بسم الله الرحمن الرحيم
لقد وردني سؤال من أحد الإخوة الأجلاء و السادة الأفاضل من البحرين و هو ج. م
يقول فيه ما هو نظركم شيخنا في صلاة الرغائب و التي كثر الكلام عنها نقضا و ابراما بين الأعلام مع العلم بأنها لم ترد في مجاميعنا الروائية و قد رواها أنس بن مالك عن النبي (ص) و لم يُعلم بأن أحدا من المعصومين عليهم السلام قد صلاها كذلك.
و قد أستُدل على مشروعيتها بقاعدة التسامح في أدلة السنن التي لا يعتمدها أكثر الأساطين و الإتيان بها رجاءا.
و عليه فعلى فرض تمامية العمل بالقاعدة عند من يراها فكيف يصار إليها و هي لم ترد عندنا؟
وحتى ولو تنزلنا و عملنا بروايات من بلغ فألتمس من جنابكم الكريم الإفاضة حولها و هل الخدشة تصلح في عدم امتثالها؟
الجواب:
فأقول في الجواب أن من الأجدر في المقام هو أن نتعرض أوّلا الى شرح المراد من قاعدة التسامح في أدلة السنن و هي أخبار من بلغ ليكون البحث بعد ذلك عن صلاة الرغائب جليا لما للموردين من صلة و إرتباط بحيث كاد أن تكون أخبار من بلغ من مقدمات الفهم لصلاة الرغائب صحة او بطلانا.
و لذا نبدأ الحديث بشرح هذه القاعدة المعتبرة سندا لدى كثير من علماء الشيعة قبل الحديث عن صلاة الرغائب التي لا مستند لها معتبر لدى الشيعة بل ولا عند أبناء السنة و الجماعة أيضا والذين هم الأصل فيها.
حتى أصبحت هذه الصلاة يؤتى بها أحيانا جماعة لا بنية الإقتداء كما في الصلوات الواجبة بل بنية مجرد المتابعة و ذلك لأن النوافل لا يؤتى بها جماعة لكن مع كل ذلك يعترف الجميع سنة و شيعة بأنها من الصلوات التي لا أصل لها معتبرا سندا في الشريعة.
و من الواضح أن اخبار من بلغ مضمونا كما جاء عن النبي (ص) أنه من بلغه ثواب على عمل و أتى به بنية ثواب ذلك العمل أعطاه الله تعالى ذلك الثواب و إن كان رسول الله (ص) لم يقله و لمّا كانت بعض روايات هذه الأخبار معتبرة سندا عمل بمضمونها الكثير من الأعلام على طول التأريخ و ليومنا هذا حيث يكاد ان يُفهم من ذلك كما ذهب إليه المشهور من العلماء أن هناك تسامحا شرعيا قد حصل في أسانيد الأخبار المثبتة للثواب في مواطن الإستحباب و الكراهة فنحن ننقل بعض هذه الأخبار هاهنا نصا ليتمكن القاريء الكريم من التأمل فيما هو محل البحث و الإستدلال ليكون ذلك مدعاة للتأمل في الأسانيد و كذلك ما هي طريقة الإستدلال.
و من هذه الروايات المعتبرة سندا صحيحة هشام ابن سالم عن الإمام الصادق (ع) حيث يقول من بلغه عن النبي (ص) شيء من الثواب فعمله كان اجر ذلك له و إن كان رسول الله (ص) لم يقله.
و في خبر آخر عن المعصومين عليهم السلام ورد فيه : من بلغه ثواب من الله على عمل فعمل ذلك العمل إلتماس ذلك الثواب أوتيه و ان لم يكن الحديث كما بلغه.
و بقية الروايات الواردة في أخبار من بلغ جميعا سواءا صح سندها او لم تصح هي بهذا المضمون و لذا يكون الصحيح منها سندا مقوّيا لغير الصحيح بل قد نقول أيضا بأنها جميعا إرشاد لما يدركه العقل قبل الشرع في باب اللطف الإلهي إعطاءا للثواب لفعل يرى به صاحبه القرب الى الله لكنه أخطأ في إصابة الواقع و كرم الله تعالى عند صدق النية لا يحتاج الى صعاب الأمور فهو أرحم الراحمين الذي يُريد بعباده الخير حتى و كأنه تعالى يريد أدنى الأسباب للرحمة و العطاء بخلاف غضبه فإنه لا يتجاوز حدود العدل.
