سلسلة سيرة المتقين
المقالة الأولى بدءا بسيرة علي عليه السلام
تتجلى معالم الحق والعدل بمن هم كلمات الله التامات وقرآنه الناطق ليكونوا أسوة لمن شاء الى ربه سبيلا ومن جعل الرجال او النساء او الصحابة او العلماء موازين يعرف بهم سبل ربه عاش الضياع لأنه من الواجب عقلا وشرعا أن يزن طالب الحق الناس بموازين الله تعالى فمن تطابق سيره وسلوكه مع من جعلهم الله ميزانا كان محقا وإلا كان مبطلا ولذا قال علي (ع) : ( إن الحق لا يعرف بالرجال إعرفوا الحق تعرفوا أهله) حينما إلتبس على الأمة صراط الله المستقيم وراحت لترى الحق في وجوه الرجال جهلا ولذا رأيت من اللازم تنبيه طلاب الحق ما يجب من بيان لمسالك ربهم حتى لا تختلط عليهم الأوراق فيعيشون الأخطاء بإسم الدين.
فأقول مقدمة قبل التعرض لسيرة المتقين إن التقليد للفقهاء إنما هو في الأحكام الشرعية الفرعية فقط كبعض فروع الصلاة وبعض أحكام الحج او الصوم مثلا وليس التقليد في المسائل العقدية _العقائدية_ ولا السياسية ولا الإجتماعية التي هي من وظائف الناس او هي أمور ترجع الى الشورى و حرية الرأي ليسعى الناس سعيهم بعد معرفة شرع الله لتمييز الصالح او الأصلح.
والآن نتعرض لسيرة المتقين ليعرف أهل الحق هل ما يجري اليوم على الساحة في البلاد الإسلامية يتناسب مع هذه السيرة العطرة لأولياء الله تعالى ليكون حقا أم أنه لا يتناسب معها ليكون باطلا و إن تلبس بلباس الدين حيث أنه لطالما تلبس الباطل ملابس الحق وكم قد ظهر النفاق بلباس الزهد والتقوى و نبدأ هذه السيرة بسيرة علي (ع) حيث يقول في عهده لمالك الأشتر رضوان الله تعالى عليه حينما ولاه مصر : (إشعر قلبك الرحمة للرعية والمحبة لهم واللطف بالإحسان إليهم ولا تكونن عليهم سبعا ضاريا تغتنم أكلهم فإنهم صنفان إما أخ لك في الدين او نظير لك في الخلق…._الى قوله (ع) .. فإعطهم من عفوك وصفحك مثل الذي تحب أن يعطيك الله من عفوه_الى قوله(ع)_ ولا تندمن على عفو ولا تتبجحن بعقوبه_الى أن يقول_… ومن ظلم عباد الله كان الله خصمه دون عباده…_ثم يقول_ إن الله يسمع دعوة المظلومين وهو للظالمين بالمرصاد) ويقول أيضا في موطن آخر (و إياك والدماء وسفكها بغير حلها فإنه ليس شيء أدعى لنقمة ولا أعظم لتبعة ولا أحرى لزوال نعمة و إنقطاع مدة من سفك الدماء بغير الحق والله مبتديء بالحكم بين العباد فيما يتسافكون من الدماء فلا تصونن سلطانك بسفك دم حرام _ثم يقول له مخوفا إياه من غضب الجبار_ وعما قليل تكشف عنك اغطية الأمور ويبرز الجبار بعظمته فينتصف المظلومون من الظالمين) وهذا الخطاب لعلي عليه السلام لمالك الذي يقول في حقه (كان لي مالك كما كنت لرسول الله) ويقول أيضا (عقمت النساء أن يلدن كمالك) ويقول (على مثل مالك فلتبكي البواكي) ويقول عليه السلام في موطن آخر (فإن هذا الدين قد كان أسيرا بأيدي الأشرار يعمل فيه بالهوى وتطلب به الدنيا) كما وأنه يقول (إني سمعت رسول الله (ص) يقول في غير موطن لن تقدس أمة لا يؤخذ للضعيف فيها حقه من القوي غير متعتع).
فالموازين هي الحق في دار الدنيا والآخرة.
