سر خلود الثورة الحسينية المحاضرة2
لسماحة الأستاذ الشيخ محمد كاظم الخاقاني
كنا بصدد بيان بعض المحتملات في مسألة سر خلود الثورة الحسينية على صاحبها آلاف التحية والسلام وقد قلنا في المحتمل الأول على أن المراد من الآية الشريفة في قوله تعالى: ( إنا نحن نزلنا الذكر وإنا له لحافظون) شريعة الخاتمية لابد وأن تقام بكل معالمها على صعيدين، الصعيد الأول: لابد وأن تكون هذه الشريعة فيها ما يوصل إلى الله سبحانه وتعالى لمن شاء إلى ربه سبيلا وما عاش غفلة ولا لهواً فمن شاء إلى الله السبيل لابد وأن يكون السبيل موجوداً متحققا وليوم الحساب لابد وأن تكون الحجة البالغة لله تعالى حتى لايقول قائل يا إلهي أنا كنت في دنيا الظلمات فما كان هناك من سبيل أتمكن أن أتوصل به إليك لابد وأن تكون الحجة لله لا للناس لكي يكون الله سبحانه و تعالى إني بعثت نبيا وكان خاتم النبين وإني أخذت على نفسي لطفاً بحال العباد أن يكون هذا الذكر محفوظا لا تتمكن أن تنال منه ظلمات الدهور لقسوتها وجهلها لكنك كنت ضائعا وغافلا وكنت منهوماً على دنيا فإن فسرنا أن المراد من الذكر هاهنا هو القرآن فقط فمن طبيعة الأمر ووضوح العقل هاهنا على أن هذا القرآن الذي اختلفت فيه الصحابة والرسول بعد مسجّى، هذا القرآن الذي فسر بحسب فهم المسلمين إلى 73 فرقة فسرته ونحن نجزم أن ما نزل على الرسول ص هو منهاج واحد و صراط الله المستقيم فكيف يمكن أن تكون هذه كلها صحيحة واضحة داعية إلى الله سبحانه وتعالى فالمنهج الحق هو كتاب الله هذا الكتاب نعرف إن تأملنا في الأمر على أنه بما هو هو بدون أن يكون معه العدل وهو السنة النبوية لا يكون ناطقا وبدون أن تكون معه معالم سيرة رسول الله (ص) متجلية بواقعها لا لا بتبع الهوى والجهل والقصور والتقصير لا يكون متضحاً فإذن الذي أخذ الله على نفسه أن يكون باقيا محفوظا وهو الذكر، الذكر نصاً والذكر فهماً لأن مجرد النص لا تقام به الحجة النص موجود لكن من كان غير عربي لا يتمكن أن يفهم من النص شيئا فلو كان مجرد النص وجوده على الأرض كافيا لما كان هذا النص مجديا بالنسبة إلى غير العربي فإذن النص المراد هو ذلك النص المبين بواقع الأمر الذي يحكي القرآن بكل أبعاده ليكون قرآنا ناطقاً، إذا فهمنا أن القرآن الناطق هو كتاب الله المشروح بسنته الصحيحة الذي رسمه وأصبح متجليا على وجه الأرض بخطاه أوصياء الرسول الإثني عشر يصبح المعنى واضحا أن لله الحجة على الناس في يوم الحساب وأن له السبيل إليه لا بالقرآن بما هو قرآن الذي اختلفت فيه الصحابة والرسول بعد لم يقبر صلى الله عليه وآله ، فكيف بنا اليوم لا نختلف فيه بعد 73 راية كل واحدة تدعي أنها هي الحق، فإذن نقول أن هذا القرآن الذي هو شريعة الخاتمية لابد وأن يكون ناطقا وقد نطق بعد الرسول بواقع نطق هو كتاب الله لا إجتهادا وإحتمالاً بواسطة علي ع وراح ناطقا بواسطة الأئمة لكن رب نطق حجبه ظلم الظالمين، رب وجود أبعده مع كل نوره الظلم والجور من أن يصل صداه إلى المجتمع، كما عاش الأئمة في بعض الأحيان كالإمامين العسكرين في إبتعاد عن المجتمع لظلم الظالمين لكن ثورة الحسين ما تمكن أحد أن يحجبها وأن يحجب صداها عن الأجيال فإذن كان القرآن ناطقاً بأبعاده مدويا