الطائفية
بقلم سماحة الأستاذ الشيخ محمد كاظم الخاقاني
سرت الشمس بإستحياء لتطل من وراء الحجب على قصور الخلد بكل سكينة متصاغرة خجلة تتحاشى سوء الأدب حينما أوحى إليها ربها بأنها ستمثل بين يدي مولانا الأجل الأكرم ذي الشرف و العلم و الكمال مظهر العدل الإلهي.
فإمتثلت أمر ربها حيث يكون الإمتثال خيرا من الأدب,يعلوها الإضطراب ويبدو عليها الإرتعاش علما منها بما عليه مولانا من عظم,وكيف لا وهو أمير المؤمنين و ولي أمور المسلمين ,عينهم الساحرة في رعاية مصالح الإسلام في العالمين ومن خوّله أهل السماء قبل الأرض تشخيص مصلحة النظام الإسلامي أدام الله عزوجل ظله الوارف على رؤوس المسلمين.
فأطلت الشمس بنورها الدافيء ساطعة على بعض شرف وستائر غرف في أجنحة قصر على ضفاف البحر ألا وهو قصر السلام و الخلد حينما أثقل ساكنيه عميق نوم في جوار المها و الريم الحسان المبثوثة وردا مختلفا ألوانه على سرر من ذهب وفضة فوقها الديباج و الحرير و الإستبرق حيث النمارق والزرابي تطرز قيعان تلك الغرف التي تباعد أطرافها فكادت أن لا تتجاوز إلا بحسن طيبها و قد وضعت في جوانبها مالا عين رأت ولا أذن سمعت من مختلف لذيذ المآكل والمشارب لمن أنعم الله عزوجل عليهم بواسع لطفه قابلية الأكل والشرب حيث العدل الإلهي بحال العباد تقسيما لأنعمه بحسب القابليات
فسرى ذلك النور مستأذنا على أمير المؤمنين من تلكم الشرف والستائر متأدبا مستقرا بعض الوقت بين يدي مولانا خليفة رسول رب العالمين
وعندها راح النور بكل أطيافه اللوامع يدقدق أجفان مولانا المبارك تحيطه أبعاد الخوف والحذر مستعينا بتغريد العصافير التي هي بادرت أيضا عند الصباح همسا تداعب بإذن العزيز القدير و إلهامه ووحيه مسامع مولانا الأجل الاكرم رضي الله تعالى عنه وأرضاه وتفضل عليه بواسع جنانه بعد طول عمر جزاء وفاقا عطاء من سلطان السماوات والأرض لمن خدم الإسلام والمسلمين وبسط العدل والعلم في الأرضين.
ولكن على الرغم من كل ذلك ما وجدت لنفسها موقعا من سمع و بصر مولانا الأغر تلكم الأنوار والهمسات إلا بعد اللتيا والتي وعندها ملأ السرور أعماقه والشمم أضحى يعانق عنفوان زهوها حيث بلوغ الغايات في جنب ركب سيف الحق بات يرفرف ما بين جوانحها و تموّج البركات أصبح من فم مولانا بطهر أنفاسه يعمها فيضا متدفقا يجعلها تتطلع الى الأفق المبين تألقا نحو السكينة و نسيم الخلد.
وما كان هذا التباطئ من الأنوار والهمسات في التأثير على سمع و بصر مولانا إلا حقا حيث أن الفاعلية لمولانا هي الأصل والأساس قبل القابلية والإنفعال والتأثر بحسب مقتضيات الوجود ومحال جريه فعلا وإنفعالا بمشيئة العزيز القدير.
ولما فتح مولانا عينيه يعلوه النعاس وجد نفسه الى جنب كؤوس زفت إليه ليال الأنس وقد أخذ النهار من يومه مأخذا ,فبادر بحزم العظماء يوقض حشد المثقلين بأعباء السمر بزعيره المعروف المألوف في جمع النواعم الحسناوات اللواتي كأنهن اللؤلؤ والمرجان.
وما أن طرق صوت مولانا المبارك المهاب أسماعهن إلا وجدهن جميعا كحمام السلام يتراكضن بين يديه يمينا وشمالا تلبية لنداء الحق المتجلي على لسان أمير المؤمنين وولي أمور المسلمين أطال الله تبارك وتعالى عمره الشريف وأدام ظله الوارف على رؤوس أمة محمد (ص)بل على البشرية كافة إنه سميع مجيب الدعوات.
