مولاي الجليل سماحة الشيخ محمد كاظم الخاقاني … الموقر
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
هناك سؤال حيرني كثيرا , وهو نظرة الإسلام لإبن الزنا…… فما ذنبه؟
وما أثار حفيظتي تجاه هذا الموضوع هي محاضرة لأحد الخطباء الكبار تناول فيها فلسفة النظرة الاسلامية لإبن الزنا تحديدا , لمنه في الحقيقة أثار حنقي للأدلة الغيبية التي سردها ولم أقتنع ولا بجزء منها . ولجنابكم جزيل الشكر والإمتنان
الفاضل المحترم الشيخ احمد دام توفيقه
مقدمة للدخول في البحث لابد من الاشارة الى ان المشهور بين المتأخرين هو القول بطهارة ولد الزنا والحكم بصحة اسلامه و دخوله الجنة كسائر المسلمين والمؤمنين وهو مسلك صاحب المعالم ايضا حيث قال : (المعتمد عندي هو القول بالطهارة لكونه مقتضى الاصل و المخرج عنه غير معلوم) و من المعلوم أنه لا يجوز العمل بالأصل مع وجود الدليل المعتبر المخالف لذلك فهو اذا مما لا يرى الأدلة الدالة على خلاف ذلك معتبرة و كذا ما يدعى من الإجماع من بعض المتقدمين على نجاسته وكفره و عدم إمكان تدينه فإنه لا يراه مناهضا لهذا الأصل أي أنه لايرى الأدلة جميعا معتبرة سندا ولا دلالة.
وأقول في المقام أيضا أن من المعلوم أن ما يدّعى من إجماع في أي مورد بعد وجود الدليل الشرعي من آية او رواية على اثبات شيء او نفيه لا يكون معتبرا حتى بناءا على اعتبار الإجماع لأنه مع وجود الدليل لا معنى لدعوى الإجماع كما و أن أكثر الإجماعات المدعاة من كثير من المتقدمين لا يراها المتأمل سوى دعوى الشهرة و قد تعرضت لبحث الإجماع والعقل مفصلا تحت عنوان الإخبارية والأصولية وهي موجودة على الموقع لمن أحب تتبع التفاصيل في هذا المقام.
و قال صاحب الذخيرة : (ويدل على الطهارة الأصل وكونه أي الزنا محكوما عليه بالإسلام ظاهرا).
وقال آخر إن جواز إيمانه و تدينه عقلا مما لا ريب فيه كيف ولولم يكن كذلك لزم التكليف بالمحال _اي تكليف ولد الزنا بجميع التكاليف الشرعية في حين أنه لا يتمكن من القيام بها لسوء سريرته او لعدم قدرته على ذلك او لأي افتراض آخر_ وهو باطل عقلا ونقلا اي كيف يكون أحد المكلفين وهو لا يجوز ايمانه او لا يمكن تحققه منه.
وقد ورد عن الإمام الصادق عليه السلام كما في الكافي عن ابن أبي يعفور : (ولد الزنا يستعمل إن عمل خيرا جزي به وان عمل شرا جزي به) أي ان حاله حال سائر الناس وبعد مثل هذه الأخبار ومسلك المشهور الموافق للأصل و العدل والرحمة الواسعة الإلهية لا يُصغى الى ما عن البعض من عدم إمكان إيمانه او ما ورد عن بعض الفلاسفة من أن سوء سريرته وخبث طينته تمنعه من الإيمان.
و بالجملة أكثر الأعلام على القول بإسلامه و طهارته و إمكان تدينه وعدالته وصحة دخوله الجنة و إنما وقع الخلاف في أمر آخر من بعض الأعلام وهو أنه هل يقع منه الإيمان و التدين او يقطع بعدم وقوع ذلك منه بسوء اختياره و المنقول عن بعضهم أنه لا يقع منه إلا الكفر أي أنه بنفسه لسوء السريرة او خبث الطينة يختار الكفر لا أنه يجبر عليه لكن لو أختار الإيمان و التدين لدخل الجنة لكن هذا الكلام بعد كون الشارع خاطبه بالتكليف كسائر المكلفين غير معقول فانه كيف يخاطب الله تعالى من يعلم بأنه مجبر بحسب ماهيته او سوء سريرته على الشقاء .