على كرة الأرض بكلها وبتمامها على الرغم من كل ما بذله الظالمون من جهد لطمس شريعة محمد ص أتم الله نوره بواسطة الحسين ع فكان من أبرز المصاديق لهذا القرآن الذي أنزله الله وحفظه ناطقا متجليا بوضوح بالحسين ع فإذن من سر خلود هذه الثورة أنها قرآن الله الناطق الذي ما تمكن أن يحجبه أحد لأن الله شاء ذلك أن تصل صدى هذه الثورة بمعالمها المرادة إلى العالم وستكون اكثر وضوحا وتجلياً بقيام المهدي عجل الله فرجه حينما يصبح القرآن ناطقا على صعيد عالمي بواقع العدل المشار إليه في قوله تعالى: (هو الذي أرسل رسوله بالهدي ودين الحق ليظهره على الدين كله ولو كره المشركون) نحن نعلم أن صدى هذا الواقع ما وصل إلى العالم وصار عدلاً إلهيا يفسر بواقع المراد، كل عاقل يفهم على أن الصلاة لا تكون صلاة إلا تحت ظل عدل الهي وكذلك الصوم والحج يصبح شعارا كما هو الآن، الناس تذهب إلى الحج وتعود تقوم بتكليف تسقط عن رقابها أمرا أما أنه عز للإسلام فما وجدنا الحج عزا للإسلام وجدنا الحج بأيدي جهال يسوقون الناس كيفما يشاءون ووجدنا المجتمع فرادى غير مرتبط يذهب كل واحد ليقوم بتكليف ويعود فما وجدناه مجتمعا إسلاميا مترابطا يتبادل الأفكار للرقي ، فإذن سيكون القرآن ناطقا بتلك الأبعاد والبطون اللامتناهية وحينما يصبح العدل حاكماً لكي تفسر كل حقائق الكتاب المجيد تفسيراً بعيدا عن خوف وتقية وجهل الجاهلين وهذا من المحتملات لسر خلود هذه الثورة.
ومن المحتملات أيضا لسر هذا الخلود، أن هذه الثورة المباركة راحت لتعم بقيمها جميع الأمور فمع قض الطرف عن آية ربما تكون مشيرة إلى سر هذا الخلود أو رواية أو عقل أو عرفان، نقول هناك وراء كل آية ورواية وتفسير لمفسر عاقل فقيه فيلسوف أو أي إنسان آخر كأن الإنسان يلمس أن هناك بعض الحقائق على طول التأريخ أرادها الله حية فتعلقت بها المشيئة الإلهية فهي وراء جميع الأسباب والعلل والدواعي فالمتأمل يلمس أن هناك لطفا بحال العباد شاء أن تكون بعض الحقائق حية في الضمير الإنساني هذه الحقائق التي أرادها وقال لها كن فيكون، من جملة هذه الحقائق التي هي دخيلة في المشيئة الإلهية هو أن هذه الثورة كيف بقيت على الرغم من كل القسوة التي مرت عليها وسنشير، كيف بقيت على الرغم من جهل حتى أتباع آل محمد لكن كانت ثورة و غيلانا ودمعة وثورة وكانت تهز ضمائر البشرية هذا كله لا يمكن أن يكون بدوافع فردية، أو بخطاب خطيب أو بكلمات متكلم يجد المتأمل أن هناك مشيئة إلهية أرادت بقاء هذه الثورة حتى تكون بمعالمها التي تخطت القومية و تخطت كل الشؤون وكل الأمور أرادها أن تكون باقية فإذن فوق كل الأسباب والعلل التي يمكن أن نتصورها هي مشيئة إلهية شاءت لهذا الهدف البقاء حدث كرست كل القوى لإذهابه في كربلاء تعتيما وراح وعاظ السلاطين ليقول قائلهم بدون أي حياء ولا خجل لا من المجتمع ولا من رب العالمين أن حسينا قام على إمام زمانه فكان باغيا مع كل هذا تتساقط قوة السلطان ودجل الماكرين كوعاظ السلاطين ولا تؤثر لا رغبة ولاترهيب على طول هذه القرون وهذا كله يدل على أن هناك مشيئة إلهية شاءت بقاء هذا الحدث فإذن نتمكن أن نلخص كل الأمور بمشيئة وراء الأسباب التي يمكن أن تكون مترابطة وتابعة في تلك المشيئة.
