تطوى الليالي
قصيدة نظمها سماحة الأستاذ الشيخ محمد كاظم الخاقاني إجابة لشاب اسمه سعيد أحب نصحا
——————————-
تطوى الليالي ويطوى العمر والأملٌ — ويصبح الأمس وهماً ثم يرتحلُ
وينتهي كل أمر بات مرتقباً — تصبو إليه بلمح الدمعة المقلُ
وكلّ طيف بدا كالورد مبتسماً — يمسي خيالاً بأفق ثم ينتقلُ
وهكذا الأمر في دنيا الفنا أبداً — حيث الدنية وهمٌ والدنا زللُ
ومركب الوهم في بحر الدجى شططاً — يسعى لشاط هو الإعصار والوحَلُ
وكل ما في ربوع الأرض قاطبةً — نهبٌ لما تحكم الأقدار والأجلُ
حتى كأن الأماني كلها سفهٌ — وما بربع الدنا الأوهام والهبلٌ
فذاهم الناس في فلك بهم لعبتْ — أمواج بحر لها من جريها قللُ
تسعى بهم نحو أهوال بليل دجىً — سعي الجهول إذا ما مسّه الخبلُ
وإن قوماً أتت للوصل تطلبهم — نفس الصبابة عن أوطانهم رحلوا
ساروا لغايتهم نحو العلا طرباً — في صمت ليل علاه البؤس والمللُ
فأين من كنتُ في أوساطهم فرحاً — رغم الأسى حيث ركبُ الموت يحتفلُ
تركتهم كخيال في ربوع هوىً — وسرت والخطبُ من وقع القنا جللُ
والسيف ينطقُ والآفاق غائمةُ — والرأي قد كاد يثني عزمه الزللُ
حتى إذا ما توالى الليل في كدر — مددت طرفاً لمن في كفه العللُ
وصرت دمعاً لوهج الشوق منحدراً — يروي البراري بليل حين ينهطلُ
وقلت للنفس والأحزان حاكمةُ — أين الأحبة والأهلون والخَوَلُ
وأين دارٌ بها قد كان يؤنسني — صفو الحديث إذا ما هاجني الوجلُ
وأين إخوان صدق كنت أحسبهمْ — حصناً إذا ما رماني بالردى النَصلُ
أجابني عنهم من بعد ما تعبتْ — مني القوادم في ليل النوى طللُ
فأي حصن لدار قد مضت قدماً — بأهلها بظلام الليل تنتقلُ
دع الحديث عن الأحباب إنهمُ — ركب المنايا بهم قد صار يرتحلُ
وأصبحت بعدهم دار الهنا خبراً — لم يبق في ربعها إنسٌ ولا جملُ
وقد علاها بسيف الغدر ذو شره — كأنه من شقى أوهامه ثملُ
قد ساقه رجس كبر نحو منحدر — كما يسوق لعقر الهُوّة الخبلُ
ظن الحياة بدنيا الوهم باقيةً — لم يرمها بسهام الذلة الأجلُ
وكيف يأمل خلداً من رأي أمماً — طوت صحائف آمال لها الحِوَلُ
وأسكنتها ديار الوهن في حفرٍ — فهاهي اليوم لا عزٌ ولا دولُ
حتى كأن لم تكن يوماً على فنن — تعيش حالمة يحدو بها الأملُ
وكان فيها طغاة كالدجى سبلاً — عاشوا الشقاوة حيث المكر والخطلُ
راحوا فلم تبكهم دنيا الهوى شجناً — ولا هوت فوق أجداث لهم زحلُ
وهاهمُ قد نستهم بعد عزهمُ — سمر الأسنة والأسوار والقللُ
وقد تناساهمُ مَن كان يعبدهم — كما تناستهم التيجان والحللُ
حتى كأنهمُ لم يحكموا أمماً — ولم يكونوا لأهل الحق قد قتلوا
ولم يكونوا لأهواءٍ وموبقة — لأعين أبصرتْ أسواءهم سملوا
ولم يميتوا بأرض الله منهجه — لشقوةٍ ساقها في ليلهم دغلُ
فأين هارونٌ بغدادَ الذي طربتْ — لعزف أنغامه في ليلها الكُللُ
وزينت نفسها شوقاً لرغبته — حور القصور وأبدت حسنها الحُللُ
من خاطب السحب زهواً حين أبصرها — يأتي الجباة بما قد يثمر الهطلُ
وأين كسرى عظيم الفرس طاغيةً — وأين فرعون موسى ذلك الخطلُ
وأين هرقل والأشرار من سبأ — وأين نمرود أين الكفر والدجلُ
وأين من جعل السفر العظيم له — لشقوة غرضاً ذاك الخنا الثملُ
وأين من شيدوا الأسوار وافتخروا — بعرش قهر بناه البغي والختلُ
كم عربدوا طرباً في ليل أنسهمُ — وكم تمادوا لطيشٍ ساقه الهبلُ
قد غرهم لشقا أحلامهم شطنٌ — وساقهم نحو غور الهُوَة الزللُ
حيث القرين لأصحاب الشقا لهبٌ — ورجس خبث هو الشيطان والعَذَلُ
فتبْ إلى الله إن شئت النجاة غداً — حيث الكرامة والرضوان والمُثُلُ
في جنب خير هداة في علا قمم — حيث النبيون والأبرار والرسلُ
فيا سعيدُ لنا بالطهر حيدرة — وأحمد الغر فيما نبتغي الأملُ
فهو الشفيع بيوم الحشر إن خفقتْ — أقدامنا بصراط خطبه جللُ
وللعدالة في صبح السلام لنا — سمي أحمد ذاك القائد البطلُ
من سوف يحيي بنهج الحق ما اندرستْ — من الشرايع حيث العلم والعملُ
0 تعليق