لا أدري أكان زهدا ام رياءا ؟
رب ليل كان في الدهر طويلا ظنه الجاهل سقفا للزمان و دموع خالها الناظر زهدا وسبيلا للآمان
لست ادري يا إلهي أأشك بالعين فيما قد رأت عجبا ام اطلق الدمع للآهات منتحبا
هلمّ معي يا أخ السلام لنقطع مسالك وديان اوحشت في لياليها قلوب السالكين لأروي لك على مضض صحائف اشجان حملت على ظهري عقودا من الزمن أسفارها وقد كان حينها يهديء من روعي أخوان صدق قطعت معهم بعض هذا الطريق ثم ودعني الكثير منهم في بعض منعطفات هذا الطريق الطويل وكأنهم وجدوا الاسراع إلى منازل غاياتهم خير سبيل للسالكين فودعتهم وأخذت أجدّ السير مع من تبقى منهم ومن التحق بعد حين بركب السائرين السالكين سبل ربهم فإنهم خير سهام أقواس لنوائب الدهر وصعاب الأيام
فيا إلهي وسيدي ومولاي هل من رأيت وأنا في مقتبل العمر كانوا ملائكة كراما أذرفت دموع الوجد والهيام سلالم لمعارج منازل الرضوان ام انهم كانوا شياطين دجى اطلقت للدموع عنانا لتسلق الجدران حين غفلة من أهلها حتى إذا امكنتها الأيام نهبت الامتعة والأثمان و أهلكت الحرث والنسل؟!
فيا إلهي من هو الطارق للباب في هذا الوقت وقد هدأت الاصوات وأطبقت العيون الاجفان وهاهو الليل قد تجاوز النصف وراح حثيثا يودع اهله ليستقبل الفرج
فأسرعت نحو الباب وقلت من هو الطارق؟و اذ بصوت شيخ كبير ارهقته توالي الاعوام يقول انا في الباب عرفته انه خادم المسجد ففتحت له الباب وقلت له خيرا ماذا حدث في هذا الوقت من الليل؟ فقال اريد منك ان تخبر الوالد ليكون حكما بيني وبين هؤلاء الشباب فقد اتعبوني وسلبوا حريتي وحرية عائلتي , فهاهم بين بكاء وعويل وضرب ولطم وقيام وقعود وركوع وسجود وانتم تعلمون اني افتح باب المسجد قبل اذان المغرب باكثر من ساعة وهاهو الليل قد انتصف وهم لم يزالوا على ما هم عليه من عمل ولم يفارقوا المسجد وهذا هو ديدنهم في كل ليلة على الرغم من اشتراط والدك عليهم أن يغادروه بعد صلاة المغرب والعشاء بساعة فإني احتاج مع عائلتي لقسط من الراحة حتى اتمكن من فتح الباب ثانية قبل اذان الفجر
فاخبرت الوالد (قده) بكل ذلك , فقال لي اذهب اليهم واخبرهم ان عليهم مغادرة المسجد فورا و ان يلتزموا بما اشترطنا عليهم من الاوقات وقل لهم ان العبادة والتضرع الى الله تعالى امر حسن لكن بحدود الاعتدال وشريطة ألا يكون سببا لإيذاء الاخرين وسلب حرياتهم
فأخبرتهم بمقالة الوالد فسلموا للأمر وغادروا المسجد على مضض وألم شديدين لفراقهم لمربع آمالهم ومنزل معبودهم ومحل مناجاتهم مع محبوبهم
وكيف لا وهم لا يتمكنون ان يلحقوا الليل بالنهار قياما قعودا , ركوعا سجودا في خارج المسجد, فتألمت لألمهم وتمنيت لهم من أعماق قلبي مكانا يملكون ابوابه ومقاليد امره يأمرون فيه ولا يؤمرون وشاركتهم الاحزان على الرغم من جزمي بما لخادم المسجد من حق ومن صحة مقالة الوالد (قده) في حقهم
ولما عدت الى البيت وجدت نفسي لا امتلك دموعي فبقيت ليلتي اتقلب يمنة يسرى اعيش عميق الحسرات ثم مددت طرفي الى الله رب العالمين وقلت له وانا في عنفوان شبابي يا الهي وسيدي ومولاي هؤلاء شباب وانا شاب ايضا لماذا هؤلاء يعيشون الطاف محبتك صياما قياما وتضرعا وبكاء رغبة في قربك وخوفا من عقابك وانا لم اوفق إلا بما امرت به من واجب ولا ادري هل قمت به كما امرت به ام لا يا رب العالمين .
وهكذا رحت اعيش الحسرات و الآلام كلما انظر الى احدهم وهو قائم راكع وقاريء للقرآن وباك وداع ربه
وكان لي ايضا صديق كنت احبه لما كنت ارى فيه من الصلاح والايمان والزهد في الدنيا مع ما له من الخلق الكريم وكان رجلا من رجال الدين وكان يزورنا في كل سنة مرتين يأتينا من مدينة قم ويبقى عندنا شهر رمضان المبارك ثم يعود علينا مرة ثانية في شهر محرم او صفر ليبقى شهرا آخر وكان الوالد قد عرّفه على بعض المؤمنين في البلاد فكان يذهب اليهم للتبليغ والارشاد واقامة صلاة الجماعة ويحصل منهم على بعض المساعدات وهو ساكن عندنا في البيت وكنت اقضي معه اكثر اوقات فراغي وهو في كل حركاته وسكناته تعلوه السكينة والوقار لا يُرى الا ذاكرا لله قائما قاعدا الا حينما يتحدث معنا وكم ليلة جئته بطعام السحر في شهر رمضان الكريم او طعام الافطار فوجدته مشغولا باذكاره يناجي ربه ولربما طال قنوته احيانا اكثر من ربع ساعة يقرأ الادعية عن ظهر قلب يكاد يخر الى الأرض حين قرائتها خشية من الله رب العالمين.