وكذلك يمكن أن نجعل من المحتملات في المقام لسر خلود هذه الثورة: ما قدمت من تضحيات، الصدق له أثره لماذا سقطت أعظم الامبراطوريات في العالم فنسيت أو تبعتها اللعنات، تأتي الإمبراطوريات بقوتها و إذ بها بعد مائة أو مائتين أو ثلاثمائة سنة تصبح نسيا منسيا وتذكر بكل سلبياتها، لماذا ما تمكنت كل القوى بكل جهدها وبكل قوتها وبكل قسوتها وربما بالحادها أن تضرب أسس الأديان؟ جاء المد الشيوعي في الاتحاد السوفيتي وإذ به ينهار كدولة عظمى وتبقى النفوس تحمل أديانا سقط الإتحاد السوفيتي وقد وجدنا مرة ثانية الإلحاد والشيوعية كأنها ما كانت في تلك البلاد ،عادت الناس إلى نصرانيتها و إلى إسلامها وإلى يهوديتها وإلى معتقداتها، لماذا؟ لأنها كانت في القلوب فما كان السيف ينال منها، وربما تكون القسوة سببا لعمق المعتقد وهكذا هي ثورة الحسين عليه السلام ثورة الإنسانية مطارق الكون كلها كانت سببا لعظمها لا لإذهابها وإضمحلالها فلذا نقول و يمكن أن يكون من جملة دواعي هذه الثورة ما قدمت هذه الثورة بصدق من تضحيات، أي تضحيات هذه؟ قدمت من الرضيع حتى الشيخ الكبير هذه تعطيها خلودا أنها كانت صادقة أنها ما قدمت للمحرقة أبناء الناس وبقيت من البعيد تتفرج عليهم جاءت بثقل نساءها واكثر القادة في العالم يجعلون نساءهم وأعراضهم بعيدين عن ساحة القتال حتى إن إنتصروا كان عزاً وسلطانا وإن قتلوا ولو لنهمة دنيا كانت الأبناء والأعراض بعيدة عن ساحة القتال، لكن الصادق لا يدعوا أحدا ويقول له هلم معي يعرض نساءه وأبناءه لفتك الطواغيت ونساءه وأطفاله في المدينة يعيشون الحفظ والأمان، فجاء الحسين عليه السلام صدقاً ليقدم كل شيء حتى قال نفسي مع أنفسكم وليس ذلك فقط بل وأهلي مع أهليكم وشاء الله أن يراهن سبايا، ووجدنا الحسين عليه السلام في يوم العاشر من المحرم بدلاً من أن يخاطب زيداً أو عمرو راح ليخاطب ولده علياً الأكبر تقدم يا علي، هكذا هم الصادقون وإذ بنا نشاهد على طول التأريخ الذين يدعون ما يدعون ولو تستمر الحروب إلى عقود من الزمن أو إلى سنين نجد فيها يتساقط كما يتساقط الورق أبناء الناس أبناء الفلاح والكاسب وزيد وعمرو وإذ بعد سنين من الزمن نجد أبناءه محفوظين ونجدهم بعيدين عن كل الأخطاء مهما تلاعبوا ومهما ضحكوا على الناس جهلاً لغباء لأمة أو لعدم معارف أمة أو لأي جهة لكن الصدق له واقع، فالصدق ثورة الحسين عليه السلام بكل واقعها بما قدم الحسين ع هي من جملة تلك الدواعي لخلود هذه الثورة لخلود منهج رسم به الحسين عليه السلام منهج رسول الله ص وكل متأمل دون أولياء الله سيجدهم كيف تلاعبوا إن كان لا يعيش طائفية ولا يعيش خمولا، نجد رسول الله صلى الله عليه وآله ماذا يقول علي ع في حقه: (كنا إذا حمي الوطيس لذنا برسول الله) لا يلاذ بأحد يعيش بعيدا عن محارقها وقد قال علي عليه السلام كنا في المعارك أول ما يخاطب رسول الله ص المسلمين قائلا تقدم يا علي، تقدم يا حمزة، يقدم أهل بيته درعا للمسلمين، وهكذا وجدنا علياً عليه السلام في ساحاتها في جملها وصفينها ونهروانها هو و أبناءه متقدمين وهكذا وجدنا حسينا عليه السلام في كربلاء، فإذن من جملة أعظم سر لخلود أمر مهما تلاعب المتلاعبون ومهما عاشت الأمم جهلها لكن الواقع له أثره على النفوس ولذا خلدت دعوة الأنبياء لواقع سلامها وصدقها