آخر الأخبار

Generic selectors
Exact matches only
....بحث
Search in content
Post Type Selectors

محاضرات مختارة

تهنئة لحلول شهر رمضان المبارك

البؤساء والقوميون

بقلم سماحة الأستاذ الشيخ محمد كاظم الخاقاني

        بنيت قواعد الإسلام وأسسه منذ نادى بها محمد بن عبدالله صلى الله عليه وآله وسلم على ضرب أركان الجاهلية ليصنع من البشرية على اختلاف الأصناف والطبقات أمة واحدة هي خير أمة أخرجت للناس تأمر بالمعروف وتنهى عن المنكر حرة تعيش المثل العليا في مسالك ربها بعيدة عن قيود ذل عبودية الأوثان والأمكنة والألسن والألوان.

        هكذا بدأ خطابه بعد الحمد والثناء لله مرشد الأمة إلى علياء قمم السلام مظهر تجليات أسماء الحق جمالا وجلالا آيته الكبرى في العالمين من فوق أعواد مسجد يشرق على الأمة من مشارق الأرض ليزداد نورا على نور.

       فأشرقت الأرض بنور ربها ووضعت موازين القسط و تنفس البؤساء الصعداء وأطلق للقلم عنانه في أفق الحرية يرسم للأجيال بأحرف من نور مدارج العز عروجا نحو أفق مبين تحت ظل أنفاس قدس مرشد الأمة.

        حتى إذا ما أنهى المرشد الحديث منظوماً كسلاسل الذهب هب إلى الأرض من فوق أعواد عزه تحوطه الجماهير بالتهليل والتكبير والتقديس عندما وجدت في سفر خطابه ضالّتها المنشودة بعد توالي القرون في معالم الدهور يبشر بعضها بعضا بحدث الكون العظيم بعد ظلمات الأيام ويأس الأنام .

       أحلام أمة رسمها بعد الخيال فأضفى عليها من نسيج الوهم طابعا أسلمها عند البروز إلى صعيد الخارج إلى ميادين هوة هي من ديار الغابرين على مراسي سفح أبواب جهنم فاستيقظت تعانقها الحسرات في عتمة ليل بعد ما فات الأوان.

       هكذا هي حياة الشعوب في ظل فوارس الآمال في عواصم طيف الخيال يدوس بعضها بعضا حين التجاذب أو التدافع كبش فداء لأصحاب الجلالة والسمو ذوي السبائك الذهبية من نسيج أحرف الحماس في قوالب لحّنها البرّاق في طيات رنين أمواج بحور القوافي حين مهبها على سواحل ديار الغافلين.

      ثم بادر يوصل حماس الشعب بمبدأ الفيض مرشد الأمة مرتلا للقرآن ترتيلا في صلاته التي كللها بأبعاد الخشوع والخضوع وألحقها بقوافل المأثور وختمها بسيل دموع الذاكرين والشاكرين.

      وعندما حان أوان التوديع في وسط تلكم الجموع الغفيرة الهائلة وقف المرشد مستندا إلى أسطوانة المسجد يمسك بإحدى يديه رفيق درب النضال سماحة الشيخ يعرب بن قحطان مستعينا به وبأخرى يودّع الجماهير الغفيرة منحنياً من شدة ألم الوداع وحزن الفراق ولو كان فراقا لأمته لبعض يوم.

       ولما طال به المقام وقوفا لكثرة المودعين خاف عليه زميله الشيخ يعرب فطلب من الشعب المتحمس أن يخفف على أمل الأمة ومجلي الآيات الربوبية حتى يغادر الجموع ليعيش قسطا من الوقت في رحاب الأهل والحاشية في بيته المعد له في جوار المسجد.

       فانطلق الشيخ يعرب سليل الخلافة والشرف برفقة صديق الحياة مجلى الربوبية الشيخ داريوش بن كورش ليقضيا ساعة من الزمن ذكريات الحياة ومعالمها بعيدين عن زخارف أهازيج المستقبلين والمودعين ومستلزمات الحياة الإجتماعية لنفوس الفانين في ذات الله سبحانه وتعالى.

       وفي بداية خلوات أنسهما تبادلا البسمات مقدمة للإنطلاق لضحكات الأحبة حين الإبتعاد عن ساحة الغرباء اللذين ليسوا أهلاً لسفط جواهر الأسرار وعندها قال الشيخ يعرب لزميله الشيخ داريوش: إنك أشد مني إتقانا لما يناسب المقام حركة وسكونا للنفوذ في أعماق السواد الأعظم فكنت أرى نفسي لك أستاذا ولكن الآن أقر بكل إقرار إني من أصاغر الطلبة بين يديك.