وخاض آخر البحث في ولد الزنا من ناحية أخرى حيث قال إنه ورد يا علي لا يبغضك الا ولد زنا وإن بغض علي علامة على ولد الزنا و كأن هؤلاء رأوا في ذلك ما يدل على خبث سريرته بحسب واقع التكوين و الحكم الوضعي إلا أن الأخبار قابلة للتأويل وغير خالية عن قصور السند والدلالة ولعلها كناية عن الخبث والعداء لله تعالى و رسوله و إن ظن الشخص نفسه من الصالحين لأنه لا يعادي اولياء الله تعالى بعد معرفتهم جحودا إلا الأشقياء و لو كان الشقي من بني هاشم كأبي لهب او كان ولد نبي او زوج نبي او من صحابة نبي و من المعلوم أن الكثير من سادات قريش ومنهم من هو من بني هاشم و غيرهم من الصحابة في عهد الرسول (ص)و من بعده كأصحاب الجمل وصفين والنهروان كانوا يبغضون عليا لأسباب شتى و منها قتله لآبائهم المشركين وليس من الرشد ان نحمل أمثال هؤلاء جميعا على أنهم من أولاد الزنا ,نعم يحملون على بعض المعاني المعنوية وعدم الطهارة النفسية لأن الطهر النفسي لا يجتمع مع بغض اولياء الله تعالى و لوكان الخطأ ضلالة جهل و ليس جحودا لهداهم الله تعالى إلى سواء السبيل.
ومن المؤسف أنه قد ذهب البعض الى ماهو اكثر من ذلك حيث قال إن ولد الزنا ولو أظهر الإسلام و قام به يدخل النار ولكن مثل هذا المسلك كما صرح بذلك الكثير من الأعلام مخالف للعدل الإلهي الذي لا ينهض بأزاء رفيع مقامه مثل هذه الكلمات مضافا الى أنها لا تجاري واسع الرحمة الإلهية و لو افترضنا جدلا صحة بعض الأخبار الدالة على ذلك لكان من اللازم طرحها لأن ما يخالف كتاب الله و السنة القطعية و العدل والرحمة الإلهية زخرف من القول يجب ان يضرب به عرض الحائط وبالأخص في مقابل ما هو أقوى منه سندا و دلالة و كونه موافقا للمشهور ولو لم تطرح مثل هذه الأخبار لوجب تأويلها.
و ديّة ولد الزنا على ما هو المشهور من كونه كسائر المسلمين والمؤمنين ديّة أي مسلم آخر.
و ذهب بعض الفلاسفة في مثل هذا المقام الى مسلك آخر وهو أنه لوجود الإنسان حيثيتين حيثية تلي الرب تعالى وهو الوجود الإنسانية المفاض من قبله تعالى على هياكل الممكنات بما لها من القابليات والماهيات وهو شأن جوده تعالى وكرمه على كل ممكن بما يناسبه (فسالت أودية بقدرها) بحسب كل ممكن سعة و ضيقا و حيثية أخرى تلي العبد نفسه وهي حيثية حدّه وماهيته فما كان وجودا و فيضا فهو منسوب الى الله تعالى وما كان ماهية وحدّا وضيقا فهو منسوب الى الإنسان ولذا كان الله تعالى اولى بحسنات الإنسان والإنسان أولى بسيئات نفسه لأن السيئات بحسب تفسيرهم منسوبة للماهية و ضيق دائرة الحد الإنساني و الماهية كما قالوا ليست تحت الجعل الإلهي لأن الجعل يتعلق بوجود الشيء لا بماهيته و إن الجنة والنار أمور معنوية تابعة للملكات و القابليات فالعقاب والثواب يرجعان الى الملكات النفسية فإن كانت الأعمال طيبة بتبع حسن السريرة و طيب الطينة يكون مسرورا و إن كانت الأعمال سيئة كان معذبا وهذه الماهية ربما عبر عنها البعض بإعتقاده بأنها هي التي وردت على لسان الشرع معبرا عنها بالطينة أو البطن كما عن الرسول (ص) : ( السعيد سعيد في بطن أمه و الشقي شقي في بطن أمه و الناس معادن كمعادن الذهب و الفضة و النحاس) وعليه فيكون ولد الزنا لخبث سريرته شقيا ولا يختار الا الشقاء.
