سؤال حول مسألة التطبير
بسم الله الرحمن الرحيم والحمدلله رب العالمين و الصلاة و السلام على خير خلقه محمد و آله الطاهرين.
و بعد فجوابا لسؤال قد ورد من قبل بعض المؤمنين حول مسألة التطبير في ما يتعلق بعزاء الإمام الحسين عليه السلام من أن ذلك هل هو من إحياء أمرهم او أنه من الشعائر الحسينية و لذا فهو جائز او مستحب او أنه لا يجوز بحكم أولي او ثانوي؟
فأقول إن التطبير قد يدخل تحت عناوين شتى كواقع حكم او كمصداق و عمل خارجي حسنا او سيئا و قد حاول البعض إدخاله تحت عنوان إحياء امرهم عليهم السلام بعد أن ورد الأمر بلزوم احياء امرهم حيث أنه قد روي عن الإمم الصادق عليه السلام كما عن الفضيل ابن يسار: (تجلسون و تتحدثون؟ فقال الفضيل نعم, فقال الإمام الصادق (ع) إن تلك المجالس أحبها أحيوا أمرنا فرحم الله من أحيى أمرنا فإن من جلس مجلسا يحي فيه أمرنا لم يمت قلبه يوم تموت القلوب) و قد وردت تتمة بيانية لهذا الحديث من قبل الأئمة أنفسهم شرحوا المراد من إحياء الأمر قائلين عليهم السلام ( أن يتعلم علومنا و يعلمها الناس فإن الناس لو علموا محاسن كلامنا تبعونا أو لأتبعونا) و من الواضع أن المراد هو إحياء أمرهم بواقع المعارف التي تؤخذ منهم عليهم السلام و لا ربط لإحياء الأمر بالفعل و العمل الخارجي العائد الى الناس كالتطبير او غيره من الأعمال التي تجري في المجالس الحسنية إظهارا للحزن و العزاء من لطم او غير ذلك فإن مسألة التطبير لا تدخل أبدا في واقع إحياء أمرهم الذي هو شأن معرفي.
وأما إدخال مسألة التطبير تحت عنوان الشعائر الحسينية فهو قد يلحظ بلحاظات مختلفة و ذلك حيث أنه إن أريد منه أنه كالحج حكما بمعنى أنه من الثوابت التي لا ريب فيها شرعا فذلك غير صحيح لأن التطبير موضوع مختلف فيه بين الأعلام وليس كالصفا والمروة التي هي من شعائر الله المسلّمة وإن اريد من ذلك أن التطبير من مظاهر الحزن التي قد تظهر هذه المأساة فهو على هذا قد يدخل في محل البحث عند كثير من الأعلام كمصداق من مصاديق الشعائر الحسينية و مظاهر حزنها و مأساتها.
أجل بهذا اللحاظ إعتبره بعض و تردد في إعتباره آخرون من الأعلام و العقلاء و أبناء العُرف بل ربما اعتبره بعضهم مما يجلب نقدا او يسيء للمذهب فيكون شينا على المذهب لا زينا له و هذا أمر يختلف بإختلاف الآراء و لا يمكن ان يحمل أحد رأيه على الآخرين من أنه يخدم الشريعة حتما او يسيء إليها كذلك لكن كل واحد يسئل يوم القيامة عن واقع مكنون سره من أنه ماذا كان يعتقد في مسألة التطبير هل كان حقا يراه من مظاهر الحسن او الإسائة الى المذهب لا بما تظاهر به الفرد لغاية تأييدا او مخالفة لغيره تعصبا للرجال.
