السلام عليكم شيخنا الجليل
ما المراد من كون المؤمنين والمؤمنات بعضهم أولياء بعض؟
وفقكم الله لكل خير
الجواب:
قال تعالى :(المؤمنون والمؤمنات بعضهم أولياء بعض يأمرون بالمعروف و ينهون عن المنكر ويقيمون الصلاة و يؤتون الزكاة ويطيعون الله ورسوله اولئك سيرحمهم الله إن الله عزيز حكيم) التوبة72.
المراد بكون المؤمنين والمؤمنات بعضهم اولياء بعض ان بعضهم ناصر لبعض و مؤازر له و ذلك لوحدة الغاية والسلوك الموحد لسلّاك سبل الخير والسلام كما و أن وحدة الهدف مما تستوجب أن لا يكون لهم ولاء لكافر في ما يتناقض مع أصول معتقدهم الآخذ بهم نحو الصلاح والخير و الأنوار في مقابل مسلك الظلمات المشار إليه بقوله تعالى : (والذين كفروا بعضهم أولياء بعض) فالإختلاف في المباديء لا يدع مجالا فيما بينهم لوحدة في أي من أبعاد الفكر والعمل و كأنه ليس هناك أي من الجوامع المشتركة بينهما إلا في أصول الإنسانية لكن ليس معنى ذلك هو الدعوة ليصبح المؤمن او المؤمنة حاقدا على الآخرين لإن الإيمان عطف ورحمة و سلام و حب للخير لكن الكلام هاهنا عن اختلاف المسلكين و دواعيهما في بلوغ الغايات و إلا فقد ورد عن الإمام علي عليه السلام وهو إمام المتقين حينما بعث مالك الأشتر رضوان الله تعالى عليه إلى مصر قائلا له : (إعلم ان الرعية صنفان إما أخ لك في الدين او شبيه لك في الخلق) ثم أمره بمراعاة العدل وحفظ حقوق الجميع فالعدل و مراعاة حقوق الجميع مسلمين كانوا او غير مسلمين هي قيم رسالات السماء و هاهم الأنبياء يجادلون و يدافعون و يتألمون حتى على ألدّ أعدائهم ويدعون لهم بالهداية والرشاد ويصفحون عنهم عند المقدرة و بعض من يدّعي ديانة أكثر من الأنبياء وهو يعيش القسوة و الأحقاد إنما هو من مظاهر الطواغيت و الشياطين ولا ربط له بالمؤمنين والمتقين .
و من الواضح ان الإيمان قائم على الجد والحزم في مواطن العقيدة و العمل الصالح و أنه لا تسامح هاهنا على حساب الدين و إن المؤمن صلب ثابت القدم لا يعيش ميعان المباديء والتلاعب بالقيم لكن صلابة الإيمان لم تصنع منه جافا قاسيا حاقدا بل المؤمن لين وعطف وتسامح في مواطن الخلق و المثل العليا .
فالمؤمنون بعضهم اولياء بعض أي ينصر بعضهم بعضا في مواطن الإجتماع على سبل الهدى والخير و الإبتعاد عن الضلال والمنكر (ولن يجعل الله للكافرين على المؤمنين سبيلا) من حيث العقيدة والبرهان فقد أرشدهم الى كل ما يعينهم لإقامة الحق لو كانوا مؤمنين حقّا و أنه تعالى لمّا ذكر المنافقين ووصفهم بأن بعضهم من بعض لوحدة المنهج والغايات كان من اللازم أن يذكر المؤمنين والمؤمنات ويصفهم بأوصافهم أيضا حتى يعرف من أراد الرشاد أن الإيمان ليس عنوانا و إنما هو معتقد وسلوك فمن لم تكن فيه هذه الأوصاف المذكورة في الآية الشريفة متجسدة ولو سمّى نفسه مؤمنا فهو ليس من المؤمنين حقا .
فالمؤمنون والمؤمنات يؤازر بعضهم بعضا بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر و إقام الصلاة بكل ماهو من دواعي الصلة بينهم و بين ربهم علما وعملا و إيتاء الزكاة لتحقيق حياة كريمة للمجتمع لاظلم ولا عدوان فيها على أحد ولو كان الذي يعيش في هذا المجتمع غير مسلم فضلا عما لو كان من المؤمنين والمؤمنات الى آخر ما حثّت عليه الآية الكريمة.
وقد أعرضت هاهنا عن أمر الولاء و الولاية في العتق وماهو حكم المرأة لو أرادت الحج حيث يقول الإمام الصادق عليه السلام في صحيحة سليمان بن خالد في المرأة تريد الحج وليس معها محرم هل يصح لها الحج ؟ قال نعم إذا كانت مأمونة , وعن الولاية في مسألة زواج المرأة لأنه ليس هاهنا محل تفصيل هذه الامور حيث ان المراد فقط هو بيان كون المؤمنين والمؤمنات بعضهم أولياء بعض في جميع سبل الحق والرشاد و أن الإيمان كاف لتوحيد كلمتهم سواء كانوا من العرب او العجم او من أهل المشرق او المغرب وبأي لون كانوا او من أي عشيرة وقبيلة او من أي مكان و ان كل ما هو قد جعل على عاتق الرجل من الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر إلى آخر ما ورد في الآية الشريفة هو كذلك على عاتق المرأة أيضا و إن كانت هناك بعض الخصائص العائدة الى الرجال او النساء وليس كما هو الحال في أكثر المناطق التي إعتادت أن يكون الإيمان وما هو من شأنه حكرا على الرجال من حيث القيام بهذه الوظائف ولذا راحت لتهتز الكثير من الأسس والقيم الداعية الى تحقيق الحق في العالم الإسلامي من بعد ما عزل نصف المجتمع عن القيام بمهامه لمّا حاول الرجال بإسم الدين على طول التأريخ أن يجعلوا الشرع في قيمه العقائدية والعملية من خصائص الرجال في حين أن الرسول (ص) يقول مشيرا الى مكانة المرأة و تأثيرها في المجتمع : (الجنة تحت أقدام الأمهات) .
وفقنا الله وإياكم لشهود معالم الرسالة بعيدا عن النزعات و حضارات الأمم إنه ولي التوفيق.
0 تعليق