و قد أشار الوالد (قده) الى مسلكهم قائلا : إختار الحكماء إن الثواب والعقاب يتبعان الملكات النفسية لأن التشفي من الله تعالى محال بجعل جنة و نار خارجيتين كما يعتقد بذلك بعض الفلاسفة و لذا التزموا بنفي الجبر من الله تعالى و أن ما يرجع الى الملكات النفسية خيرا او شرا ذاتي الماهية الإنسانية و الذاتي لا يعلل و عليه فيكون خبث ولد الزنا ذاتيا من شؤون ماهيته ويكون سيره على الشقاء بتبع سوء السريرة لأن الشقي شقي في بطن أمه أي بحسب ماهيته وليس هناك من جبر إلهي حتى يقال إن ذلك مخالف للعدل و أن الله ليس بظلّام للعبيد و إن ارسال الرسل و إنزال الكتب وخلافة الأوصياء لحفظ موازين الشرايع علما و عملا إنما هو لتحقيق شرط الوصول الى تلك المنازل وحصول الفعلية لتلك المواطن التابعة للماهيات سعادة وشقاءا.
ثم قال الوالد : لكن الصحف الإلهية لا تطابق ما يرونه لأنها صريحة بأن المثيب و المعاقب هو الله تعالى بجنانه و نيرانه الخارجيتين الى أن قال و ما يستدل به على مسلك الحكماء من الجبر الماهوي فرارا من الجبر الإلهي كما يظنون بتفسيرهم لبعض الآيات كقوله تعالى: (تجزون ما كنت تعملون) فهي في مقام ان الله تعالى لم يعاقب ظلما و إنما يعاقب بسبب الأعمال التي يعملها الإنسان وليس معنى ذلك أن الأمر راجع الى الماهيات سعادة و شقاءا.
أقول إن الذي ذهب إليه بعض الفلاسفة للتخلص من الجبر الإلهي و أن الفيض شأن إلهي و الماهية خارجة عن الجعل وأن الأمور بحسب واقع قابلياتها تابعة لتلك الماهيات و الذاتي لا يعلل و يكون سيره على طبق هذا الواقع إختياريا بسوء اختياره و عليه فلا يقال هذا يخالف العدل الإلهي لان الشقاء تابع لماهية ولد الزنا لا لفيض الله تعالى فإن مثل هذا الكلام لا أظنه يريضي من تتبع مناهج الشرع و أقرت نفسه به فإذن لابد من سلوك مسلك آخر يكون أكثر مصداقية وواقعية في ولد الزنا و ما يقال في حقه من شقاء او سعادة حتى يقع التمييز بينما هو مؤثر في الشيء بنحو المعد و القابل والمؤهل او بنحو المؤثر بنحو السبب_ أي المقتضى_ والعلة التامة وبعد هذه المقدمة نقول إذن هناك جوانب عدة لابد و أن تؤخذ في المقام بعين الإعتبار و يجب ألا تختلط هذه الأمور و للتقريب الذهني نضرب مثالا فنقول العلة هي ما منها يكون المعلول متحققا وهي قد تكون بسيطة كما في العلل المجردة او مركبة كما هو شأن العلل المادية في عالم الطبيعة فمثلا يقال النار علة للإحراق فيطلق على النار التي هي السبب إسم العلة من باب التسامح في التعبير لأن النار جزء العلة وليست تمام العلة للإحراق فالنار سبب وقربها من الحطب شرط وعدم كون الحطب رطبا او مبللا يسمى بالمانع الذي لابد من عدمه حتى تتمكن النار من إحراق الحطب وهناك أمور اخرى قد يكون لها التأثير في إيجاد الشيء لابد من ملاحظتها و ان كانت ليست من أجزاء العلة القريبة لكنها قد يطلق عليها اسم المعد او المؤهل كالأقدام التي يرفعها الماشي للوصول الى المكان فألف قدم سابق على الدخول في الدار لا يسمى بعلة ولا بسبب ولا بعدم مانع بل هي من المقدمات البعيدة لتحقيق الشيء وكم من أمر ولو قبل ألف سنة او أكثر من ذلك قد يكون من المعد او المؤهل او الشرط لتحقيق الشيء .
