عدالة الصحابة 3
محاضرة لسماحة الأستاذ الشيخ محمد كاظم الخاقاني
كنا نقرء من كتاب حسن بن فرحان المالكي :وأذكر أسماء الكتب حتى لا يقول القائل بأنك تنسب إلينا كلمات لم يقل بها أحد من أبناء السنة فنذكر أسماءهم لا لعظمٍ فيهم بل لبيان مواقف هؤلاء النواصب الذين وصل بهم الأمر أن يتكلموا في البديهيات متبجحين ويتلونها على المستضعفين من الجهال من المسلمين من بعد ألف وأربعمائة سنة .
يقول هذا القائل محاولا أن يصحح ما تقدم من مقالة أسلافة الذين قالوا كل من لقي رسول الله (ص) ورآه فهو صحابي وكل صحابي عادل، يقول : اختلف العلماء قديما وحديثا في تحديد المراد من الصحابة، سابقا وفي القرون الماضية ما كنا نجد مثل هذه الكلمات كلهم متفقون ويدعون الإجماع على أن من لقي النبي فهو صحابي وكل صحابي فهو عادل واليوم جاء المتأخرون ليقول قائلهم اختلف العلماء قديما وحديثا في تحديد المراد من الصحابة وتقدمت بعض الكلمات في الجلسة الماضية لا أدري لمَ يجوز للقوم أن يختلفوا في تحديد المراد من الصحابة فهم كل من لقي الرسول الكريم إلى آخر أيام حياته أو هم من ماتوا على الإيمان ولم يرتدوا كما تقدم من بعضهم مثل هذه الكلمات أو هم من كان مسلما قبل صلح الحديبية أو هم من صار مسلما قبل فتح مكة المكرمة، اختلفوا في هذه الكلمات فلا أدري لمَ يجوز لهم أن يختلفوا في تحديد الصحابة مفهوما وفي تحديد الصحابة من هم ؟ ولا يجوز لأتباع آل محمد صلى الله عليه وآله وسلم أن يجتهدوا كما يجتهدون؟ لا أدري من فتح باب الإجتهاد لهم وأغلقه على أتباع آل محمد ليجتهدوا ومن اجتهد في مقابلهم يكون رافضيا خارجا عن الدين إذا قال لا نقبل عدالة من أسلم بعد فتح مكة من الطلقاء ومن المؤلفة قلوبهم بنص ثابت عند العامة والخاصة، والمؤلف والطليق يسميه المسلمون أمير المؤمنين بلا أي تردد يتكلمون وكأنهم يتكلمون عن الزهاد الأبرار، يتكلمون عن مكرة وطلقاء ومؤلفة قلوبهم ويدعون ما يدعون ولو جاء الشيعي لينقد أمثال هؤلاء من الطلقاء تقول السماوات والأرض ويتكلم متكلمهم واديناه الشيعة الروافض يتكلمون على صحابة رسول الله (ص) .
اختلف العلماء حديثا وقديما في تحديد المراد من الصحابة ثم نقل أقوال بعض المتعرضين لهذا الموضوع قائلا :فقال بعض المعاصرين وهو الدكتور محمد بن سليمان الأشطر والكتاب لحسن بن فرحان المالكي : لم أزل منذ أيام الدراسة أستشكل ما يقوله المحدثون وأهل مصطلح الحديث من عدهم كل من رأي النبي (ص) صحابيا، هذا مع القول بأن كل الصحابة عدول وقد كان بين الذين رأوا النبي (ص) ومن بينهم المنافقون بشهادة كتاب الله الذي تكلم عن مردة الكتاب وأهل النفاق ثم يقول : وقد قال تعالى (لاتعلمهم نحن نعلمهم) كيف جاز للمحدثين ولعلماءنا المتقدمين أن ينزهوا الجميع والحال الكتاب المجيد يخاطب النبي الأعظم (ص) قائلا (لا تعلمهم نحن نعلمهم) إذا كان الرسول الكريم لا يعرف بعض المنافقين لتلبسهم بالنفاق إلى مرحلة أن تمكنوا أن يجمعوا بازدواجية إنسانية بين السواد المطلق المحض بباطنهم وبين النصاحة ظاهرا يتباكون من كلمة ويظهرون الرقة على كل شيء ، كان هؤلاء المنافقون الذين مر الزمن إلى يومنا هذا والكثير من المسلمين لا يعرفونهم فكيف يدعي أمثال الخميس وما شاكله من هذه الشاكلة من النواصب، سيد الكائنات المعاشر لهم يخاطبه الكتاب المجيد لاتعلمهم نحن نعلمهم ونجد اليوم نواصب يتكلمون ويقولون على أنهم يميزون الصحابة المؤمن من غير المؤمن منهم .