وبالجملة فقد حاول البعض أن يعطي مسألة التطبير عنوانا دينيا و طابعا إسلاميا و يدخله تحت حكم شرعي و قابلهم آخرون بالمنع إلى مرتبة
القول بالتحريم و قد تُلحظ مسألة التطبير فقط بعنوان كونها من مظاهر الحزن عند بعض الأمم و ذلك لإختلاف مظاهر الأحزان من أمة لأخرى فإنه قد تُظهر امة حزنها باللطم او بالضرب بالأيدي على الوجه و أخرى تظهر حزنها بالضرب بالسلاسل الحديدة على الظهور و كما و أن لكل امة ايضا مظاهر حزن عند النساء سواءا في الوفياة
او المناسبات الدينية لكنها جميعا و إن لم تكن محرمة لا يجوز ان تطبع بطابع الدين بل هي من حضارات الأمم إظهارا لأحزانهم و هذه الأعمال لا ربط لها بما جاء في الروايات من إحياء أمرهم حيث أنه بالعلم و العمل الصالح الحاكي عن سيرتهم عليه السلام يكون الإحياء لأمرهم.
نعم كل أمر يعتبر عقلا او عرفا مشينا و مبعدا للناس من الدين يكون بالعنوان الثانوي من المحرمات لكن مسألة التطبير بهذا اللحاظ قد اختلف فيها الأعلام كما اختلف فيها العرف ايضا و العقلاء من كونها من مظاهر الحزن او انها من موجبات الإساءة الى المذهب كما تقدم.
و قد قيل في مثل هذه المواطن كل عليه أن يرجع إلى مرجع تقليده و العلماء في ذلك مختلفون كل ذلك بناء على أن مسألة التطبير من الأمور الراجعة الى الحكم و الفتوى لكني أقول في مثل ذلك تأمل واضح لأن التطبير من الأفعال الخارجية التي يكون الحاكم فيها هم العقلاء او العُرف لا الفقيه حيث أن الموضوعات الخارجية ليس الفقيه مصدر حكم فيها بل هو فيها كأحد افراد العُرف او العقلاء لا أكثر من ذلك.
و أما لو أريد التكلم عن التطبير من حيث الإضرار بالنفس فهو أيضا ليس من شأن الفقيه بل يرجع أمره إما إلى أهل الاختصاص و الخبرة كالأطباء او الى العقلاء و العُرف أيضا من أنه هل هذا العمل من الإضرار التي لا تتحمل عادة او ليس كذلك؟ لأن مجرد الضرر لا يكون من دواعي التحريم كما هو واضح.
وبالجملة الإضرار و عدمه أمر خارجي لا ربط بالفتوى العائدة للفقيه حيث أنه لا محل للفتوى في الموضوعات الخارجية التي هي من شأن العُرف او العقلاء و أما تشخيص المصداق من أن مثل هذا العمل هل كان في عهد المعصومين متواجدا فأقروه أو انه كان يجري في مجالس أحزانهم فإدعاء المعرفة بذلك او انه كان جاريا في عهدهم إثباته من أشكل الأمور و أما قول القائل بأنه لا يجوز رفع اليد عن التطبير لإدعاء البعض بأن الغرب او أبناء العامة يسخرون منه و يأخذونه وسيلة للنقد على التشيع و نحن لو أردنا أن نهتم بكلامهم لوجب أن نترك لنقد الغربيين الطواف ورمي الجمرات فنقول في المقام إن قياس الثوابت من الشرع كالطواف و رمي الجمرات بعمل آخر مختلف فيه كالتطبير ليس من ديدن أهل العلم و المعارف و كيف يجوز لمتشرع أن يقيس عملا مختلفا فيه مصداقا بما هو من مسلمات الشرع حكما أضف الى ذلك إنما نحن فيه لا نعلم ملاك صحته و ما ورد في الشرع نجزم بصلاحه وحسنه ولو كنا بعلل الأحكام جاهلين أحيانا.
