كاتب المقال: الاستاذ الشيخ محمد كاظم الخاقاني
إطلالة على الثورة في ايران
بسم الله الرحمن الرحيم
نطل من خلال حديثنا على بعض الأحداث التي وقعت بعد الثورة في ايران و لو بنحو الإشارة الخاطفة لأن رسم فرحة شعب إلتحفت بعد مهب الرياح بمرارة الآهات و الأحزان على بعض صفحات صحيفة قد يكون خارجا عن المقدور لمن عاش تلك الأحداث بأحلامها و قسوة آلامها فأقول _بيانا لغير العالِم و إتماما للحجة على العالِم ليوم لا ينفع فيه مال ولا بنون إلا من أتى الله بقلب سليم_ كان الوالد وهو المرجع الديني الكبير الشيخ محمد طاهر آل شبير الخاقاني من أبرز و أوائل المعارضين للنظام العنصري الجائر البهلوي لكنه على الرغم من ذلك كله كان يأمل أن تدفع الضغوط المتزايدة من قبل الشعب و قوى المعارضة النظام الى قدر ما من التعقل والإلتزام بقانون المشروطة الذي كان يضمن للشعب أكثر حقوقه و يقيد الملك بقيود لم تجعل منه حاكما مستبدا و يحفظ للقوميات غير الفارسية الكثير من حقوقها الضائعة التي جعلها جميعا رضا خان تحت قدميه وسار على خطاه ولده محمد رضا.
أجل إن دعوة الملك للإلتزام بقنانون المشروطة كان هو النداء السائد من رجال الدين و غيرهم حتى السيد الخميني نفسه قبل أن تصل الأمور الى إشتعال براكين الثورة في أواخر الأيام لكن أنّى للطواغيت ان يسمعوا نداءا قبل فوات الأوان.
وقد وجدت الوالد في كثير من لياليه أيام الثورة و قبلها يقدم قدمين ويؤخر ثالثا فسألته يوما من الأيام عن دواعي ذلك فقال: (يا بني إني عشت قرابة ثلاثين عاما أحداث العراق و كذا عشت أحداث ايران و سلطة رضا خان الى يومنا هذا و إني لكثير التخوف من أن تدفع بنا مجريات الأحداث من حيث لا نرغب الى مصادمات مع النظام قد تسوق الى إراقة الدماء على الرغم من كل حذري من ذلك لأني لا أرى لها مبررا شرعيا) و لذا ما كان في معارضته للنظام طوال الأيام يتخطى الأساليب السلبية كأمر الجند بالفرار من الثكنات العسكرية و عدم تنفيذ أوامر القيادة مهما أمكن إن كانت لقمع الشعب و الأمر بإغلاق الأسواق و تعطيل مصافي النفط في عبادان و ميناء المحمرة و الدعوة الى المسيرات السلمية و لم يأمر يوما من الأيام بالمواجهة او حمل السلاح لإسقاط النظامز
و كان مصدر قلقه الثاني تردده في وضوح آفاق المستقبل و كم سمعته يردد قبل الثورة و بعدها إني أخاف أن نصبح كما قال الشاعر
دعوت على عمرو فلما فقدته ***بليت بأقوام ندمت على عمرو
و كان ثالث المحاذير تخوفه من أن تتدخل رجال الدين في السياسة و شؤون الحكم و كان قد قال للسيد الخميني علينا أن نعود جميعا الى حوزاتنا حتى لا تنعكس بعض السلبيات و الأخطاء من بعض رجال الدين على شرع الله القويم وذلك لا لأنه ما كان يرى الإسلام شرع الحياة بل لأنه كان يتخوف كثيرا ما من أن يستغل الدين للمصالح الشخصية كما حصل ذلك طوال القرون بإسم اليهودية والنصرانية و الإسلام و كان أيضا شديد التخوف من إستخدام مناهج الشرع التي هي كسلسلة مترابطة لا تحسن الا بجميع حلقاتها إستخداما غير سليم و كذا كان يتخوف من ضياع مثله العليا تحت وطئة ضيق آراء و إستنباط بعض المتشددين من رجال الدين الذين جعلوا و يجعلون بضيق آفاقهم بيوتهم على أهلها جحيما و أهل البيت أقرب الناس إليهم فكيف بهم لو أصبحوا يمتلكون رقاب الأمة و من المعلوم ان القسوة باسم رب السماء التي تطلق بواسطتها الأيدي تماما لأشد إيلاما من القسوة باسم رب الأرض.
