السلام عليكم شيخنا
ما المراد من الناسوت واللاهوت و هل لهما اي ربط بالعقيدة الشيعية الامامية او الخلاف بين الاخباريين والاصوليين وشكرا؟
الجواب:
إن من أهم الأسس في المعتقد النصراني مسألة الاعتقاد بالناسوت واللاهوت في حق عيسى عليه السلام ولعل من أهم الدواعي لتحقيق هذا المعتقد بين النصارى على الرغم من كونه مخالفا لشرايع السماء ولموازين العقل والحكمة أيضا أمران أحدهما أن كل أمة إذا أصيبت بعناد المعاندين و افتراء المفترين حتى في مسلمات العقل والنقل لإثبات معتقدتها والدفاع عن منهجها هي أيضا ربما تصاب بتطرف آخر والذي يبقى منها سالكا سبيل الاعتدال قلائل من البشر بعد الوقوع في متاهات الافراط والتفريط وهذا ما أصيبت به أمة النبي عيسى عليه السلام حيث أن اليهود بدافع كبر شعب الله المختار و روح العناد واللجاج راحوا ليكيلوا الهجمات على أتباع عيسى (ع) بما أوتوا من قوة القاء الشبه و الافتراء والجدل كما صنع ويصنع ذلك أبناء العامة على طول التأريخ لقوة الحكم والسلطان بالنسبة لأتباع آل محمد (ص) من القول بأنهم يقولون خان الامين الى ما لا يحصى من الافتراءات و الاباطيل ليومنا هذا.
و ثاني الدواعي للوقوع في الاخطاء إنه ربما راحت المعجزات الباهرات لعيسى (ع) من ولادته بلا اب وتكلمه بالمهد واحيائه للاموات ليدفع بالبعض من أمته الى القول بأنه إله وبالأخص حينما يستغل بعض رجال الدين لمصالحهم الشخصية العامة من الناس فراح ليدب شيئا بعد شيء ظن أن إحياء الموتى من قبل عيسى (ع) شأن إلهي وماذاك إلا لأنه روح الله وكلمته التي ألقاها الى مريم عليها السلام ثم راحت لتسير هذا التأويلات و الإجتهادات من القساوسة و الرهبان يوما بعد يوم مسارا آخر أدى بهم الى القول بأن عيسى (ع) هو إبن الله أو أن الله قد حل فيه إلى أن وصل الأمر أن قال قائلهم انه هو الله .
فعيسى (ع) بإعتقادهم أنه بجانب او بلحاظ او مرتبة له حقيقة اللاهوتية أي الألوهية فهو اله وان كان من حيث مرتبة أخرى او لحاظ آخر وهو جانبه الناسوتي أي واقعه البشري الطبيعي هو بشر كما راح بعض الشيعة ليندفع الى بعض التطرف أيضا للتقابل مع المعاندين للحق و المتطرفين من أبناء العامة المنكرين لكل الحقائق ولو كانت من الواضحات والمسلمات الشرعية والدينية عند العامة أنفسهم كمسألة المهدي (عج) ومسألة أن الخلفاء من بعد الرسول اثنا عشر خليفة او اميرا الموجود في أهم مستنداتهم كالبخاري فمثل هذا التطرف في الانكار بدوافع اللجاج والعناد ربما ساق بعض أتباع آل محمد الى القول بأن عليا (ع) هو الله في حين أن محمدا (ص) وهو نبي الأمة لم يقل أحد من السنة والشيعة في حقه أنه إله كما و أنه راح بعض الشيعة لنفس هذه الدواعي على الرغم من قول الله تعالى في حق محمد (ص) : (قل إنما أنا بشر مثلكم يوحى إلي ) ليقول بأنهم ليسوا ببشر او ليقول قائلهم مخاطبا الامام الصادق عليه السلام لبيك يا جعفر حتى راح ليكرس الائمة عليهم السلام الجهود الحثيثة لرد مثل هذه الكلمات وهذا التطرف الذي حصل في القرون الماضية من بعض من ينسب نفسه لآل محمد (ص) ولربما أصيب البعض أيضا بدلا من إحياء أمر آل محمد عليهم السلام الذي هو بيان الحق في مقابل الباطل والدعوة الى الحق في مقابل الظلم ببعض التطرف في شعائر الحسين عليه السلام وابعادها عن غاياتها ونسي البعض نفس الحق والشرع القويم حينما راح للتقابل مع ابناء العامة المنكرين لهذا الحق ان يبذل قصارى جهده لاثبات لمن الحق ناسيا الحق نفسه والعدل اللذان هما أساس الدين لرسالات رب العالمين.