      فضحك الشيخ داريوش ضحكا عاليا كاد أن يطير سروراً من هذا الوسام العظيم الذي منحه إياه أحد كبار أهل الخبرة فهي شهادة يعتز بها لنفسه لكنه سرعان ما عاد إلى رشده ليقول: لا يا شيخنا ليس الأمر كذلك وإنما أنتم تتواضعون من جانب وتطرون على تلميذكم من جانب آخر.

      فقال الشيخ يعرب دعنا من هذا وقل لي متى أنعم الله سبحانه وتعالى عليك بهذا العدد الهائل من صفوف المصلين وكنت قد عهدتك قبل سنين في مسجد صغير لا يتجاوز عدد المصلين فيه أصابع اليد، فضحك الشيخ داريوش وقال لزميله أتحسدني على أنعم الله سبحانه وتعالى عليّ وأنت تأم في بلادك عددا هائلاً من الناس لا يقاس به ما وجدتنا عليه اليوم؟

      فقال الشيخ يعرب إن الصديق لا يحسد صديقه ولكن أحيطك علماً بأن الناس أخذوا يوما بعد يوم في بلادنا يبتعدون عن أمثالي من العلماء التقليديين الذين تملى عليهم الخطب للصلاة وأصبحوا أكثر ثقة بخلف النهروان فقال الشيخ داريوش كيف لا يعي هؤلاء إنهم من بعد ما استغلوا لمآرب قوم آخرين نصبت لهم اليوم شباك الصيد للقضاء عليهم فإن الزمان قد فاتهم لأن ما أريد تحقيقه بالأمس وهم كانوا من أدوات صنعه يختلف عما يراد تحقيقه ليوم غد.

      فقال الشيخ يعرب لزميله الشيخ داريوش حقا ما تقول ولكن أين هؤلاء من شهود هذه الأعماق وفهم متطلبات الزمن التي تعود لأصحاب الغايات ومن يملكون صنع القرار.

      ثم التفت الشيخ يعرب لأخيه الشيخ داريوش قائلا: إن الدنيا ما دامت لأحد فإغتنم الفرصة و لا تكن عبرة لمن يعتبر و أنت تضرب الأمثال, فابتسم الشيخ داريوش بسمة خفيفة كاد أن يفصح فيها لما لمسه من مخاوف تحدق به لكنه آثر الصمت على الإفصاح و لمّا وجدا الغور في واقع الحياة قد يكدّر الحال انعطفا على قطع ثمار أينعت بدلا من الخوض في ماضي الحياة أو مستقبلها فإن الله سبحانه و تعالى قد يحدث ما ليس في الحسبان.

        و من بعد ما قدمت لهما مائدة الغضاء ظهرا و اختار منها ما طاب بحسب الذوق و المزاج تركا سؤر المؤمن للخدم و الحشم و من حالفه الحظ أن يأكل لقمة الشفاء و البركة من بقايا طعام الأعلام.

ثم قام ليستريحا بعض الوقت لأن العلامة الثقة الفقيه المتأله الشيخ داريوش على موعد ليلا مع الجماهير و عليه فلابد من إعداد جسماني روحاني يناسب المقام يتجلى فيه ذو المجالي الأسمائية على أمته و شعبه البائس الفقير الذي كله أمل بمساعي مرشده الأغر لإنقاذه مما هو فيه من الهوان و الذل, وما أيقظ العلمين من لذيذ نومهما إلا ضجيج تدافع الرجال و صراخ النساء و عويل المحرومين و البائسين في المسجد من الأيتام و الأرامل.

        فقام الشيخ داريوش و نادى زميله الشيخ يعرب هل ترافقنا إلى المسجد و قد احتشدت فيه الجماهير آملة أن نصنع لها المعجز بل المستحيل، فأجابه الشيخ يعرب هذا بلاء قد ابتلينا به نحن أيضا في بلادنا منذ زمن طويل يا أخي يا داريوش فعليك بالصبر والمصانعة وهي فهم الناس وإن كان رضى الناس غاية لا تدرك فصانع الأمور وأرضِ كلاً بما يناسبه من القول مبدعاً في صنع الكلمات نكتفي شرهم.

