المحاضرة الثامنة في رحاب قوله تعالى : (و إياك نستعين)
قد أشار الله تعالى إلى الغاية التي من أجلها خلق الجن والإنس إتماما لحكمته ومجاري فيضه ليأخذ بهما الى منازل السعداء والخير والكمال قائلا : (وما خلقت الجن والإنس إلا ليعبدون) أي ما خلقتهما إلا لطاعة تدفع إليها روح الخضوع والتذلل الناشئة من لمس الفقر والحاجة الى الغني الحميد بداعي حبه تعالى حينما يجد المؤمن الخير كل الخير في الله تعالى حيث يستعين العبد المؤمن بعد زكاة النفس بمشاعل العلم تحقيقا لهذه الغاية التي أخذ الله تعالى عليها الميثاق من بني آدم قبل هذه النشئة قائلا :(وإذ أخذ ربك من بني آدم من ظهورهم ذريتهم وأشهدهم على أنفسهم ألست بربكم قالوا بلى…).
وماذاك إلا لأن من عاش خيلاء الكبر والغرور حكم على نفسه بالهلاك أولا للبعد عن مجاري الفيض والرحمة الإلهية وثانيا راح ليتوقف عن طلب الكمال سالكا سبل السقوط والتوغل في الظلمات.
لكن بعد عرفان الغاية وسبل الوصول إليها عبادة و إستعانة بالله تعالى والأسباب المؤدية إليها قد يطرو على الذهن هاهنا تساؤل هام وهو أنه كيف يمكن للإنسان أن يعيش إستقامة وعدلا في موازين العقل وسلامة الفطرة بعيدا عن مزالق الأقدام في ظلمات دار الدنيا ليعبد ربه حقا ويستعين بسبل سليمة توصل إليه وهو يعلم علم اليقين بأن الطريق محفوف بالمخاطر وأن هناك من يتربص بالإنسان الفرص للنيل منه مادام صراع الحق والباطل قائما على قدم وساق إلى قيام الساعة.
فإذن من حق العبد المؤمن أن يتسائل من نفسه في الخلوات ويقول :
من هو أخطر كائن في الكون؟!
قد يبدو لأول وهلة أنه سؤال عجيب من مورده ينبيء عن بساطة وقلة علم من أنه كيف يمكن ان يتردد المؤمن وهو يعلم علم اليقين أن اخطر من في الكون على الإيمان والمؤمنين هم الملحدون الزنادقة المنكرون للصانع الذين يصرحون قائلين : الله في قفص الإتهام , ولما مكنتهم الظروف في القرن الماضي و الحاضر و أصبحوا حكومات تملك الرقاب هدموا الكنائس والمساجد والبِيَع او منعوا المصلين من أن يذكروا فيها إسم الله تعالى حيث أن هؤلاء ما قال بمقالتهم حتى المشركون الذين عبدوا الأصنام والأوثان لقولهم في حق الأصنام والأوثان لتقربنا الى الله زلفى فالمشركون مخطؤون لشبهة ساقتهم الى أن يجعلوا لله شركاء بخلاف الملحدين كالشيوعيين العقائديين وغيرهم من منكري الصانع فهم بلا شك أخطر كائن على وجه البسيطة مطلقا على الإنسانية والإيمان والمؤمنين فكم من دماء سفكوا وكم من معابد هدموا حيث أن ذلك ينبيء عن قسوة في الطباع.
لكن أقول يجب على كل مؤمن ومؤمنة الوقوف ولو قليلا ما للتأمل في الأمر وعدم التسارع في الحكم وذلك عندما يستسلم النهار لصمت الليل ويصبح السالك سبل ربه يعيش العزلة مطلقا حتى عن الأهل والمقربين فضلا عن ضجيج محافل الغافلين بل وبمعزل حتى عن مساجد رب العالمين التي قد لا تخلوا في بعض زواياها وخباياها من تواجد بعض الماكرين ان لم نقل إنهم قد تسلقوا إلى أعوادها _منابرها_ في كثير من المعابد على حين غفلة من حشد المصلين فأصبحوا للناس أئمة بهم يقتدي المصلون وإلى حسن حديثهم يستمع المحتشدون.