و إن الكثير مما يذكر في الشرع من المؤثرات في تحقيق نفسية الإنسان و سعادته أو شقائه إنما هي من المؤهلات و المعدات وقد يشير الشرع أيضا الى بعض الشروط التي لو اجتمت معها الأسباب وارتفعت الموانع تكون علة لوجود الشيء لكن بعض الملاحظين لمثل هذه الأمور قد يتصورها عللا تامة او أسبابا لتحقيق الشيء ومن جملة هذه الأمور التي يشير اليها الشرع المقدس عوامل الوراثة كما ورد الخال أحد الضجيعين او التربية كإياك و حسناء الدمن في منبة السوء وما ورد من التحذير من صديق السوء وما حبب إليه الشرع من مجالسة الصالحين والعلماء و ما حذر منه من النطفة التي تعقد من المال الحرام وكذلك من هذا القبيل ما نحن بصدد التعرض له من ولد الزنا من أن نفسية الأب والأم وماهما عليه من سوء العمل قد يكون مؤثرا بنحو ما من الأنحاء و لو بنحو المعد او المؤهل في إنعقاد النطفة وما يمكن ان يحصل بواسطتهما _أي كل من الأب و الأم الزانيين_ من خلق وإنحطاط أخلاقي.
كما وان شرف نفوس الأمهات وحسن تربيتهن له الأثر أيضا في حياة الأبناء ولذا ورد أن الجنة تحت أقدام الأمهات وكذلك لشرف الأباء و حسن تربيتهم الأثر في نفوس الأبناء فالكثير من الموروث والعادات الإجتماعية و الأمور التربوية لها الأثر بما يعم الشأن المادي والمعنوي لتكوين البنية الإنسانية لكن ذلك ليس معناه أنها تبلغ مرتبة السببية او العلية التامة لأن السببية والعلية أمور تابعة لإرادة الشخص وعقله وفطرته ويقظة ضميره بما له من المعارف والغايات النبيلة او الساقطة الدنيئة وهكذا الكثير من المؤثرات الأخرى قد تكون دخيلة في تكوين الشخص بنحو المعد او المؤهل بما في ذلك الزمان والمكان والأخوال والأعمام والجيران و المعلم لكنها جميعا لا تبلغ مرتبة السببية او العلية حتى تستوجب خبث طينة او جبرا على عمل فكما و أن الأمور المادية حتى الأكل والشرب له الأثر بنحو المعد والمؤهل او الشرط كذلك للأمور المعنية الأثر على النفس لكن ليس شيء من جميع ما ذكرنا يبلغ مرتبة السببية او العلية بل المدار على الإختيار والإرادة الإنسانية وقد خلق الله تعالى الإنسان مختارا وحذره بنحو الإرشاد من كثير من الأمور ولا قائل بالجبر إلا بعض الفرق السنيّة كالأشاعرة مثلا.
