؤون بأنفسهم بل إنما يسمعون من خلال قنوات وعاظ السلاطين الذين لا ينقلون لهم إلا زهو الفتوح ونشر الإسلام على وجه الأرض ولو بسفك الدماء وإلا فلو قلت لأي مسلم على وجه الأرض اليوم يعيش روح الحرية هل ترى من العقل ان نقول للبشر الذين يعيشون على وجه الأرض الكتابي منهم وغير الكتابي إما ان يسلموا او يدفعوا الجزية وإلا فالحكم بيننا وبينكم السيف لقال لك القائل ان هذا هو الإستبداد بعينه وكيف يجبر الله تعالى الناس على الإسلام وهو يريد الدنيا مختبرا للعقول وهو القائل ولو شاء ربك لجعل الناس أمة واحدة وقد راح أبناء العامة ليشنعوا على الشيعة بانهم يعطلون الأحكام الإلهية وينتظرون احيائها على يد مهديهم كما يزعمون ومعنى كلام ابناء العامة انه لو امتنع أهل الكتاب من دفع الجزية في شرق الارض وغربها لجاز قتالهم و رقهم وكذا لو امتنع غيرهم بما لهم من مليارات البشر كأهل الصين والهند وغيرهما لجاز قتالهم او رقهم و أخذ جميع ما يملكون وتقسيم ذراريهم ونسائهم بين المسلمين .
فهكذا رأي أبناء العامة حق الحياة لبقية البشر بما يقرره الحكام بما لهم من الاهواء و دوافع حب السلطة والشهرة وكيف يجعل الله تعالى البشرية رهن شهوات حكام المسلمين وأكثرهم الفاسقون وكيف يجيب عن ذلك يوم الدين علماء العامة عند رب العالمين .
ولا ننسى ان مذهب العامة قائم إلا ما ندر منهم على أن الشيعة من الروافض مهدوري الدم وعلى هذا فلم يبقى حق الحياة إلا لمن كانوا من ابناء العامة والجماعة والحكم على بقية البشر بالاستسلام او الموت او دفع الجزية ان كانوا من أهل الكتاب في حين أن الرسول الأعظم وهو القائل ما أوذي نبي مثل ما أوذيت وقد عانى ما عانى من أهل مكة نجده عند فتحها يخاطب القوم قائلا : (ما تظنون أني فاعل بكم ) قالوا اخ كريم وابن اخ كريم قال ( فاذهبوا فأنتم الطلقاء) .
فبعد اكثر من عقدين من الزمن وهو البشير النذير مخاطبا ومبينا شرع الله لقريش ومن فيها من أهل مكة ما وجدناه عاملهم كما عامل الامم الخليفة الأول ابو بكر حينما بعث بجيوشه تدعوا الناس الى الاسلام بل راح ليمنح قادة الأمم على ابواب المدن ثلاثة أيام وعامة الناس لا علم لها بأمر ولا سبق معرفة بدين جديد ثم اندفعت الجيوش الإسلامية واحتلت البلاد وقتلت من قتلت واسترقت من استرقت وقسمت الجواري وسمت ذلك بالجهاد والفتح الإسلامي ولم يظهر من أحد من الناس خلافا او مقاومة بخلاف قريش الذين كانوا قد سمعوا الدعوة وخالفوها حتى كلّت سواعدهم وقد عفى عنهم الرسول (ص) ولو قال قائل قد عفى عنهم لأنهم من قريش وهم أهله وبنو عمومته لكان ذلك مدعاة للشك في نبوة محمد (ص) وهو خاتم الرسل و الرحمة للعالمين فكيف يعقل ان يعامل الناس بهكذا تمييز على الرغم من معرفة قريش واصرارهم على الحرب بعد اكثر من عشرين عاما ويكون حكم الأمم الإنذار على أبواب المدن ثلاثة أيام ثم اقتحام البلاد واسترقاق العباد .