أجل عند تحقق العزلة في هذا الصمت البعيد عن كل مخلوق يحسن بالمؤمن والمؤمنة أن يسألا من أنفسهما من هو اخطر كائن في الكون طرا الذي يجب الحذر والحيطة منه لكي تكون العبادة التي من أجلها خلق الجن والإنسان قربا وتكون الإستعانة بالسبل شهودا للحق تعالى ذاتا وصفة وفعلا بالسير والسلوك في مسالك الرضوان وحب الملك الديان .
فعلى العاقل أن يسأل من نفسه من هو هذا الكائن الخطير وأين مواطن سكناه أفي سماء او أرض ام في بحر او بر ام أنه يعيش في الغابات حيث الوحوش الكواسر ليحذر منه.
لكن لعل الحيرة لا تدوم طويلا حيث يجد العاقل نفسه بمأمن من خطر الكواسر في الغابات والحيتان في البحور حينما يجد نفسه ساكنا في بيت في مدينة لا سبيل للكواسر والحيتان إليها.
فإذا أمن العاقل جانبا من الخطر و علم أن اخطر كائن في الوجود ليس من يعيش في الغابات ولا في البحور واطمأن على صحته من الأمراض الخبيثة فإنه سوف يعود ويقول ثانية لنفسه إذن اين هو هذا الكائن الخطير المخوف الذي لا اخطر منه في الكون؟
أليس هو من ارشدني إليه العقل و هو ذلك الملحد الزنديق المنكر للفطرة و موازين العقل بإنكاره للصانع الذي راح ليهدم المساجد والبِيَع والكنائس او ليمنع فيها عبادة رب العالمين وليقتل من خالفه من المؤمنين فإن لم يكن هو ذا؟ فإذن هو بلا شك ولا ريب كل جبار عنيد وطاغوت مريد نصب نفسه للناس ربا فأذل العباد واخرب البلاد و عاث في الأرض فسادا واتبع الناس يسفك دمائهم ويستبيح اعراضهم وينهب اموالهم ولو فروا منه في الكهوف والغابات فمن هو بعد هؤلاء الملحدين والجبابرة المجرمين يمكن ان يكون اخطر كائن في الكون.
وعندها يجد المؤمن نفسه يعيش السكينة والراحة والطمأنينة بعد أن حصل على الجزم واليقين بأنه قد عرف هذا الكائن الخبيث وعند معرفته إياه فإنه سيطلب من ربه أن يعينه ويهديه سبلا تأخذ به الى منازل الأمن والنجاة من إغواء الملحدين وبطش الجبابرة المجرمين.
ثم إن العبد المؤمن بعد الحمد والثناء لله تعالى على نعمائه لهديه إياه لمعرفة هذا الكائن الخبيث يجد نفسه بعد هذا الجهد الجهيد والتعب الشديد أن من حقه أن يستريح ساعة يشرب فيها كأسا من الماء الزلال البارد مع فنجان قهوة يتذوق معه قليلا من تمر البركة ليستعيد بذلك نشاطا كان قد فقده في رحلته هذه حول العالم حينما أخذت به الأفكار للسير والسلوك في الكون الواسع لمعرفة من يجب الحذر منه.
ثم إنه ليجدر بالمؤمن أن يقول لنفسه بعد ذلك وهو يعيش الفرحة و السرور والنشاط يا ليتها كانت مسابقة قد أعدت لها الجوائز لكنت فيها من الفائزين ولو بتذكرة مجانية اطوف بها العالم ازداد بها نشاطا وعلما للخوض في مسابقات اخرى اكون فيها بلا شك من الفائزين ايضا.
