بسم الله الرحمن الرحیم
حضره الشیخ محمد کاظم الخاقانی المحترم
بعد التحیه و السلام الرجاء الاجابه علی السوال التالی و شکرا
اخوکم مرتضی جزایری
قال الإمام الحجة عجل الله تعالى فرجه في دعاء أيام رجب واركانا لتوحيدك وآياتك ومقاماتك التي لا تعطيل لها في كل مكان يعرفك من عرفك لا فرق بينك وبينهم إلا أنهم عبادك وخلقك ما هذه العلامات ، مامعنى لا فرق بينك وبينهم.
قد تم الجواب على الشق الاول من السؤال وأما الشق الثاني من السؤال وهو (لا فرق بينك وبينهم إلا أنهم عبادك) :
من كلمة (بينهم) نفهم أن المراد في الدعاء الشريف هم عظماء الخلق من البشر لا الملائكة ولا الأنوار الربوبية في مرتبة عالم النور التي تشرق على قلوب الأولياء و التي كشف الله تعالى منها سبعين ألف حجاب على محمد (ص) ليلة المعراج التي هي المشيئة و الرحمة المطلقة الإلهية في مرتبة الفعل وهي فيضه المقدس الناشيء من فيض الله تعالى الأقدس الذاتي الإلهي الذي هو العلم بالحقائق عند الحق تعالى قبل إيجادها و ذلك لأن الكلام بواسطة كلمة (بينهم) يصبح عن عاقل شاعر ولا يكون إلا من هم اشرف الكائنات في عالم الإمكان و أول صادر تعلقت به المشيئة كما أشارت إلى ذلك الصديقة الطاهرة فاطمة عليها السلام بالنسبة الى محمد (ص) حيث قالت: (إختاره و انتجبه قبل أن اجتبل واصطفاه قبل ان ابتعثه اذ الخلائق بالغيب مكنونة وبستر الأهاويل مصونة و بنهاية العدم مقرونة) وعليه فلا يشمل الدعاء الشريف الملائكة على جلالة قدرهم لأنهم ليسوا مجلى مظاهر الأسماء والأنوار الربوبية فإنهم سجدوا للإنسان الكامل و لم يسجد لهم و علمهم الأسماء كلها و لم يتعلم منهم فالكلام إذن عن الكلمات التامات والآيات الكاملات في تجليات أسماء وصفات الحق تعالى فالإنسان الكامل هو الجامع لشتات عالم الإمكان من عالم الطبيعة و الذر والعقل والنور فهو عصارة العالم طرّا المشتمل على كمال العوالم كما أشار الإمام علي عليه السالم : (أتحسب أنك جرم صغير وقد إنطوى فيك العالم الأكبر).
فبعد هذه المقدمة لكون الكلام عن الكلمات و الآيات التامات الإلهية وهم محمد و آله الأطهار و بعض العظماء من الأنبياء الكرام نأتي الآن لنتكلم عن المحتملات في هذا الدعاء الشريف وأنه كيف يكون لافرق بينه تعالى وبينهم إلا أنهم عباده و العبادة هي الطاعة وعبده أي أطاعه و اتبعه و قد يراد من العبادة العلم أي أنهم مظاهر علمك كما في بعض محتملات العبادة في قوله تعالى : (ما خلقت الجن والإنس إلا ليعبدون ) .
كما و أنه لابد قبل الدخول في محتملات الأمر من الإشارة الى أن الحق سبحانه وتعالى بلحاظ هو غيب محض وصرف بطون وخفاء وكل ما يتصوره الإنسان بالنسبة للحق تعالى إنما هو تصورات الشخص كما أشار إلى ذلك الأئمة الكرام بقولهم : (كلما تصورتموه فهو مخلوق لكم مردود عليكم) ولا كلام لأحد في هذا المقام أي في مقام محض البطون وصرف الوجود الإلهي لأنه فوق عالم الإمكان أي هو فوق مستوى العقل و الشهود و الدليل والبرهان حيث أن المخلوق مهما بلغ من العظم لا يحيط بالخالق اللامحدود (لايحيطون به علما) ولا يأتي صرف الوجود الإلهي في المدارك العقلية لأي مخلوق بشرا أو غير بشر من سائر الممكنات حيث أنه تعالى في مقام صرف الوجود والبطون لا إسم ولا رسم له.
