ذكريات من الماضي
طافت بي الافكار في ديار الغربة في ليلة من الليال , فأخذت بي الى ماض بعيد اعرضت عنه السنة الأيام و أبلت معالمه طوارق الحدثان لكنها لم تستطع على الرغم من قسوة صوارمها ان تهدم ما بات مرتسما منه في أفق الخيال حينما وجدت نفسي بعد كل هذه السنين جالسا في محضر الوالد (قده) وهو يحدثني عن ذكريات له ويفصّل لي أمورا كان قد رأى شرحها لازما لشاب مقبل على الحياة قد يحتاج اليها في نفق ظلمات الدهور.
وهاهي كأنها أحاديث الامس القريب مازالت ترن في مسامعي وكأني اشاهد ملقيها وهو يقول لي : يا بني أرسلني والدي من مدينة المحمرة الى النجف الاشرف وأنا ابن الثانية عشر من عمري لأعيش عند خالتي وأوصى بي هناك من يرعى تربيتي وما يتعلق بشؤون دروسي الحوزوية .
فقال لي الوالد يا بني كنت استغرب كثيرا وانا صبي حينما اسمع بقالا او خبازا او بعض المارة في الشارع لأدنى سبب ينال من طلّاب الحوزة بل حتى من بعض علمائها وما كنت اجد لهذه الاهانات توجيها ولا مبررا حتى مرت الايام واصبحت بموقع اتمكن من تحليل الامور و البحث عن اسبابها ودواعيها حيث قد وجدت لها جذورا تعود في الغالب الى زمن الصراع بين رجال الدين على قضايا الحكم و المشروطة في ايران وما جرى من نزاع حاد بين علماء النجف الاشرف حول هذه القضية بحيث انجرّ هذا النزاع الى الشارع ودفع بالناس الى نزاعات وخلافات حادة مزّقت صفوف المجتمع في حين ان الناس ما لبثوا حتى توجهوا انهم لم يكتسبوا من تلك الاحداث لا في ايران ولا في العراق اي مكسب وعاد الاستبداد كما كان او اشد منه على ايران باسم المشروطة وعادت سلبياتها جميعا على الدين ورجال الدين عموما حتى تمكن من بعد فترة من الزمن ان يرجع الامور الى مجاريها وان يعيد الى الحوزة هيبتها المرحوم آية الله السيد ابو الحسن الاصفهاني بحنكته وتدبيره , ثم قال فكيف بنا اليوم يا ولدي وقد تسلط رجال الدين وحدثت كما تشاهد الكثير من الخروقات لشرع الله والاخطاء واني لا اتردد أنها ستعود بكل سلبياتها على شرع الله ورسوله وأهل بيته الكرام حيث انها ترتكب باسم الدين والمذهب مالم يتدارك الله تعالى الامر من بعد ما تحصل ردة الناس من الدين والشك في قيمه العليا بولي الله الاعظم الحجة بن الحسن العسكري (عج) واني لأضيف الى ما تعرض له الوالد (قده) كلمه فأقول ما بقي رحمه الله ليرى ما يرتكب اليوم ايضا في العراق باسم الدين من بعض المنتسبين الى المذهب السني او الشيعي وان جميع هذه الامور ستكون لها ردة فعل لا يستحسن عقباها كما ارتكب ويرتكب الى يومنا هذا في كثير من البلاد الاسلامية ما يخالف شرع الله تحت عنوان السلفية او عناوين اخرى داعيا الله تعالى ان يحفظ دينه برجال اتقياء لا تأخذهم في الله لومة لائم لا الذين يُعمِلون الموازنات لحفظ عناوينهم ورئاساتهم او يُعجّل تعالى في ظهور تلك الطلعة البهية المنقذ للبشرية .
وسنشير الى بعض الذكريات الاخرى وما جرى في خوالي الايام مفصلا باذن الله تعالى .
0 تعليق