المحاضرة الرابعة عشر
بداية عرض الأخبار الأمرة بالعرض على الكتاب المجيد ثم تفسير (ألم)
سورة البقرة مدنية كلها إلا آية واحدة كما قيل.
قبل الدخول في تفسير سورة البقرة لا بأس بذكر الأحاديث الآمرة بلزوم العرض على كتاب الله تعالى ليعرف القاريء الكريم أن الأساس في كل شيء هو القرآن المجيد فمن عاش كتاب الله تعالى صارت لديه ملكة يتمكن بواسطتها من معرفة الحق والباطل بل وحتى الصحيح والسقيم من الأحاديث ولذا نشير لبعض تلك الأحاديث حتى لا يتسارع المسلم في الأخذ بها قبل عرضها على كتاب الله حتى ولو كانت صحيحة السند فضلا عما لم تكن كذلك وهذا العرض ليس فقط عندما تتعارض الأخبار ليكون الأخذ بالموافق منها و الطرح للمخالف للكتاب بل مطلقا يجب أن تعرض الأحاديث على كتاب الله حتى لا تصاب الشيعة بما أصيب به أبناء العامة من الأخذ بالأحاديث إذا صح سندها عندهم ولو خالفت العقل و ضرورة الشرع كما فعل ذلك في كثير من المواطن أبناء العامة التي منها أحاديث الشاب الأمرد يوم القيامة ويعنون بذلك أنهم يرون ربهم كذلك و أحاديث إرضاع الكبير المخالفة لجميع القيم الإنسانية والكرامة البشرية فضلا عن مناهج الرسالات السماوية.
فمن الأحاديث الآمرة بالعرض على الكتاب قول الرسول (ص) : (ما جائكم عني فإعرضوه على كتاب الله فما وافقه فأنا قلته وما خالفه لم أقله) وعنه (ص) أيضا : (فأيما حديث بلغكم عني تعرفونه بكتاب الله فإقبلوه وأيما حديث بلغكم عني لا تجدون في القرآن موضعه ولا تعرفون موضعه فلا تقبلوه و أيما حديث بلغكم عني تقشعر منه جلودكم وتشمئز منه قلوبكم و تجدون في القرآن خلافه فردوه).
وقد جاء عن الإمام علي عليه السلام أن رسول الله (ص) قال : (إنها تكون بعدي رواة يروون عني الحديث فإعرضوا أحاديثكم على القرآن فما وافق القرآن فحدثوا به وما لم يوافق القرآن فلا تأخذوا به) .
وعن أبي عبد الله عليه السلام قال : (خطب النبي (ص) بمنى فقال أيها الناس ما جائكم عني يوافق كتاب الله فأنا قلته وما جائكم يخالف كتاب الله فلم أقله).
وعن أبي عبد الله (ع) أيضا عن أبائه أن الرسول (ص) قال : (إن على كل حق حقيقة وعلى كل صواب نورا فما وافق كتاب الله فخذوه وما خالف كتاب الله فدعوه.
وعن أبي عبد الله (ع) أيضا كل حديث لا يوافق كتاب الله فهو زخرف.
وقد وردت روايات عدة عن المعصومين عليهم السلام تقول : (إذا جائكم منا حديث فإعرضوه على كتاب الله فما وافق كتاب الله فخذوه وما خالفه فإطرحوه او ردوه علينا).
وعن الإمام الرضا (ع) : (فما ورد عليكم من خبرين مختلفين فإعرضوهما على كتاب الله فما كان في كتاب الله فخذوه وما خالف كتاب الله فدعوه).
وعن الإمام الهادي (ع) : (إذا وردت حقائق الأخبار و ألتمست شواهدها من التنزيل فوجد لها موافقا وعليها دليلا كان الإقتداء بها فرضا لا يتعداه إلا أهل العناد.
وعن الإمام الصادق (ع) : (يُنظر فما وافق حكمه حكم الكتاب والسنة _أي السنة القطعية_ وخالف العامة فيؤخذ به ويترك ما خالف حكمه حكم الكتاب والسنة و وافق العامة).