ثم يعرّف البعض الصحابة بقوله : الصحبة عرفا تقال لشخص صحابي، الصحابي هو الذي تقول مصاحبته لرسول الله (ص) ثم يعدد ذلك قائلا: فإن الصحبة إن طالت اقتضت التأثير في الأخلاق ، هذا هو الدليل على عدالة الصحابة لا أدري لم الصحبة إن طالت بالنسبة إلى المنافقين لمَ لم تقتضي العدالة بالنسبة إلى الأعراب والذين ارتدوا بعد رسول الله (ص) وأين أمثال هؤلاء عن خطبة أحد أكابر الأنبياء من أولي العزم كموسى عليه السلام عاشر قومه سنين طوال وإذ بهم بعد ما عبروا البحر طلبوا من موسى عليه السلام أن يكون لهم إله كما للقوم آلهة من الأصنام ثم طلبوا منه أن يروا الله جهرة وعبدوا العجل فلمَ لم تؤثر صحابة موسى عليه السلام في أمثال هؤلاء من قومه حتى تكون الصحبة كافية لكي يدعي المدعي اليوم أن صحبة رسول الله (ص) هي صحبة نور تؤثر في مصاحبها فيصبح عادلا ولماذا ذكر لنا القرآن المجيد الكثير من قصص الأنبياء، هل جاء بقصص بلا عبر وبلا ثمرات أم أراد أن يقول أن هناك حضارات جاهلية تبقى راسخة في أعماق الضمير مالم يمر عليها زمن طويل تكون القيادة بأيدي أهل الحق نقيبا بعد نقيب كما أراد الله سبحانه وتعالى لأمة محمد (ص) أن تهتدي بإثني عشر نقيب حتى تجتث رواسب الجاهلية من أعماق المسلمين كما أرادها بالنسبة إلى جميع الأنبياء المتقدمين، أصحاب الرسالات السماوية لا يتجاوزون الخمسة أو الأكثر من ذلك والأنبياء كثيرون تجاوزوا مائة وأربعة وعشرين ألف نبي هؤلاء ما كانوا إلا نقباء وأوصياء للأنبياء حتى تكون الدعوة في زمن كل نبي تأخذ مأخذها شيئا بعد شيء لتتطهر النفوس من رواسب الجاهلية وهذا الذي يشير إليه القران المجيد في قصص الأنبياء كموسى عليه السلام وما وقع من الإنقلاب على الأعقاب بعد زمن رسول الله (ص).
فقال كثير من فقهاء السنة كالباقلاني والغزالي وابن حجر في العدة والعشيري وإبن الأثير حتى قالوا لا يقال صحابي إلا بمن أقام معه صلى الله عليه وآله وسلم سنة أو سنتين أو غزى معه غزوة لمثل هذا يقال صحابي لأن صحبة الرسول الكريم تؤثر في النفوس فتجعل الإنسان عادلا، لمَ صحبة موسى عليه السلام ما جعلت بني إسرائيل عدول لمَ صحبة عيسى عليه السلام ما جعلت أصحابه أخيار وعدول والسنين ما جعلت قومه عدولا لأي خاصية خصص الله سبحانه وتعالى أصحاب محمد صلى الله عليه وآله وسلم ومتى أنزل الوحي على بعض النواصب حتى يدعي أنه جرد صحبة لرسول الله صلى الله عليه وآله وسلم تجعل أصحاب محمد صلى الله عليه وآله وسلم جميعا عدول هذه سنن الله يضربها لنا أمثلة في قصص الأنبياء حينما جاء ليتكلم عن أصحاب آدم عليه السلام وعن أبناء آدم وجاء ليتكلم عن أصحاب نوح وأصحاب ابراهيم وموسى وعيسى كل هؤلاء ما كانت لهم نفوس زكية ليجعلوا لصحبتهم قومهم مؤمنين ولو كان قوم هؤلاء مؤمنين ولو من بعد مائة سنة بعدهم لما حرفت التوراة بعد موسى عليه السلام ولما حرف الإنجيل فلم ننسى سنن الله سبحانه وتعالى وننسى الآيات والروايات جميعا، دوافع الطائفية والأحقاد تأتي اليوم ليقول قائلنا أصحاب رسول الله (ص) جميعا كانوا عدولا.
