سلام علیکم
احد اسما الله الحسنی هو المومن فما معناه؟
كلمة المؤمن إسم فاعل مأخوذ من أمن أمنا وآمانا فهو آمن والإيمان هي صفة المؤمن و يرجع الأمر فيها الى معنى الإطمئنان بما تعلق به الإيمان فهي من الصفات العائدة الى العلم و من المعلوم أن كل صفة في ممكن هي غير الموصوف زائدة عليه فالإنسان الذي هو مثلا حيوان ناطق العلم و شؤون العلم فيه غير إنسانيته كما و أن طوله و بياضه وكرمه غير ذاته و هذا هو شأن كل محيّث بالحيثيات الماهوية والأطر و الحدود الإمكانية لكن إذا كانت الصفة تعود الى الحق سبحانه وتعالى لا تكون الصفات زائدة على الذات لأنه هو تلك الذات الأحدية الصمدية التي هي صرف الوجود الواجب بنفسه القائم بذاته وإذا كانت صفة الإيمان أو المؤمن ترجع بالنتيجة والمئال الى العلم وكان العلم فيه تعالى عين الذات يصبح المعنى و الله العالم إن حضور ذاته لذاته وهو علمه الحضوري بنفسه الذي لا يرقى إليه أحد في العالمين هو يقين و قطع و كشف وشهود فوق كل يقين وكشف و يعبر عنه فلسفيا بحضور الذات للذات أو بالعلم الحضوري الأزلي الذاتي الذي هو فوق كل علم ويقين وعلمه تعالى بذاته علم بما سوى ذاته مطلقا بما يعم الكائنات جميعا لأنها من شؤون الذات الأحدية فالإيمان في مرحلة الذات علم حضوري أزلي وهذا العلم بنفسه هو علم بشؤون الذات وهي الكائنات طرا فهي جميعا معلومة في مرحلة الذات و حاصل الإيمان بها و بجميع مراتب سيرها وسلوكها في قوسي الصعود والنزول الى أبد الآبدين لأن العلم بالعلة علم بجميع شؤون العلة وأي علّة أحق بالعلّية من الحق تعالى فهو المؤمن بذاته العالم بها علما أزليا قطعيا يقينيا وبما هو من شؤون ذاته بأبعاد الكلمة باطنا و ظاهرا لأنه تعالى القيوم القائم بنفسه المقيم لغيره وعلمه بالغير ليس من باب علم شيء بشيء لأنه لا شيء بأزاء الله تعالى حتى يكون من باب الإضافة او التعلق و ذلك لأن الوجود الإمكاني وجود رابط حرفي وليس شيئا مرتبطا بالحق تعالى ولكن تفصيل المراد من المعنى الإسمي والحرفي وكون الممكنات ليست شيئا بأزاء الحق بل هي صرف التعلق به و البحث فيها له مجال آخر وهي البحوث الفلسفية والعرفانية.
و إن حضور الذات للذات و كون الإيمان والقطع بالنسبة له لذاته وشؤون ذاته يقين لا يشوبه أي حجاب سواءا كانت الحجب نورانية او غير نورانية و أن العلم الإحاطي علم فوق إدارك الممكنات و أنه هو العلم الحقيقي كذلك من البحوث التي لايسعها هذا المقام .
فالذات الأحدية الصمدية هي عين الإيمان وهو المؤمن حقا بنفسه و شؤون نفسه من جميع الكائنات حيث لا مؤثر في الوجود سواه ولا يؤثر فيه شيء و إذا كان المؤمن من صفات الحق تعالى فيكون كل ممكن إذا اتصف بالإيمان سواءا كان من الإنس او الجن او الملائكة يكون إيمانه من تجليات الإيمان الإلهي ولما كانت الصفات الإلهية لا متناهية بلا تناهي محض الوجود يكون الإتصاف بالإيمان لأي ممكن من الممكنات من الصفات التي لا تقف عند حد من الحدود من حيث قابلية الكمال اللامتناهي فالحق هو اللامتناهي بالفعل ذاتا وصفة وكل صفة إلهية أمكن ان يتصف بها ممكن من الممكنات كالعلم والقدرة والولاية تكون من الصفات القابلة للانهاية فالإيمان إذن لا يقف على حد في عالم الإمكان سواءا في عالم الأرض و مراتب العوالم الأخرى فإنه سوف يزداد بإزدياد القرب الى الله زيادة لا حد ولا نهاية لها ولذا قال تعالى بالنسبة الى سيد الكائنات محمد (ص) في مسألة المعراج (لنريه من آياتنا الكبرى) بنحو التبعيض والجزئية للإشارة الى أن الكمال الإنساني مهما بلغ لا تكون التمامية حاصلة بالفعل لأي أحد ولو كان سيد الكائنات بل هي متسلسلة تسلسلا لا يقفيا إلى مالا نهاية له فالفيض من الفاعل مستمر إلى أبد الآبدين على القابل لأنه تعالى الغني المطلق الفياض الجواد و الممكن عين الفقر الذي لا يمكن ان يتخلص منه ممكن من الممكنات .
