ذكريات من الماضي (3)
اذن الحاكم الشرعي في اداء الحق
كنت يوما من الأيام جالسا بمحضر الوالد (قده) في المدرسة التي كان يُدَّرس فيها وكان يوما من الايام يجتمع فيه الناس بعيدا عن الدروس والمحاضرات وقد جاء يزوره في ضمن حشد غفير من الناس بمناسبة احد الاعياد واحد من الأعيان من تجار البلاد واسمه الحاج حسين هـ ي ولما انقضى المجلس قال لي الوالد هل تعرف الرجل الذي زارنا اليوم وكان يقصد الحاج حسين قلت له نعم اعرفه انه من تجار البلاد قال لي أنقل لك قصة سمعتها منه قبل سنين فإنه قال لي منذ بداية شبابه كان صديقا للعالم الفلاني في النجف الأشرف لأنهما من أهل بلدة واحدة وأن العلاقة بينهما لم تنقطع على الرغم من سكنى احدهما المحمرة والآخر النجف الأشرف وكان في كل سنة مرة يزور النجف لزيارة الإمام علي عليه السلام ودفع ما يستوجب عليه دفعه من الحق الشرعي الى احد المراجع الذين كان يرجع إليهم في التقليد وفي الضمن يزور صديقة العالم الفلاني.
ثم قال الوالد قال لي الحاج حسين إنه سأله يوما من الأيام صديقه العالم لما بينهما من الصداقة أسألك يا حاج حسين ماهو وضعك المادي من بعد ما انتقلت الى مدينة المحمرة؟ يقول : قلت له الحمدلله اصبحت أعدُّ اليوم أحد التجار في البلاد فسأله بعد ذلك قائلا هل أنت ملتزم بأداء الحق الشرعي أم لا ؟ يقول الحاج حسين : قلت له وكيف لا اكون ملتزما بذلك, يقول فقال لي صديقي إذن لمن تدفع الحق الشرعي ؟ يقول قلت له إني أتي كل سنة بعدما احسب حسابي السنوي الى النجف الأشرف لأدفع ما علي من الحق الى المرجع الفلاني , يقول الحاج حسين فسكت صديقي هنيئة ثم قال هلّا تعلم بأني محتاج ام لا ؟ يقول قلت له لست ادري بذلك لكن ان كنت محتاجا فأستأذن من ارجع اليه بالتقليد لأدفع اليك ما تحتاج اليه من الحق الشرعي كل سنة ثم ادفع الباقي الى من ارجع اليه بالتقليد ولا شك انه سيأذن لي بذلك لأنه يعرفك ويعرف مكانتك العلمية فقال لي كلا لا أريد ان تستأذن لي ممن ترجع اليه بالتقليد لكن أقول لك شيئا فأجبني بكل صدق , يقول الحاج حسين قلت له قل ما بدى لك ,فقال لي لو قلت لك شيئا أكنت مصدقا إياي ام لا ؟ يقول قلت له لا اتردد في علمك ودينك ولولا وجود هؤلاء المراجع الذين هم اساتذتك لرجعت اليك في التقليد قال اذن اسمع مني ما اقول إعلم انه لا دليل ابدا ومطلقا على انه لا تبرأ الذمة إلا بإذن من الحاكم الشرعي ولا دليل لولايته على ذلك فيقول الحاج حسين قلت له أنا رجل عامي من سائر الناس لا اعرف الاحكام الشرعية لكن ما بلغني انه لا يجوز اعطاء الحق الشرعي الا لمن يرجع اليه الإنسان بالتقليد او الى وكيله فإن قلت انها بذمتك يوم القيامة فأنا سأعطيك كل سنة ما تحتاجه من الحق الشرعي ثم ادفع الباقي الى من ارجع اليه بالتقليد فقال لي في ذمتي ذلك ولا اقول لك ان شاء الله تعالى الا الحق فيقول الحاج حسين نقلا عن الوالد أصبحت كل سنة عند ذهابي الى النجف الأشرف اذهب الى صديقي واعطيه ما يحتاجه من الحق الشرعي ثم ادفع الباقي الى من ارجع اليه بالتقليد حتى مضى على ذلك اكثر من عشرين سنة وتغيرت الأيام وأصبح صديقي مرجعا عاما ورجعت إليه في التقليد فلما مضى على ذلك اكثر من سنة سألني يوما من الأيام يا حاج حسين اراك من بعد ما اصبحت مرجعا ورجعت إلي بالتقليد لا تدفع إلي من الحق الشرعي شيئا فهل اصبحت فقيرا؟ يقول الحاج حسين قلت له بحمد الله اموري كما كانت ولعلها احسن مما مضى فقال لي ما اراك تدفع الحق الشرعي إلي ولا بلغني انك تدفعه الى وكلائي في البلاد يقول الحاج حسين قلت له بلادي فيها الكثير من الفقراء من الارحام وغيرهم وانا اقسم الحق الشرعي عليهم فيقول الحاج حسين إذ بي ارى صديقي القديم ومرجعي الفعلي يغضب غضبا شديدا ويقول في ضمن كلامه مالكم ايها العوام وانتم قد تتجاوزون الستين او السبعين عاما وانتم لا تعرفون شرع الله فإلى متى تعيشون الجهل , فأي مبرر لك في هذا التصرف بدون اذني ومن اجاز لك ان تطبق الحق الشرعي وكيف تبرأ ذمتك بذلك ؟ وأخذ ينحدر غاضبا وانا ساكت استمع إليه حتى اذا ما هدأ روعه وانتهى كلامه قلت له سيدنا هل حصل لكم استنباط جديد بالنسبة الى الحق الشرعي ام نسيتم ما تقدم لكم من كلام ام انا مخطيء فيما اتذكر من كلام مضى عليه اكثر من عشرين سنة؟! يقول الحاج حسين فقال لي وأي كلام ذلك وماذا تقصد يقول قلت له سمعت منك قبل اكثر من عشرين سنة أنه ليس اذن الحاكم الشرعي شرطا في أداء الحق الشرعي وأنه لا دليل على ذلك مطلقا وانما هو واجب يجب ان يؤدى الى مستحقيه وعلى طبق ذلك سيدنا كنت اعطيك من الحق الشرعي ما تستحقه سنين بدون اذن ممن كنت ارجع اليه ثم سردت له القصة بتفاصيلها التي جرت بيني وبينه قبل اعوام فسكت هنيئة ثم قال لا لم يبدو لي شيء جديد ولكن اقصد من كلامي الآن لعلك لست ممن يشخص المصاديق في الأداء ولا اقصد ان اذن الحاكم الشرعي شرط في صحة الأداء !.
0 تعليق