فإذن مضامين هذه الاخبار معتبرة حتى قبل ورود الأحاديث المعتبرة فيها لتماشيها مع ما يُفهم من الشرع قبل العقل و ليس الكلام هاهنا لذلك فهو من المسلمات لواسع رحمة الله تعالى و لطفه و كرمه و بالأخص في حق من صدقوا النية يتقربون الى ربهم و إنما الكلام بما سأشير إليه من موطن هو محل التأمل و التدبر خلافا لما عليه المشهور طيلة القرون من علماء الشيعة حديثا و قديما بما سلكوا من مسالك في حق أخبار من بلغ و هي قاعدة التسامح في أدلة السنن داعيا الله تعالى أن يثيب الجميع على صدق النوايا لخدمة مذهب أهل البيت عليهم السلام.
و لكن و قبل التعرض لمحل البحث المحتاج الى الدقة و التأمل لابد من الإشارة الى مسالك الأعلام في المقام.
فأقول إن الأعلام هاهنا على مسالك مختلفة منها أن هذه الأخبار تشير الى تحقق ثواب لما يُستفاد من هذه الأخبار من نحو من الإستحباب لعنوان نفس العمل الذي يقوم به الشخص أي أن اخبار من بلغ بعنوان إحتمال الثواب تدل على الإستحباب لا بعنوان نفس العمل أي ان الأخبار لا تقول إن العمل مستحب الذي يقوم به الشخص لرواية ضعيفة سواءا كان تعبديا او غير تعبدي بل إنما تقول لأن العمل فيه عنوان الثواب أن يأتي بالعمل و لو إحتياطا و لهذا الإحتياط الإيماني يُثاب لأن مثل هذا الأمر هو مستحب في نفسه.
و نُسب الى بعض الأعلام أن الأخبار مطلقا لا يُستفاد منها الإستحباب لا الشرعي ولا الإحياطي بل إنما يُثاب الشخص لمجرد الإنقياد و طلب القرب لأن ترتب الثواب ليس محتاجا الى أمر مولوي بل يكفيه محض رجاء الواقع و عليه فلا يُمكن الفُتيا بناءا على هذا المسلك بالإستحباب.
و نُسب الى آخرين من الأعلام أن ظاهر بعض هذه الأخبار يُستفاد منها الإستحباب الشرعي على نفس العمل لأن ترتب الثواب يظهر منه أنه مترتب على أمر مُستحب.
و من الواضح أن المُهم لدى العامل و القائم بهذه الأعمال بتبع الأخبار الضعيفة التي وعدت بالثواب إنما هو محض الحصول على الأجر سواءا كان ذلك لإستحباب او لرجاء الواقع.
و كل الكلام للأعلام في هذه القاعدة إنما هو السعي لإثبات التساهل فيما يعود الى أسناد الأخبار في المستحبات و ألحق بها المكروهات لا ما يعود الى الواجبات و المحرمات.
و من أمثلة هذه الأعمال التي يأتي بها الكثير من الناس لمجرد البلوغ ما يوجد في كثير من كتب الزيارات و الأدعية كما يوجد ذلك كثيرا ما في مثل مفاتيح الجنان و غيره من الكتب سواءا كان العامل بذلك من سائر الناس او كان من العلماء حيث أن اكثر العوام لا يدققون فيما يوجد في مثل هذه الكتب سندا و قد قال البعض أنها مادامت في مواطن المستحباب و المكروهات فلا داعي للتدقيق فيها و تشكيك الناس في مصادرها فدعوا الناس ليحصلوا على الثواب و الأجر لأن اقل ما يُفترض صحة الإتيان بها لرجاء الواقع و المطلوبية و سنشير الى هذا الكلام صحة او نقدا.