ثم عاود سرب الحمام والغزلان تتقدمهن غزيلة تتمايل في مشيها غنجا هي حب أمير المؤمنين وقلبه النابض بعد تنفيذ ما أمرنا به الى سيدهن مولانا الأجل ركعا سجدا يرتدين رقيق الفساتين كل واحدة بما يناسبها من فستان أبيض او أسود او أصفر او أخضر على اختلاف الفساتين طولا وقصرا ليقبّلن أيدي أمير المؤمنين وظل الله عزوجل في العالمين مظهر الجود والكرم قبل أن يلبس عمامته ويرسم المشط كريم محاسنه بما يناسب عز الإسلام ويرتدي قبائه الأسود وينتعل نعاله الأصفرأو الأخضر إذا وجدا الى قدمية سبيلا لينالا بركة من بعض عرق قدميه حيث يصبح عندها مولانا الأجل مصداقا لقول الشاعر:
أنا إبن جلى وطلاع الثنايا ******************************** متى أضع العمامة تعرفوني
وذلك لأنه عند ظهور مولانا بمظاهر الكون على العرش أمام الجموع سيصعب قرب مثل حور العين منه حيث الظهور والتجلي لمولانا يختلف من حال الى حال وعند الإشراق على الأمة يكون ظهوره بآيات الجلال والقهر والهيبة والوقار والعظمة هو الحاكم على بقية أسمائه وصفاته إعزازا لدين الله عزوجل بعيدا عن التبسط والتواضع المألوف لمولانا في قصور الخلد حيث الظهور بمظاهر الجمال وفي مثل هذا المقام العظيم ألا وهو الظهور بمظاهر الجلال والقهر لا يبقى لأمثال النواعم مجال للقرب من ساحة قدس مولانا الأجل,هكذا رصدته مراصد الأفق المبين في مكامن جريه ومسالك عروجه
وعندما تجهّز أمير المؤمنين بكل ما منحه الحق تعالى من مظاهر الجلال للإشراق في مجلس الحكم في دار الخلافة محفوفا بسبع وسبعين بطنا من الحواشي والخدم و الحشم تأسّيا ببطون الكتاب المجيد بما يحمل في طياته من العلم وهي بطونه اللامتناهية توجه عندها ذوالجلالة بركبه المهيب سائرا نحو الغاية بهذه الحشود الميمونة المباركة ببركاته بما تحمل في أعماق قلوبها من إجلال وتقديس للخلافة والخليفة ذي الجود والكرم الذي ما حرم الأمة ثقل وجوده الناسوتي وإن عاش واقع حياته في الملأ الأعلى بأثقال أبعاد وجوده الثلاث الأخر الملكوتية والجبروتية واللاهوتية
أجل ما هي إلا سويعات من الزمن تجلى فيها نور الخليفة بين القصر و دار الخلافة لأمته حتى استقر بمولانا المقام على العرش ليصبح الصمت هو الحكم الفصل تجليا للمولى بمظاهر الحق تعالى حيث يقول (لمن الملك اليوم لله الواحد القهار)1 وعندها نشف الريق بأفواه الرجال ليصبحوا بكل أبعاد وجودهم إصغاء لسماع أوامر أمير المؤمنين معز دين الله عزوجل في العالمين لينثر على الأمة الدررالمكنون بكلماته القصار ,لكن قبل ذلك أذن الخليفة للشعراء أن ينشدوه ما جادت به قريحتهم الغراء إعزازا للدين بذكر عظيم مقام الخلافة ومدح الخليفة وبيان بركاته على الإسلام والمسلمين
وقد كان ذلك من الشعراء وغيرهم ممن عرفه حق الخلافة في الإسلام هو الحق المبين جزاء لما يقوم به مولانا الأجل الأكرم من خدمة للأمة في لياليه حينما تتعاكس الأنوار السواطع من جبين الخليفة والشموس الزاهرات النواعم عندما يخرق صمت الليل لحنهن ليقوى بذلك أمير المؤمنين على مهامه تجاه الإسلام بتكثير نسل المسلمين لكي لا تصاب الأمة بأزمة من حيث عدد الأمراء والقادة فضلا عن ضرورة إنشاء ولي عهد بإبداع جديد يناسب الزمن مواكبة مع متطلبات الشعب و أبعاد الرسالة.
ومن تردد في مكانة مولانا أمير المؤمنين جهلا منه بحقائق الأمور أو لعمى البصيرة لبعد عن مهب الأنوار فاليذهب الى أصحاب علم اليقين و عين اليقين وحق اليقين ذوي البصائر الذين أشرق عليهم نور الحق فانبسطوا في مواطن البسط و انكمشوا في مواطن الإنكماش تلبية لأسماء الله عزوجل بسطا و قبضا عندما وجدوا القصر في بعض الأطراف أنسب بالحيطة والورع والطهارة والزكاة فشاهدوا عندها في محال طهر نفوسهم أمراء المسلمين جميعا في مواطن قدسهم
وإن كان المتأمل البصير يجد بوضوح أن تطلع أمير المؤمنين لمستقبل الأمة هو أوسع بكثير من أن يحدد بإطار خاص بل كان طموح مولانا وبقية أمراء المسلمين الذين سبقوه هو إنشاء أجيال من نسل الأمراء تكون قادرة على تحريك البنية التحتية للإقتصاد الإسلامي حتى لا تقف عجلة الحياة ولذا كانوا يدفعون دائما الأسواق الى تحرك مستمر بما يمدون به الأمة من شبيبة من الأسر الحاكمة قادرة على تحريك أعظم الأسواق ألا وهي أسواق النخاسين حتى لا تصاب أسواق المسلمين بالركود الإقتصادي فجزاهم الله عزوجل عن الإسلام والمسلمين خير جزاء المقربين
ولكن على الرغم من كل الجهود فإنما قد يتوصل اليه البصير من فيض جود أمراء المؤمنين طيلة هذه القرون ليس إلا بعض جداول جودهم وخدماتهم الإسلامية في حق الإسلام والمسلمين وإلا فسوف تجف الأقلام ولو مدها الله عزوجل بسبعة أبحر كما قال تعالى بالنسبة الى فيض جوده :(قل لو كان البحر مدادا لكلمات ربي لنفد البحر قبل أن تنفد كلمات ربي ولو جئنا بمثله مددا)2
ومن أراد معرفة المزيد من خدماتهم فاليسأل الغيارى على دين الله عزوجل الذين ببصيرة الإيمان وفراسة اليقين كشفت لهم الحجب فوجودوا أكثر أمة محمد(ص)كفرة إلا الحكام وأتباعهم فأخذوا من العزيز القدير مفاتيح الجنان لأنفسهم ومن إهتدوا بهداهم من الحكام فدخلوا جميعا مع قادتهم من الحكام الذين أوجبوا طاعتهم على الأمة الى جنان الخلد ينعمون في جوار النبيين والصالحين,فهنيئا لهم جنة الخلد مع أئمتهم و ولاة أمرهم من الحجاج بن يوسف الثقفي وأمير المؤمنين يزيد بن معاوية وأضرابهم من العظماء الأبرار من قادة الأمة الإسلامية