وأما الإستدال من البعض لإعطاء التطبير حكما شرعيا من طريق ما يُروى من أن السيدة زينب عليها السلام نطحت جبينها بعمود المحمل فلا أظنه يتناسب أيضا و مقام العلم و الفقاهة لأنه هو قبل كل شيء من القياس مع الفارق حتى بناءا على تسليم القضية و قبولها سندا و مفهوما و كيف ذلك وفيها من التأمل الشيء الكثير و الذي منه تصوير آل محمد و هم يُحملون الى الكوفة او الى الشام بمحامل و ما كانت المحامل إلا لمن يراد له العزة و الكرامة كنساء العظماء و الحكام لا كنساء أسرى بعد وقيعة كربلاء الدموية و و رضِّ حتى الصدر الشريف للإمام الحسين عليه السلام بالخيل و قتل حتى الطفل الصغير و اتهام الحسين عليه السلام و من كان معه بالخروج من الدين و كونهم بغاة خرجوا على امير المؤمنين لكن مع كل ذلك نقول أيضا إن قياس الأفعال الإختيارية في زمان و مكان اعتاد البعض ان يقوم به كالتطبير بعمل قد يصدر لشدة الإنفعال لهول الفجيعة بنحو لا إختياري على فرض صدوره من زينب عليه السلام حينما شاهدت فجئة رأس اخيها على رمح حتى ولو فرضناها خرجت عن مقام الصبر الى الجزع و غفلت في هذا الحال عما كان قد اوصاها به الإمام الحسين عليه السلام من ألا تخدش عليه وجها و لا تدعو بالويل و الثبور أضف الى ذلك أنها كانت الأسوة لآل الرسول (ص) و نساء الأنصار في حين أن اظهار الجزع أمام الأعداء و الشامتين لا أظنه يصدر من إمرأة عظيمة قد أوصى إليها الحسين عليه السلام بمهام الأمور و بأن تكون مظهرا للعظم و الشموخ مهما المصاب عظيما و جسيما فهي بعظمها أعظم من كل مصاب في جنب الله تعالى, أجل لا أظنها امام العدو و الشامت تظهر بهذه المظاهر بل هي ظهور العظمة و الجلد و الإباء و القوة حتى ولو عاشت حياة الحزن و البكاء في الخلوات او في مجالس أهل الإيمان و الود لأهل محمد عليهم السلام من المؤمنين و المؤمنات من الشيعة المخلصين ولو فرضنا ان فعلا كهذا صدر منها عليها السلام في حالة غير اختيارية لهول المشهد و المصاب فهل يكون ذلك شرعا تترتب عليه الأحكام؟! أضف الى ذلك إن الشرع هو فعل و قول و تقرير المعصوم عليه السلام و مثل هذا يحتاج الى تقرير من معصوم و هو الإمام زين العابدين عليه السلام حينما يكون الفعل الصادر من أهله اختياريا و أنى لنا بإثبات ذلك بأنه كان بمشهد و بمرأى من الإمام و قد أقره كمنهج شرعي حتى ولو فرضنا رضاه به كواقع عند مصاب عظيم يدفع بصاحبه الى خروج من وصية للإمام الحسين عليه السلام الذي قد خاطب أخته قائلا لا تشقي عليه جيبا و لا تخدشي علي خدا.
وبالجملة لو فرض أنه كان بمشهد و مرآى من الإمام زين العابدين فسكوته في مثل هذا المقام لا يثبت التقرير ليصبح شرعا مستحبا او جائزا و لكن ليس معنى كلامي هذا إني أريد القول بأن ذلك يدل على عدم الجواز فالجواز او المنع له مقام آخر يتضح من خلال حديثنا هذا بتمامه من أوله الى آخره لمن تأمل في تفاصيله بروح بعيدة عن الإطلاقات و الجدل او الصراع للمغالبات.
أجل غاية ما يمكن ان يدعى في المقام أن التطبير من مصاديق ابراز الحزن على الامام الحسين عليه السلام لا أنه من العناوين الداخلة في الأحكام الشرعية كما دخلت الصفا و المروة مثلا كواقع فرضه الشرع المبين كشعيرة و قد اختلف العلماء و العقلاء و العُرف في مثل هذه الأعمال هل هي حقا من مصاديق الإظهار للحزن الحسنة او التي تسيء للشرع و القضية الحسينية و مذهب أهل البيت (ع) كغيرها من مظاهر أخرى اختلف فيها كالمشي على الجمر او التطيين و في مثل هذه المواطن المختلف فيها مصداقا لا يمكن البت فيها حكما و إعطائه اطلاقا يعم أبناء الطائفة و لا عقلا و لا عُرفا ايضا و عليه فلا يجوز ان يتعدى أحد الأطراف المعتقد بمصداقية هذه الأمور و حسنها او المعتقد بعدم مصداقيتها و حسنها فيما يتعلق باظهار كونها من مظاهر الحزن او كونها هل يمكن ان تكون شعيرة من الشعائر التي تظهر الحزن على الحسين عليه السلام او تخدم هذه القضية بل يجب على جميع الأطراف في مثل هذه القضايا المختلف فيها مراعاة الخُلُق الكريم و فتح المجال لحرية الرأي لأنها ليست من مسلمات الشرع صحة او بطلانا و لكن مع الأسف ان حضارة الإستبداد هي ما يقوم عليها المجتمع الإسلامي سواءا على صعيد المذاهب الإسلامية او على صعيد أبناء الطائفة الواحدة التي تجمعها جوامع معتقد و مذهب واحد.