و المرحلة الثانية هي مرحلة الأسماء والصفات الإلهية أي مرحلة الظهور الإلهي بأسمائه وصفاته و الإنسان الكامل وعلى رأس الجميع سيد الكائنات ومعجزة عالم الإمكان محمد (ص) وهو من أوتي جوامع الكلم تكوينا وتشريعا فكان ظهور علمه وعدله وجميع صفاته الحسنى و مظهر الخُلق الإلهي حيث أن الكلام في الدعاء الشريف في هذا المقام أي في مقام الأسماء والصفات المعبر عنه بحسب الإصطلاح العرفاني بمقام الواحدية وليس الكلام في مقام الأحدية التي لا إسم ولا رسم لها لأنها صرف وجود الواجب تعالى في مقام ذاته.
فإذا لابد من الإلتفات إلى أن عدم الفرق ليس بلحاظ نفس الذات الإلهية التي لامثل ولا شبيه ولا وصف ولا نعت لها ولا تأتي في المدارك الإدراكية لأي ممكن مهما كان من العظم وجلالة القدر و إنما الكلام في مقام ظهور الذات الإلهية في عالم الإمكان بالتجليات الأسمائية والصفاتية وهاهنا يمكن ان تجري الكثير من المحتملات لعدم الفرق بين الحق تعالى في مقام الظهور الأسمائي وعظيم الخَلق الذي هو الآية الكبرى والمجلى الأتم لجميع الأسماء والصفات الإلهية .
فنقول أما الإحتمال الأول:
فهو أنه إذا كانت صفات الحق تعالى عين ذاته لأنه الوجود الأحد الصرف الصمد الذي لا تعدد فيه فالصفات إذن التي نتكلم عنها هاهنا ليست إلا في مقام الإدراك البشري وهي بلحاظ الظهور وظهور الحق بإشراقه التام في مرتبة العلم الإلهي هو محمد (ص) ولا فرق بين الحق تعالى ومحمد بهذا اللحاظ فمثلا العلم في مرحلة التجلي والظهور والإشراق الإلهي هو الحقيقة المحمدية ثم العلوية وسائر الأئمة الكرام عليهم أفضل الصلاة والسلام وليس معناه أن محمدا (ص) هو الحق تعالى لبطلان القول بالإتحاد ووحدة الوجود الباطلة بمعنى كون الحق هو الممكنات و الممكنات هي الحق تعالى فأين الوجود الصرف القديم الأزلي من الوجود الضعيف الفاني الهالك الذات التابع للحق تعالى إيجادا بإخراجه من كتم العدم إلى دائرة الوجود واستمرارا لعدم البقاء إلا بعلته التامة وأنه لا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم بل المراد أن الحق تعالى في مرحلة ظهوره العلمي في مرتبة الفعل والخلق والإيجاد هو محمد (ص) وكما وهو أي محمد (ص) ظهور العلم الإلهي هو أيضا ظهور العدل فعدل الله تعالى في مرتبة الظهور في عالم الإمكان كان محمدا وهكذا هو ظهور جميع الأسماء والصفات الحسنى كما و أنه تجلي الخُلق الإلهي وهو القرآن الناطق الذي هو كلام الله قولا وفعلا وهو وحيه فمحمد (ص) هو ظهور علم وعدل وإحسان ولطف و………الله تعالى ولا فرق بين الفيض النوري الإلهي الذي هو العلم والعدل وجميع الأسماء الحسنى وبين من كان تجسيدا لها في عالم الإمكان فمن شاء ان يرى عدل الله تعالى الذي هو عين ذاته متجليا ظاهرا في مرتبة عالم الإمكان وجده متحققا بالوجود التام و الكلمة التامة والآية الكبرى الإلهية وهي وجود محمد (ص) فمحمد علم الله وعدله في مقامي التكوين والتشريع ومحمد (ص) في هذا اللحاظ هو جود الله وكرمه وعفوه وصفحه و رحمته الواسعة ولطفه وعزه وسلطانه ورضائه وغضبه وغَيْرَته وجميع أسمائه وصفاته الحسنى ولا فرق بين فيضه تعالى واشراقه ووحيه و أنواره وبين محمد لأنه تجسيدها وظهورها وبروزها في عالم الإمكان فمن شاء ان ينظر الى عدل الله بطهر القلوب ونور الإيمان وجده متجسدا في الخارج بمحمد (ص) ولذا ورد عن علي عليه السلام بالنسبة الى محمد (ص) : (معرفته بالنورانية معرفة الله) ولا فرق بين فيض الله الساطع وإشراقه النازل وبين محمد (ص) وآله الكرام إلا انهم عباده أي من يظهر بواسطتهم لمحض فنائهم في ذات الله وطاعتهم له جميع الأسماء والصفات فهم نور الله ورحمته التامة وهم مظهر اسم الولي لله تعالى الذي به جميع تجليات اسم الولي ولذا لا نتردد في ولايتهم المطلقة التي بواسطتها باذن الله تعالى لو قالوا للشيء كن لكان .