       فقال الشيخ داريوش لزميله يا أخي العزيز: لا توصي خبيرا عرف المداخل والمخارج وأنا تلميذك القديم فضحكا معاً وتوجها إلى رحاب المسجد يحوطهما جند الرحمن ويرعاهما الحق تعالى بملائكة الغفران.

       فاستقبلت الجماهير مرشدها الأكبر استقبال الفاتحين وألقت عليه نظرة القدّيسين وشاهدت في محاسن وجهه معالم المنقذين وحيته تحية الأولياء المقربين وتدافعت للتبرك بأطراف عبائته تدافع المنتحرين ثم أصغت إلى جواهر كلامه إصغاء الوالهين.

        فخاطب المرشد شعبه بعد الحمد والثناء قائلا: أعيروني مسامع قلوبكم لألقي عليكم قولاً ثقيلا فإنه نعم وكذلك سوف يكون ومن أجل ذلك تجري الأمور بمجاريها وترسي السفن بعد إبحارها في مكامن موانيها وإنه هو و هو لا يكون غيره والشيء شيء وما ليس بشيء لا يكون شيئا لإستحالة سلب الشيء عن نفسه وذلك تقدير العزيز الحكيم إن أقررتم أصبتم لئالئ البحور في أعماق مهابطها فتكونوا بذلك أنتم أنتم وإلا أصبحتم عن هوية ذواتكم منسلخين وعن اسطقسطات وجودكم مبتعدين وعن إطلاقها رغم تقييدها منحرفين ولكني أعرفكم حق اليقين فأنتم أنتم كما كنتم ولا يكون في مواطن وجودكم غير واقع هويات ذواتكم ولا حول ولا قوة إلا بالله وما تشاؤون إلا أن يشاء الله رب العالمين وعليكم بالتحلي بالصبر فإنه سلّم المقربين إلى جوار النبيين وإني لأرى بطيف الحجب وجوها هي وجوه المهاجرين والأنصار الذين بهمهم غيّروا مجاري التاريخ مضحين كل غال ونفيس لعز الإسلام وإعلاء كلمة لاإله إلا الله.

فبكى الحاضرون لبشرى مرشدهم و ما هو عليه من فراسة الإيمان و قال بعضهم لبعض تكلم المرشد بعظيم من القول نأمل لفهم جزء من أربعين جزء هي أسرار عالم الإمكان.

        و المرشد في هذه اللحظات الحاسمة التي رسمها قلم العز بأحرف من نور يتطلع في وجوه شعبه حتى إذا ما شاهد الفتور في غليانهم و التقهقر عن بعض مدارج حماسهم شاركهم زفير العبرات يستعين بمحارم الحافين بقدس مقامه العظيم و هم يدخرونها بعد إلقائها من يد مرشدهم أمانا ليوم لا ينفع فيه مال و لا بنون إلا من أتى الله سبحانه و تعالى بقلب سليم و ربما راحوا ليتقاسموها بعد تقطيعها فيما بينهم بسيل نفائس الأموال.

        ثم عاد المرشد إلى مواطن الحزم و الثبات بعد مسالك رقة الإيمان مخاطبا الجماهير: أيها الناس إنا و أنتم مقبلون على عواصف الأيام و مزالق الأقدام فأعينونا بجلدكم يوم النزال متأسين بنخبة الدهور والأجيال ركب النور والملائكة على وجه الأرض في مواطن قدس الولاية تلكم النخبة التي حفت بسيد الشهداء الحسين بن علي عليه السلام.

        وإني لأعلم إن جمعكم هذا ما كان ولن يكون يوما من الأيام لزهو الدنيا وزخرفها فليس أمثالكم من الذين عرفناهم بطهر اليقين وحب الرسول الأمين وآله الغر الميامين من يتحمل الأسى ويتدافع في هذا المقام لأجل دنيا زائلة فضلاً عن التفكير في زهيد مقامها من مأكل أو مشرب أو ملبس أو مسكن، بل أنتم النور الزاهر الذي به تقام الحجة وترفع الراية ويصدّ العدو ويعز الدين وقد فخرت بكم ملائكة السماء واستبشرت بقدومكم حور العين واشتاقت إلى رفيع مقامكم نفوس المقربين وتطلعت إلى طلعة أنواركم صفوة الأنبياء والصالحين وأنبأ عن مقامكم هذا إمام المتقين وأشار من قبل ذلك في كتابه رب العالمين فأبشروا بنعيم دار المقام وجوار سيد الأنام محمد وآله الكرام، فأنتم لذلك أهل ولولا مخافة شطحات الجاهلين ونقد القاصرين لقلت في حقكم وحقاً أقول: إن أصحاب محمد صلى الله عليه وآله وسلم والحسين عليه السلام دون مقامكم.