واؤكد القول أن المرجع الديني انما يرجع إليه في الفتوى فقط في مواطن استنباط الحكم الشرعي لا فيما يعود الى تشخيص المصاديق و ما هو مختلف فيه عرفا او عقلائيا كما نحن فيه من مسألة التطبير و غيرها لكن قد اعتاد البعض ان يسأل الفقهاء حتى في مثل هذه المواطن التي هي ليست من مواطن الفتوى بل هي من الواقع الخارجي كما سألوا الفقهاء ايضا عما يباع في الأسواق و المسمى بماء الشعير أيجوز شربه ام لا حيث أن تشخيص مثل هذه المصاديق يعود أمرها الى أهل الخبرة لا الفقهاء كما و أن الناس راحت لتسأل الفقيه أيضا عن التدخين في شهر رمضان أهو من موجبات إبطال الصوم ام لا في حين أن ما يتعلق بالفتيا انما هو الغبار الغليظ ثم يقال هل الدخان داخل فيه ام لا فذلك من الشبه المصداقية ولا ربط له بالفتيا حيث أنه يجب أن يسأل العقلاء و العرف هل أن الدخان من مصاديق الغبار الغليظ ام لا و لكن مع الأسف أن نرى إصدار الفتيا من قبل بعض الفقهاء حتى فيما ليس من اختصاصهم وهي الموضوعات الخارجية حيث يكون الفقيه فها كأحد أبناء العرف أو العقلاء لا اكثر من ذلك.
وقد استدل البعضُ لتوجيه حسن التطبير بأنه إضافة على كونه إظهارا للحزن والمواساة لآل الرسول عليهم السلام هو أيضاً من مظاهر الإستعداد لكل تضحيةٍ وفداء فأقولُ إن من اعتقد ذلك حقاً لا بتبعية لأحد ولو لمرجعٍ من المراجع لأن المقام كما تقدم ليس من واقع الإفتاء والإجتهاد حتى يعود إلى الفقهاء بل هو موضوع خارجي يعود أمره إلى العقلاء أو العرف فهو يكونُ من الجائز بالنسبة إليه أو من المستحب ولكن من جرى وراء الآخرين ظاناً أن الأمر من باب التقليد والمرجعية أو أخذته العصبية لمتابعة من يحب تأييدا للتطبير أو تحريما له فهو مسؤول ومؤاخذ يوم الحساب إن كان ذلك في متن الواقع عملاً يسيء للمذهب بحسب العرف أو بحسب ما يراه العقلاء ولو باختلاف الأزمنة والأماكن والحضارات فربّ تطبير في مكانٍ لا يستوجب الإساءة إلى المذهب وفي محلٍ وزمان أو مكان آخر يستوجبه ويدفع بالمشاهدِ لمنظر الدماء أن يبتعد عن مذهب أهل البيت عليهم السلام بدلاً من أن يكونَ عملاً من أتباع آل محمد ص يدفع بالناس إلى المذهب أو يأخذ بهم إلى التفكر في الدخول فيه لأنه مظهرٌ من مظاهر الخلق الكريم أو الفعل الحسن لكن أؤكد وأقول إنه لما كان الأمرُ في مسألة التطبير من الواقع الخارجي ولا ربط له بالفتيا والإجتهاد فالبتّ فيه من أي من الأطراف ثم التحامل والتقابل إلى حد العداء والشتيمة عملٌ غير صحيح وأنه لا منتصر في المقام ولا