المحاضرة الثالثة عشر
الشبهة الثالثة في قوله تعالى: (صراط الذين انعمت عليهم)
وهي أنه إذا كان الدين الإسلامي أكمل الأديان فكيف بعد ذلك يطلب المسلم المؤمن من ربه طريق الذين أنعم الله عليهم من الأمم السابقة وهو يعيش شرع الإسلام؟!
الجواب :
نقول أولا وقبل كل شيء الدعاء في مواطن عمل وسلوك كان لأولئك العظماء الذين كانوا شهودا للحقائق وموازين للعقل وثورة ضد الباطل والظلم حيث أنهم كانوا ظهور آيات الله و رسام شرعه حيث أن الدين عند الله الإسلام وهو شرع الله الذي جاء به آدم الى الخاتم عليهم السلام ولذا ما كان إبراهيم (ع) يهوديا ولا نصرانيا بل كان حنيفا مسلما كما وأن عيسى عليه السلام كان من المسلمين لأن أسس السلام والإستسلام الى الحق واحدة بين جميع الأنبياء والمرسلين والصراط المستقيم واحد وهو ما سار عليه جميع المؤمنين على طول التأريخ و هو تلك القيم الرفيعة التي ما جاء الأنبياء الكرام إلا لإحيائها والتذكير بها وهذه القيم الفطرية لا تزيد ولا تنقص ولا تتغير ولا تتبدل إلا أن تتبدل هوية الإنسان وعندها لا يكون الإنسان إنسانا وتلك هي مكارم الأخلاق كالصدق والعدل مثلا حيث يكون بها شهود الحقائق بلا حجاب كما وأن قيم العقل وأصول الدليل والبرهان وسبل الوصول إليها أصول مشتركة بين أبناء البشر جميعا ولذا يصبح البصر عند رفع الحجاب لدى الجميع يوم الحساب حديدا وكذلك هو في دار الدنيا في مواطن أشار إليها تعالى قائلا (فإذا ركبوا في الفلك دعوا الله مخلصين له الدين) وهي مواطن تنقطع فيها جميع السبل التي تكون حجابا حيث يصبح عندها كل أحد من المخلصين لدين الله.
وعليه فنقول إن الدعاء إنما هو إلى هذا الصراط الذي أنعم الله تعالى به على عباده المؤمنين حينما إختاروه بإرادة و رغبة الى الحق وهو صراط واحد وإن تعددت السبل الموصلة إليه و إختلفت من حيث الزمان والمكان ومن حيث مراتب العقول و إن الأديان إنما جائت لتحرك دفائن العقول ولتذكر بمعالم الفطرة التي قد تخدش تحت تأثير الحضارات والتقاليد والتربية و السلائق والرغبات والشهوات وغير ذلك من العوامل.
فالبقاء على كون الفطرة والإستقامة على ذلك عظيم مقام كان عليه جميع الانبياء والأولياء ومن عاش الفطرة عاش معالم التوحيد وموازين العقل والنفور من الباطل وحب العدل وجميع القيم الإنسانية ونحن حتى ولو عشنا واقع الشريعة الإسلامية من حيث أحكامها لكن بذلك لم نكن أعظم مقاما ممن كانوا مظاهر الأسماء الربوبية و موازين العقل وتجسيد الفطرة وتحقيق الخلق الربوبي حيث أنه قد ورد أن الله تعالى خلق آدم (ع) على صورته أي مظهرا لأسمائه و مجسدا لمعالم الربوبية والتوحيد.
فأين نحن ولو كنا من سلاك شرع الإسلام من هذا الكون العظيم الذي كان للأنبياء والأولياء الكرام.
وثانيا هب أن هناك مزيدا لشريعة الإسلام من حيث القوانين والأحكام لكن ذلك لا يعني أن تقيّم أسس معارف التوحيد بما تحمل من بطون وأعماق وعظيم الخلق وأبعاد الحق والعدل وما هو من شأن شهود الصديقين لملكوت عالم الإمكان وباطن الحياة الدنيا بما هو من شأن الأحكام الشرعية لأن الأعمال لا تقيّم إلا ببعدها المعرفي وخلوص النية وأين نحن كأتباع شرع الإسلام من أولئك العظماء مكانة ولقد كان من بلغ تلك القمم العوالي من الماضين أكثر بكثير من المتأخرين حيث كان فيهم ذلك الكم الهائل من الأنبياء والأوتاد حيث أن تلك المعارف الربوبية لا تقيدها سعة الاحكام الشرعية ولذا كان منهم من بلغ النبوة وهو رضيع في المهد او كان صبيا وقد كان رسول الله (ص) نبيا و إماما و وليا بما له من الولاية المطلقة قبل بعثته حيث أن الرسالة شأن بشري للهداية ولا تقيم بها مكانة رسول الله (ص) وليس الأمر بالنسبة إليه كما يتوهم البعض من أنه كان ضالا في الجاهلية كضلالة أي بدوي آخر من أبناء الجزيرة العربية ثم أصبح حامل بريد حينما كُلّف بحمل الرسالة فهو قد سبق عرب الجاهلية بهدي قد يقدر بأيام او أسابيع ولذا بتبع هذه النظرة راح ليقول قائلهم أصيب (ص) بالهلع والإضطراب و التردد حتى راح ليستعين بخديجة رضوان الله عليها وهي راحت لتستعين أيضا بإبن عمها لتمييز نداء الرحمن من نداء الشيطان حتى قالت لرسول الله (ص) لمزيد من الإطمئنان والعلم بإنه إذا جائك النداء او سمعت صوتا أشرلي حتى ألقي ما علي من خمار فإن بقي ينظر فهو شيطان و إن ذهب فهو ملك من قبل الرحمن , فهكذا نبي ليس نبيا إلا لولئك الذين يستعينون لشرع الله وتفسيره ببعض الأحبار من اليهود.