آه آه لا أدري كيف أبعدنا سيلان القلم حينما أطلق له العنان فراح لينطلق في سماء العظماء والغيارى على دين محمد (ص)في قممهم العوالي ورفيع جنانهم, فأنسانا دار الخلافة مظهر العدل و العلم لرسالات السماء وقد راح يحتشد فيها بصفوفهم المتراصة ممثلوا الشعب وهم فقهاء دار الخلافة والخطباء الذين بحضرة أمير المؤمنين مستأذنين الدخول على ساحة قدسه على إختلاف طبقاتهم ليقوموا في محضره الشريف ببعض ما تملي عليهم ضمائرهم وما فرضه الله عزوجل عليهم في شرعه القويم تجاه مولانا أمير المؤمنين من طاعة في كتابه المجيد حيث يقول:(أطيعوا الله وأطيعوا الرسول وأولي الأمر منكم) 3وليس ذلك ببعيد عن سنة رسوله الكريم محمد (ص) القائل:(من مات ولم يعرف إمام زمانه مات ميتة جاهلية)وكيف لا يموت ميتة جاهلية وهو لا يعرف مولانا أمير المؤمنين ومن سبقه من ولاة الأمر كيزيد بن معاوية والمتوكل العباسي والكثير من حكام زماننا هذا أسكنهم الله سبحانه وتعالى فسيح جنانه لأنهم مظاهر شرع الله ورسّام سنن الأنبياء ,كما أرشدنا الى ذلك الغيارى على دين الله أصحاب مفاتيح الجنان الذين دخلوا الجنة لحبهم للقاء ربهم وتركوا ورائهم أمة محمد (ص)سنة وشيعة وراء الأبواب فضلا عن سائر البشرية لمّا وجدوا ببصيرتهم أن هؤلاء جميعا كفرة مبتدعين ولذا لم يطلبوا لهم من ربهم العفو والغفران,لا حرم الله سبحانه وتعالى الأمة بل البشرية من واسع علمهم ورقيق قلوبهم,فهم محالُّ رحمة الله سبحانه وتعالى التي وسعت كل شيء
ثم تكلم الخطباء بما يناسب المقام خطبا يشهد لها رفيع مقام الأدب وأظهر الفقهاء في تعابيرهم إستعدادهم المطلق لما تحتاجه الخلافة الإسلامية من الفتيا إعزازا لدين الله عزوجل خدمة للأمة وما عجز عن بيانه وإظهاره قوالب أدب الفقه أبدع في شرحه تقاسيم الوجوه و حركات اليدين بما يناسب المقام في دار الخلافة من إنبساط او انكماش تارة ومن تحريك للمحاسن على الصدر ومن غمض العينين أو استرخائهما تارة أخرى حين وجد الفقهاء أنهم مشمولون لنظرات أمير المؤمنين في بعض تطلعات أنفاسه يستطلع رضاهم ويستطلعون رضاه وبعد القيام بكل واجبات المدح والثناء أبلغ ممثلوا الأمة مولانا ما عليه الشعب من الرضا والولاء والسرور والإمتنان تجاه كريم قدسه وما يكنه الناس في طيات قلوبهم تجاه ولي أمرهم الميمون ظل الله سبحانه وتعالى في العالمين
وعندها هز الخليفة رأسه المبارك وتمايلت عمامته فبان جزء من شحمة أذنه اليسرى فاندهش الحاضرون لدقيق حركات مولانا وهو يعلو العرش,فأشار بعضهم لبعض بطرف عينه أنها حركة تدهش العقول تحكي في بطون أبعادها لذوي العلم عظيما من دقائق الفلسفة والعرفان يغيب عن كثير من السواد الأعظم فهم مفردات المراد منها حيث أحاط أمير المؤمنين بلطيف فعله الحاضرين علما بأنه واقف على حقائق الأمور وما عليه كافة الشعب من الرضى على اختلاف اطيافه ثم بادر مولانا يوصل الفعل بالقول بمزيد من العطاء ينثر جواهر الكلمات القصار المتراكمة على صدره الطاهر سفط العلم والحكمة مفيدا إياهم أنه لا يفكر ليله ونهاره الا بخدمة دين الله والشعب ونشر شرع الله سبحانه وتعالى في العالمين وهذا هو ما أهمه في طموحه لشعبه ودفع به الى التأخير في الظهور عليهم من قصور الخلد
ثم أمر لممثلي الشعب وهم الشعراء والفقهاء الذين بحضرته والخطباء ومشيخة العشائر الذين في دار الخلافة تكريما لهم بالهدايا,ليصبح التكريم متبادلا بين الحاكم والرعية تحقيقا لمكارم الأخلاق
فقدّم لهم المسؤولون مئات الآلاف من الدراهم والدنانير التي ورثها مولانا الخليفة من جدته لأمه وقد راعى بالعطاء كلا من المهدي اليهم ما ينسابه,كل ذلك رحمة من ولي أمور المسلمين بحال شعبه البائس الفقير ثم أشار كبار أعضاء حكومته الى الفقهاء الذين بحضرة الخليفة أنه لو كان بوسع أمير المؤمنين المزيد من العطاء لما حرمهم وابل فيضه ولكنهم دائما سيبقون تحت واسع عنايته لما هم عليه من خدمة الشعب والشرع ماداموا مستلهمين الأحكام بما يناسب الزمان والمكان من أنفاس خليفتهم المعز لدين الله المعتصم بحبله المتين سيف الله المسلول على أعداء الدين والأمة.
ثم أشار الخليفة بطرف حاجبه الأيمن لممثلي الأمة وعيونها الساهرة بالإنصراف ليخلوا بوزيرة المؤتمن على العباد والبلاد.
فراحا معا يمشيان في حدائق القصور وجنانها بسبق قدم لأمير المؤمنين ليتجلى الأدب والتواضع في خطى الوزير بأزاء ولي النعمة تحقيقا لما حكم به العقل من لزوم شكر المنعم وكيف لا يكون ذلك وهو ولي أمور المسلمين وحامي حماها وراعي مصالحم بفراسة تشخيص مصلحة النظام التي لا يحضى بها الا ذو حظ عظيم.
وبينما هما يسيران وتعلوا البهجة عليهما التفت الوزير لولي نعمته الميمون متصاغرا على الرغم من عظيم خدماته قائلا:إن أذن لي سيدي أمير المؤمنين أطال الله سبحانه وتعالى عمره الشريف ولا حرمنا والإسلام والمسلمين من واسع بركاته وفيضه وعظيم حكمه أنبأته وهو العالم,ببعض المستجدات من الأحداث إن رأى مولانا الوقت مناسبا لذلك.