لكن مع كل الأسف أنه سيجد كل ذاك الفوز و العرفان كان حلما و وهما بعيدا عن الواقع لأن المؤمن مهما شرّق او غرّب واستعان بعقله او بغيره لابد وان يعود في آخر المطاف إلى كتاب ربه القرآن المجيد حيث أنه النور الساطع الذي به تبيان كل شيء وليس بعد الحق إلا الضلال المبين فهو المرشد الى الصواب لمعرفة من هو أخطر كائن على وجه البسيطة مطلقا فإذا جاء الى الكتاب المجيد وتأمل فيه بدقة وإمعان سيقول لنفسه سبحان الله هل أنا مصيب او مخطيء فيما أقرأ و أرى حينما يجد في كتاب ربه أن ذلك الكائن الخطير الخبيث الملعون عالما عابدا ساقه الهوى لكي يصبح رجيما وهو ممن كان أقر بالصانع وبيوم الحساب وعبد ربه أحقابا من الزمن تعلوه السكينة والوقار قد راح يسبح الله مع المسبحين ويقدسه مع المقدسين و أنه ما كان ليتردد يوما من الأيام بالحشر والحساب وأنه ما كان مشركا يتردد في معالم الربوبية ولم يتردد يوما بعزة الله وسلطانه حتى قد ظنه الملائكة الكرام لقربه من الله أنه منهم و إعتبره الله تعالى من الملائكة حينما وجه خطابه للملائكة للسجود لآدم عليه السلام وقد إتخذه الإنسان الكامل كآدم عليه السلام على الرغم من التحذير مرشدا الى سبيل البقاء والخلود.
فيالله والعجب هل يكون المقر بالوحدانية العابد الزاهد اخطر من في الكون لا يقاس به حتى الملحدون والجبابرة الظالمون والفراعنه الذين نصبوا أنفسهم للناس أربابا؟!
أجل إنه ذلك العبد الزاهد العالم ولولا أن كشف الله تعالى اللثام عن وجهه و أرشد الملائكة والجن والإنس إلى أنه رجيم مطرود من رحمة ربه لعاش مع الملائكة المقربين الى يوم يبعثون لكثرة نسكه وتقديسه وتسبيحه وسكينته و وقاره وحسن منظره.
وهكذا هو شأن كل عابد عالم إذا ساقه الكبر والهوى ليستخدم علمه وحسن سمته وظاهره القدسي الملكوتي للمكر والخداع وتحريف رسالات السماء وما إبليس إلا واحد ممن حذر الله منه عباده لكي لا تقع الناس فريسة لأمثاله من المتظاهرين بالزهد والتقوى من المنافقين الدجالين والمرائين الذين لا يجدهم الباحث في قصور الجبارين ولا في منازل الملحدين بل في معابد رب العالمين فراح اكثر المؤمنين ليخافوا من وساوس ابليس و انهم ربما اصبحوا وامسوا في معابدهم وهم عن اشباه ابليس غافلون فالحذر الحذر منهم فإنهم اخطر كائن على وجه البسيطة مطلقا حيث أن الجبابرة بسطوتهم وظلمهم وطغيانهم يدفعون بالمؤمنين الى الثبات وإن المنحرفين كالزنادقة الملحدين يأخذون بالمؤمنين للتسلح بالعلم والتوغل في المعارف الربوبية لردع شبهاتهم الواهية في مقابل الحق المبين الذي لا ترقى إليه شبه الملحدين وقد قال تعالى:(ولن يجعل الله للكافرين على المؤمنين سبيلا) فلا يخدع بشبهات الملحدين إلا من كان ضعيف الإيمان قد هان عليه دينه.
فالمنافقون هم من حرفوا رسالات السماء بعد الأنبياء و استلموا في الغالب معابد رب العالمين سواء كانت المعابد مساجد او بِيَع او كنائس فأصبحوا فيها الآمرين الناهين يحرفون الكلم عن مواضعه ويأكلون أموال الناس بالباطل ويعطون لذلك المجوزات ويتركون اليتامى والأرامل والمساكين يعيشون البؤس والمأساة لا يرحمون أحدا سلبوه عقلا او مالا او ساقوه بفتياهم الى مسالك الهلكات حينما يطمأن إليهم الناس ويعبدونهم من دون الله إذ يقول تعالى :(إتخذوا أحبارهم ورهبانهم أربابا من دون الله) وكذلك هم المسلمون حكما إذا اتبعوا غيرهم بلا موازين شرع ولا عقل كمن اتبع الصحابة او العلماء كذلك إتباع الغنم كبش الكتيبة وهم الكثير او الأغلب من عوام المسلمين سنة و شيعة حيث أن سنن الله تعالى لا تبديل ولا تغيير فيها حيث يقول الرسول (ص) : (لتتبعن سنن من كان قبلكم شبرا بشبر او ذراعا بذراع ولو أنهم دخلوا جحر ضب لدختلموه) وذلك حينما تركت الأمة تعاليم نبيها إذ يقول : (إعرفوا الحق تعرفوا أهله) حينما راحت الأمة لتعرف الحق بالرجال لا بموازيين الحق تهاونا بدين الله حينما بذلوا لدنياهم كل يوم عشر او خمسة عشر ساعة ولم يبذلوا لمعرفة ما خلقوا من أجله وهي الآخرة ساعة واحدة في كل اسبوع لمعرفة معالم الربوبية بمعرفة الكتاب والسنة وسيرة النبي و آله الكرام.