فكنت حين اشاهده ازداد الما على ما انا عليه من الآلام وحسرة على ما انا عليه من الحسرات , اقبطه وانا جازم بقصور نفسي عن مثل هذه الطاعات وهذا الخلوص الملائكي .
وكم جرت مدامعي على خدي وانا انظر اليه من بعيد حين آتيه بطعامه خوفا من ان يحس بوجودي فاشغله عن مناجات ربه ومعبوده ومحبوبه جل شأنه حتى كدت ان المس سوء توفيقي لعدم تمكني من القيام بمثل هذه الطاعات وكم رحت في خلواتي افكر واردد تسائلي على نفسي ياهذا ما الذي يمنعك من مثل هذه الطاعات وهذا الخلوص وتذوقي مثل هذه اللذات المعنوية التي يعيشها هذا العبد الصالح وهؤلاء الشباب العُبّاد الصالحون ثم اجيب نفسي قائلا ما هي الا حجب الغفلات والظلمات ومساويء الذنوب والجهل , فاصلح نفسك كهؤلاء قبل فوات الآوان فإنه من لم يصلح النفس في شبابه لا يوفق لصلاحها في كهولة وشيخوخة كما تشير الى ذلك العديد من روايات أهل البيت عليهم السلام .
حتى اذا ما انطوت الايام وتقشعت الغيوم وظهرت الشمس لناظرها وتجلت مسالك الاقدام وغاياتها كدحا وجدت عبّاد الامس رهبان الليل اصحاب الثفنات وهم على كراسي زعاماتهم ومنابر احلامهم وجدتهم ذئبانا لا يرحمون حتى الطفل الصغير بل وراح ليمد لهم الطرف حتى لكسرة خبز يابسة في كف يتيم او كوخ تسكنه ارملة او عجوز لا معين لها الا الله رب العالمين لدنائة طبع وشح نفس وخبث سريرة.
وراح صاحبي رجل الدين العابد الزاهد الورع التقي صاحب الاذكار والاوراد ليجيب على سؤال سائل من احد اصدقائي واصدقائه يسأله لبعده عن البلاد ماذا تقول يا شيخ بالنسبة الى الشيخ محمد كاظم الخاقاني وانت من اقرب الناس اليه فانه قد بلغنا انه ينتقد بعض الاعمال الجارية في ايران بعد الثورة واذ بهذا العبد الصالح يجيب صديقه قائلا انه ليؤسفني يا اخي لأنه قد ثبت ان الشيخ رجل شيوعي لا دين عنده حتى اذا ما مرت الايام وهذا العبد الصالح ينتقل من بلد الى اخرى متصديا للقيام ببعض الوظائف التي احيلت اليه من قبل الدولة واماما للجمعة والجماعة في تلك الديار واذ بي اسمع بعد فترة من الزمن ان هذا العبد الصالح قد قبضت عليه الحكومة بتهمة سرقات كثيرة من بيت المال وجرّد من جميع مناصبه ولولا شفاعة الشافعين لجردوه حتى من ملابسه الدينية .
وكان هذا العبد الصالح في جميع ايام تصديه لبعض المناصب اذا جمعني واياه مجلس في قم يظهر عدم الاعتناء ولعله كان يرى حتى رد السلام على مخالف للثورة حراما واذ به من بعد ما جرّد من جميع مناصبه وجمعتني معه الايام في بعض المجالس يقبل عليّ بكل حفاوة وحرارة وكأنه ما كان قد رآني بعد الثورة الا ذلك اليوم وكأنه ما كان يتذكر لا صداقة ولا خدمة ولم يعتذر يوما من الايام من رسالة كتبها لصديق له يفتري فيها على الناس افتراءا يتجاوز فيه حد الفسق الى الكفر والالحاد بتبع الهوى وكأنه ما قرأ يوما من الايام قوله تعالى (وقفوهم انهم مسؤولون).
اجل ان عشت اراك الدهر عجبا حيث عندها لا تحتاج الى معانات سفر او قراءة كتب لتشاهد او تسمع حكايات عما جرى في خوالي الايام بما كان فيها من رجال كالخوارج او المنافقين في زمن الرسول (ص) والائمة الطاهرين عليهم السلام .
ولكن من اجل ان نكون اكثر انصافا وشمولية لمطاوي النفوس البشرية وعلل تغييرها من حال الى الحال يجب ان نقول بأن دواعي التغيير لم تكن فقط ناشئة عن الجهل بدوافع الكبر الشيطاني كالخوارج ولا بدواعي النفاق والازدواجية فقط كما كانت للمنافقين وذلك لأنها لربما تكون لدواع اخرى غير هذه كما يشير الكتاب المجيد (وان الانسان ليطغى ان رآه استغنى) فالجاه والمقام والمال والشهرة ايضا قد تكون من دواعي تغيير السلوك اذا لم يكن الايمان تاما , هدانا الله واياكم الى سواء السبيل.
0 تعليق