ولو كان المزيد من الأحكام لرسالة موجبا لمزيد من القرب والعرفان لكان العظماء في المتأخرين أكثر وأعلى مقاما من المتقدمين والحال أن الأمر بالعكس حيث أن وجود الأنبياء والعظماء في المتقدمين هو أكثر بكثير من المتأخرين ولولا وجود محمد و آله وبعض النوادر من البشر في المتأخرين بما لهم من عظيم النفوس والعلم العائد الى الفطرة وعظيم العقل وسعة الوجود لما كان هناك من قياس بين المتقدمين والمتأخرين.
كما وأنه لابد من الإلتفات الى أمر وهو أن شريعة محمد (ص) إنما جائت لإحياء ما اندرس من رسالات السماء وما غيّر وما بدل بتبع الهوى وما أخطأه الناس بتبع الإجتهادات قصورا او تقصيرا ولم تكن شريعة الإسلام جائت لهدم كل ما كان بل إنما جائت لترسيخ أسس التوحيد والقيم الإلهية من الحق والعدل.
كما و أن شرع الإسلام قد اصيب بكثير مما اصيبت به الشرائع المتقدمة حيث حصول الإنقلاب على الأعقاب والإجتهاد بتبع الهوى او الأخطاء التابعة لكثير من القصور وتأثير الزمان والمكان وما إلى ذلك حتى راحت لتقول الروايات أنه عند ظهور مهدي آل محمد (ص) يقول له القائل يبن رسول الله (ص) هل جئت بدين جديد حيث يكشف كل ذلك عن مدى إبتعاد هذه الأمة عن واقع شرع رسول الله (ص) فهما وتطبيقا وهي سنة الله التي جرت بالنسبة الى الشرائع السابقة و إن كان قد أخذ الله على نفسه أن يحفظ كتابه المجيد من الزيادة والنقصان وتلاعب المتلاعبين.
وبالجملة الصراط هو صراط الحق والفطرة وهو واحد وإن اختلفت الألسن المعبرة عنه او كانت السبل إليه مختلفة او كانت القوانين المحققة له أكثر إتساعا بما يناسب الزمان لكن عظيم مقام المتقدمين من الانبياء والصديقين تابع لعظم نفوسهم قبل الإكتساب من الخارج ولذا علّم آدم عليه السلام الملائكة الأسماء كلها وكان منهم من آتاه الله الكتاب وهو في المهد وهذا الصراط المستقيم الذي قطعوه بعظيم نفوسهم وشهودهم ليس من السهل أن يقطعه من يريد الله تعالى ولو كان مسلما إلا من كان له حظ عظيم وهم نوادر من أمة محمد حيث أن بقية الناس كل على قدر قد يكون قد سلك هذا الطريق على إختلاف مراتب الإيمان والعقل والعلم ولو أن الله تعالى يعامل الناس يوم الحساب بعدله لما نجى منهم إلا المخلصون و لذا كان علينا أن نطلب من ربنا التوفيق بالسلوك على هذا الصراط المستقيم الصعب المنال الذي سلكه اولئك المتقدمون الذين أنعم الله عليهم بما صبروا ولنا الشرف العظيم لو نوفق لبعض ما وفقوا إليه وأين أمثالنا من أمة الإسلام من الانبياء والمرسلين فلكل ما يناسبه من مقام.
ومن الشبه في المقام أنه ما هو ذنب المتقدمين إذا كانت شريعة محمد (ص) أكمل الشرايع و في المتقدمين عظماء كالأنبياء وغيرهم كثير ممن لا يقاس بهم سائر الناس من أمة محمد (ص).
فأقول إن المتأمل فيما قلنا لرد الشبهة المتقدمة سيتضح له جواب هذه الشبهة وعليه فلا أظن أنا نحتاج الى جواب خاص لهذه الشبهة والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
0 تعليق