        فكاد أن يطير المحتشدون فرحا من نغم ألحان مرشدهم و جواهر كلمات ناصرهم أمل الأمة و ملاذها يوم الحيرة في ظلمات الدهور.

        فرجع الحاضرون إلى أعماق سرهم و سليم ضمائرهم و صفاء نفوسهم يستلهمون واقع الحياة من أنفاس طهر مرشدهم يلوم بعضهم بعضا كيف ساقتهم الأقدار في ظل حجب الظلمة و الغفلات إلى إجتماع كاد أن يكشف سرائر نفوسهم لدى مرشدهم و يبين واقعهم لدى مليك قلوبهم بأنهم كانوا في حطام دنيا الغرور طامعين, في حين أنهم في منظار مرشدهم في أعلى منازل المقربين.

        فيالله ومزالق الأقدام لولا تدارك رب الأنام، فكتموا ما كانوا لأجله قادمين وأيقنوا بأن ما أراده لهم مرشدهم هو الحق المبين.

        فهتفوا:(بالروح والدم نفديك يا إسلام) ساعة من الزمن ثم قالوا: خض بنا غمار الموت فإنا وراءك سائرون وللقاء ربنا مشتاقون وللعيش في جوار أنبياءه  وأولياءه راغبون.

        ثم انصرف الحاضرون مودعين مرشدهم إلا قليل منهم لم يستنيروا بنور العلم وطهارة المرشد للتطلع إلى الأفق المبين، فطلبوا من مرشد الأمة أن يتفضل عليهم ببعض أوقاته الذهبية، فأعطاهم موعدا بعد ستة شهور لكثرة أوراده وخطبه وإنشغاله في شؤون الحكم من تعيين وعزل.

        ثم عاد مع زميله الشيخ يعرب إلى البيت تعلوه بهجة الفوز والإنتصار ليدير دفة الأمور مستعيناً بخبرة رفيق النضال وصديق العمرحيث تسقط العناوين والألقاب والمجاملات ليستهم كل واحد من الآخر مناهج الرشاد وسبل الجهاد في سبيل الله سبحانه وتعالى.

        فقال داريوش ليعرب كم فقدتم في جهادكم لعز الإسلام مع عدوكم حين فتحتم سيليكية وفيليكية وهيليكية ونشرتم الإسلام في شرق وغرب هذه القارات؟!

        قال يعرب قدمنا ما يتجاوز نصف مليون شهيدا فتبسم داريوش، فسأله يعرب ما سبب هذا التبسم؟ فقال داريوش لاشيء، قال يعرب أقسم عليك بالله العظيم إلا وإن بينت لي ما هي دواعي هذا التبسم؟

        قال داريوش: يا أخي وعزيزي كنت أتمنى لك الشهادة ضمن هؤلاء الشهداء ليكون لي في الجنة بعض المعارف فأصبت بالدهشة حين بلغني عدم توفيقكم لذلك يا سماحة مولاي ولكن يكفيني من يعز لديك من الأولاد والأهل الذين التحقوا بالرفيق الأعلى إن كنت أوصيتهم بتفقد أمثالي من أصدقائك يوم الحساب؟!

        فقال يعرب لداريوش إعلم إن من الشهداء بعض أبناء القبيلة ولعلهم سوف يشفعون لأمثالي من علمائهم إن اعتبرهم ربهم عنده من شهداء دار المقام ولكن لا أظن يا أخي يا داريوش حتى أصدقاء القبيلة لسماحتكم نالوا شرف الشهادة وهذا مما يدل على صدق رأيي من أن التلميذ أصبح أعظم مكانة من الأستاذ.

        ثم قال يعرب: لزميله دعنا عن الشهادة والشهداء وأنت العارف الخبير بكيفية إصدار الماشية وارتواءها ثم العود بها إلى منازل رعيها ولكن قل لي كيف التخلص من جمع يتلهفون إلى موعد قرُب حينه على اختلاف مطالبهم؟ فقال داريوش لزميله أصبحت تناقض نفسك بنفسك فتارة تعتبرني تلميذا فاق أستاذه وتارة أخرى تسألني عن كفاءتي في إعداد الأجوبة بما يناسب المقام، نم قرير العين رغدا فستسمع ما يفلج صدرك إن شاء الله تعالى وتمتع حاضر حياتك حتى يأتيك سفير الغد بأطباق الرغيف.