دليل قاطعَ يكونُ حجة بلا ريبٍ ليوم الحساب بناء على إدخال العمل الخارجي في الأحكام الشرعية وإصدار الفتيا فيه حتى ولو فرضنا الأمر أنه من باب الإجتهاد وسلمنا ذلك جدلاً فكل واحدٍ من عامة الناس عمله بتبع من يرجع إليه من الفقهاء يكونُ جائزاً والمسؤولية تقع على عاتق الفقيه، هل حقاً يرى الأمر من باب الإجتهاد والفتيا أو أنه إصدارُ فتياً على موضوعٍ خارجي لا ربط له بالإجتهاد أما تجاوز الحد وكأن النزاع في التوحيد أو الشرك أو الإلحاد أو الإمامة الحقة وإنكارها كما يصنع البعض في مسألة التطبير فهو من الاخطاء التي قد ادت الى مزيد من الإضرار بهذه الطائفة التي تعيشُ واقعاً لا تحسد عليه ضعفا وهواناً في العالم حيث يكفيها التمزق الداخلي بغض الطرف عن الأعداء الذين ينسبون إلى الإسلام من النواصب أو من الأعداء الآخرين من بقية الأديان أو ما يحاكُ من وراء الكواليس من قبل دولٍ ذات مصلحة في البلاد وما يحاكُ على صعيدٍ عالمي لهذه الأمة يلمسُ ذلك كل عاقلٍ رشيد ولا أظن أن أحداً يتمكن أن يدعي أن مسألة التطبير هي من المسلّمات جوازاً أو حرمةً حتى ولو افترضت أنها من مواطن الإجتهاد الداخل في الاختلاف في الرأي بين الفقهاء وأنها ليست من واقع أمرٍ خارجي كما أعتقد وأن أمره يعود إلى العقلاء أو العرف حسناً أو قبحا لكن ماذا نصنع وحضارة الإستبداد التي تدفعُ بالأطراف إلى الهجوم من كل طرفٍ على الآخر وكأن المسألة حربٌ ما بين الموحدين والملحدين حيث أن لكلٍ من الطرفين وجهة نظرٍ يؤخذ بها يوم الحساب فهذا يقولُ أنه من مظاهر الحزن والمواساة لأهل البيت ع أو أنه من الجزعِ في موردٍ دلّ الدليلُ على جوازه استثناءً أو أنه من مظاهر الإستعداد للتضحيات وآخر يراه من مظاهر التخلف وأنه يوهنُ المذهب ويطبعه بطابع الجهل وحركات بعض الهنود المتخلفين أو غيرهم من الأمم المتوحشة أو المتخلفة حضارياً فكلٌ له ما يدعيه ويعتقد به وهو مسؤول عنه يوم الحساب ولكن كون الأمر يرقى إلى القطع حكماً أو البتّ به كموضوعٍ خارجي حسناً أو قبيحا فذاك من أشكل الأمور وحرية الرأي والاعتدال في المقام تقتضي أنه يجوز لكلٍ من الطرفين إبداء رأيه بلا توجيه تهمٍ عليه وكيل شتائم من أحد الأطراف على الآخر، إلتزاما بحرية الرأي والخلق الكريم أو تكريما للإجتهاد إن كان من واقع أمرٍ يرجعُ إلى الفتيا أو كما أقول إنه فعلٌ خارجي المستندُ فيه صحةً وقبحاً هم العرف أو العقلاء وإذا اختلف هؤلاء فيه فلكل شخصٍ حكمه بما يراه من كون التطبير حسناً أو قبيحا يوم الحساب.