فقال له الخليفة:قل ما بدى لك يا وزيرنا فإنك الرشيد المؤتمن على مصالح الأمة الذي خبرناه في شدائد الأمور حين ورودها ومن لا يؤخر بيانها عن وقت حاجتها ولا ينكمش حين انحدار سهام رميها جريا مع سبل قضائها وقدرها.
فقال الوزير:حمدا لله تعالى على جسيم آلائه ونعمه على هذا العُبيد الذي جعله الله سبحانه وتعالى محلا لثقة مولاه وسهما من سهامه,فأخبركم يا مولاي إن جندكم جند الإسلام قد قبضوا على شرذمة من المنحرمين الخونة الكفرة الروافض المرتدين بعون الله سبحانه وتعالى وبركة أنفاسكم التي يستمد منها غلمانكم الأشاوس بعدما قتلوا الكثير من هؤلاء الكفرة وسبوا نسائهم وأسروا ذراريهم وما كان ليحصل يا مولاي ذلك كله لولا فضل ارشاداتكم وفتوى من يرعون مصالح الأمة من فقهاء تنوروا بنور عرفانكم لخدمة الدين والكيان الإسلامي القائم تحت رعايتكم.
فيا سيدي إن هؤلاء الخونة الروافض كانوا يؤججون نار الفتنة الطائفية بين الأمة ليشقوا صفوفها المتراصة المتوحدة تحت رايتكم داعين إلى مذهب التشيع بإمامة علي بن أبيطالب وأبناءه من آل الرسول وما أدري يا مولاي ماذا يزيد هؤلاء الذين أعمى الله تعالى بصائرهم؟!
فهلا يشاهدون كرمكم وجودكم على من يقصد مجلسكم المبارك من العلماء والشعراء والأشراف والأعيان ممثلي هذه الأمة؟ وهلا يرون عدلكم ونشركم للدين واهتمامكم بذلك وها أنتم تغزون البلاد وتأسرون وتغنمون وقد ملئت بعون العزيز القدير الأسواق من الرقيق والجواري والعبيد كل ذلك إعزازا لمثل الإسلام وقيمه وذلاً لأعداء الله تعالى حتى أصبحت يا مولاي أسعار الرقيق لكثرة من يؤسر تتدانى كل يوم في الأسواق فضلاً من الله تعالى بحال العباد.
فأجابه أمير المؤمنين وولي أمور المسلمين ورئيس تشخيص مصلحة النظام الإسلامي المبجل قائلا: هؤلاء كما قلت يا وزيرنا وإن أعمى الله تعالى بصائرهم وحرمهم من مشاهدة مجلسنا لسوء توفيقهم لكنهم بالقطع واليقين قد بلغهم ما نحن عليه من الأفضال على المجتمع سخاءً وجوداً وما نحن عليه أيضا يا وزيرنا من واسع الرحمة على من تحت أيدينا من الحسناوات النواعم اللواتي ملكنا قوامهن بفضل المجاهدين في سبيل الله ملك يمين وقد جعلناهن في خير نعمة في القصور ينعمن بكل ما آتانا الله تعالى من فضله ولم نعمل في حق هذه القوارير اللواتي كأنهن مظاهر نور الله تعالى حيث يقول: (الله نور السماوات والأرض مثل نوره كمشكوة فيها مصباح المصباح في زجاجة الزجاجة كأنها كوكب دري يوقد من شجرة مباركة زيتونة لا شرقية ولا غربية يكاد زيتها يضيء ولو لم تمسسه نار نور على نور يهدي الله لنوره من يشاء ويضرب الله الأمثال للناس والله بكل شيء عليم)4 إلا الطيب والرفق والحنان.
فاستشعر الوزير أن مولانا الخليفة إكتفى بما قام به جند الله الميامين بما لا مزيد عليه من القمع والتنكيل لأعداء الله والأمة وأنه يريد أن يقضي هذه اللحظات في حدائق القصر بعيدا عن المجاملات والرسميات وذلك حينما وجد الوزير تقاسيم وجه مولانا تبدلت من الجد إلى الهزل وأن البسمة علت على محاسن وجهه المبارك.
فضحك الوزير لظرافة مولاه الخليفة حتى كاد أن يقع على قفاه إلى أن أشار إليه مولانا بأنه كفى فعاد الوزير إلى صمته وأدبه السابق المألوف بين يدي الخلفاء مظاهر عز الله ورسام خطى الأنبياء.
ومن بعد ما قضى الخليفة بعض الوقت بعيدا عن السياسة مع وزيره يتجول بين الحدائق والقصور والأنهار عاد فجأة دفعة ثانية فقال: وأما إتهام هؤلاء الروافض إيانا بالإستبداد والكبت وقد راحوا يشكلون كفة معارضة طيلة القرون لمن أمر الله تعالى بطاعتهم
وهم (أولوا الأمر) على الرغم من تأييد الأمة لنا بكافة أطيافها فهو ليس إلا بعض مفتريات هؤلاء الكفرة حقدا على الإسلام والمسلمين ألم ينظروا إلى مثالية الحكم حرية وعدلاً ورفاهية طيلة القرون من حكام المسلمين وكيف ساروا بالأمة من رقي إلى رقي ومن كمال إلى كمال في كافة مجالات الحياة العلمية والأخلاقية والإقتصادية والإجتماعية وكيف كانوا دائما ربان سفينة الحياة إلى خير الدارين دنيا وآخرة ومن شك في عدل السلف وما بنوه من أواصر أسس الحرية فالينظر إلى مثالية الخلف في مجاري الأمور فهو خير شاهد على حسن السيرة والعدل والإبتعاد عن الظلم والإستبداد فهلا يشاهد ذلك كله الروافض لعنهم جبار السماوات والأرض، أجل كيف يشاهدون وقد أعمى الله تعالى بصائرهم!!!