فالقول بالجبر الماهوي الفلسفي او الجبر الإلهي الأشعري لا يمكن الإلتزام به بتوجيه كون العقاب تابعا لكفر الكافر و العاصي و أن الكفر والعصيان راجعان لإختيار نفس الكافر والعاصي و ذلك لخبث السريرة بتبع ذاتهما و إذا كان الخبث ذاتيا لا يمكن تعليله بأنه لما صار الخبيث خبيثا لأنه من لوازم ذاته كالزوجية للأربعة و الفردية للثلاث و إن حاول البعض تأييد مسلكه ببعض ما ورد في الشرع عن الرسول (ص) : (السعيد سيعد في بطن أمه و الشقي شقي في بطن أمه) مدعيا بأن هذا النوع من الكلام إنما هو إرشاد إلى ما هم عليه من المسلكية لكن نقول ما ذهبوا إليه لا ينسجم مع الشرع والوجدان عند التأمل لأن الإنسان يرى بالوجدان الفرق بين حركة يد المرتعش و حركة يد المريد و لا برهان أصدق من الوجدان كما و أنه يجد على أرض الواقع كم من طالح إنقلب الى صالح و كم من مشرك بهداية الأنبياء أصبح من الأوتاد و تبدل الحالات من الفسق الى العدل وبالعكس و كذا من الكفر الى الإيمان مما يناهض دعوى بعض الفلاسفة من جعل الشقاء أمرا ذاتيا لا يمكن التخلص منه و كذا يجد الإنسان من نفسه ما دام يعيش ولو قدرا ما من حياة الضمير الندامة على بعض الأعمال و قد يتراجع عنها و الحال أنه لا يجد الندامة حاصلة عند عدم الإرادة لفعل الشيء او عدم التقصير لو صدر منه إضطرارا و ليست هذه الحالة النفسية إلا من جهة كون الأول فعلا إختياريا و الثاني غير إختياري.
ومنها أن كل إنسان يدرك بفطرته أنه قادر على بعض الأمور فعلا أو تركا و قد أطبق كافة العقلاء على إستحقاق فاعل القبيح للذنب و فاعل الحسن للمدح مع إطباقهم أيضا على أن الذم و المدح إنما يتوجهان على الفعل الإختياري.
و إن عامل المحيط و التربية و الزمان والمكان و الصداقة والموروث الطبيعي كتأثير الجينات و كثير من الأمور الأخرى و إن كان لها الدخالة بنحو المعد و المؤهل لكنها ليست مؤثرة بنحو العلية أو المقتضي لتستوجب الجبر و سلب الإختيار.
و من جملة ما يدل على كون الإنسان مختارا تشريع القوانين الجزائية سواء كانت شرعية او غير شرعية كما في العالم جميعا وحسن تأديب المجرمين على جرائمهم على إختلاف نوع التأديب و قبول المجتمعات لذلك.
ومما يشهد بالفطرة على الإختيار أن الإنسان عند مشاهدة الخطر او الفضيحة او الضرر لم يقدم على فعل قبيح ولو كان مجبرا لما اختلف حالته بالنسبة الى ارتكاب الأعمال حسنا وقبحا.
ومن الشواهد المتفق عليها عند العقلاء أن الأوامر والنواهي إنما تتوجه على المختار العاقل دون غيره.
وأما ما ورد من الأخبار الناهية عن الصلاة خلف ولد الزنا كما عن الإمام علي عليه السلام: (ستة لا ينبغي أن يأموا الناس ….) وعد منهم ولد الزنا فأقول يجب الإلتفات الى أن هذه الروايات على ما أعتقد لا ربط لها بشأن ولد الزنا نفسه تكوينا ولا بما له من منزلة عند الله تعالى لو آمن وعمل صالحا و لا بما يستحقه من الثواب كسائر المسلمين والموحدين وذلك لأن المفهوم من مثل هذه الأحاديث هو الحكم الإرشادي بأزاء أمر مرتبط بالوضع العام الإجتماعي بما له من تداعيات على المجتمع حيث يراد من كل أمر إجتماعي أن يكون مرغّبا للمجتمع ولو بحسب حضارتهم و لذا كان الأنبياء غير ناقصي الأعضاء وبما لا يكون منفرا حتى ولو لم يكن المنفر عائدا الى نقص كمال معنوي وكما ورد في إمام الجماعة الأولى فيه أن يكون أصبح القوم و أفصحهم وكثير من المرغبات الأخرى لما فيها من جلب نفوس الناس الى مواطن العبادة ليسمعوا كلام الله تعالى ويسترشدوا بنهج الأنبياء وقد يجلب الصوت الحسن الناس الى سماع كلمة الحق وأما كلمة (لا ينبغي )الواردة في الحديث الشريف فهي من الكلمات التي تستخدم في الغالب في موارد الترجيح و الإرشاد لا في موارد الحكم المولوي.