وقد يقالُ إن هذا العمل حتى ولو لم يثبت أنه من الإضرار بالنفس وأنه لا يمكن إدخاله تحت حكمٍ شرعي لأنه من الواقع الخارجي وليس من شأن الفتيا والفقاهة لكن قد يدخلُ تحت التحريم بالحكم الثانوي لأنه يستوجبُ الإستهزاء بالمذهب من قبل الأجانب أو بعض المذاهب الأخرى ويفتحُ باب النقد على المذهب من طرف الحاقدين عليه كبعض أبناء العامة فيكونُ من يرى ذلك مكلفاً بهذا التكليف ومن لا يرى ذلك ليس مكلفا به وأما قول البعض بأنه لو كان كلُ ما يستوجبُ الإستهزاء يجبُ أن نبتعد عنه لوجبَ أن نتركَ حتى رمي الجمرات مثلاً أو الطواف بالبيت فأقول إن قياس ما هو من مسلّمات الشرع بغيره كالتطبير مما هو مختلفٌ فيه حكماً أو مصداقاً كلامٌ غير وجيه ولو ترددَ أمرُ التطبير حكماً وتشخيصا للمصداق حسناً أو قبحاً وضعفت الأدلة المجوزة أو المحرمة وشكّ العرفُ والعقلاء أيضاً في الحسن والقبح فعند ذلك فالمسألةُ يرجعُ أمرها إلى أن الأصل في مثل هذه الأمور هي الإباحةُ والجواز حتى يثبتُ المنعُ أو التحريم بدليل.
وقد حاولَ البعضُ أن يستدل على الجواز بما ورد عن الإمام الصادق ع : كلُ الجزع والبكاء مكروهٌ سوى الجزع والبكاء على الإمام الحسين ع فمن رأى ذلك من الأسانيد المعتبرة ثم اعتبر الدلالة لجواز التطبير في المقام تامة فهو وحكمه وإذا كان الأمرُ من باب الحكم فحكمُ مقليده يكون واضحا وهو الجواز ومن تردد في السند اعتباراً أو في الدلالة فهو أيضا بما يراه ولا يجوز أن يحمل أحدٌ رأيه على الآخرين حيث أنه قد يقولُ القائل بعدم اعتبار السند أو أنه لو اعتبر فهو معارض مع ما هو أقوى منه سنداً ودلالةً وقد يناقش في الحديث من حيث الدلالة من أنه أي دليلٍ على أن البكاء من المكروه ليعطف على الجزع المحرم ليصبح الأمر من الاستثناء في سياقٍ واحد فهما أي الجزع والبكاء ليسا من واقعٍ واحدٍ فكيف جاز العطف فيهما وقد يكونُ ذلك من موجبات الضعف لهذا الحديث إضافةً على أن الاستثناء للجزع قد يكونُ فيه تأمل فهل الجزعُ يدخل تحت الفعل الإختياري أو أنه لهول المصاب قد يدفع بصاحبه إلى عملٍ غير اختياري فلا يؤخذ به الإنسان ولا يكونُ موردا لحكم وقد يثابُ عليه الإنسان لأن دوافعه كانت نبيلة ولا يمكن قياسه على التطبير الذي يفعلُ عادةً في مكانٍ وزمانٍ معينٍ بارادة واختيار وبالجملة أن الجزع المستثنى هل يشمل المقام وهو الذهاب بكل عزيمة وإرادة وعدم انفعالٍ إلى محلٍ معينٍ وفي زمانٍ معينٍ للتطبير فهل مثل هذا ينطبقُ عليه أنه فعلٌ صادرٌ في حالةٍ غير طبيعية جزعا فالقياسُ يكونُ مع الفارق حيثُ أن مواطن الفعل جزعاً تصدرُ فجأةً من الشخص لظروفٍ خاصة لا في مثل ما يفعلُ في التطبير وغاية ما يمكنُ أن يقال إن اعتبرنا المسألة ليست فعلاً خارجياً يعودُ أمره إلى العرف أو العقلاء فهو يعودُ إلى التقليد فكلٌ مكلفٌ بالرجوع إلى مقلده ولا يجوز الإستبداد حتى وصل بنا الأمرُ في بعض المواطن وكأن أبناء الطائفة يعيشون ميادين الحروب فريقين لمن الغلبةُ في المقام في حين أن مظاهر الحزن عند الأمم تختلفُ باختلافها فهذا يلطمُ على الصدر وذاك يحث التراب على رأسه وثالث يضرب على وجهه ورابعٌ قد يشق ثوباً وهلم جرا وقد يكونُ البعضُ يظهر حزنه بضرب السلاسل على الظهر أو التطبير وينبغي أن لا تدخل هذه الأمور لكي تكون شريعةً أي من المستحسن أن لا يعطى ذلك طابعاً دينياً لا إيجاباً ولا سلبا حتى لا نحمل الشريعة حضارات الأمم أو يرجع أمره كما قلنا إلى فعلٍ خارجي قد اختلف فيه أهله وهم العقلاء أو العرف ومن يراه بالعنوان الثانوي مشيناً ويسيء إلى المذهب فيكونُ فعله من المحرمات عليه ومن لا يراه يجوز له ذلك والله هو المحاسبُ على النيات يوم تبلى السرائر.