وها نحن لم نستبد يوما من الأيام في الحكم بل نتشاور من بحضرتنا من القضاة والأشراف والشعراء وأين هم عما نحن فيه الأن ليشاهدوا كيف يتبادل الآراء مع وزيره أمير المؤمنين وعلى فرض أن الخليفة لم يشاور أحدا في شؤون الحكم فليس معناه الإستبداد والظلم بل هو اتباع الأمة لولاة أمرها فيما يرونه لها من الصلاح والسؤدد وها هي سيرة السلف من الأمراء رعاية لمصلحة الأمة وخوفاً من تشتت الآراء وبروز النزعات.
ثم ودّع أمير المؤمنين وملاذ الخلق في العالمين وزيره وعاد إلى قصور الخلد للأجنحة التي أعدها بإذن الله تعالى لحور العين ليقضي بقية يومه في جوارهن إعدادا للنفس للقاء من هن أعظم درجة حسناً وكمالا في جنان الخلد غدا عند مليك مقتدر وما كان ذلك للعب ولهو من أمير المؤمنين كما يظنه الجاهلون أعاذنا الله وإياكم من شطحات الأقوال وسقطات الأفعال بازاء من أمرنا الله تعالى بطاعتهم وأرشدنا العلماء الاعلام الذين في كنف دار الخلافة بالصبر على أفعالهم ولو كانوا فسقة ظالمين كل ذلك إعزازاً لدين الله عزوجل والنظام السياسي.
وعندما ذهب من نهار يوم غد ثلثاه تزامن إشراق أمير المؤمنين وفيض نوره الساطع مع قوة إشراق الشمس حينما تم بتوفيق العزيز القدير انبساط ثقل الخلافة لمولانا الأجل الأكرم على العرش في دار الخلافة وهو يكاد أن يتفجر غضبا على الرغم من واسع حلمه وعظيم علمه وجسيم صبره خوفا على وحدة الأمة وشق عصاها على أيدي الرافضة الفئة الضالة المضلة رأس الكفر والنفاق والمكر والشقاق التي أعمى الله السميع العليم بصيرتها فأصبحت لا تعي ما عليه أمير المؤمنين من تطلع زاهر لمستقبل الإسلام والمسلمن رسم خطاه مولانا قدس الله سر أنفاسه في خلواته في غرف قصور الخلد بشهوده حجب النور لتلكم الأقمار والشموس الركع السجد حينما تجلى لها ربها فوق عرشه فكانت سالكة سبل ربها طوعاً أو كرها.
وما أن استقر بمولانا الخليفة المقام فوق العرش في دار الخلافة حتى أمر بإحضار رؤوس هذه الفئة الرافضة لشرع الله المتجلي بسيرة مولانا أمير المؤمنين لتنال جزاءها اللازم قربة إلى الله تعالى حيث يقول عز من قائل: (وما ظلمناهم ولكن كانوا أنفسهم يظلمون)5 فجيء بهم مكبلين بالحديد إذلالا لأعداء الله ورسوله والأمة الإسلامية.
فقال لهم خليفة الله تعالى في العالمين مظهر عدله وعلمه: الويل لكم اليوم من سخط الله تعالى وسخط هذه الأمة التي تريدون النيل منها بشق عصاها وتمزيق صفوفها وزرع البلبلة فيما بينها بإلقاء الشكوك في معتقدها والسعي لترديدها في ولاة أمرها فأين المفر من سخط هذا الشعب وعذاب الدنيا قبل نار الآخرة وبئس المصير فاعلموا إنكم ستقتلون شر قتلة ولا تغفر لكم هذه الأمة المسلمة كيدكم لها (فإن حزب الله هم الغالبون)6.
ثم نظر الخليفة إلى الناس فقال: الحذر الحذر فإني أخاف عليكم من الروافض أن يبدلوا دينكم وينشروا في الأرض الفساد وبعدها وجه الخليفة خطابه يستفتي الفقهاء الذين بحضرته في حقهم فقال: ماذا يرى قاضينا قاضي القضاة من جزاء يستحقه هؤلاء الكفرة الخونة الجناة الذين منهم الدين براء وقد برئت منهم الأمة والذمة أيضا؟
وإنما أوكل مولانا أمرهم إلى القاضي لكي لا يحيف عن موازين العدل الإلهي تجاه هذه الفئة الضالة لما هو عليه من غضب في جنب الله تعالى غيرة على دينه.
فأجاب قاضي قضاة الأمة ورئيس تشخيص مصلحة نظامها الإسلامي قائلاً: إن أذن لي مولاي ولي أمور المسلمين أمير المؤمنين بإحالة هؤلاء الكفرة من دار الخلافة إلى دار القضاء كنت له شاكرا لما أعلم من رقيق قلب أمير المؤمنين حتى بازاء أشد أعدائه الذين يكنّون له عميق الحقد والبغضاء فلذا خوفا من أن ينصدع حين صدور الحكم قلبكم الطاهر يا مولاي قلب الأمة النابض على هؤلاء الجناة فيشملهم عفوكم ورحمتكم التي وسعت كل شيء تجسيدا لعظيم رحمة الله تعالى التي وسعت كل شيء أطلب من حضرتكم إحالتهم إلى دار القضاء.
فأجابه بعد تأمل مولانا الخليفة على الرغم من اعتصار قلبه رحمة بحال الجناة أن لا مانع من ذلك.
وعندما أحضروا عند ميزان العدل الإلهي قاضي القضاة شريح بن الحجاج خاطبهم قائلا: أيتها الكفرة المجرمون لماذا تبثون روح النفاق والطائفية بين المسلمين و تشقون عصاهم فتؤذون بذلك خليفة رسول الله ومن آذى خليفة رسول الله قد آذى الله تبارك وتعالى وذلك ما يهتز منه عرش الرحمن والإسلام شرع الله الواحد الذي بعث به محمد بن عبدالله (ص) رحمة للعالمين، فألغي عصبية الجاهلية بكل أبعادها الطائفية والقومية، فهلا تعون هذه الأسس المسلّمة من الإسلام أم أنتم صم بكم عمي لا تفقهون؟!