وتكون مثل هذه الروايات الدالة على الإرشاد مقيدة لروايات أخرى مطلقة كما عن الإمام الصادق عليه السلام في صحيحة أبي بصير: ( خمسة لا يأمون الناس…) وعد منهم ولد الزنا أي أن من الأولى أن لا يأموا الناس وليس معناه بطلان الصلاة بهم أو أنهم ليسوا كبقية المسلمين والعدول بل كما أشرنا يرجع ذلك لأمر اجتماعي يراد منه الترغيب للمجتمع بما يكون مرغبا ودافعا لهم للحضور في مثل هذه الأماكن.
ومما يؤيد ذلك ما ورد عن الإمام الباقر عليه السلام في صحيحة زارارة : (لا يصلين أحدكم خلف المجنون و ولد الزنا) حيث عطف ولد الزنا على المجنون و من الواضح ان النهي عن الصلاة خلف المجنون ليس إلا ارشادا لأنه لا يحسن اللفظ فضلا عن إحراز الشرائط الأخرى فيه كالعدالة مثلا .
ولو كان لولد الزنا واقع تكوين يجعله دون سائر الناس مرتبة من حيث انعقاد النطفة لوجب أن يكون كلما هو على خلاف العقد الصحيح الشرعي متحققا بحسب التكوين بهذا الواقع الوجودي ذاتا وعليه فيشمل جميع من تنعقد نطفهم بواسطة العقود الباطلة المخالفة لمذهب الحق و لو كانت إسلامية ولشمل كل عقد لم يستكمل شرائط الصحة كمن يتزوج بالمطلقة ثلاث او التي لم تتم شروط صحة الطلاق فيها لعدم شهود عدل مثلا ويحصل من الزواج الولد فضلا عن عقود سائر الموحدين ناهيك عن نكاح سائر الأمم التي لم تلتزم بشرع ولها عقودها او تبانيها على عقد قِران الزوجين حيث يلزم من ذلك القول بعدم شرعية او عدم صحة انتساب الأبناء للأباء في أغلب المجتمعات البشرية وهذا عظيم من القول لا أظن ان يلتزم به أحد على الإطلاق فأعود وأقول إذن ليست مثل هذه الأمور إلا أمورا اعتبارية لمصالح اجتماعية يعلمها الله تعالى لا تستوجب خبث سريرة او جبرا لفعل على منكر او نقصا لذات موجود .
وأما ما ورد عن الديلمي مرفوعا الى الإمام الصادق عليه السلام من أنه قال : (يقول ولد الزنا :يارب فما ذنبي؟ فما كان لي من أمري صنع قال فيناديه مناد فيقول: أنت شر الثلاثة _والمراد من الثلاثة الزاني والزانية و ولد الزنا_ أذنب والدك فنبت عليهما أي على هذا دمك ولحمك و أنت رجس و لن يدخل الجنة إلا طاهر )فقال الأعلام إنظروا الى صراحة هذا الخبر في أن منعه و طرده من الجنة إنما هو من حيث كونه إبن زنا حيث أنه يحتج بأن لا ذنب لي يوجب بعدي و طردي من الجنة ولو كان كافرا لم يحتج بهذا الكلام و لو احتج به لأتاه الجواب بأن طردك من الجنة لكفرك لا لكونك ولد زنا.