و قد حاول الوالد في هذه الأيام العصيبة كرارا إبلاغ المسؤولين و رجال الدين ما كان يجري من التجاوزات على منهج الشرع و حق الشعب لكن من المؤسف ما وجد أذانا صاغية و لذا كان متخوفا من إنعكاس هذه الامور على شرع الله في الداخل و الخارج.
ولما أعلن من خلال العديد من خطبه التي نقلت للعالم عن طريق وسائل الإعلام المختلفة إستيائه من مجريات الأحداث و بلغ ذلك مسامع المسؤولين و رجال الدين و بالأخص السيد الخميني و أعلن أنه إن لم تصلح الأمور سيغادر البلاد معترضا على ما يجري فيها باسم الدين و مذهب أهل البيت عليهم السلام طلب منه السيد الخميني و المراجع الثلاثة آنذاك السيد شريعتمداري و السيد النجفي المرعشي و السيد الكلبايكاني و عدد آخر من رجال الدين أن لا يترك البلاد و يتوجه الى قم لشرح تفاصيل مايراه مخالفا للشرع.
ولما وصل الوالد مع الوفد المرافق له الى مدينة قم زاره قبل ان تعقد الجلسة مع السيد الخميني أغلب مراجع الدين فبين لهم جميع المطالب التي دعته للإعتراض فأجابه الجميع أن ما تقوله شيخنا حق لا ريب فيه فخاطبهم بعد ذلك قائلا إذا من الاولى ان نجلس مع السيد الخميني جلسة رجل واحد و نقول له إن مجريات الأحداث بلغت الى مالا يحسن عقباه فإن كان السيد عالما بما يجري كنا بذلك قد أقمنا عليه الحجة البالغة ليوم الحساب و بينّا له إستيائنا من الأمر و معارضتنا لما يجري و إن كان لا علم له بذلك كنا معه يدا واحدة للإصلاح و إرجاع الأمور الى ما كنا نأمل فأجاب جميع المراجع الوالد قائلين شيخنا إنما تقوله وإن كان حقا لا ريب فيه ولكن نستبيحك عذرا من الذهاب معك الى السيد الخميني و قدّم كل واحد منهم عذرا لست بصدد تفاصيل الكلمات في هذا المختصر.
فصمم الوالد على الرغم من عدم مساندة الأعلام ان يجتمع بالسيد الخميني و يبين له أسباب إعتراضه و ما دعاه للإعلان لمغادرة البلاد
إشارة مختصرة لما جرى في جلسة الإجتماع
عقد هذا الإجتماع بين الوالد والسيد الخميني في مدينة قم و الثورة بعد تعيش أشهرها الأولى و كان الوالد يتكلم باللغة العربية و السيد باللغة الفارسية و المترجم من العربية للفارسية أنا و كان السيد قد قال للوالد شيخنا لا أظن أن هناك حاجة للترجمة لأني كما تعلمون أعرف اللغة العربية جيدا فقال له الوالد إني لأعلم ذلك لكنني أريدها حجة تامة ليوم الحساب و إن كان الله من وراء ذلك شهيد ثم قدمت بعد نهاية الجلسة جميع المطالب مكتوبة الى السيد الخميني فخاطب الوالد في بداية الحديث السيد قائلا لقد حدثت أمور بعد الثورة خلافا لما كان مأمولا و خلافا لما كان متفقا عليه بيننا و ما جئت هاهنا إلا لأتكلم بصراحة من القول و أريد أن يكون الجواب صريحا بعيدا عن المجاملات لأن ما نحن فيه ليس حقا شخصيا بل إنما هو منهج شرع و حق شعب فما كان حقا أريد أن يقرَّ الآن و ما كان محلا للنقاش يطرح على بساط العلم و أنت من أعلم الناس بمكانتي العلمية و صراحة لهجتي فقال السيد مخاطبا للوالد إنت تأمر و أنا أمتثل فقال له الوالد فلنكن سيدنا كما