       وما هي إلا صروف الأيام لتجعل الشهور بالية تمر كلمح البصر حتى جاء ممثل المستفسرين والطالبين بحق من تلكم الأقليات ليمثلوا بين يدي مرشد الأمة إلى سبيل النجاة.

       وبعد أداء واجب التحية والسلام تقدم أحد القادمين مخاطبا المرشد قائلاً: سيدي أبناءكم من منطقة فقرستان يبلغونكم السلام متمنين لسماحة قدسكم المزيد من التوفيق في قضاء حوائج المجتمع جعلكم الله سبحانه وتعالى محلاً لقضاء حوائج الأمة ويخبرونكم بسوء أحوالهم المعيشية بل وتدهورها عما كانت عليه سابقا ويأملون من سماحتكم أن تأمروا بتحسين أوضاعهم ورفع رواتبهم ورعاية أحوال الأرامل والأيتام الذين باتوا يتسكعون في الشوارع للحصول على لقمة عيش.

        فأشار إلى المتكلم بعض حاشية المرشد قائلا: لا تخرج عن زي الأدب، وتكلم مختصرا مفيدا ولا تضع وقت المرشد الذهبي في ما لا يعنيك أو في أمر لم يحن وقته بعد وكن على ثقة وعلم أن المرشد أكثر منك حماساً وأشد منك تألماً على ذوي الحاجة والفاقة فهو ليس بحاجة إلى مثل هذه التنبيهات والتوجيهات والتذكير لكن هناك أولويات أنت بعيد عن الالمام بها ولم تدر كيف يقضي المرشد يومه في ما هو من مهام أمور الأمة ومتطلباتها.

       فأشار المرشد إلى ناقد البائس الفقير أن يكف، فكف عن توجيه اللوم على من كفاه البؤس تعثرا لحظّه المشوم ثم قال المرشد: إنه لمن أشد الأمور وقعاً على النفس سماع مثل هذه الأخبار وكم بت حياتي أتقلب حتى الصباح ألماً لتصور مثل هذه المأساة فضلاً عن مشاهدتها ولكن لا ننسى أن الصبرهو مفتاح الفرج وقد قال تعالى:(استعينوا بالصبروالصلاة وإنها لكبيرة إلا على الخاشعين) وسنجعل هذه البلاد من أولويات أعمالنا.

        فكان ما وعد به المرشد حقاً رحمة بحال البائسين وسفيرهم حين وجد نفسه غير قادر على إصلاح حالهم ووجدهم غير قادرين على الإستعانة بالصبر والصلاة إلى ما لا حدّ له عندما رأى إن من الأجدر بعثهم بقوافل الإحسان إلى جوار ربهم حيث السكينة والأمان والنعيم في جنة الرضوان في منازل الغفران ليكونوا من شهداء دار المقام وهو عظيم مقام ما كان ليرقى إليه البائسون لو لا فضل مرشدهم العظيم فجزاه الله سبحانه وتعالى عن شعبه خير جزاء المحسنين.

        وكان المرشد قد أذن بعد سفير البائسين لقوم آخرين بطرح مسائلهم وبيان مشاكلهم فتقدم ممثلوا الأقليات القومية فشرحوا للمرشد واقع حالهم وما يعيشونه في ظل واسع عدله ورحمته من الظلم والعدوان وأنهم واثقون وعلى أتم الجزم واليقين على أن الكثير من الحقائق لم تبلغ كريم مسامعه مما يعانونه من التمييز العنصري والطائفي في البلاد.

        فذهل المرشد واغرورقت عيناه بالدموع وتبدلت ملامح كريم وجهه حينما بلغه أن هناك عنصرية وطائفية ترتكب في ظل حكمه وأبدى لممثلي هذه الطوائف بالغ حزنه وشديد ألمه، فاطمأن القادمون لرقيق أحاسيس مرشدهم ومولاهم فازدادوا افصاحا لما في جعبتهم من رسائل ووعدوا المرشد إن حالفهم الحظ بالإذن إلى ساحة قدسة مرة ثانية فيما يحدد من الوقت بمزيد من الصحف والكتب في هذا المجال تحقيقا لتساوي الحقوق واندفعوا في شرح أعماق قلوبهم لنكد الحياة التي يعيشونها منذ فترة من الزمن تحت مسميات القيم والمثل الإلهية حينما استشعروا من المرشد إنما هم عليه عن الكبت والإضطهاد والتمييز العنصري غائب عن معالم كشفه وشهود بصيرته ومن بعد ما تم بيانهم التفت المرشد إلى بعض حاشيته فأوكل أمرهم إليه ليحسم أمرهم بما يناسب حرية الشرع وحدوده حيث لا إكراه في الدين ولا قهر في قبول حضارة قومية أو أمة في ظل رسالات السماء وإن كانت تلك الحضارة هي حضارة المرشد نفسه.