يقال صحابي لمن لا يعرف عنه النفاق :فإذن من لا يعرف عنه النفاق يقال له صحابي، و إذا كان الرسول الكريم لا يعرف المنافق من غير المنافق بإدعاء القوم فلا أدري كيف عرف هؤلاء المنافقين عن غير المنافقين بعد الروايات التي يعتقدون بها ويقولون أصحابي أصحابي لا يقصد المهاجرين والأنصار وبعد قوله تعالى (لا تعلمهم نحن نعلمهم) يدعون الصحابي من لا يعرف بالنفاق وقد يكون في باطنه منافقا، وكونه لا يعرف بالنفاق لا يدل على عدالة، وأن يكون على الطريقة التي عليها النبي صلى الله عليه وآله وسلم لا أدري هؤلاء الذين يقول في حقهم أصحابي أصحابي هل كانوا على الطريقة ظاهرا او ما كانوا على الطريقة ظاهرا؟ إن كانوا على الطريقة ظاهرا وخفى أمرهم حتى على رسول الله (ص) وجاء ليجاهد في المحشر أو عند الحوض أصحابي أصحابي وكانوا في بواطنهم من المنافقين فكيف تمكن هؤلاء اليوم أن يميزوا هؤلاء وإن كانت كقاعدة عامة من آمن برسول الله صلى الله عليه وآله وسلم في باطنه واقعا ومات على الإسلام فهو المؤمن الحقيقي والصحابي المنزة والذي تشير إليه الروايات وتمدحه فهذا لا نزاع لنا فيه لكن ما هي مصاديقه؟
أن لا يكون ارتد عن الإسلام :فإذن من ارتد عن الإسلام لا يمكن أن يقول في حقه انه صحابي عادل فإذن تقبلون بأن هناك بعض الصحابة قد ارتدوا على الأعقاب وسنذكر أسماء البعض منهم إن شاء الله في اتفاق الجميع بأنهم كانوا ممن بايعوا تحت الشجرة فقال أبناء السنة والجماعة فسق بعضهم وارتد بعضهم فإذا كان يمكن الإستثناء فلم تطلقون العبارة على كل صحابي وتدعون عدالة الجميع وإذا جاز لكم أن تستثنوا منهم ثلاثة فافتحوا الباب للشيعة بأن يستثنوا أيضا ثلاثة أو أربعة، من جوز لكم الاستثناء ومنعه على الشيعة، أن لا يكون ممن ارتد عن الإسلام ولو رجع إلى الإسلام بعد الارتداد، كل صحابي ارتد بعد رسول الله (ص) ولو رجع بعد ذلك إلى الإسلام لا نسميه صحابيا صحبة شرعية ولا ندعي في حقه العدالة .
وقال صاحب البخاري في صحيحه في تعريف الصحابي :الصحابي من صحب النبي صلى الله عليه وآله وسلم أو رآه من المسلمين فهو من الصحابة فإذن قول بعض المتأخرين إنا لا نقول صحابي ولا ندعي عدالة إلا في حق من كانوا مسلمين قبل صلح الحديبية وبايعوا الرسول الكريم عند الحديبية هؤلاء فقط ندعي في حقهم أنهم الصحابة شرعا لا لغة ولا عرفا هؤلاء هم فقط العدول الذين نتكلم عنهم، فيقول الصحيح البخاري الصحابي من صحب النبي أو رآه من المسلمين فهو من الصحابة حتى ولو كان في آخر لحظات رسول الله (ص) رآى رسول الله (ص) فهو من المسلمين فأين هؤلاء المتأخرين عن مثل هذه الكلمات الذي يريد أن يخفي مقالة أسلافه الذين نزهوا الجميع تقربا للسلطات حينما أصبح الإسلام بأيدي بني أمية وبني العباس وما شاكلهم من مسلمي الفتح والطلقاء (كتاب المناقب صحيح البخاري مع شرحه لفتح الباري ص2).
ويقول آخر أما أبو عبدالله الحاكم فقد عد منهم مسلمة الفتح لكنه شك في صحة إسلام بعضهم بقوله (منهم من أسلم طائعا ومنهم من أسلم اتقاء السيف) فإذن أدخلهم جميعا وجعلهم من الصحابة الذين يجب أن ندافع عنهم وأن ندعي في حقهم العدالة ثم قال لكن ماذا نصنع أن بعض هؤلاء نجزم على أنهم ما أسلموا طوعا وإنما أسلموا اتقاء السيف (معرفة علوم الحديث ص 24)
قال ابن صلاح المعروف من طريق أهل الحديث أن كل مسلم رأى النبي صلى الله عليه وآله وسلم فهو من الصحابة والصحابة جميعا عدول نستثني منهم المنافقين والمرتدين والأعراب فيكون الإستثناء اكثر ممن بقي، أي استثناء يدخل الكثير حتى يقول قائل القوم ما بادر الخليفة الأول لقبض أزمة الأمور إلا خوفا على الردة ، خاف أن يرتد المسلمون لأنه لمس ردة ولو لا الخليفة الأول وموقفه الحازم لارتد الكثير ولكنه قاتلهم وأرجعهم إلى الإسلام فإذن ما كانت ردة فردية كانت ردة جماعية كما يدعي القوم.