الإحتمال الثاني:
أن يقال أن محمدا (ص) و أهل بيته هم نور الله في عالم الإمكان كما و أنهم عدل الله ورحمته ولطفه وكلمته التامة و آيته الكبرى ونور الله وعدله ورحمته ولطفه وآيته الكبرى وكلمته التامة هي الله تعالى بلحاظ تجلي الحق في عالم الإمكان ولا فرق بينها وبين الله وإلا لما كانت واقع عدله وتمام نوره ورحمته ولطفه لو حصل الفرق بين الله تعالى وبينها فنور الشيء كأنه الشيء وعدله كأنه هو وكذا رحمته و لطفه ولذا قال لا فرق بينك وبينهم إلا أنهم عبادك أي أنهم نورك ولطفك ورحمتك وعدلك وهذا هو التابع لك المظهر لأسمائك وصفاتك وهو أمر لا يتخلف عنك لأن فعل الفاعل لا يتخلق عن الفاعل وهاهنا لشدة إندكاك وتبعية عباد الله المخلصين لإرادته ومشيئته أعتبرهم نفسه لأنهم ظهور المشيئة والإرادة في عالم الإمكان التي لا تتخلق عن ذي المشيئة وإلا لما كانوا المرآة العاكسة بتمام معنى الكلمة بلا زيادة ولا نقصان لأنوار ومشيئة الحق تعالى في جميع الأمور في تمام العوالم وجميعها من عالم الطبيعة و الذر والعقل والنور عدلا و حقّا وعلما و خُلقا فإذا لا مانع من القول بعدم الفرق بينهم وبين الحق تعالى إلا أنهم عباده أي إلا أنهم صرف التبعية للمشيئة الالهية.
الإحتمال الثالث:
لعل المراد من الدعاء الشريف أن هذه الآيات و الكلمات التامات و هي محمد و آله الكرام من شاهدها بطهر النفس و سلامة الفطرة و نور الإيمان شاهد الله تعالى متجليا فيها و توصل إليه بواسطتها و أن هذه المقامات من توقف عندها متأملا في أنوارها و مدارج علمها و بقية كمالاتها سيجد الله تعالى عندها لأن الوصول إلى الحق تعالى بدون السبل التي جعلها لشهوده غير ممكن و ذلك لقصور الجن و الإنس و الملائكة الكرام من الوصول إليه تعالى بلا واسطة الإنسان الكامل فمن أراد الله بدأ بهم و ختم بهم لأن الوصول إليه تعالى لو كان ممكنا بدون هذه الكلمات التامات لما كان من اللازم جعلهم واسطة للتشريع و قد ورد عن الرسول (ص) إن معرفتي بالنورانية معرفة الله تعالى، فإذا لا فرق بينه تعالى و بينهم من حيث النورانية و المعرفة إلا أنهم عباده أي سبل المعرفة للوصول إليه و ليس هناك من فرق بين سبل المعرفة و أنوار الهداية و الحق تعالى إلا أنه مسبب هذه الأسباب التي هي مرآئي لعظيم جماله و جلاله.