وقال (ع) في أيام خلافته (أأقنع من نفسي بأن يقال هذا أمير المؤمنين ولا أشاركهم في مكاره الدهر ولا أكون لهم أسوة في جشوبة العيش) وهو (ع) أول من فسح المجال لمعارضيه لإبداء الرأي ولم يأخذ أحدا بالبيعة لا حبسا ولا ضربا فضلا عن القتل الذي كان منهجا جاريا بإسم الدين ولم يقطع أعطيات معارضيه حتى بالنسبة الى الخوارج القساة الغلاظ ولم يستخدم معهم الشدة على الرغم من أنهم كانوا تجاوزوا الحد بتكفيره وقطع الخطب عليه وقد أمر بعدم التعرض لهم ماداموا لم يقطعوا سبيلا ولم يقتلوا أحدا ولم يمنع من تجمعهم بل فسح المجال لمن أراد الإلتحاق بهم فراحوا ليجمعوا العدد والعدة والسلاح ولولا أنهم قطعوا السبل وإعتدوا حتى على الحوامل لما حاربهم ومع كل ذلك لم يبدأهم بالحرب كما صنع ذلك أيضا مع أهل البصرة حتى قتلوا العديد من أصحابه الذين تجاوز عددهم ستمائة رجل بل بلغ بهم الأمر ان قتلوا رسله وما منع الخوارج من مساجد الله ولم يحكم عليهم ولا على غيرهم بالكفر كما كان منهجا لمن تقدم عليه ولم يبح لأحد من جنده أن يأخذ درهما من أهل البصرة بعد فتحها بل قال من أخذ درهما من أحد اقمت عليه حد الله , كما و أنه فسح المجال لمعارضيه للإلتحاق بالمعارضة في الشام وقال لإحياء الحق والعدل (أفضل الجهاد كلمة حق _اوعدل_ عند سلطان جائر) فكان همُّ علي (ع) وضالته المنشودة تطبيق العدالة مهما كلف الأمر ليرسم بذلك للأجيال خطى الرسالة ومناهج الأنبياء الكرام فلم يتخط ذلك وإن كلفته خلافته وراح ليفقد الكثير من أنصاره حتى جائه من هو من المقربين ناصحا ظانا أن سبيل الحكم لا يعرفه علي (ع) وهو الترغيب والترهيب الذي يعرفه كل حاكم فأبى عليه السلام أن يداهن او يساوم او يعمل الموازنات السياسية لتقوية الحكم على حساب الدين والإنسانية.
وقد كان يسد جوعه بكسرة خبز يابسة ليصبح الحاكم قدوة للناس فكان يعيش أقل الناس وأضعفهم وكان يقول إن الله فرض على أئمة العدل أن يقدّروا أنفسهم بضعفة الناس لكي لا يتبيّغ بالفقير فقره , وقد ورد في الأحاديث ان جماعة من اصحابه أتوه فقالوا يا أمير المؤمنين فضِّل بعض الأشراف والسادة من قريش و العرب على غيرهم من الموالي والعجم كما صنع ذلك من هو من قبلك ولا تعزل ولاة عثمان إلا بعد أخذ البيعة منهم وابقائهم سنة ثم يكون العزل اصلح فقال علي (ع) أتأمرونني أن أطلب النصر بالجور؟! لا والله لا أفعل ما طلعت الشمس وما لاح في السماء نجم والله لو كان المال لي لساويت_واسيت_ بينهم فكيف و إنما هي أموالهم).
وقال عليه السلام رحم الله إمرءا رأي حقا فأعان عليه او رأي جورا فرده وكان عونا بالحق على صاحبه فقد بذل (ع) ما بجهده على ضرب أركان الطبقية التي ابتدعها الخليفة الثاني في الإسلام حيث كان التقديم على عهده على أسس القبلية والحسب والنسب وقد ألغى (ع) التقريب بتولي المناصب حتى بواسطة عنوان الصحبة والسابقة في الإسلام إلا ما رجع منه الى الكفائات.
وحينما اعترض عليه طلحة والزبير حينما جعلهما في العطاء كسائر الناس قائلا ماذا كرهتما من أمري حتى رأيتما خلافي؟ قالا إنك جعلت حقنا في القسم كحق غيرنا وسويت بيننا وبين من لا يمائلنا فقال عليه السلام لهما أما ماذكرتما من أمر الأسوة _اي التسوية في العطاء وتوزيع المال بالسوية بين الناس_ فإن ذلك أمر لم أحكم أنا فيه برأيي ولا وليته هوى مني و إنكما لتعلمان أنه سيرة رسول الله (ص) أسيرة رسول الله خير ام سيرة عمر؟! فليس لكما والله عندي ولا لغيركما في هذا عتبى .
ولبيان سيرة علي (ع) والعدل تتمة ستأتي بإذن الله وتتأتي من بعدها الإشارة الى ما يعمله حكام المسلمين من أعمال بإسم دين الله تعالى لنرى هل تنطبق هذه الأعمال وشرع الله تعالى أم أنها اهواء ونهمة على حب الدنيا والزعامات والحمدلله رب العالمين
0 تعليق