المحاضرة الثانية
تفسير سورة الحمد والكلام عن البسملة
السورة مكية وقيل مدنية أيضا لأنها كما قيل نزلت مرتين لأهميتها وتسمى بفاتحة الكتاب لأن بها يبدأ الكتاب المجيد وأم الكتاب لأنها تشتمل على جميع ما جاء في الكتاب كأصول عقائدية وعملية قد كانت بقية السور شرحا وتفصيلا لها وتسمى بسورة الحمد لما فيها من الحمد والثناء للمنعم جل شأنه وتسمى بالسبع المثاني لأنها تقرأ في كل ركعة.
والمراد من (أعوذ بالله من الشيطان الرجيم ) كما عن علي أمير المؤمنين عليه السلام : ( أي أعوذ وأمتنع بالله السميع من الشيطان البعيد الرجيم) أي المرجوم باللعن والطرد من الخير.
بسم الله الرحمن الرحيم
الباء في البسملة إما للإبتداء بمعنى إني أبتديء بسم الله كل قول وعمل وليس المراد من ذلك مجرد الذكر اللفظي فقط عند كل قول وفعل بل بما هو وراء ذلك من إشعار النفس والقلب بقرارة الإيمان لأن الإيمان فعل نفساني وليس مجرد علم ومن أشعر نفسه في مواطن القول والفعل إشعار إيقان ويقين بأن البدء لله بشهود هذا الأمر في محضر ربوبي ستنقاد لذلك الجوارح أو الباء بمعنى السببية أي بسبب إسم الله تعالى وما له من العليّة والفيض و لوجهه الكريم أحقق ما أريد من غايات هي الخير والكمال الذي دفعني تعالى إليه وأراد مني الإستقامة عليه لتصبح العقيدة والعمل مع النفس شيئا واحدا وهو الخلق الكريم حيث أمر الله تعالى بالتخلق بأخلاقه والتأسي بسيرة الرسول الأعظم (ص) بما يتلطف الله تعالى على عبده بألطافه المقربة للطاعات والمبعدة عن المعاصي وماذاك إلا بأسباب إلهية وبإرشاد بواسطة كتابه المجيد والأحاديث وسيرة المعصومين وبالإلهام الحاصل للعبد من ربه لو وجد منه صدق النية حتى لا يصبح محلا لوساوس الشياطين .
والإسم هو ما يدل على المسمى , والمسمى هاهنا هو اسم الجلالة (الله) وبما له من الأسماء الحسنى التي منها ما هو عام للكائنات كالرحمانية ومنه ما هو خاص بالأولياء كالرحيمية حيث كانت مثالا لبعض أسمائه الجمالية في مواطن اللطف بما لها من سعة ليطمئن القلب بأن الأصل هي الرحمة العامة التي وسعت كل شيء والخاصة التي كانت لمن جعل نفسه في مهب نسيمها ليعيش حياة الخلد والنعيم وكأنه تعالى أراد أن يلفت نظر عبده إلى أن هذا هو الأصل وما كان من صفات القهر والجبروت إنما تظهر مظاهرها للإصلاح والتطهير من الرجس حينما يختار العبد لنفسه سبل الظلمات ولذا لم يذكر تعالى في هذه السورة التي هي ام الكتاب إلا ما كان من شأن الرحمة خاصة أو عامة .