فمثلا كما قالوا إن كثيرا من زيارات المعصومين تدل على إستحباب الغُسل إذا أراد الإنسان زيارة المعصوم عليه السلام لكنها روايات ضعيفة سندا فلو ان أحدا قال لأني أريد الزيارة للمعصوم فعليّ بالغُسل قالوا فإنه يحصل على الثواب المذكور في الرواية و إنما الكلام في أنه هل ينوي أغتسل إستحبابا او لمجرد المطلوبية و يشكل أمر الإستحباب بكل وضوح لدى الأعلام الذين يقولون إن قاعدة التسامح لم تثبت أصلا و عليه فلابد من الإتيان بالعمل لرجاء المطلوبية لا بقصد العمل المستحب أي أن العمل لو كان مطلوبا فإنّا نتقرب به الى الله تعالى و كما قُلنا ألحق بذلك ما دل على الكراهة بمعنى أنه يُستحسن تركها.
و بالجملة كان هذا سردا لأكثر الآراء بالنسبة لهذه القاعدة و سيأتي بيان التأمل لا في أصل إعتبارها بل في المراد منها لأني أراها مُعتبرة من حيث الأسانيد بل و من حيث قاعدة اللطف و لكن ما فُهم منها و على طول تأريخ اعتبارها لا أراه صحيحا.
و الآن و من بعد مقدمة قد مرت تحدثنا فيها عن آراء العلماء فيما يتعلق بأخبار من بلغ او قاعدة التسامح في أدلة السنن أي المستحبات على ما قيل فيها قديما و حديثا من كون هذه الأخبار يستفاد منها التسامح و التساهل في أدلة و أسانيد المستحبات و يلحق بها المكروهات.
و أقول أيضا من بعدما تقدم من كون هذه القاعدة معتبرة شرعا خلافا لمن شكك في أسانيدها بل أقول هي معتبرة عقلا أيضا قبل ذلك لدخولها على ما أرى تحت قاعدة اللطف الإلهي حيث أن الله تعالى لا يضيع عمل عامل من ذكر او أنثى لكن كل ذلك شريطة ان تكون الأخبار حتى في المستحبات و المكروهات متطابقة مع ما أمر تعالى او ما ورد من إعتبار لها سندا على لسان النبي و آله عليهم السلام لا مطلقا عملا بكل خبر بلغنا ولو كان ضعيفا سندا فالمستحبات و المكروهات هي مع الواجبات و المحرمات على صعيد واحد من حيث لزوم كونها يجب ان تكون معتبرة سندا قرآنا او رواية لكي لا تُفتح أبواب الخرافات على مصراعيها او يفتح الباب للوضّاعين و ما أكثر من وضع الأخبار على لسان محمد و آله عليهم السلام حيث أنه لا راد يمكن ان يُعمل به سوى إعتبار الأخبار سندا في جميع الأحكام.
فإذن على ما أرى أنه لا فرق بين الواجبات و المحرامات و المستحبات و المكروهات من جهة لزوم كون أسانيدها يجب ان تكون معتبرة و عليه فما أريدَ من هذه الأخبار على ما اعتقد بعيدا عما يقول به المشهور إنما هو بيان أن من عمل طبقا لواقع الشرع إعتبارا آية او رواية و بذل قصارى جهده للوصول الى شرع الله تعالى لكنه أخطأ الواقع و ذلك بأن كانت الأدلة معتبرة بتمام معنى الإعتبار في واجب او محرم او مستحب او مكروه لكنها في واقع الأمر ما كانت صحيحة فإن الله تعالى لا يضيع لمن سار مناهج الحق عملا من الأعمال حتى ولو كان الخبرغير صحيح في الواقع فإنه يثاب لطفا من الله تعالى بحال عباده المؤمنين الذين سلكوا مسالك الحق في إتباع الأسانيد لا من سلك مسالك العمل بكل خبر ضعيف و فتح الأبواب للنيل من الشرع او أجاز لنفسه ان يتعبد بخبر ضعيف في صلاة هي توقيفية شرعا بتبع كل من يتبع صلاة من المجاهيل حتى وصل الحال بالطائفة و هي المنتقدة لمسالك أبناء العامة في صلاة التراويح أن تُفتح الأبواب عندنا لمثل هذا المسلك بتبع الأخبار الضعيفة و ياليت الأمر كان عملا بالأخبار الضعيفة سندا في مثل ذكر لمن يخالف ما هو معتبر سندا لأنه ذكر الله او بعض أسمائه و صفاته المسلم بها لا فيما يعود الى إطار عبادي كالصلاة او ما شاكل ذلك من عبادة أخرى لها بحسب الشرع إطارها الخاص الذي لا يجوز التوسع فيه إلا بتبع دليل معتبر.