الجهاد على مذهب الشيعة الإمامية
الجهاد عندهم على نحوين :الجهاد الابتدائي والجهاد الدفاعي . أما الجهاد الابتدائي فخلافا لمذهب ابناء العامة والجماعة الذين اعتبروه بيد الحكام فإن الشيعة يرونه من خواص الرسول (ص) والأئمة المعصومين عليهم السلام وليس من حق احد على وجه الأرض مطلقا ولو كان من اعلم العلماء و اتقى الناس فضلا من ان يجعل الله تعالى ذلك بأيدي الحكام الذين لو افترضنا وجود واحد منهم صالح في كل قرن لوجدنا بالمائة تسعة وتسعين منهم طلاب دنيا يريدون الدين وسيلة لزعاماتهم و غاياتهم فكيف يطلق الله تعالى أيدي امثال هؤلاء الطواغيت وان تلبسوا بلباس الدين على رقاب البشر ليذلوا عزيزهم و ينهبوا ثرواتهم ويستعبدوا رجالهم ويتلذذوا بنسائهم جوار في البيوت تحت ذريعة الفتح و الدعوة الى الإسلام حتى يصبح الحاكم الإسلامي لقصيدة يمتدح بها يهب للشاعر عشرة من الجواري او اكثر من ذلك و هذا ما حدث بعد وفاة رسول الله (ص) حيث اصبح الكثير من الصحابة يمتلك المئات من الغلمان والجواري من بعد ما جاء نبي الإسلام لإخراج البشرية من الذل والعبودية وسنّ سننا تدفع لتحرير العبيد , فحاشى لله رب العالمين ان يفتح المجال للطواغيت بإسم الدين لإذلال البشرية ونهب ثرواتها .
وثانيا الدين عقيدة تحمله القلوب ولا يحمّل على الناس بالسيف وثالثا إن من حمل الدين بالسيف على رقاب الناس صنع منهم المنافقين والكذابين فكيف يصنع الله تعالى من المؤمنين الذين يجب ان يحملوا الدين في أعماق قلوبهم منافقين كذابين ورابعا لا تجتمع الحرية وحياة الكرامة مع مثل هذا النهج من نشر الأديان السماوية التي بنيت على المعارف والتي يكفيها لنشرها ما تحمل من الخُلق والإيمان والعلم الذي هو سندها على طول التأريخ البشري حيث انه قد أصبح من حديث الغابرين اكبر الدول واعظمها وقد بقيت الأديان على إختلافها وضعف الكثير من مبانيها للإنحراف عن واقع رسالات السماء قائمة ليومنا هذا وخامسا حدود بعثة الانبياء لمن عايش القرآن الكريم يجدها واضحة في كتاب الله من أن الله تعالى ما بعث الرسل إلا مبشرين ومنذرين .
فإذن مذهب الشيعة قائم على أن الفتح الإبتدائي من خصائص المعصومين عليهم السلام الذين لا يعملون عملا إلا كان من مظاهر رضى الرب تعالى بمعنى انه لو رؤوا في مورد القيام بمثل هذا الجهاد صلاحا لفعلوه لأنهم لا يعملون أمرا بدوافع الفتح والسلطان والزهو والكبر والغرور ولكن على الرغم من كل ذلك ما حدثنا التاريخ يوما من الأيام أنهم قاموا بمثل هذا النحو من الجهاد وجميع حروب الرسول الاعظم (ص) والإمام علي عليه السلام إنما كانت دفاعا عن بيضة الإسلام وكرامة المسلمين وحقوقهم واذا كان صاحب الحق المأذون من قبل الله تعالى لم يقم بمثل هذا الجهاد وإن حاول أبناء العامة والجماعة أن يدّعوا ذلك في بعض حروب الرسول فأين منه حكام الجور وفراعنة المسلمين كأكثر حكام بني أمية وبني العباس والعثمانين .