ودلالة الإسم على المسمى تارة لتمييز الشيء عن غيره كتسمية هذا بعلي وذاك بمحمد أو هذا بقلم وذاك بكتاب لتمتاز الأشياء بعضها عن بعض وتارة يراد من الإسم ما يحدد الهوية جوهرا كقولك زيد إنسان او كان عرضا كالبياض والطول وتارة يراد من الإسم قدر الشيء بلحاظ سعته الوجودية لا بما له من الجوهر والعرض كماهية وذلك ككون الموجود من عالم النور او العقل او المثال او المادة حيث أن هذه حقائق الأشياء بحسب مراتبها الوجودية ومادام الشيء وجودا إمكانيا محددا بمرتبته وسعة وجوده فما له من القدر الوجودي يحدد كونه وحقيقته فيكون سمة له لدى أصحاب البصائر ذوي الشهود الذين يرون الأشياء بما هي في مواطن تحققها ولعل هذه الأسماء من جملة ما كان مشهودا للإنسان الكامل وهو آدم عليه السلام حينما علّم الملائكة الأسماء كلها وإن كان لا مانع من أن تكون حقائق أخرى من جملة ذلك البيان وسيأتي بيانها في شرح الأسماء عند التعرض لقصة آدم عليه السلام وتعليمه الملائكة الأسماء كلها لكن الله تعالى حيث أنه صرف الوجود ومحض الغيب لا تجري مثل هذه الكلمات في حقه تعالى حيث أنه لا مرقى لأحد في عالم الإمكان طرا لذلك لإستحالة إحاطة الممكن بالواجب فالأسماء الإلهية إذن ذاتا او صفة إنما هي بلحاظ المفهوم إدراكا بحسب سعة كل موجود إمكاني ولا مانع من القول من أنها من العلم الحضوري على قدر سعة كل موجود وكذلك هو شهود لأسمائه في مواطن الفعل أي لكلماته وهي الكلمات بما لها من الآيات الإلهية لكن مع غض الطرف عن كون الإسم هو ما دل على المسمى فإن الإسم أيضا ما يعرف به الشيء بلحاظ كونه وجها له وبهذا اللحاظ يكون المراد من الأسماء تلك الأسماء الحسنى التي هي وجهه تبارك وتعالى سواء كانت من أسماء الذات كالحي والقيوم او كانت مستفادة من الفعل كالخالق والرازق وإن كانت جميع الأسماء هي وجه له تعالى لكن يكون المراد بهذا اللحاظ ما كان له الأولوية بالحكاية كالرحمن الرحيم بما لهما من السعة حيث ان الرحمة وسعت كل شيء بلحاظ فكانت لجميع الموجودات وبما هي للقابل الخاص بما له من الأهلية في بعض المواطن كالرحيمية التي هي من ألطاف الله تعالى في حق عباده الصالحين , وإن بعد الذات والصفات الكلمات التامات التي هي آيات الحق بإطلاق الكلمة فهي الوجه الإلهي لأنها جوامع الكلم حيث أنه مثلا لو نظر الناظر البصير الى سيد الكائنات محمد (ص) لرآه المجلى الأتم لتجليات الحق بما له تعالى من الأسماء والصفات حيث أنه مظهر عدله وحكمته و جوده وعلمه و…. فيكون بهذا اللحاظ هو من مصاديق الإسم المشار إليه في البسملة و إن كان تجليه (ص) و ظهوره في دار الدنيا كان خاصا بأوليائه الذين عرفوه بالنورانية وهذا هو شأن الأولياء الذين شاهدوا الحق في دار الدنيا بكل أسمائه وصفاته جمالا وجلالا أي لطفا وقهرا وذلك حق لأنه من البديهي انه إذا كانت الحكمة تقتضي ألا يظهر الله تعالى في دار الدنيا إلا ببعض المظاهر الأسمائية وإلا لما بقيت دار الدنيا دار إختيار وإختبار لأنه لو ظهر بإسم الملك والقهار كما سيظهر بذلك يوم الجزاء فلا يبقى هناك أي نزاع بين الحق والباطل لأن تلك الدار هي دار الأنوار و دار الحق فكذلك بتبع هذه الحكمة كان ظهور أوليائه من الأنبياء والأئمة والصالحين ولا يعقل أن يكون ظهورهم أكثر من سيدهم ومولاهم وهو الله سبحانه وتعالى وبهذا يُفهم أن الإسم الأعظم الفعلي الذي يجب الإبتداء به والإستعانة به هو الإنسان الكامل ومن بدأ الحياة ومسيرة الكمال بشهود هذا الإسم بدأ بواقع البركات وكان سالكا سبل العروج بمسالك الأسباب الحقيقية إن فسرنا الباء بباء السببية فيكون هذا من أوضح ما يراد في بسم الله حيث أن الاسم التام الفعلي الذي جعله الله تعالى واسطة للتشريع بل و للتكوين ايضا هو سيد الكائنات محمد (ص) وذلك لقصور في القابل وهي الممكنات لا لمنع في الفاعل الجواد وكذلك يكون الأمر بالنسبة إلى الأئمة المعصومين الذي هم نفس الرسول والرسالة وسيدة نساء العالمين فاطمة عليها أفضل الصلاة والسلام فهم حقيقة الأسماء.