الإحتمال الرابع:
لعل المراد من عدم الفرق بينهم و بينه إلا أنهم عباده أي أنه تعالى نور و هم نور و أنه علم و هم علم و أنه رحمة و هم رحمة و أنه عدل و هم عدل إلا أن هذه الصفات فيهم مندكة و تابعة للحق تعالى فالفرق بينها و بينه بالإستقلالية و التبعية فمن نظر إليها فانية مندكة الذات في الحق تعالى هدي إلى الصواب بمعرفة الفرق بين المستقل و التابع و العابد و المعبود و الظل و ذي الظل، و من نظر إليها نظرة استقلال وقع في الخطأ و عبد أولياء الله بدلا من الله كما أصيب بهذا الخطأ الفادح بعض الجهلة من الصوفية أو من غيرهم حين ما راحوا ليعطوا الأولياء الكرام صفات الحق بلا ملاحظة كونهم عباده التابعين له فالتمييز بين المستقل الأزلي القديم و هو الله تعالى و التابع المندك من الأولياء هو سبيل النجاة و إلا فقد يصاب الإنسان بالخطأ كمن قال: إن عليا عليه السلام هو الله، و كالذين أفرطوا في المسيح عليه السلام فالكلام إذن في الدعاء الشريف للتوفيق بين المستقل و التابع و ملاحظة الفرق بينهما لكي يسير العبد المؤمن الصراط المستقيم و الإعتدال بين الإفراط و التفريط بعيدا عن ظلمات الملحدين و غوايات المتطرفين من المنتسبين إلى الأديان القائلين بوحدة الوجود بمفهومها الباطل أو الحلول أو الاتحاد أو القول بألوهية بعض عظماء الخلق حيث أنه لا وحدة بين الواجب تعالى و الوجود الإمكاني الفقير إلا لكون الأولياء من مظاهر الواجب تعالى بما يتصفون به من صِرف العبودية لله، فهو دعاء يرشد المؤمنين ليعيشوا الإعتدال في أدق المفاهيم و الأمور التي قد زلت فيها أقدام كثير من الخلق في حين أنهم يعيشون الظلمات يرون أنفسهم في منازل المقربين.
الإحتمال الخامس:
أن يقال لعل المراد من الدعاء الشريف الإشارة الى أن أولياء الله تعالى من اللازم الضروري على إختلاف مراتبهم أن تكون لهم الولاية التكوينية مضافا على الولاية التشريعية فهم واسطة التشريع كما و أنهم واسطة للتكوين فهم الصادر الأول تكوينا في مرتبة عالم النور و بحث الولاية التكوينية على إختلاف المسالك فيها قد شرحته في بحث الإمامة والولاية الموجود على الموقع فهو تعالى الولي الحميد وهم عليهم السلام مظاهر لهذه الولاية التكوينية ولا فرق بينهم وبينه تعالى في التأثير في عالم الإمكان إلا من حيث التبعية والعبودية بتبع مشيئة الحق تعالى .
الإحتمال السادس :
نقول لعل المراد من الدعاء الشريف الإشارة الى ان الأولياء عليهم السلام لقربهم من الحق ولعرفانهم للإسم الأعظم الإلهي هم الإسم الأعظم الإلهي في مرتبة الفعل والوجود الخارجي فهم بإذن الله تعالى بتبع المشيئة الإلهية من المدبرات أمرا لأنهم أولى من الملائكة الكرام بهذا المقام العظيم حيث أن الملائكة الكرام تعلمت منهم الأسماء التي هي بنحو الجمع متحققة في الإسم الأعظم الإلهي وسيظهر ذلك جليا لكافة الخلائق في دار الآخرة وكونهم عليهم السلام قادرين على دفع الأذى في دار الدنيا والتخلص من كل شرورها ومع ذلك كانوا مظاهر الإستسلام للقضاء والقدر الإلهي لحكمة ربانية تتناسب مع كون الدنيا دار إختبار وإختيار من أعظم مقامات الأولياء كما و أن الله تعالى وهو سلطان السماوات والأرضين ما ظهر للخلائق في دار الدنيا بأسماء الجلال كالسلطان والجبار والمتكبر و المهيمن والعزيز كذلك هم لنفس الغاية لم يُعْمِلوا ولايتهم التكوينية ولم يظهروا بمعالم الكون بالإسم الأعظم الإلهي في مرتبة عالم الإمكان وعليه فلا مانع من القول بأنه لا فرق بين الإسم الإعظم الإلهي الذاتي وبين الإسم الأعظم الفعلي إلا من حيث العبودية و محض الإستسلام للقضاء والقدر الإلهي والمشيئة الربانية .
والمتأمل في كلمات العظماء يجد فيها الكثير من الأعماق والمعاني ولسنا أهلا أن نتوصل الى أبعاد كلماتهم ولعل هناك من يتمكن بحسب سعة علمه و طهارة نفسه أن يشاهد الكثير من المعاني الأخرى وفقكم الله للمس حقائق العرفان من كلمات محمد وأهل بيته الكرام عليهم أفضل الصلاة والسلام.
0 تعليق