السلام عليكم شيخنا الكريم
لدي سؤال حول أمية الرسول (ص) فهل كان الرسول أميا لا يجيد القراءة و الكتابة و إذا لم يكن كذلك فما المقصود من الروايات الدالة أنه في غار حراء عندما جاءه الوحي أن إقرأ بسم ربك قال (ص) ما أنا بقارئ إلى آخر الرواية.
إضافة إلى ذلك ما المقصود بالآية القرائنية التي تتحدث عنه (ص): ( و ما كنت تتلو قبله من كتاب و لا تخطه بيمينك إذا لإرتاب المبطلون ) هل هذا يدل على أنه (ص) لم يكن يقرأ و يكتب قبل البعثة.
الرجاء بعض من الشرح المبسط حول هذه المسألة و شكرا
الجواب: أولاً إن ما نسب إليه (ص) من قوله ما أنا بقارئ ضعيف السند لا اعتبار به وثانيا لو كان على الفرض والتقديرصحيح السند لوقع بينه وبين الروايات الكثيرة الأخرى الدالة على أنه (ص) كان يقرء ويكتب بل ما دل منها على أنه كان يقرء ويكتب بإثنين وسبعين لغة التعارض ، وعند التعارض يأتي دور المرجحات ولا ريب أن مثل هذه الروايات تكون مقدمة لكثرتها ومتانة مضمونها ومناسبتها مع سيد الكائنات الذي نراه ظهورا لإسم الله الأعظم ولإسم العليم وأنه جامع الكلم الإلهي ومن كان ظهورا لإسم العليم يكون عالما بالكتابة والقراءة بحسب ذاته لا بتتلمذ على يد شخص وأما كونه ما كان يكتب ويقرء فإنه لا يكون دليلا على عدم التمكن بل على عدم إظهار هذا الأمر حتى لا يرتاب المبطلون في مجتمع يسود فيه الجهل وتسود فيه استدلالات الجهال وتتقدم على أدلة العارفين وقد بينا أن المراد من الأمية هي الفطرة وفطرة التكوين الجامعة لكل أبعاد الكمال تكون لعظم النفس بلا تعليم بشري بل لإنكشاف وإلهام و تجل إلهي فجميع الأمور والحقائق تكون منكشفة لديه (ص).
وثالثا بحسب العقل فإنه لا يمكن أن يتصور مؤمن سيد الكائنات وقد بلغ سن الأربعين من عمره الشريف وهو لا يعرف شرائع السماء ولو السابقة منها لأنه بحسب الفرض لم يقرء ولم يكتب وكأنه أحد أعراب البادية وإذ به دفعة واحدة يوجه إليه الخطاب الإلهي: إقرء، نعم هي الرسالة والبعثة في سن الأربعين لهداية المجتمع المسبوقة بالنبوة والولاية المطلقة والإمامة العامة وذلك لأن حضارة العرب تأبى الإنقياد لشاب مع وجود مشيخة قريش وهذا من جملة الأسباب التي دفعت بالعرب بعد الإسلام أن يقدّموا مشيخة قريش كالشيخيين على عظيم مقام الإمامة لشاب في الثلاثين من عمره كعلي (ع) بعد وفاة رسول الله (ص).
فالرسول (ص) مع ما أنه بعث في سن الأربعين لكن كان يثقل على حضارة العرب السماع إليه حتى قال قائلهم في مقام آخر ساخراً حينما دعا رسول الله الأقربين من قريش أن يسمعوا ويطيعوا لوصيه و وزيره علي (ع) في بداية الدعوة ليقول : يريد من أبي طالب أن يسمع ويطيع لولده علي، نعم ببدء البعثة بدأت قراءة جديدة هي من شؤون الرسالة والإرتباط بالخلق فهي للسير في مجاري الخلق لتربية الإنس والجن وكيفية سبل إبلاغ الرسالة المحتاجة إلى إسم الربوبية في كافة مجالاتها لإحياء المرسل إليهم بإبلاغ يتمشى معهم وهذا هو المراد من إقرء في بداية البعثة فهي قراءة خاصة في المحضر الربوبي لأعظم مربٍ لعالم الإمكان يراد منه حمل رسالة السلام لإحياء الممكنات على اختلاف مراتبهم بما يناسب كل مخاطب على قدر عقله فهي قراءة علمٍ محفوفة بشؤون التربية الربوبية للخلائق وليست مجرد علمٍ كان (ص) متحلياً به قبل البعثة والله العالم بغيب الأمور.
ورابعاً :بحكم الأولوية أن كل ما ثبت للأدون يكون ثابتا للأعلى دون العكس فكل أمر كان ثابتا للأنبياء المتقدمين يكون ثابتا لسيد الكائنات محمد (ص) وقد نطق بعضهم في المهد وكان نبيا وآخر أوتي الحكم صبيا ومحمد (ص) أولى من غيره في كل ما أوتي النبييون لكن المصلحة ما كانت في الإظهار لمراتب العلم قبل البعثة وهناك بعض الأشرطة في الموقع قد تفيد في مسألة علم النبي والأئمة عليهم السلام وبالأخص أشرطة العقائد في قسم الدروس الحوزوية وأما ما يتعلق بالآية الشريفة (وما كنت تتلو من قبله من كتاب ولا تخطه بيمينك إذا لارتاب المبطلون) فالتعليل يدل على أن عدم الكتابة والتلاوة لأجل أن لا يرتاب المبطلون ولا تدل الآية على عدم العلم بهما أو عدم المقدرة عليهما فهي نفي العادة أي أنه ما كان من عادته أن يتلو أو يخط والقادر على أن يجعله بعد البعثة يقرء ويكتب ليعلّم الناس شرع الله تعالى لقادر أن يعلمه ذلك قبل البعثة ولم نسمع أنه تعلم بعد البعثة ذلك على يد أحد ثم علم الناس فإذن كل الأمر عائد إلى عدم الإظهار حتى لا يرتاب المبطلون لأنهم لا يفهمون ولا يتعقلون أن يحصل أحد على العلم والقراءة بلا واسطة بل من الله تعالى ولهذه العقلية الضيقة بقي اكثر أبناء العامة على أنه (ص) بقي بعد البعثة لا يعرف القراءة والكتابة نعم فمثل هذا الفهم والإدراك غير قادرين على فهم أن يعلّمه الله ذلك بلا تعليم معلم بشري هدانا الله وإياكم إلى الصواب.
0 تعليق