عرضت بخدمتكم بعيدين عن روح المجاملات فقال الوالد أما المطلب الأول فإنا جميعا نعلم علم اليقين بأن شرع الله قد بني على العفو وقد جسد ذلك الرسول (ص) بسيرته حين فتح مكة المكرمة مخاطبا القوم قائلا اذهبوا فأنتم الطلقاء لكنك لعلك تقول إن هذه سيرة رسول الله مع مشركي قريش و الحديث عن مسلمين ارتكبوا ما ارتكبوا لقلت لك إني لا أظن أن يغيب عنكم سيرة علي عليه السلام مع أهل البصرة فإنه قد عفى عنهم جميعا و لم يأمر بمثول حتى من قتلوا أصحابه قبل وصوله إلى البصرة أمام محكمة و كان عدد المقتولين يتجاوز ستمائة رجلا ثم قال مخاطبا للسيد الخميني و لو فرضنا أن هناك حقا شخصيا لأحد فهو يعود لأولياء الدم إن لم يرضوا بالعفو فأجاب السيد قائلا ما تفضلتم به حق لا ريب فيه من كون الإسلام دين العفو و الصفح عند المقدرة فقال له الوالد إذا ما هو شأن هذه المحاكم الثورية القائمة على قدم و ساق التي راحت للتجاوز كبار المسؤولين للنظام السابق حتى وصلت إلى الشرطي و الجندي و غيرهما من سائر الناس فأجاب السيد قائلا ما قمنا به إنما كان عملا وقائيا خوفا من ردة فعل أعوان النظام السابق و لأنه كما تعلمون شيخنا إن الثورة إنما قامت في الغالب على عواتق الشباب و هؤلاء لا يرضون بالعفو عن رجالات النظام السابق و لذا رأيت أن تقام هذه المحاكم سنة ثم نعلن العفو العام فقال له الوالد إن غاية ما يفترض في المقام أن يودع هؤلاء السجون حتى تستقر الأمور ثم يطلق صراحهم و أما هؤلاء الشباب فإن كانوا أتباع شرع فعليهم بالإلتزام به و جرى هاهنا كلام طويل لا يسعه هذا المختصر.
المطلب الثاني: قال الوالد مخاطبا السيد الخميني لا أدري سيدنا من أين جئتم بعنوان مصادرة الأموال التي لا مستند لها شرعا و ها هو رسول الله أيضا لم يأمر بمصادرة أموال قريش حين فتحه مكة المكرمة على الرغم مما ارتكب القوم من قتل و نهب للأموال، و ها هي سيرة علي عليه السلام حين فتحه للبصرة ما أخذ مالا من أحد بل قال من أخذ درهما من أحد أقمت عليه حد الله، و إن كانت هناك دعاوى شخصية من أحد على أحد فالتأخذ مجاريها العادية في المحاكم فقال السيد شيخنا ما تقوله حق و سنتّخذ الإجراءات اللازمة ثم قال الوالد إنه على فرض أن هناك من يستحق القتل أو السجن فما بال عائلته يقطع عنهم راتب المحكوم عليه و ربما راحت بعض المحاكم للتتجاوز هذا الحد حينما حكمت بمصادرة أموال بعض أقراباء المحكوم عليهم فسيدنا من هو المسؤول عن حياة هذه العوائل أولا و ثانيا من هو المسؤول عن الإنحرافات التي قد يدعو إليها الفقر و الحرمان، فقال السيد للوالد: سنحاول اتخاذ الإجراءات اللازمة في المقام أيضا.
المطلب الثالث: تعرض فيه الوالد لمسألة القضاء فقال سيدنا إنكم لتعلمون أن القاضي في الشرع يجب أن يكون فقيها و هؤلاء الذين استلموا مقاليد القضاء و راحوا ليحكموا في الدماء و الأعراض فضلا عن الأموال لا أظن أن واحدا منهم على سبيل المثال يستحق أن يطلق عليه عنوان الفقيه فإعتذر السيد ببعض الأعذار لا يسعها هذا المختصر.