        وعندها ودع المرشد ضيوفه وعاد إلى بيته بعد قيامه بمهام أمور شعبه، تقدم إليهم المفوض السامي لسيادة المرشد قائلا: إنكم على ضلالكم القديم أيتها الزمرة المتعنصرة التي لا تكاد تفقه قولا، أين أنتم من قيم الرسالة التي ألغت جميع المميزات القومية والعنصرية لتجعل من هذه الأمة أمة واحدة هي أمة الحق والسلام ولكنكم أبيتموها إلا أن تكون جاهلية عمياء فوالله وتالله وبالله القاسم للجبارين لأجعلنكم بسيف الحق تعتدلون على رغم غطرسة أنوفكم واعوجاج فطرتكم وانحراف عقولكم وعمى بصائركم ولؤم عنصركم وخسة نفوسكم أيتها الأوغاد العنصريون، فلمَ أيها الجاهلون تشقون صفوف هذه الأمة وتعرقلون عجلة سيرها وإن كنتم بإذن الله سبحانه وتعالى ووعي هذا الشعب سوف لن تجدوا لنقيع سمّكم الدفين منفذاً أيها الشذاذ الذين منكم الدين والأمة براء بل حتى من تنتسبون إليهم من الشعوب.

        فقال له أحد الحضور القادمين ما بمثل هذا وعدنا أيها الأستاذ الكريم يا صاحب الأدب والفضيلة فقطع عليه كلامه قائلاً: أأنت تعلمني الأصول ومعالم الدين وماهي حدود مسؤوليتي أيها الجاهل اللئيم فاستغرب القادمون وكادوا أن لا يصدقوا مسامع أنفسهم وما وقعوا فيه من فخٍ لسوء اختيارهم لبساطة عقولهم وتمنوا أنهم ما كانوا إلى دار العدل قادمين ثم استعادوا بعض عزمهم وبقايا ثباتهم واستعانوا برفيع أدبهم فعلت الأصوات من كل جانب حتى كاد الغضب أن ينسيهم عواقب الأمور.

        فقال قائلهم: أيها الأستاذ العارف الإسلامي لمَ تكون عنصرية مقيتة إن طلبنا بحق الأولوية في العمل لأهل البلاد ولم تكن من العنصرية غزو البلاد بغير أهلها على الرغم من تفشي البطالة وهدير الفقر والحرمان فيها، فقال الأستاذ: لا أدري عن أي فقرٍ وحرمان تتكلمون فأجابه آخر الحمد لله الذي زادنا فيك بصيرة، فحقاً تقول: فإنه كيف يلمس الحرمان والفقر لذوي الأكواخ أصحاب البروج والقصور وكيف يتحسس الجوع من أسهرته التخمة وأعيته البطنة.

        وصاح ثالث من القوم لا أدري لم لا يكون من العنصرية سحق معالم حضارة قوم بكل أبعادها لغة وتراثا بل ومنع أهلها حتى من تسمية أبناءها بما يحبون ويكون من العنصرية المقيتة من لا يلغي الآخرين وإنما يطالب لنفسه بحق الحياة، فأشار المفوض السامي أن اقطعوا نزاع القوم فقطع نزاعهم ليكونوا في أسفل درك من الجحيم فأراح الأمة من براثن القومية والعنصرية التي هي خير أمة أخرجت للناس تأمر بالمعروف وتنهى عن المنكر، فأدام الله سبحانه وتعالى ظل المرشد وكثر أعوانه من المفوضين السامين!!!…

 

 

 

 

 

 

0 تعليق

إرسال تعليق

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

آخر الأخبار

أما لليلك صبح أيها الوطن

قصيدة أما لليلك صبح أيها الوطن بقلم و صوت الأستاذ الشيخ محمد كاظم الخاقاني  أما لليلك صبح أيها الوطن أما لليلك صبح أيها الوطن                      به تُسر قلوب لفها الحزن مالي أراك و منك الدمع منهمل           و الربع قد طاف فيه الهمّ و الشجن و أنت من كنت في سوح الوغى...

أسئلة عقائدية

تابعنا على صفحاتنا