ومن الاحاديث : (ما من نبي إلا وقد كُذب عليه من بعده ألا وسيكذب علي من بعدي كما كُذب على من كان قبلي فما آتاكم عني فإعرضوه على كتاب الله فما وافقه فهو عني وما خالفه فليس عني).
ومن الاحاديث عن الرسول (ص) أيضا : (ستكون عني رواة يروون الحديث فإعرضوه على القرآن فإن وافق القرآن فخذوه وإلا فدعوه).
ومن الأحاديث أيضا الواردة عن الرسول (ص) : (إنكم ستختلفون من بعدي فما جائكم عني فإعرضوه على كتاب الله فما وافقه فمني وما خالفه فليس مني).
إذن جميع الأحاديث تنص على لزوم العرض على الكتاب سواء في موطن الخبرين المتعارضين او في غير هذه المواطن فيؤخذ بالموافق ويطرح المخالف وهذا هو مسلك الإمامية على طول التأريخ ولذا عرضت بعض هذه الأخبار ليلتفت القاريء الكريم الى أهمية كتاب الله تعالى في كل الامور لأنه الأصل الذي ترجع اليه السنة وبه يوزن العقل و ذلك يحتاج الى أن يعيش المسلم المؤمن كتاب الله تعالى ليحصل على قمم من المعارف يتمكن بنورها أن يميز الصحيح من السقيم في كل الأمور سنة و عقلا بل ويتمكن بواسطته أيضا أن يميز بين رجال الله الحقيقيين وبين المتظاهرين بالتقوى.
والآن بعد هذه المقدمة التي نحتاجها لمعرفة الحق وأهمية الكتاب المجيد ندخل بإذنه تعالى في تفسير سورة البقرة , قال تعالى بعد البسملة التي مر بيانها في سورة الحمد:
(ألم):
فعن الإمام الصادق (ع) : (أنها من حروف إسم الله تعالى الأعظم المقطع في القرآن الذي يألّفه النبي وآله عليهم السلام فإذا دعا به النبي او الإمام أجيب) وعن الإمام علي (ع) : (أن الحروف المقطعة في القرآن إسم الله الأعظم إلا أنا لا نعرف تأليفه منها) ويريد بعدم المعرفة الإنسان بما هو إنسان لا لمن له خصوصية الولاية.
وها هنا كثير من الروايات تشير إلى أن إسم الجلالة (الله) إسم الله الأعظم لأنه إسم الذات الإلهية من حيث هي هي بناءا على أنه إسم عَلَم لكن هل المراد بذلك هي الحروف التي يتألف منها إسم الجلالة في اللغة العربية في حين أنها في كل لغة لها حروفها وعليها فكيف يُعقل أن تكون هي الإسم الأعظم إلا أن يراد من الحروف او الحرف الحقائق وإن التأمل يقضي بعدم كون الإسم الأعظم حرفا او حروفا حيث إن الإسم الأعظم بلا شك ليس قولا يقال ولا لفظا يُعرف ولا يمكن أن يتوصل إليه بفعل ولا برياضة نفسانية بل هو حقيقة تلمسها نفوس الأولياء بشهود المقربين و شهود حقيقة الذات والأسماء والصفات والعيش في المحضر الربوبي أو التلبس بهذه الأسماء و ليس أمرا مقدورا إلا لمن كان من الأولياء ولا أعنى بذلك إلا بعض الأنبياء و أوصيائهم الكرام.
فإذن ما يتمناه البعض من معرفة الإسم الأعظم لأي غاية من الغايات ليس إلا ضربا من الوهم والخيال حيث أن حقائق القرب ليست من العلوم المكتسبة ولا أظنه إلا لمن عنده علم الكتاب وللحديث عن الإسم الأعظم تفصيل ليس ما نحن فيه محلا لذلك.
كما وأنه قد ورد ان الحروف المقطعة في القرآن أسرار بين الله و رسوله فهي رموز لم يُقصد إفهام غيره لأنها سر الحبيب مع الحبيب وقد علّمها أوصيائه الكرام بواسطة ما علّم عليا عليه السلام فهي مما لا يعلم تأويلها إلا الله والراسخون في العلم.