المطلب الرابع: قال الوالد للسيد إنكم قد جعلتم على رأس كثير من الأمور رجالا ليسوا أهلا لما استلموه من المناصب و ذكر له على سبيل المثال السيد أحمد المدني و السيد أمير انتظام و عددا آخر من المسؤولين فقال السيد معتذرا عن ذلك: ماذا نصنع شيخنا في زمن قل فيه الصالحون فنحن نعيش زمن قحط الرجال فأجابه الوالد مستغربا فقال سيدنا كأنكم نسيتم ما جرى بيننا من الحديث قبل الثورة و حينما كنتم في باريس و قلت لكم إن هدم الدار قد يكون سهلا لكن المشكلة كل المشكلة هي في البناء بعد الهدم فإنها تحتاج إلى رجال مؤمنين عارفين بالسياسة و ما يحتاجه المقام من معرفة على صعيد الداخل و الخارج فقلتم لي شيخنا لا تكن قلقا من هذه الناحية فإني قد أعددت رجالا أكفاء مؤمنين و الآن تقولون إنا نعيش قحط الرجال ثم قال الوالد مخاطبا السيد و إني كما تعلمون مسبقا أحببت أن نبقى مرشدين آمرين بالمعروف و ناهين عن المنكر فإن وجدنا حقا مضاعا أو ظلامة بينّاها و وقفنا ضد الظالم مع المظلوم كما و أني كنت أرغب أن لا تعنون الثورة بعنوان تطبيق النظام الإسلامي حتى لا تنعكس السلبيات على شرع الله القويم و يكون الشعب هو الذي يختار لنفسه و هذا ما أكرره الآن ثانية و أقول علينا أن نعود إلى حوزاتنا و نبقى كآباء للمجتمع.
المطلب الخامس: قال الوالد مخاطبا السيد الخميني إنه ليس بخفي عليكم الظلم الذي عاشه الناس على أيدي النظام السابق و بالأخص ما عاشته القوميات المختلفة غير الفارسية و على رأسهم القومية العربية في بلادنا لما كان عليه النظام من العنصرية التي كانت سببا بأن يظلم الشعب العربي ظلامة مضاعفة فإذا أقول لابد من إعطاء جميع القوميات سواء في ذلك الأتراك أو الأكراد أو البلوش أو التركمان أو العرب أو غيرهم جميع حقوقهم و كذا لابد من ملاحظة حقوق الأقليات المذهبية من اليهود و النصارى و الصابئة و غيرهم و أنه لابد من مراعات الحريات للصحافة و غيرها حتى لا يعود الإستبداد مرة ثانية و إني ليؤسفني أن أقول لكم إني قد جئت من بلد شاهدت فيها معالم الظلم و العنصرية تعود مرة ثانية بإسم دين الله فينبغي أن لا تتكرر مثل هذه الأمور ثم قال و لست بصدد بيان تفاصيل حقوق العرب في هذه الجلسة بعد أن كانت قد قدمت لكم و إلى المسؤولين بواسطة الوفد الذي جائكم من قبلهم و إنه من الواضح أن من هذه الحقوق تساوي الأقليات القومية مع الفرس و أن يكون للعرب حق الأولوية في العمل في بلادهم و كون الفقير منهم أولى من غيره بخيرات بلاده و إن من حقهم أن تكون لهم كما للفرس ثقافة التكلم باللغة العربية في المدارس و الجامعات و العربية هي لسان القرآن المجيد إلى غير ذلك مما فصل لكم في ما تقدم به الوفد إليكم فقال السيد الخميني: شيخنا ذلك حق لا ريب فيه و سنعطي إن شاء الله جميع القوميات و الأقليات المذهبية حقوقهم غير منقوصة و جرى هاهنا كلام لا يسعه هذا المختصر.
المطلب السادس: تعرض فيه الوالد لمسألة الحرس الثوري و غيره من اللجان المسلحة الأخرى فقال إن هؤلاء في كثير من المواطن يمارسون القسوة و العنف و يقومون بإعتقالات و سلب اموال لا مبرر لها و إن عواقب هذه الأمور ستكون وخيمة و لو بعد حين فعليكم بجعل هؤلاء تحت قيادة سليمة و تحت ضوابط تجعل منهم أداة لخدمة الشعب لا وسيلة للخوف و الإرعاب.