فمحمد هو الإسم الأعظم الإلهي والكون الجامع والكلمة التامة التي علّمت الجن والإنس والملائكة في ليالي المعارج الأسماء كلها فهو أولى من آدم عليه السلام في ذلك وقد ورد في الحديث عن الإمام الصادق (ع) : (عُرج برسول الله ليكشف الله له سبعين ألف حجاب من النور وليتشرف به (ص) سكان السماوات) _وسيأتي بإذن الله تعالى المراد من كون النور حجابا_ حيث أنهم بشرف نوره إنتقلوا بعد النقلة الأولى التي كانت بواسطة آدم عليه السلام إلى عظيم من القرب والمعارف الإلهية وشهود الأسماء وكل من ظن عروجا وقربا وشهودا للأسماء الإلهية من غير طريق الإنسان الكامل كان جاهلا جهلا مركبا يرى الظلمة نورا.
كما وأنه لابد من الإلتفات إلى أن الإسم مأخوذ من السمة أي بمعنى العلامة ولذا كان الله تعالى رب العالمين وأصحاب البصائر قد شاهدوه بكل أسمائه وصفاته ذاتا وفعلا بما له من الآيات كما وأنهم عرفوه قبل ذلك بنفسه كما ورد (إلهي بك عرفتك ) و (يامن دلّ على ذاته بذاته).
كما وأن الإسم قد يكون مأخوذا من السمة اي الرفعة والعظمة ويصبح المراد بانا نبدأ بتلك العظمة والرفعة والعلل التي هي واقع السمو بما للأسماء من سلطان وللفعل من علل من عالم النور الى العقل والمثال والطبيعة ومن تخطى الأسباب المعنوية او المادية في مواطنها كان جاهلا وإن اعتبر نفسه من المتوكلين على رب العالمين وعليه فيكون بإسم الله من الدعوة الضِمنية لذوي البصائر للتدبر والتأمل في أسمائه ومخلوقاته وعظيم الحكمة المودوعة فيها لمعرفة مبدعها.
و إذا كان الإسم لوحظ بلحاظ السمو لعلوه تعالى ذاتا وصفة وعظيم فعل كان من الدواعي للتأمل في مراتب هذا السمو لينتقل العبد منه إلى الشهود والعرفان.
وإن كانت الذات الإلهية بما هي هي لا إسم ولا رسم لها ولا مرقى لأحد لإدراكها لأنها محض غيب وبطون و إن كان بلحاظ آخر من حيث الإدراك والمفهوم لها ما لا يحصى من الأسماء الحسنى كما وأن لها عظيم الآيات والكلمات التامات وكلمة (الله) قد حُذفت منها الهمزة لكثرة الإستعمال حيث أن الأصل هو الإله وأله الرجل يأله بمعنى عبد وأطاع او هي مأخوذة من وَلِه بمعنى من تحير فيه العقول وتقر بالعجز ان عاشت في المحضر الربوبي وهاهنا موطن لمس الفقر الذاتي وشهود التعلق والفناء وعدم الإستقلالية فبلحاظ الأسماء شهود وبلحاظ الغيب والبطون إقرار بالعجز وتحيّر وقد ورد عن أمير المؤمنين علي (ع) : (الله هو الذي يتأله إليه كل مخلوق للحوائج والشدائد إذا انقطع الرجاء من كل وجه دونه) والحمد لله رب العالمين.
0 تعليق