أجل ليس الجهاد الابتدائي من حق أحد في العالمين بل هو من حق الرسول (ص) وأهل بيته المعصومين فلا يحق لأحد حتى ولو كان من أكبر علماء الشيعة و زهادهم ولذا عبّر بعض أكابر علماء الشيعة بأن الجهاد مع ائمة الجور خطأ يستحق فاعله الإثم وقال آخر القتال مع غير الإمام المفترض الطاعة حرام مثل الميتة والدم ولحم الخنزير وهو مضمون كثير من الروايات لأنه من المستحيل عقلا ان يحكّم الله تعالى غير المعصوم في مثل هذه الأمور لأن الافساد فيها أولى من الإصلاح ولا يحرز القتال في سبيل الله إلا بأمر الإمام المعصوم لأن الجهاد فيه سفك للدماء وإتلاف للأموال وقد ورد في بعض النصوص التي لا ريب فيها وهي من الإرشاد لحكم العقل (إن القتال مع غير المعصوم حرام مثل الميتة والدم ولحم الخنزير) وهو فتح البلاد والتسط على الأمم تحت ذريعة الدعوة الى الإسلام وقد ورد في الروايات ما مضمونه ان الإمام الصادق عليه السلام سأل أحد أصحابه لماذا لا تخرج مع الخارجين الى الجهاد فقال الرجل إني انتظر أمركم يا مولاي فقال (ع) إي والله لو كان به خير لما سبقنا إليه هؤلاء وأكبر دليل على ما نقول إن فارس الفرسان وبطل الإسلام اعتزل مثل هذه الحروب المسماة بالفتح الإسلامي وأعنى بذلك الإمام علي عليه السلام في زمن كل من الخليفة الاول والثاني والثالث وهو أكبر دليل على عدم مشروعيتها ومن يحاول توجيه ذلك فإنما يغالط نفسه وليس هذا من تعطيل لحكم من أحكام الله تعالى كما يحاول ان يطبل ويزمر به أبناء العامة أتباع الحكام لأنه من خصائص المعصومين بل نقول اكثر من ذلك انه ما ثبت وجوده حتى في زمن الرسول نفسه (ص) وإنما كانت حروبه دفاعية .
الجهاد الدفاعي
وأما الجهاد الدفاعي عن النفس والمال والعرض وعن الاسلام والمسلمين فهو من مسلمات العقل والشرع وهو واجب لا شك ولا ريب فيه اذا حصلت شروطه و داهم المسلمين عدو يخاف منه على بيضة الإسلام وحياة المسلمين و اموالهم وجميع الآيات الواردة الآمرة بالجهاد لمن تتبعها بامعان بعيدا عن الهوى ومتابعة الآخرين يسجدها انما شرّعت في مقابل الأعداء لا في مقابل البشر واعلان الحرب عليهم اذا لم يسلموا فقد قال تعالى (وقاتلوا في سبيل الله الذين يقاتلونكم) ومنع من العدوان وسنشير الى هذه الآيات بإذن الله تعالى إن سنحت الفرصة حتى لا يتصور المسلم ان الله أمر بالقتال واعلان الحرب على البشرية كافة بل إنما أمر بالجهاد في مقابل من حاربوا الإسلام والمسلمين في عهد رسول الله (ص) كما ورد في قوله تعالى (فإذا انسلخ الأشهر الحرم فقاتلوا المشركين حيث وجدتموهم…..)التوبة آية5 , وقال ايضا (وقاتلوا المشركين كافة كما يقاتلونكم كافة )التوبة36 , فالآيات تحدد القتال في مقابل المعتدين الذين كانوا يقاتلون المسلمين وليس فيها اشارة لا من قريب ولا من بعيد الى اعلان الحرب على العالم كافة إن لم يسلموا او لم يؤدوا الجزية ورسائل الرسول (ص) الى ملوك العالم واضحة لمن قرأها بنفسه لا بقراءة وعاظ السلاطين تمهيدا لرغبات اسيادهم من الحكام.
وبالجملة الجهاد الابتدائي الذي قام به بعض حكام الجور على طول التأريخ اشد حرمة من أكل الميتة وشرب الخمر لأنه ليس إلا لإشباع نهمة الحكام واعطائهم المبرر الشرعي للعدوان على الآخرين ولذا اشترط جميع علماء الشيعة في الجهاد وجود الامام المعصوم عليه السلام او نائبه الخاص كأن يأمر مثلاعلي عليه السلام مالك الاشتر بذلك ولكن التأريخ لم يحدث ان عليا عليه السلام قام بمثل هذا الجهاد وفي الختام نقول والسلام على من اتبع الهدى .
0 تعليق