والآن نأتي الى بيان محل السؤال في مسألة اللاهوت والناسوت فنقول كما تقدم ان التطرف ربما يسوق الى تطرف آخر عندما يحصل التقابل الحاد وتصبح الحقائق منسية لتحل محلها أمور اخرى و ان كانت في بعض الأحيان لها الأولويات ولذا إندفع أتباع عيسى (ع) للتقابل مع اليهود المعاندين ولوجود المعجزات الباهرات لعيسى (ع) الى القول بأنه إله و إنسان في نفس الوقت أي أن عيسى عليه السلام خلافا لبقية البشر والأنبياء وسائر الكائنات في السماوات العلا كالملائكة الكرام قد تحقق في حقه واقع اللاهوت أي الالوهية و واقع الناسوت اي الانسانية ولربما قاد البعض الى الاخطاء ايضا ما ورد في عيسى عليه السلام أنه روح الله او انه كلمته التي القاها الى مريم عليها السلام ولذا راحت الاقوال في حقه تتشعب وتزداد يوما بعد يوم بتبع اجتهادات القساوسة والرهبان حتى قال قائلهم انه اله او انه ابن الله او ان الله تعالى اتحد معه في مرتبة اللاهوتية لا في مرتبة الناسوتية وعالم الطبيعة والواقع الانساني فالقول باتحاد الناسوت واللاهوت جزء من المعتقد النصراني فاللاهوت هو الجانب الإلهي من المسيح والناسوت هو الجانب الانساني منه فهو من حيث انه انسان بما له من الجسم وبما فيه من الدم واللحم وانه يأكل ويشرب ويمشي وينام من عالم الناسوت ومن حيث احياءه للموتى وما جاء به من عظيم المعجزات اله فلعيسى (ع) بمعتقدهم طبيعة البشر لكن بلا خطيئة من حيث واقعه الناسوتي لكن الطبيعة الناسوتية اتحدت مع الطبيعة اللاهوتية فاصبح واحدا وعليه فلا مجال بعد ذلك للقول بان هناك طبيعتين لأنه لا يكون الاتحاد حقيقيا ثم قالوا نحن نؤمن بالاتحاد التام لكن العقل البشري ليس قادرا على ادراك هذا الاتحاد بين عيسى (ع) وبين الله سبحانه وتعالى فهو سر من الاسرار وقال بعضهم على الرغم من الاتحاد كل من صفات اللاهوت والناسوت باقية وذهب آخرون من النصارى الى ان للمسيح ماهية الانسانية كأي انسان ولكن الله ينزل ويقيم فيه كأي مسافر يزور محلا ثم يفارقه وذهب بعضهم الى ان الله اشرق في جسد عيسى بانواره وقال البعض ان المسيح والله متحدان وان العنصر البشري في المسيح قد ذاب وفنى في الله.
وقد جاءت الروايات من الائمة الكرام تحذرنا من مثل هذا التطرف وقد حاربوا ذلك في زمانهم حتى قيل ان عليا عليه السلام قتل بعض من قال له انت اله بل نهوا حتى عن مثل لبيك يا جعفر واكدوا قوله تعالى (بل عباد مكرمون لا يسبقونه بالقول وهم بأمره يعملون) وقالوا ايضا :( نزلنوا عن الربوبية او اجعلونا مخلوقين وقولوا فينا ما شئتهم) لكن بحمد الله تعالى و ارشاد الائمة الكرام ما تمكن مثل هذا التطرف ان يدب في اتباع آل محمد صلى الله عليه و آله وسلم و اوأده الأئمة عليهم السلام في زمانهم في مهده.
بعد هذه المقدمة التي فصلنا فيها بعض ما يقول به النصارى في مسألة الناسوت واللاهوت في حق عيسى عليه السلام وما أرشد إليه ائمة الهدى حفظا لمنهج الحق وابتعادا عن التطرف نقول قد نتكلم عن مسألة الناسوت واللاهوت بمنهج آخر بعيد عما عليه النصارى بحيث يمكن ان يكون بحثا علميا في الشريعة الاسلامية بالتطرق لمظاهر اسماء الله تعالى وكلماته التامات من الأنبياء واوصيائهم الكرام لكن البحث في هذا الجانب لا ربط له بتاتا بمواطن الخلاف بين الاخباريين والاصوليين لان تلك البحوث ترجع الى مواطن الاستنباط للاحكام الشرعية لا الى مسالك تعود الى اصول الدين او المسائل العقدية في الشرع والمسألة هنا ترجع الى أمر عرفاني او فلسفي او بما يمكن ان تفسر به بعض الروايات ككونهم مظاهر اسمائه او انهم كانوا انوارا بعرش الله محدقين او اول ما خلق الله نوري يا جابر .
أما من حيث العرفان فقد يقال ان الكائنات على اختلاف مراتبها في قوسي الصعود والنزول وقربها من الحق تعالى و بعدها هي مظاهر اسمائه وصفاته اي لابد لكل اسم من الاسماء الالهية من مظهر في عالم الامكان ومظهرها الاتم وجامع الكلم فيها هو الرسول الاعظم محمد (ص) فهو مظهر عدل الله وعلمه ورحمته و…………فإن القول بمثل هذا المقال لا مانع منه شرعا وليس فيه غلو او شبهة حلول او اتحاد.
وكذا ما ذهب اليه الفلاسفة من كون الصادر الاول او العقل الاول هو جامع شتات عالم الامكان والواسطة في التكوين لجريان الفيض الالهي على بقية الكائنات والقول بأن مثل هذا يمكن جريانه بالنسبة الى الرسول واهل بيته الكرام كما و أن الانبياء مجار للفيض في جريان الوحي الالهي الى بقية الخلق من الجن و الانس بل والملائكة ايضا حيث ان الانسان الكامل علم الملائكة الاسماء كلها ولم يتعلم منها الاسماء كما جاء في قضية آدم عليه السلام ورسول الله (ص) و أهل بيته الكرام اولى من آدم في معرفة المعالم الالهية والاسماء والصفات الربانية ومثل هذا القول ايضا لامانع فيه ان ثبت بالدليل والبرهان ولا ربط له بمقالة النصارى لكن ليست هذه المقالة محلا للبسط في مسالك العرفاء والفلاسفة.
وكذا ما ورد في الروايات من كونهم الكلمات التامات وما جاء من ان لهم عنوان الاول والآخر والظاهر والباطن فإنها جميعا لها ما يفسرها من المعنى الدقيق و لا ربط لذلك بما وقع فيه النصارى من الاخطاء وتفصيل مثل هذه الكلمات لها محلها هدانا الله تعالى واياكم الى سواء السبيل انه ولي التوفيق.
0 تعليق