وبالجملة فقد أدخله البعضُ تحت عنوان الشعائر الحسينية وآخرون اعتبروه من مظاهر الحزن وثالث اعتبره من مواطن الجزع الجائزة ورابع شك في شرعيته واعتبره دخيلا على الشعائر في القرون المتأخرة حتى بلغ الأمر بالبعض بأن اعتبره من المدسوسات لتشويه المذهب والنيل منه باسم الشعائر والمحبة لأهل البيت عليهم السلام وكلٌ له رأيه إن كان قد توصل إليه ببصيرة الإيمان ومعارف الشرع أو بتبع تقليدٍ لمرجع والمحاسب كما قلنا هو الله يوم الجزاء.
وقال البعض إن الشعائر إنما ترادُ لتقريب الناس إلى المذهب فهل مثل التطبير يكونُ بمنظار الأمم من المقربات إلى المذهب أو المنفرات هكذا طرح البعض تسائلاً وأوكل الجوابَ إلى السامع أو القارئ هو و وجدانه ودينه وقد قلتُ إني لا أرى المسألة إلا واقعا خارجياً أومظهرا من مظاهر الحزن باختلاف الأمم وأمره يعود إلى العقلاء أو العرف ويكونُ عند اختلافهم يعودُ أمره إلى كل فردٍ فرد بما يعتقد بحسب عقله وحضارته ونزاهته من تقديس الرجال فهو شأنٌ فردي وليس حكماً أو قاعدة عامة يمكنُ البتّ بها كحكمٍ على الجميع.
واجمال القول إن كونَ التطبير فيه إضرار للنفس محرمٌ ليس من شأن الفقيه ذلك فهو من شأن أهل الإختصاص كالأطباء ومن المعلوم أنه ليس كل ضررٍ للنفس محرماً أوان أمر الضرر في هذا المقام يعود إلى الشخص نفسه كما في مسألة الصوم هل هو قادرٌ على ذلك أم لا إن لم يتمكن أن يشخص ذلك الطبيب وأما كون التطبير من واقع أمرٍ يعود إلى الفقاهة فلا أرى ذلك، وما ورد من أدلة لا تنهض كدليل قاطعٍ ليدخلَ التطبير في واقع فقهي بل هو فعلٌ خارجي والحكمُ فيه يعود إلى العقلاء أو العرف وعند الإختلاف فيرجع أمره إلى الشخص نفسه بما يعتقد هل أنه يخدم الشرع أو يسيء اليه والعصبية من الأطراف والشتائم لا تحلّ المشكلة بل تسوق إلى مزيدٍ من تمزقٍ لأبناء الطائفة حيث أن الكلام من الأطراف جميعاً لا يرقى إلى برهانٍ قاطع غاية الأمر لو افترضناه يعود إلى الفقهاء فهو اجتهادٌ ولكلٍ رأيه وقد حاولتُ الإطالة في الشرح والبيان لأن المسألة كثيراً وقع فيها خلط هدانا اللهُ وإياكم إلى الصواب وأبعدنا عن الإستبداد والشتيمة وأعطانا من الفهم ما يجعلنا نتحمل الرأي المخالف والحمد لله رب العالمين.
محمد كاظم الخاقاني
0 تعليق