وقد أبلغ أمير المؤمنين عنكم عيونه الساهرة أنكم تدعون الناس إلى آل بيت محمد (ص) تمزيقا لصفوف هذه الأمة، فأقسم بالله القاهر الجبار المهلك لأعدائه لأجعلنكم عبرة لمن اعتبر من كافر أو منافق يريد النيل من أمة محمد (ص) الذي بعثه الله تعالى بشريعة الإسلام وقد تمسك به الصالحون واتبعهم الخلف الصالح تحت راية أمير المؤمنين.
فإما أن تتوبوا إلى الله وتعلنوا برائتكم من الروافض المنحرفين وإلا أجريت في حقكم حكم الله تبارك وتعالى.
فخاطبه أحد الروافض وهو مكبل بالحديد يكاد أن لا يفصح لبعد عهده بالماء وقد أعياه قبل ذلك في السجن جند الحق بما آتاهم الله تعالى من قوة وإبداع وتفنن في كيفية أخذ الإعتراف وفهم الضمير ولو بدون إقرار بلفظ قائلا: إن أذن لي سيادة القاضي ببعض الإستفسار تنويرا للعقول كنت له شاكرا، فنظر إليه القاضي شزراً ثم انطوى في أعماق الضمير ليسبح في سفن الأفكار هنيئة من الزمن منجحا مفلحا في سداد الرأي مشيرا للمتهم بعد ذلك برأسه بالإذن وكله أمل يتمنى أن يهدي الله به طيلة حياته ولو شخصا واحدا للفوز بجنة الخلد في جوار النبيين مصداقا لقول رسول الله (ص) : يا علي لو هدى الله بك رجلا واحدا لكان خيرا مما طلعت عليه الشمس.
فقال الرافضي: نورونا يا سيادة القاضي، لمَ لا يكون بمسلك العامة والجماعة المعروف بمذهب التسنن بإلغاء المذهب الشيعي الذي أئمته كلهم من آل محمد (ص) نزعة طائفية شقت عصا المسلمين طيلة هذه القرون وقد رافق هذه النزعة سفكا لدماء الآخرين وحرمانهم من كل حق من حقوقهم حتى الإنسانية الأولية فضلا عن حقوقهم الدينية السامية ولكن يكون الإعتقاد بمذهب الشيعي ولو بدون محاولة لتطبيقه على أبعاد الحياة العقائدية والسياسية والإقتصادية والإعلامية والتعليمية والعسكرية نزعة طائفية توجب الخروج عن الدين ويستحق صاحبها القتل، فمن هم الطائفيون حقاً يا سيادة القاضي؟!
فارتعدت فرائص قاضينا المبجّل غضبا لدين الله وأمة محمد (ص) فقال: ويحك أيها الرافضي الخبيث أتجرأ وأنت بين يدي قاضي القضاة بإظهار مثل هذه السفاسف والهذيان شطحات الكفر والزندقة وتتردد في أن الحق ما عليه أكثر المسلمين أتباع ولاة الأمر الذين أمر الله تعالى بلزوم اتباعهم وهم الخلفاء وأمراء المسلمين فلماذا لا تفقهون قولاً ولا تفهمون أيتها الروافض منطق الحق والصواب منطق الأكثرية، اسكت لا أنطقك الله أيها الملعون، خذوه إلى السجن فسيصدر في حقه مع بقية هؤلاء المرتدين الحكم العدل الإسلامي، فإلى النار وبئس المصير.
فقال رافضي آخر مخاطبا القاضي: أي سلف نتبع وهاهم قد اختلفوا فيما بينهم وكفّر بعضهم بعضا ولم يبايع الكثير منهم الخلفاء إلا تحت ضلال السيوف قهرا وجبراً، والناظر البصير سوف يلحظ أن في البيعة لم ترع بدايات شؤون الشورى والحرية حتى وصل الأمر إلى أن أشيع أن بعض أكابر الصحابة قتلهم الجن حين امتنع من البيعة إطلاء للأمر على بسطاء العقول وقد وصل أمر البيعة بعد رسول الله (ص) فضلاً عن بقية القرون أن يهدد الشخص إما أن يبايع أو تحرق داره بما فيها من زوجة وهي بنت محمد (ص)و ولد وهما ريحانتا رسول الله (ص) بل وإحراق من يتحصنون في بيته اعتراضا على مهزلة البيعة وهم من أكابر الصحابة وقد راح من يهدد الناس بالحرق نفسه بعد أيام ليقول: إن بيعة أبي بكر كانت فلتة فمن عاد إلى مثلها فاقتلوه ثم قبل الخلافة لنفسه بلا شورى تنصيبا من فرد فأي استبداد أعظم من هذا؟
وقد جرى ذلك في الصدر الأول فأين معالم الحق التي رسمها السلف حتى يجب علينا اتباعهم فهل نتبع بيعة الفلتات أو أصحاب الحطب الذين للتسلق على مدارج الحكم يبررون لأنفسهم حرق أكابر الصحابة وآل الرسول (ص) ولمَ لا يكون الأخذ بالحق بدلا من فعل الرجال وهو المنهج المتبع السليم كما قال رسول الله (ص) : إعرفوا الحق تعرفوا أهله، وكما قال علي عليه السلام (إن الحق لا يعرف بالرجال إعرفوا الحق تعرفوا أهله.
وأي دليل لو قلت أنهم إجتهدوا فأصاب بعضهم وأخطأ آخرون و للمصيب أجران وللمخطئ أجر بأن لا يكون هذا الدليل بنفسه إن صحّ جارٍ بالنسبة إلينا لنكون قد اجتهدنا واجتهدتم وللمصيب منا أجران وللمخطي أجر كما تزعمون.
ولماذا يجب اتباع سنة السلف الذين تسلطوا على الحكم وهم متهمون بحب الدنيا ولا يجب إتباع غيرهم من بقية السلف، فهل يجب اتباع أصحاب السلطات والحكم لأنهم أصحاب القوة كما يدعوا إلى الاستسلام إليهم على الرغم من كل ثغرات الحكام الكثير من وعاظ السلاطين طيلة هذه القرون أم أن الملاك في التبعية هو لزوم متابعة الأكثرية وأنها هي سنة الله التي بها يرسم الحق ويميزه عن الباطل؟!