فأقول إضافة الى ذلك إنه لا ينبغي أن تطرح مرفوعة على بساط البحث في مقابل الأدلة او الأصل و مسلك المشهور بل أقول أنّى لمرفوعة أن تنهض في مقابل أصل من أصول الدين وهو العدل وفي مقابل ما نعلم من سعة رحمة الله تعالى و عظيم عفوه حتى عن المذنبين و أصحاب الكبائر فضلا عن المؤمنين بدعوى خبث السريرة ولو كانت رواية صحيحة ولم تخالف المشهور لطرحناها او لأوّلناها بحكم العقل ولسنا كما صنع ويصنع أبناء العامة والجماعة بالنسبة الى ما يدعى من صحة مثل أخبار البخاري ولو خالف كل القيم الإسلامية والعقلية كما ذهبوا الى صحة إرضاع الكبير وغير ذلك مما لا يتناسب وقيم الشرع القويم وبالأخص بعدما ورد في مذهب الإمامية من لزوم عرض الأخبار على كتاب الله وسنة نبيه القطعية وأنّ ما خالفهما لا يكون إلا زخرفا من القول يضرب به عرض الجدار حتى و لو كان خبرا صحيحا .
وقد ورد من طهرت ولادته دخل الجنة وخلق الله الجنة طاهرة مطهرة لا يدخلها إلا من طابت ولادته فمثل هذه الاخبار لو إفترضنا صحتها كما قال الأعلام هي صريحة بأن منع ولد الزنا من الجنة إنما هو من حيث خبث الولادة لا من حيث الكفر الذي زعموا حمل الأخبار عليه وهي كما تقدم لا تناسب شرع الله القويم وعدله ورحمته الواسعة.
وقد تجاوز البعض جميع الحدود الشرعية والعقلية وواسع الرحمة الإلهية حتى وصل به الأمر أن قال إن نوحا عليه السلام حمل في السفينة حتى الكلب والخنزير ولم يحمل ولد الزنا تاركا جميع القيم وقضائا وقدرا أمكن ان يمنع إنعقاد نطفة هذا المسكين الذي يعلم الله تعالى أنه سيبقى لا لذنب خالدا في العذاب الأليم.
نعم لشرف نفوس الأمهات والآباء التأثير من حيث الموروث و الأمور الإجتماعية والتربوية بما يعم الشأن المادي والمعنوي لتكوين البنية الإنسانية ومكونات شخصية الفرد المرتبطة بكثير من الأمور من الزمان والمكان و المعلم و الصديق و الجاري والأعمام و الأخوال فكما و أن للأمور المادية أثرها بنحو المعد او المؤهل أو الشرط كذلك للأمور المعنوية الأثر على النفس لكن ليس شيء منها يبلغ مبلغ المقتضي _ أي السبب_ فضلا عن الأثر بنحو العلة التامة التي يجعل الشيء تابعا لها متابعة المعلول لعلته و إنما المدار في إيجاد الأفعال على الإرادة والإختيار للفاعل التابعة لعقله وفطرته و دواعيه المختلفة .
وبالجملة فجميع ما ورد في ولد الزنا او أثر النطفة المنعقدة من المال الحرام اوغير ذلك من الأمور إنما هي إشارة الى التأثير بنحو المعد او المؤهل وبعضها إعتبارات شرعية لبعض المصالح الإجتماعية وكرامة الأسر و الدفع بالأمم الى الإلتزام بمناهج الخُلق الرفيع و لذا نرى أن الشارع إعتبر المتولد من وطي الشبهة ولدا شرعيا كما وأنه لا يعقل أن ينزل السخط الإلهي و البُعد عن ساحة الحق فقط على ولد متولد من مسلمين خالفا شرع الله و أن تكون بقية نطف أبناء العالم جميعا لا شائبة فيها لما لهم من منهجهم في الزواج فتصبح النقمة بدلا من الرحمة على أولاد المسلمين فقط حين مخالفة الشرع و الحكم على بقية أبناء البشر بالكرامة والطهر وكما نعلم أن أغلب العقود في زمن الجاهلية ما كانت صحيحة تابعة لمناهج الشرائع المتقدمة و الكثير ممن أسلم من أهل الجاهلية أصبح من أقرب المقربين فضلا عن كونه من المسلمين الصالحين هدانا الله وإياكم إلى شهود معالم الرحمة الإلهية الواسعة و الإبتعاد عن بعض ما لا يتناسب مع مناهج الله تعالى و السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
0 تعليق