و بالجملة فهو تعالى الأمن والآمان والإيمان و المؤمن حقيقة وكل وجود بالغير إذا اتصف بالإيمان يكون مظهرا من مظاهر المؤمن بقدر و تكون الصفة فيه قابلة للإزدياد اللامتناهي بما يناسب قدر وجوده .
و أمن أيضا بمعنى وثق وآمن به و صدّقه و هو تعالى المصدّق قبل كل أحد لذاته و الشاهد انه لا إله الا هو والمؤمنون هم المصدقون بوعده ووعيده تصديق يقين ناشيء عن العلم وسلامة الفطرة وزكاة النفس والعمل الصالح .
وقد ورد أن المؤمن من يأمن أوليائه من عذابه و من ظلمه دنيا وآخرا .
أو المؤمن هو الذي آمن بنفسه قبل إيمان خلقه به و صدّق الموحدين على توحيدهم إياهم علما و عملا بما يتناسب و مراتب ايمانه يوم الجزاء.
او هو الداعي الى الإيمان و الآمر به و المحقق لآوليائه صفة الإيمان بعلله و أسبابه هاديا إياهم علما وعملا أي من يعطي الإيمان من طلبه منه فهو المؤمن و الواهب للإيمان.
او المؤمن بمعنى الأمين و المؤتمن و الشاهد و الإيمان هو التصديق فيصبح المراد من المؤمن المصدّق لنفسه و العارف بها حيث لا معرفة لله تعالى بتمام معنى الكلمة إلا من الله لنفسه و المحقق صفة الإيمان والتصديق لآوليائه المخلصين و المعين لهم تحقيق صفة الإيمان لغيرهم بالمعاجز و البراهين و عظيم الخُلُق حيث يكون المؤمن مظهرا من مظاهر الخلق الإلهي قرآنا و فرقانا كل بقدر سعة وجوده والقرآن الناطق بإطلاق الكلمة والفرقان الصادق هو الرسول (ص) وأهل بيته (ع) .
فالله أمن بعظيم ذاته و اطمئن بنفسه وعلمه بذاته وإيمانه بنفسه عين نفسه اللا متناهية فهما يختلفان مفهوما بحسب الإدراك لا مصداقا بحسب العيان والمؤمنون آمنون بطهر نفوسهم المعلقة بالمبدأ الأعلى فهم فرحون بقرب لقائه ومجاورة أولياءه في دار قراره تحت صقع أنواره فهم يعدون الثواني شوقا للقاء محبوبهم كما قال الإمام الحسين (ع) : (وما أولهني إلى أسلافي إشتياق يعقوب الى يوسف )وقال يوم العاشر من المحرم حينما تعلقت النسوة بعلي الأكبر : (دعنه فإنه قد اشتاق الى لقاء ربه) هكذا هي صفة الإيمان .
ملاحظة:
ليس الإيمان مجرد العلم بالشيء بل ولا حصول اليقين والقطع بعد العلم بل هو أمر ورائهما وهو الفعل النفساني وحالة الإقرار الحاصلة بعد العلم واليقين فلا يكون الشخص مؤمنا إلا بذلك الفعل الموجب لإنقياد الجوارح لأن من أحب شيئا حقّا إنقادت له جوارحه و شغله حبه عما سواه .
فأنت يا إلهي الجواد الكريم القائل (إدعوني استجب لكم) طهّر نفوسنا بمدارج الإيمان و حقائق اليقين و ذل العبودية و ارفع عنا غشاوات الظلمات و زهدنا في الدنيا قبل يوم لقائك لنصبح مؤمنين حقا مشتاقين الى لقائك واحبب لقائنا انك انت ارحم الراحمين.
0 تعليق