فقطع القاضي على هذا الرافضي هذيانه وقد اشتعل غضباً غيرة على دين الله تعالى خوفا من أن يصاب بشبه هؤلاء الكفرة، المجتمع الإسلامي فقال القاضي لإخوانه وأعوانه على الحق: اخرجوا هذا الخبيث أيضا من قاعة المحكمة ولا كرامة لمن يسحق موازين الحق تحت قدميه وينال من كرامة الصحابة، فإن هؤلاء الروافض لعنهم الله تعالى جميعا قلوبهم متشابهة وإلا فكيف يجيزون لأنفسهم إلقاء مثل هذه الشبهات الواضحة البطلان بازاء مذهب الأكثرية اتباع الخلفاء وحكام المسلمين الذين أمر تعالى بلزوم طاعتهم فاخرجوه حتى لا يسمم أذهان الأمة بهذا الهراء والأباطيل، فله و لأصحابه الضالين الويل والثبور فكأنهم يرون أنفسهم أعلم بالحق وموازين الإسلام من مولانا الخليفة أمير المؤمنين ومن سبقه من أمراء المسلمين.
فصاح ثالث بلا استئذان من سيادة القاضي قائلا: يا سماحة القاضي هل كون الأكثرية من المسلمين على مذهب أهل التسنن يكون مستمسكا شرعيا يوم القيامة لإثبات الحق والصواب وهل معنى ذلك أنه يجب القضاء على الفكر والحرية بالسيف كما تصنعون وصنع أسلافكم باسم دين الله تعالى وسنة نبيه (ص) طيلة القرون وهلا يكون معنى كل ما جرى من الكبت والظلم والإضطهاد باسم الدين على الشيعة لأن الشيعة ما استسلموا كما استسلمتم للسلاطين والحكام ووعاظ السلاطين الذين رسموا لكم شرع الله تعالى فاتبعتموهم.
ولو كان حقا أن اتباع الاكثرية فرضا لازما فلماذا لا يكون الحق مع النصارى لأنهم اكثر منكم عددا أو يكون الحق مع البوذيين وعبدة الأوثان لانهم أكثر من الجميع عددا وهل وجدتم كتاب الله المجيد مدح الكثرة بما هي كثرة يوما من الأيام واعتبرها من مظاهر الحق أم أن الأمر فيه بعكس ما تدّعون وبعكس ما أنتم به تفخرون ولو كان مرادكم يا سيادة القاضي من الحق لأنكم تجزمون بما أنتم عليه من الرأي فلا أظن هذا من خصائصكم بل كل أصحاب معتقد هم فرحون بما لديهم وجازمون بما يعتقدون حتى عبدة الأوثان وها هو الكتاب المجيد يشير إلى هذه المسلكية حيث يقول تعالى: (وقالت اليهود ليست النصارى على شيء وقالت النصارى ليست اليهود على شيء وهم يتلون الكتاب كذلك قال الذين لا يعلمون مثل قولهم فالله يحكم بينهم يوم القيامة فيما كانوا فيه يختلفون)7.
وإن كان الملاك لأنكم نشأتم فوجدتم آبائكم هكذا وجدوا الإسلام مرسوما كما رسمه السلاطين فهو ملاك باطل زخرف بمظاهر الحق لوحدة الملاك مع من ذمهم الله تعالى حيث يقول: (قالوا إنا وجدنا آباءنا على أمة وإنا على آثارهم مهتدون)8.
وقد يكون منشأ هذا الملاك هو الجهل المركب الناشئ من الكبر الشيطاني وهو (أنا خير منه) حينما يصبح حب الذات متجاوزا الحد فهو عبادة هوى النفس بمظاهر الحق حينما يتشبه الباطل بالحق وهو منشأ اكثر الأغلاط على وجه الأرض من حيث وحدة الملاك فإن العربي يرى نفسه أشرف من الأعجمي وهكذا الأعجمي وهكذا الشرقي نفسه بالقياس إلى الغربي وربما رأى ذلك حتى أبناء قبيلة واحدة لإختلاف الشوارع.
وها هنا نفد صبر قاضينا الأجل كثّر الله تعالى أمثاله في أمة محمد (ص) وكاد أن يتفجر غضبا لوجه الله تعالى لعدم تمكنه من سماع مثل هذه الأباطيل فاندفع بكل ما أوتي من قوة ليصيح بأعلى صوته وقد علته بحة الغضب قائلا: لا أسمح بعد الان لأحد في محكمة العدل الإسلامي أن يتكلم بمثل هذه الكفريات فمن تكلم بموازين الحق التي رسم أبعادها أمراء المسلمين وحدد إطارها قضاة دارالخلافة بعيدا عن هذه الشطحات وهذا المنكر والزندقة فسحنا له مجال التكلم والدفاع عن النفس وإلا منعت الجميع من الكلام وأصدرت عليه حكم الله تعالى.
فصاح متهم آخر أيها القاضي: تكفيركم للآخرين من المذاهب الإسلامية وحكمكم بأن المذاهب الإسلامية ليست إلا أربعة وهي المذاهب السنية الأربعة وإلغائكم لمذهب يقول بإمامة علي بن أبيطالب (ع) الذي ما حصلت بيعة كبيعته في الإسلام ليومنا هذا إن أغمضنا الطرف عن أدلة نصبه من قبل الله تعالى ورسوله (ص) وأنه وصيه بالحق ليس طائفية كما تزعمون ويكون الإنتماء إلى هذا المذهب العظيم طائفية وهو مذهب بني على حرية الفكر وعدم تكفير الآخرين وعدم إلغائهم والحكم عليهم بالقتل.
فانصفنا أيها القاضي هل المكفرة طائفيون أم أتباع آل محمد صلى الله عليه وآله؟!