وهناك من قال أن المراد من هذه الحروف الإشارة الى أن هذا الكتاب الذي أنزل إليكم بما فيه من عظيم المعارف مؤلف من هذه الحروف التي هي بأيديكم وهي بلغتكم فأتوا بمثله إن كنتم صادقين حيث أن أدواة التأليف والتركيب أي مواد الصُنع متوفرة لديكم كما وأن الله خلق الإنسان من تراب بما له من عظيم الصُنع والتراب بأيدينا و لكننا لسنا قادرين أن نصنع إنسانا كما وانه يُحتمل أن تكون هذه الحروف تشير الى أعداد يعرفها أهلها كالنبي وآله الكرام حيث أن العالم كله مؤلف من هذه النسب الرياضية والواقع الجميل الهندسي بسبع سماواته ولو أن أحدا إطلع على رموز الاعداد لعرف هندسة العالم إضافة على كون هذه الحروف تروي معالم أخرى هي بشأن الرسول (ص) كما ويُحتمل أن (ألم) هي الكتاب مجملا قبل أن يكون مفصلا وهي تلك الحقائق التي نزلت ببساطتها على صدر الرسول وأن ذلك الكتاب إشارة الى هذا الواقع البعيد المنال من حيث عظم عرفانه المشار إليه بهذه الحروف حيث أوحى الله تعالى ما أوحى إلى رسوله (ص) من كتاب التكوين و يكون كل القرآن بما يحمل من حقائق للجن والإنس والملائكة بعض ما في هذه الأسرار التي تقدم أنها سر الحبيب مع الحبيب.
ولعل من الشواهد على عظيم مقام هذه الحروف ما ورد عن الإمام علي (ع) من أنه قال : (لكل كتاب صفوة وصفوة هذا الكتاب حروف التهجي) أجل إذا كان سر الحبيب مع الحبيب والمقام الرفيع من الشهود والعلم الذي لا يرقى إليه أحد في العالمين كانت بالضرورة صفوة الكتاب المجيد لأن لكل شيء قمة وقمة الكتاب هي الموارد التي خُصّ بها النبي (ص) دون غيره وليس من سليم العقل أن يقول قائل كيف يكون الكتاب للعالمين وبعض خصوصياته او مراتبه لا يرقى إلى فهمها أحد إلا الرسول (ص) حيث يُقال له إن من عظيم الإعجاز أن تكون الرحمة الواسعة تُصب على كل مخلوق بما يناسبه حتى لا يضيع لأحد حق سواء كان يعيش بداية المعارف او في قممها وهذا هو عدل الله في خلقه.
وهناك احاديث تقول إن الحروف المقطعة مختصرات أسماء فإن الألف مثلا للإشارة الى الله و اللام لجبرائيل (ع) والميم لمحمد (ص) , وقيل هي أسماء للسور وقيل هي إشارة لعظيم خلق أقسم به الله تعالى أو هي إشارة الى صفاته و قد أقسم بها.
وقال قوم هي سر الله تعالى وعليه فلا يمكن الكلام عنها او محاولة تفسيرها وقال بعض أبناء العامة هي من المتشابه الذي إنفرد الله تعالى بعلمه حيث قالوا إن الله أنزل هذا القرآن و إستأثر منه بعلم ما شاء لنفسه فلا تسألوا عنه لأنه ليس كل القرآن تعلمون حيث أن حروفا من القرآن سُترت معانيها عن جميع العالم إختبارا و امتحانا من الله تعالى فمن آمن بها أثيب ومن كفر أثم وقد أعتبر هذا من الإيمان بالغيب بحسب رأيهم لكن في جميع ما قالوا تأمل حيث أن القرآن كتاب أنزل للخلق و إن أمكن ان تكون بعض مراتبه لعظيم مقامها مختصة بالرسول (ص) او بعظماء الخلق لأنه ليس كل أحد له أهلية فهم كل شيء و قد أريد من الكتاب أن يكون كتاب هداية ومعرفة للجميع كل بحسب عقله و زكاة نفسه ومراتب علمه والحمدلله رب العالمين.
0 تعليق