المطلب السابع: أشار فيه الوالد إلى مسألة تصدير الثورة إلى الخارج التي أصبحت الشغل الشاغل لكافة وسائل الإعلام و كثير من الخطباء و المبلغين، فقال الوالد مخاطبا السيد الخميني إن هذه الطريقة في التعامل مع الآخرين المبنية على الإستفزاز لا أظنها تعود بخير و نفع لأحد و لو كنا حقا نريد تصدير معالم الرسالة فعلينا أن نحقق العدل و موجبات الإحسان و الرفاه للمجتمع في الداخل حتى يعيش الشعب على اختلاف قومياته و طبقاته الإخاء ثم نفتح الأبواب لكل قادم ليشاهد بنفسه آثار العدل و الإحسان فإن كل داخل إلى إيران سيصبح صحفيا يحمل إلى أهله و بلده معالم الرسالة المطبقة بواقعها في إيران فإن هذا سيكون دافعا طبيعيا لتقتدي به بقية الشعوب الإسلامية و غيرها و أما مسلكية الدعاية و الإستفزاز و خلق الأعداء فهوغير صحيح أبدا.
المطلب الثامن: تعرض فيه الوالد إلى مسألة النزاع بين الدولتين إيران و العراق على شط العرب و بعض المناطق الحدودية الأخرى فقال مخاطبا للسيد الخميني: إنه قد بلغني من عين صافية مقربة منكم أن هناك الكثير من بطانتكم تسهّل عليكم الأمر بل و ربما راحت لترغبكم بأنه لو حدث بينكم و بين العراق حدث لكون أغلبية سكان العراق من الشيعة فستحتل إيران العراق في غضون أقل من شهر فأقول لكم إن النزاع بين الطرفين إن لم يحل بالطرق السلمية فإنه ربما يؤدي إلى حرب لا تستحسن عقباها لأنا لم نعش في الأزمنة الماضية لتحتل دولة دولة أخرى كما و أن هناك بعض الدول الكبرى لها مصالحها في المنطقة و هناك دواع أخرى ستدعو إلى تحالفات على صعيد المنطقة بل و ما هو أبعد منها و سيجعل أصحاب المصالح التوازن بينكما لتستمر الحرب و سوف لن تنتهي إلا بعد أن تأكل الأخضر و اليابس، فسيدنا لا تصغ إلى كلمات بعض المعممين و غيرهم ممن لم يجرب الزمن فإن لم تحل بينكم المسألة بالتفاهم فإطرحوا الأمر على المحاكم العالمية فإن حكمت لكم, فبها و نعمت و إن حكمت لغيركم كان ذلك لكم حجة أمام مجتمعكم و كنتم بذلك قد جنبتم الشعبين مأساة الحرب و ويلاتها التي لا يعرف عقباها إلا الله و اعلم سيدنا إن هذه الأراضي لا تستحق أن يسفك من أجلها قطرة دم مسلم مؤمن فلا تعط الذريعة لأصحاب المصالح للتدخل في المنطقة.
المطلب التاسع: مسألة شورى الفقهاء، فقال الوالد مخاطبا السيد أنا قلت من أول الأمر إني من أشد المخالفين في تدخل رجال الدين في السياسة و شؤون الحكم و لكن لو لم يقبل منّي ذلك فلابد أن يرجع الأمر إلى شورى الفقهاء و لا يجوز لأحد أن يستبد في الأمر فلا أدري سيدنا لم أخذت الأمور تجري في جميع الأصعدة سواء في مواطن القرار أو تقنين القوانين بعيدة عن المراجع و أهل الخبرة و إنكم لتعلمون أن من اطلق عليهم إسم الفقهاء في مجلس الخبراء ليسوا بمراجع الشيعة بل و الكثير منهم ليسوا من أهل الخبرة في الشرع كما و أن الكثير منهم من الخطباء لا الفقهاء و أغلبهم ممن يرجعون إليكم في التقليد فكيف أصبح هؤلاء بديلا عن مراجع الشيعة في إيران و العراق و لمراجع العراق الحق في أن يبدوا آرائهم، فأجاب السيد قائلا: ما تقوله شيخنا حق من أنه لابد من مراجعة و مشورة الفقهاء في الداخل و الخارج و بالأخص علماء النجف و لكن هناك بعض المحاذير تمنع من تشكيل شورى الفقهاء في هذا الظرف و بمجرد أن يرتفع هذا المحذور سأبادر لتحقيق ما اشرتم.