وخلد الحسين ع لأنه قدم التضحيات رخيصة صدقا راسما خطى علي عليه السلام وخطى رسول الله ص وخطى جميع الأنبياء والمرسلين، فإذن هذا أيضا من جملة سر خلود هذه الثورة وأيضا أيها الإخوة والأخوات من جملة سر هذا الخلود، أنها ثورة لها بعدها الإنساني في الغالب الدعوة تكون لمذهب أو لقومية، رجل يقوم لظلامة قوم وآخر يقوم لظلامة مذهب أو ما شاكل هذه الأمور فتكون الأمور في الغالب في كل دعوة إلا ما كانت دعوة إلهية يكون لسانها لسانا ضيقا، لكن دعوة الأنبياء دعوة إنسانية ودعوة من رسموا خطى الأنبياء هي دعوة إنسانية فما قام الحسين ع ليدعو لعدل لشيعة، وما قام يدعو لعدل يحققه للمسلمين، قام ليحقق عدل الله الذي جاء به محمد ص رحمة للعالمين، فمن ظن حسينا ع قام للمسلمين فقط كان خاطئا لأن دين الله ليس دينا لمن نسب نفسه إلى محمد ص، العدل يراد للإنسانية والرحمة تراد للعالمين فحسين عليه السلام جاء يدعو للخروج من جهل ومن ظلم، داعيا للعلم بما هو علم وداعيا للعدل بما هو عدل فلذا نقول بعد ثورة الحسين عليه السلام هذا البعد الواسع العظيم الذي تخطى كل القيود زمانا ومكانا ومذهبا ودينا وقومية فكان ثورة إنسانية لتحقيق العدالة وهذا ما تعاني منه الإنسانية على طول التأريخ، الإنسانية دائما تسمع النداء الذي يكون إنسانيا، كل نداء خاص ينتهي بزمانه ومكانه لكن نداء الإنسانية يبقى حياً على طول التأريخ فلذا نجد أن هذه الثورة مع كل ما قام ضدها من عمل ومن تشويه وتضليل، من تأمل نظام بني أمية سيجده نظاما قوميا عنصريا واضحا اكثر من غيره معلماً من هذه الجهة فلما دعا الإمام الحسين ع الناس إلى العدالة دعاهم إلى العدل الإنساني فوجد غير العرب متنفسا في هذه الدعوة وجد الإنسان متنفساًولذا حتى ولو تجاوزنا زمن بني أمية لما كانت الدنيا دائما تعيش عنصرية تعيش مذهبية بغيضة تحت الأحقاد فالإنسانية وجدت في حسين عليه السلام دعوة للعدالة فلما كانت دعوة للعدالة مرت القرون بعد بني أمية وصدى الحسين ع يدوي في الآذان ليومنا هذا يسمعه الشرقي والغربي، يسمعه الإنسان بما هو إنسان مسلما كان شيعيا أو سنياً، يهوديا كان أو نصرانيا، إنسانا ولو كان بوذياً، البوذيون يفتخرون بالحسين ع، الإنسانية لو سمعت صدى الحسين ع لإفتخرت به كما افتخر به الكثير من الناس على طول التأريخ.
من جملة خلود الأمور هو معلَمها الإنساني هو رايتها الإنسانية التي لم تقيدها قيود قومية أو مذهبية ولذا نقول إن الحسين ع ولو كان هو رجل الإسلام ولو كان هو رجل مَعلم الأوصياء لكنه بإنسانية هو رحمة لليهود والنصارى، هو بإنسانيته رحمة للسنة والشيعة، هو رحمة للجميع وليس كأمثالنا إن كان شيعياً راح ليحقد على الآخرين، أو كان سنيا أو يهوديا أو نصرانيا أوشرقيا أو غربيا راح ليحقد على الآخرين هذه الروحية روحية إنطواء وجهل، فوجد الناس دعوة تسع الإنسانية ولذا تفاعلت معها الإنسانية وليومنا هذا وصارت من الأمور التي أخذت مأخذها العالمي واستغلها الكثير من الناس على طول التأريخ، ما أسقطت تلك الإمبراطورية لبني أمية إلا لشعارات رفعها بنو العباس يصيحون يا لثارات الحسين، ولعلها على طول التأريخ أسقطت إمبراطوريات وأسقطت أنظمة هذه الدعوة وهي يا لثارات الحسين وأخذت عنوانا عاما للدعوة واستغلها الكثير من الناس ولو لمصالحهم الشخصية.