و بناء على هذا أقول إن العمل حتى برجاء الواقع في مثل ما له إطار تعبدي خاص كالصلاة فالإحتياط فيه هو عدم القيام بمثل هذه الصلاة لا الإتيان بهذه الصلاة فأبواب المستحبات المعتبرة صلاة و غير صلاة من سائر الذكر لا حدود و لا حصر لها فلا يحتاج المؤمن للتقرب الى ربه أن يأتي بمثل هذه الصلوات الضعيفة سندا و هو قادر أن يصلي عشرات الصلوات بل مئاتها بركعتين بلا حاجة أن يصلي صلاة لا مستند لها شرعا او كان الأصل في إعتبارها هم أبناء العامة و الجماعة في حين أنهم بأنفسهم قد هجروها بعد أن كانوا أصلا لها.
و بالجملة لا أرى مجرد البلوغ كافيا للقيام بالعمل بل البلوغ بشرائطه اعتبارا بما لأي حكم من الأحكام وجوبا او حرمة او إستحبابا او كراهية و أن هذه الأخبار ليس فيها ما يدل على تساهل فيما يعود الى المستحبات او المكروهات و لا دليل على التفريق بين الأحكام المختلفة لكي يدخل المستحب و المكروه تحت قاعدة التسامح و التساهل سندا دون غيرهما حيث أنه لا تسامح في أي حكم من الأحكام فهي على حد سواء و إنما أريد من هذه الأخبار أن من أخطأ الواقع بعد بذل الجهل بتبع ما ورد من صحة الأخبار فإن الله تعالى لطفا بحال عباده يُعطي الساعي أجر ما بلغه من ثواب لأنه قد قام بكل ما كان عليه من عمل سواءا كان فقيها لإجتهاد او كان مقلدا قد عمل بما يقتضيه التقليد و ذلك لأن كلمة من بلغ إنما هي شرعية فيراد منها إذن البلوغ الشرعي الجامع لشرائط إعتبار الأخبار لا كل بلوغ ليُفتح بذلك باب على المؤمنين غير سليم فالله تعالى إنما يعطي الثواب تفضلا لمن سلك مسالك الحق بشرائطه إعتبارا للسند لا من سمع بأي خبر و عمل به فمثل ذلك بعيد عن مناهج الشرع القائمة على أصولها المعرفي و التابعة للمصالح و المفاسد التي تتبعها الأحكام بتبع واقع الشرع فالثواب إذن للخاطئين بعد بذل الجهد لا من كان قد دخل مسالك الأوهام او اخذ بالأخبار الضعاف.
و من المعلوم أنه لا مستند لصلاة الرغائب في كتب القدماء من علماء الشيعة على ما أعلم و قد قيل إنما ذُكرت في القرن الخامس الهجري و اكثر من كان قد عمل بها إنما هم أبناء العامة لا الشيعة و هي مع ذلك حتى عند أبناء العامة لا سند لها و لذا هُجرت عندهم و إن خوف البدعة في المقام لهو أقرب من القول بإعتبارها و لو لرجاء الواقع كما قيل و ذلك بعد كون العبادات كما قلنا كالصلاة توقيفية حتى لا نكون كالقوم نأتي بما لا مستند له ثم يقول قائلهم إنها بدعة حسنة كصلاة التراويح و لذا لا يجوز لأحد أن يقول إنها عبادة و يأتي بها لرجاء الواقع و هل يجوز لأحد أن يأتي بصلاة بتسع ركعات مثلا بلا مستند ثم يقول إنما آتي بها لرجاء الواقع؟!
و من المعلوم أنه إذا فتح شخص الباب هنا سيفتح في القرون المتأخرة قوم آخرون ابوابا أخر.
هدانا الله و إياكم الى الصواب و العمل بواقع الأمر و الحق إنما هو الله تعالى و أنبياؤه و المعصومون و ماوراء ذلك إنما هي اجتهادات داعيا الله تعالى ان يثيب الجميع على صدق النية و إن يُبعدنا عن الأخطاء و فتح الأبواب لما هو غير مستحسن إنه تعالى أرحم الراحمين.
محمد كاظم الخاقاني
0 تعليق