ولمَ يكون المكفرة حملة راية الإسلام طيلة اكثر من أربعة عشر قرنا لمّا كانوا سندا لحكام المسلمين لحفظ كراسيهم وإبادة أعداءهم ويصبحوا اليوم فرقة ضالة إرهابية لمّا عرّضوا هذه الكراسي للخطر؟!
فقال القاضي: اقتلوا هذا الزنديق الرافضي الآن فتقدم أعوان الحق بسيوفهم فضربوا عنقه فأراحوا الإسلام والمسلمين من شره.
ثم أمر القاضي بإحضار مجرم آخر من هؤلاء الروافض الكفرة فقال له القاضي: لمَ لا تلتزمون بالحق، ولماذا أنتم تقضون حياتكم كأسلافكم وأنتم على ضلالكم القديم تغضبون بذلك الله ورسوله وخلفاء المسلمين ولاة الأمر وهم الحكام الذين أمر الله تعالى بطاعتهم، فلم تنكرون عدل ولاة الأمر وما عليه المسلمون من الحرية والديمقراطية والإزدهار في كافة أبعاد الحياة وميادينها المختلفة التي يعيشونها تحت ظل حكامهم، فكيف لا تبصرون؟ ولكن أنّى لأمثالكم ذلك وقد أعمى الله تعالى بصائركم.
فقال المتهم الملعون: لست أيها القاضي متهما بشيء سوى الإنتساب لمذهب أهل البيت (ع).
فقال القاضي واي تهمة هي أشد من هذه التهمة وأعظم جريمة وأي عقيدة هي أشد ضربا لأركان الإسلام من هذه العقيدة التي حاربها حكام المسلمين منذ رحيل رسول الله (ص) إلى يومنا هذا.
فاعلم أيها الرافضي إن كنت تريد إضاعة الوقت بمثل هذيان أصحابك وأباطيلهم لا أفسح لك المجال أن تبتّ بكلمة واحدة.
فصاح المتهم بدون استئذان لست أدري أيها القاضي لمَ يكون اتّباع مذهب أهل البيت عليهم أفضل الصلاة والسلام كفرا وهو المذهب الوحيد في الإسلام الذي أئمته جميعا من قريش من آل بيت الرسول (ص) وهم إثنا عشر كما قد أشارت الاحاديث عن الرسول (ص) من الفريقين سنة وشيعة إلى ذلك حيث تقول الروايات إن الأئمة اثنا عشر كلهم من قريش وهم جميعا من العرب الأقحاح وكذا أكثر رواة الحديث عند الشيعة من العرب أيضا ولا يكون من الكفر والخروج عن الدين والطائفية الإنتساب إلى بقية المذاهب التي جلّ أئمتها أو كلهم من الفرس أو الأعاجم وإن كنّا لا ندعوا إلى العنصرية والقومية.
وكيف يتهم المذهب الشيعي بأنه من صنيعة الفرس ولم يتهم من أئمتهم ورواة حديثهم من الفرس كالبخاري والنيسابوري وممن هو من بقية المدن الفارسية بأنه من صنيعة الفرس ولكنها الدنيا وموازين أبناءها وآية السيف تمنحو آية القلم وكيف نرجوا من وعاظ السلاطين كأمثالكم أيها القاضي الإنصاف في الحكم وشهود الحق وقد ترعرعت أصولكم وفروعكم من فيض قطر ندى السلاطين من بيت مال المسلمين.
فصرخ القاضي صرخة عنيفة كاد أن يصاب بنوبة قلبية من جراءها خوفا على وحدة المسلمين أن تتصدع من هدير هذا الكافر الرافضي وأمر برفع جلسة المحكمة وقال: إن هؤلاء لا يتركون أباطيلهم وتمردهم على ولاة المسلمين ولا حاجة لنا إلى إحضار بقية المتهمين لعنهم الله تعالى أجمعين فإنهم كفار ولا يلدون إلا كافرا كما ورد في القرآن الكريم عن قول نوح عليه السلام: (إنك إن تذرهم يضلوا عبادك ولا يلدوا إلا فاجرا كفارا)9
وكيف يتعرض هؤلاء لحكام المسلمين الذين أمر الله تبارك وتعالى بإطاعتهم وهاهم يسيرون بالأمة الإسلامية من عز إلى عز ومن كمال إلى آخر علماً وعملاً في كافة الميادين الأخلاقية والعلمية من الإختراعات والإكتشافات والصناعات بأدق تقنيتها وما حققوه للأمة الإسلامية من مجالات الحرية لنمو الفكر وعيش الرفاه والسعادة وغير ذلك من المجد لكثير.
ألم يشاهدوا الملاحم التي سطرها أبطال الأمة الإسلامية والعربية في ما بينهم وكيف بذلك قضوا على عدوهم المشترك الكيان الصهيوني وأبعدوا عن ديارهم الطامعين بل جعلوهم في عواصمهم من سيوف أبناء الإسلام خائفين ولو شاءوا لاحتلوا بلادهم ولكن روح الحرية منعتهم من ذلك وكيف لا يخافون من سيف قائد الأمة العربية وقائد الأمة الإسلامية المغاوير الأبطال أعز الله تعالى بهما وبوحدتهما راية الإسلام والمسلمين من العرب والعجم إنه مجيب الدعوات.
ثم قام القاضي بعد ما ألقى على مسامع الحافين بقاعة المحكمة هذه الخطبة البليغة وكله خشوع وخضوع لسلطان السماوات والأرض فتوضأ قربة لله تعالى وصلى ركعتين ثم أصدر حكمه بقتل هؤلاء الروافض الكفرة الطائفيين بإسم الخليفة والشعب المسلم فأراح العباد والبلاد من شرهم لتعيش الأمة الإسلامية تحت راية الخليفة أمير المؤمنين وظل الله تعالى في العالمين حياة العرفان والعدل والوحدة والحرية والمثل العليا وإشتراكية المساعي والحمد لله رب العالمين.
1-غافر 16
2-الكهف 109
3-النساء 59
4-النور 35
5-النحل 118
6-المائدة 56
7-البقرة 113
8-زخرف 22
9-نوح
0 تعليق