المولد النبوي الشريف
قصيدة نظمها سماحة الأستاذ الشيخ
محمد كاظم الخاقاني
*******
كأن بريقا من سنا الخلد سرمد
بدا لي بليل فوق قبة مسجد
تلألأ حتى كاد يصبح لمعه
صحائف رهبان لدى كل معبد
يحيط بآفاق الخيال ويرتقي
لسبع طباق من سلالم أوحد
فآليت ألّا أغمض الطرف لحظة
مخافة صبٍّ في حدائق أغيد
طروبا إذا ما هزه الوجد للهوى
بليل وصال في مرابع فرقد
تغنّي له فوق الأرائك ناعس
عليها خمائل لؤلؤ او زبرجد
تعانقه طورا بدلّ صبابة
وتبعد أحيانا بثوب مُقدّد
فترمي عليه من سهام جفونها
بما ليس من شأن الحسام المهنّد
فيمسي طريحا ماله غير قُبلة
شفاء ولا غير الوصال بمُسند
كأنّ لظى الآهات أصبح في الحشا
جمارا لنفس الهائم المتوقّد
كذا صرت من ذاك البريق لصبوة
أراقب آفاقا بتلعة معبد
أسامر في ليلي نجوما طوالعا
تحنُّ على علياء عرش مُصمَّد
كواكب أفلاك وبدر دياجم
و أنفاس عشاق سفائن مُنجدي
أخوض بها بحرا عميقا و لُجّة
ليال بلا مهلٍ أروح و أغتدي
فتطربني رغم المتاعب غاية
بها نيل آمال لكل موحّد
بها من عظيم الأمر ما ليس حاصلا
لغير سراة في مناهج أحمد
نبي الهدى الهادي لخير مراصد
وعلياء آفاق وصرحٍ مشيّد
له حين نلقاه بساحة محشر
لواءُ سناء الحمدِ في طالع الغد
خزانة أسرار الغيوب و لغزها
ومجلى فيوضات الوجود الموحّد
بوحدة كونٍ للإله تجليا
وفي قسمات الوجه سِفر التعدّد
مبلّغ آيات لقدس حضيرة
بليل متاهات من الجور أسود
فأوغل في محض الفناء مسايرا
لفيض بهاء الحق في كل مورد
تعلق ربط بعد قوسَيْ معارج
هما كون كُن من أحرف لم تعدد
لوحدة إشراق على محض قابل
تَحَقَّقَ نورٌ كان أول أبجد
ليصبح لاسم الله قبل تكثّر
ظهورا لقدس جلاله المتوحّد
و آية ظل للحقيقة ساريا
بأحرفه في كل كون و مشهد
شفيع لأفواج الخلائق قائد
الى منزل الرضوان في دوحة الغد
له فضل قديس على كل سالك
مسالك أنوار بطهر التهجّد
علقت له طيفا تجلّى لناظرٍ
وذا الكون في حجب الغياهب مؤصَد
لأُصبح في دار البلية سالكا
بفطرة خلق نحو علياء أمجد
لتشرق في أعماق نفس متيّم
من الحق أنوار الحبيب محمد
ولكن نفسيَ للغواية و الهوى
على الرغم من ودّي و عرفان معبدي
دعتني الى درب الضلالة والنوى
ليصبح سدّا بين نفسي وسؤددي
وقد جئت من بعد الضلالة نادما
لألقي بعذري عند أعتاب أحمد
نبي له قد تمم الله آيه
بقرآنه الزاكي المجيد المسدّد
نبي عظيم الشأن في أفق العلا
حباه بديع الكون بالسّفط الندي
شفيع جميع الخلق في صبح محشر
يساق إليه كل طهر ومفسد
طرقت له باباً بليل متاهة
ودمعي شفيعي قبل ذل تودّدي
فقلت رسول الله إنيَ مذنبٌ
و أنت الذي أرجوه في رمس مَلْحدي
أتيتك و الآفاق قد سدّ بابها
بوجه ظلوم ناكث العهد معتد
أتيتك لا أرجو سواك مفرّجا
إذا صيح في هول العوالم في غد
وقيل لنيرانٍ تأجّج جمرها
خذي من قضى عُمراً بتَيْه التمرّد
و أُبعِد عني كل خل وجيرة
وكل تقي مشرق الوجه مهتد
و صرت لدى الأغلال رهنا لخسّة
بلا أيّ زاد في صفيح منضّد
وصارت ذنوبي كالجبال ثقيلة
على الظهر و الأصفاد في معصم اليد
إلهي على أبواب أهلك لائذ
جهول رماه الغيّ في لهب الصدي
إلهي على أعتاب عزّك واقف
عُبَيْدٌ تمادى لا لشقوة مُلحد
ولكن رأى سترا لواسع رحمة
فسار لغايات الهوى سير مفسد
فإن أنت لم ترحم سوى أهل طاعة
فمن لشقي من لظى النار في غد
**********************
0 تعليق