كما وأن من دواعي خلود هذه الثورة هو أنها رسمت للأجيال خطاً: الكثير من الثورات من تأمل فيها لا يجد معالم غاياتها واضحة لأنها إما للوصول إلى كرسي أو أنها ولو كانت اكثر من هذا نزاهة لكنها مقيدة بالدفاع إلى جهة وخصوصية معينة كقوم في زمان أو مذهب في زمان ولو كانت حقاً، لكن من تأمل ثورة الحسين ع وجدها قد رسمت للأجيال خطاً وكل ما يكون علما ومنهجا يبقى خالد ولو كمفهوم لقضية ومنهج وعلم ودين هذه الثورة رسمت للأجيال خطاً ربما خفيت المعالم لجهل أو لقسوة زمان فترة من الزمن فراح الحسين ع ليعيد كل هذه الحقائق بكل معالمها وأبعادها مرة ثانية ما هي هذه المعالم والمعارف الحقة التي تجلت بثورة الحسين عليه السلام؟ ها هنا لابد وأن نتأمل في أمر وقاعدة ضربها لنا علي عليه السلام حتى نعرف كيف حملت ثورة الحسين عليه السلام بعدا معرفيا لمراحل الثبوت والنضال والجهاد، قال علي عليه السلام: من بعد مقتل الخليفة الثالث حينما جاءته الأمة مصرة على أن تبايعه وراح ثلاثة أيام يرفض لأنه يعلم أن الناس ما جاءت لدين الله جاءت لغاياتها أرادته وسيلة للوصول إلى تلك الغايات، كل واحد فسر العدل وفسر الأمر بتبع ذهنه فراح ليأتي إلى علي ع ظن عليا ع وسيلة لتلك الغايات الشخصية وعلي ع كان وسيلة لغاية الإنسانية، ماذا قال علي ع حينما جاءته الأمة وقبل بعد ثلاثة أيام؟ قال ع : (لو لا حضور الحاضر وقيام الحجة بوجود الناصر وما أخذ الله على العلماء أن لا يقاروا على كظة ظالم ولا سغب مظلوم لألقيت حبلها على غاربها): أي معلم رسالي نفهمه من هذه الكلمات، أي من خطبة الإمام علي ع المعروفة بالخطبة الشقشقية، من بعد وفاة رسول الله ص جاءت الظلمات يتلوا بعضها بعضا والظلمات حينما تأتي تأتي على نحوين شكلين، ظلمات تميزها الفطرة يراها العدل ظلمة، كدعوة إلى إلحاد أي إنسان عاش فطرة وجد الإلحاد يتنافى مع فطرته، ووجد الدعوة إلى حكم مستبد يتنافى مع كرامته الإنسانية، وهلم جرا، المشكلة ليست في تمييز الباطل كظلمة في مقابل النور هذا من الأمور التي يكون واضحة، المشكلة تكمن إذا تلبست الظلمة لباس النور، إذا تلبس الباطل لباس الحق هاهنا ربما تخدش الفطرة وربما يحجب العقل، ما حدث بعد الأنبياء كان من هذا الباب أي ردة عن أي منهج لنبي عظيم صار سبباً لإنطماس ذلك الدين إنما هو بواسطة رايات تدعي الإنتساب إلى اولئك الأنبياء الكرام، ليست الفاصلة بعيدة بين رسول الله ص وبين عيسى عليه السلام لكن في ضمن قرون لا تتجاوزالخمسة أو الستة جاء رسول الله داعيا البشرية إلى ربه وإذ بالبشرية بين مدع أن إنسانا هو بن الله أو أنه هو الله، أي انقلاب عن فطرة، لو كانت الناس بفطرتها لما ادعت بحق إنسان أنه الله أوأنه ابن الله، أظن الوقت قد انتهى وسوف نعود إليها في محاضرة قادمة إن شاء الله تعالى لنبين هذه الحقيقة التي هي من أصول وحقائق خلود ثورة الحسين ع لأنها تحمل بعدا معرفيا عظيما والحمد لله رب العالمين.
0 تعليق