ولما أتم الوالد كلامه قال السيد الخميني مخاطبا الوالد قائلا سماحة الشيخ لي معكم عتاب فقال له الوالد تكلم بما شئت فإن الجلسة قد أقيمت على الصراحة و الإبتعاد عن المجاملات فقال السيد بلغني عنكم شيخنا أنكم يوما من الأيام في مسجدكم مسجد الإمام الصادق صعدتم المنبر وقلتم إن رجالات هذه الحكومة جائت بها بعض الأيدي للنيل من المذهب الشيعي فهل ما بلغني عنكم كان حقا شيخنا أم لا؟
فأجابه الوالد قائلا أنا لست ممن يقول شيئا ثم يتراجع عنه نعم إني قلت إن بعض المسؤولين وفيهم من كبار الدولة يعملون ما ينافي شرع الله وقد بينّا لهم أخطائهم و كررنا عليهم القول فوجدناهم يصرون على ما هم عليه من مخالفة شرع الله بإسم شرع الله و رسوله و مذهب أهل البيت عليهم السلام ولو كانوا جهلة لاسترشدوا بالحق و عادوا إليه و لو بعد سؤال من يثقون بدينه إن كانوا لا يقبلون الكلام منا فإن إصرارهم على إرتكاب ما يخالف الشرع بإسم الشرع مما يدلل على أنهم عملاء يريدون النيل من شرع الله فأجاب السيد قائلا هذا حق شيخنا و إن شاء الله تعالى نسعى جميعا لتصفية العناصير الفاسدة وعندما انتهى الكلام قال الوالد للسيد الخميني إني سأبقى في قم أياما ثم أتوجه الى البلاد وأنتظر بعد رجوعي ثلاثة ايام فإن وجدت إصلاحا و تغييرا لما يجري و بالأخص بعد إقراركم بحقانية ما قلت و إلا فسأغادر البلاد بعد أن أصعد المنبر و أبين للناس أني بريء مما يجري في إيران بإسم شرع الله و كما وعد صعد المنبر و قال إني بريء مما يجري في إيران و لا ألقى ربي بذلك لكن الهجوم على بيته و أخذه الى قم و جعله في الإقامة الجبرية المشددة سبعة سنوات حال دون خروجه من ايران.
وقد توفي الوالد بعد سبع سنوات من الإقامة الجبرية في مدينة قم مصرا على مبادئه لم تأخذه في الله لومة لائم محتسبا صابرا حيث توفي سنة 1986م.
ولاية الفقيه
وكان رحمه الله من أشد المعارضين لولاية الفقيه المطلقة و قال كرارا أنه لا دليل عليها شرعا حتى بنحو الإشارة و الإيماء وكان يرى أن القول بها يسوق الى استبداد لا نظير له ومن المعلوم أن علماء الشيعة في مسألة ولاية الفقيه على مسلكين الولاية الصغرى والوسطى ولم يذهب أحد من الأعلام طيلة القرون الى القول بالولاية المطلقة للفقيه وكان أول من إفترضها كإحتمال في المقام من المتأخرين في عهد القاجاريين هو الشيخ أحمد النراقي و أظهر إختياره لها بعد تحقق الثورة بفترة من الزمن السيد الخميني وقد ذهب الكثير من علماء الشيعة بعيدا عن القول بولاية الفقيه قائلين بأن الأمر من باب الحسبة أي يعود الى عدول المؤمنين تحت ضوابط الشورى إن أرادت الأمة يوما من الايام إقامة دولة إسلامية ولا ولاية للفقيه فهو أحد أفراد عدول المؤمنين وليس هذا المختصر محلا لبيان المسالك في ولاية الفقيه أو المراد من الحسبة
0 تعليق