أرجو التوجه: نحن لا ندعي ردة بعد رسول الله (ص) بمعنى الكفر،هم يدعونها ونحن لا ندعيها ولو كانت من أفراد نوادر لا تطلق عليها ردة نحن ندعي أن الردة كانت عن منهج رسول الله (ص) ارتد المسلمون بعد رسول الله (ص) حينما فسروا الكتاب بأهوائهم، وأولوه بأهوائهم وارتدوا حينما ابتعدوا عن الشورى وجعلوا القوة بالسيف ثم قال قائلهم من ينازعنا سلطان محمد ثم قال إن بيعة الأول كانت فلتة فمن عاد إليها فاقتلوه فالردة كانت ردة عن منهج الحق ولا ندعي أنهم ارتدوا بمعنى الكفر وانكار التوحيد هذا لا ندعيه في حق المسلمين وإن كنا ندعيه في حق البعض لكن لا ندعي ردة بل ندعي أن هناك منافقين كانوا وهؤلاء لا يسمى الخارج منهم عن المنهج مرتدا كما لا نسمي مسيلمة مرتدا.
وقال ابن كثير الصحابي من رأى رسول الله (ص) في حال إسلام الرائد وإن لم تكن صحبته له صلى الله عليه وآله وسلم وإن لم يرو عنه شيئا، فمن رأي الرسول الكريم وكان مسلما فهو صحابي نحن لا ندافع عن الجميع وإنما ندافع عن الذين بايعوا تحت الشجرة فقط وسيأتي الكلام عنهم، فهذه كتب السنة مملوءة يدافعون عن كل أحد، ثم قال :وهذا قول جمهور العلماء خلفا وسلفا.
وقال ابن الوزير يستثنى من الصحابة من ظهرت منه فسق كالوليد بن عقبة حيث ثبت في الصحاح أنه شرب الخمر وأقيم عليه الحد، وقال الحاكم بن حجر الصحابي من لقي النبي صلى الله عليه وآله وسلم مؤمنا ومات على الإسلام وإن تخلل ذلك ردة فهو صحابي.
وقال آخر قال رسول الله (ص) أوصيكم بأصحابي ثم الذين يلونهم ثم الذين يلونهم يقول قائلهم وهو ابن الوزير على أنه صلى الله عليه وآله وسلم أراد بأصحابه أهل زمانه من المسلمين هؤلاء جميعا أوصيكم بأصحابي لا أدري أيتكلمون باللغة العربية أو يتكلمون بلغة أخرى، الرسول الكريم واقف يخاطب الأمة الإسلامية أصحابي أصحابي لا تسبوا أصحابي يخاطبني أنا بعد ألف وأربعمائة سنة، بأن أشخاصا معينين هم الذين كان الرسول الكريم يتكلم عنهم من بين جمع المسلمين وعلينا أن نميز من هم الذين كان يدافع عنهم رسول الله (ص) في مقابل المنحرفين الذين كانوا ينالون من صحابة رسول الله (ص) القلة فإذن قول رسول الله (ص) أصحابي أصحابي لا تسبوا أصحابي معناه أن هناك كثرة حاقدة دخلت إلى الإسلام، أن هناك الكثير من المسيسين الذين يعملون الموازنة ويظهرون أنهم مع رسول الله (ص) يدا واحدة فهم محترمون عند المسلمين وعند قريش لإعمال الموازنة والدفاع فيتكلم رسول الله (ص) فيقول أصحابي أصحابي لا تسبوا أصحابي لا يخاطبني أنا اليوم بل يخاطب من كان موجودا ولا يخاطب معدوم ولا يخاطب من سيأتي بعد أجيال،أصحابي أصحابي ثم الذين يلونهم ثم الذين يلونهم وذلك قوله ثم الذين يلونهم عام على كل فرد من الأزمنة فإنه سمى كل من عاصره صحابيا وإن كان مسلما لا أدري من هو الذي ينهاه عن سب الأصحاب هل من يفهم العربية ومفاهيمها يفهم أنه عندما يقول الرسول الكريم أصحابي أصحابي يعني يخاطب الذين يأتون بعد ألف وأربعمائة سنة، أو يخاطب أناسا سبوا أصحابه وتكلموا على المؤمنين منهم وعلى الأخيار والطيبين منهم وجاء يحذر هذه الأمة من هذا التلاعب .
والحمد لله رب العالمين
0 تعليق