فأعود وأقول أيها الناس لا تبحثوا عن أخطر كائن في الكون في قصور الجبارين ولا في مساكن الملحدين ولا عند أصحاب اللهو واللاعبين ولا في أسواق المطففين ولا بين الكواسر والمفترسين بل ابحثوا عنه في معابد رب العالمين وطهروها من رجس الشياطين المنافقين والدجالين المرائين بمعرفة الحق فإن أخطر كائن ملعون خبيث لا أخطر ولا أخبث منه قد يكون إلى جنبكم كتفا الى كتف في معابد ربكم أيها المؤمنون والمؤمنات وأنتم تحبونه وتقتدون به وترون في وجهه معالم رب العالمين وسيرة سيد المرسلين والأئمة الميامين في حين أنكم تعيشون الحذر من الأبعدين والخطر في جنبكم تصبحون وتمسون معه وقد تسقطون بثوراتكم عروش الجبارين وأنتم فريسة للدجالين يفترسون عقولكم ويدخلونكم مواطن الهلكات يفسرون لكم الآيات والروايات بتبع الهوى فتصبح التقية إضاعة للدين بعد أن كانت منهج عقل للمتقين ويصبح الصمت عن الحق والظالمين زهدا به يرتقي العبد الى منازل المقربين فإعرفوهم بخطرات المشي رويدا رويدا تعلوهم السكينة والوقار حتى كأنهم ملاك قد أهبطوا الى الأرض بأمر من رب العالمين لتطهير الأرض من ظلمات الرجس والواحد منهم يدرّس الشياطين مسالك المكر و الخداع والإغواء والإضلال يبدو تلميذا عند شياطين الجن ثم يصبح لهم إماما حيث أنه لا يبلغ مبالغ الإنسان رقيا ولا سقوطا أحد في العالمين عروجا الى الله تعالى في منازل المقربين وسقوطا إلى أسفل سافلين في درك الجحيم كالإنسان فيالله وهذا الكائن العجيب نور به يشهد الملائكة المقربون أسماء الله تعالى وله يسجدون ويكون الواحد منهم ظلمة يستعيذ منها شياطين الجن.
فإذا طهرت أيها الناس معابد رب العالمين بوعي المؤمنين من الدجالين واستلمها أهلها من العلماء الصالحين فإنه عندها تفسر رسالات السماء تفسيرا سليما وتصرف الأموال في وجوه البر وتصبح المساجد والحسينيات بيانا للحق ضد الباطل والعدل ضد الظلم وإن بوعي الأمة تتهوى عروش الظالمين وتخرس حناجر المنحرفين ولم تكن الصحوة للمسلمين سببا لإسقاط أمثال بني أمية ليأتي بنو العباس بشعارات يا لثارات الحسين بل يأتي أمثال الإمام الصادق (ع) ورجال الله المتقون لكي لا تسقط صحوة دجالا ليأتي دجال آخر كما نشاهد وتشاهدون في كثير من البلاد التي تغيرت بها الأنظمة فتغيرت وجوه الرجال ولم يتغير الظلم والجور والدجل والنهب والعدوان.
فأصلحوا أيها الناس المعابد وطهروها من المنافقين تصلح جميع ما في الكون علما وعملا وقد قال تعالى : (إن الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم) وقد وردت الروايات تشير الى أن أحسن ما في الكون هم العلماء إذا صلحوا وأن أقبح ما في الكون هم العلماء إذا فسدوا, هذا ما كان من الواجب بيانه ليوم الدين يوم لا ينفع مال ولا بنون إلا من أتى الله بقلب سليم والحمدلله رب العالمين والصلاة والسلام على محمد و آله الطاهرين.
0 تعليق