ردا على سؤال احد الاخوة الكرام في معنى الشورى في الاسلام والقرآن الكريم
القسم الاول
قامت الأديان الإلهية على تكريم الإنسان ولذا كانت العدالة أساسا من أسسها حتى جعلت من أصول المعتقد عند الإمامية وما ذاك الا لأن الاديان ما جائت إلا ليقوم الناس بالقسط حيث أن بالقسط تؤول وتفسر مناهج الحق من التوحيد والنبوة و الإمامة التي هي نظام الملة وما يرجع الى المبدأ والمعاد تأويلا وتفسيرا سليما وقد رسم الشرع أطرا على كثير من الأصعدة ليست داخلة تحت عنوان الاختيار ولا الشورى حيث انه لا اختيار ولا شورى فيما أوجب الله تعالى او حرّم لمن اعتقد الاسلام دينا وان كان في الاصل لا يجبر اي احد على اعتناق الاسلام لأنه لا اكراه في الدين ولأن حدود بعثة الإنبياء كما جاء في الآيات المتواترات انما انت بشير ونذير وأنه تعالى بعث الانبياء مبشرين ومنذرين وليسوا بمصيطرين محكمين الأديان على رقاب البشرية لو ابت ذلك .
وقد ورد عن الرسول (ص) : (ما تشاور قوم الا هدوا لأرشد امرهم ) وامر الشورى انما يعود الى الامور العامة وشؤون المجتمع لإدارة امورهم سلما وحربا وكيفية ادارة الدولة بما لا يخالف الشرع ولا يكون متناولا لما جعل من الخطوط الحمراء مما اوجب او حُرّم حى قال الرسول (ص) في بعض الموارد ولو لتدريب الأمة على حياة الحرية والكرامة وجعلها تحسّ بالمسؤولية فيما يرجع الى حياتها (أشيروا عليّ) وكذا ورد (وشاورهم في الامر)حيث شاورهم في أحلك المواطن وأشدها صعوبة وخطرا كما حدث في يوم احد وبدر وقد أكد هذه القاعدة الاسلامية وهي الرجوع الى الشورى اي الى رأي الأمة فيما يعود الى شأن حياة المجتمع حيث يكون من شأن الزمان والمكان والقضايا المدنية العامة العائدة الى حياة المجتمع الى الشورى حيث امتنع الامام علي عليه السلام ثلاثة أيام من قبول البيعة ثم احال الامر الى بيعة عامة في المسجد النبوي فهو من احالة الامر لمايرجع لاختيار الناس بعد كون الأمة بعد وفاة النبي (ص) لم تلتزم بما امر الله تعالى به ورسوله من قبول اوصياء الانبياء وتفصيل الاختيار ولزوم طاعة امر الله تعالى ورسوله يحتاج الى بيان خاص في مورده وعليه فتكون الشورى اذن بعد مسألة الجعل الالهي للاوصياء بعد الانبياء هي القاعدة العامة التي يجب العمل بها على طول التأريخ في جميع ما يعود الى شأن الأمة فيما يختص بأمر الزمان والمكان لأنها امور تحتاج الى معرفة في مواطنها الخاصة ويكون المشخص لهذه المصالح بحسب الزمان والمكان هم الناس بما لكل انسان من شأن واختصاص وما ذاك الا لأن الدين ثبات من ناحية وتطور بما يناسب الزمان والمكان مع حفظ الثوابت الرسالية علما وعملا والعمل بما هو من شأن المتغيرات العائد الى الأمة حتى قال علي (عليه السلام) مشيرا الى بعض هذه الجوانب المتغيرات : (ربوا ابنائكم لزمان غير زمانكم ) فإذا نقول من لا يتجدد بما يفرضه واقع التطور والتغيير بما يناسب كل زمان ومكان يحكم على نفسه بالفناء وهذا التطور المستمر جارٍ في كل شؤون الحياة بما يعمّ الشؤون للمأسسات الدينية والاجتماعية والتربوية وغيرها بل أقول ايضا وبما يعم الاجتهاد والفهم للكتاب والسنة وبما يفهم من سيرة المعصومين عليه افضل الصلاة والسلام وهكذا هو ما يفهم من الشورى والمشورة فإنه قد يتغير بحسب مقتضيات الزمان والمكان حيث ان للزمان والمكان والحضارات التأثير البالغ في فهم هذه الامور واغوارها .
فأقول عودا على بدء ان ما عدا الخطوط الحمراء التي قد تفتح الباب لتلاعب المتلاعبين بشرع الله القويم من واجب او محرم يكون كل ما عدا ذلك شأنا اجتماعيا يعود الى شؤون المجتمع ولا يمكن اجراؤه الا بمشورة لأنه امر يعود الى حياة الأمة من جهة ومن ناحية ثانية يجعل الفرد يحس بالمسؤولية تجاه حياته والآخرين ومن غير المعقول الجمود على فهم اهل زمان او مكان خاص فيما يرجع الى فهم كثير من النصوص وأطرها ضيقا وسعة التي منها الشورى وما ذك الا لأن الحياة دائمة في التطور والتغيير ولذا لم يحدد الشرع القويم مثل هذه الامور ككيفية الشورى مثلا على الرغم من التحديد فيما يرجع الى اصول العقائد التي ليست قابلة للتغيير كمعرفة التوحيد وما يجب الاعتقاد به في بقية الموارد كالمبدأ والمعاد والنبوة والامامة والفضائل والرذائل والعدل والظلم وكذا حسن او قبح كثير من الامور الاخرى المبحوث عنها في علم الاخلاق واصول التربية حيث انها لا تبلى بصروف الازمان وتغير الاوطان وقد شاور الامة في الحرب والسلم في كثير من الامور اهل العصمة على ما هم عليه من الوحي وعظيم العلم والمعرفة فكيف حال من يخطيء ويصيب فالشورى من لوازم الحياة بما هو من شأن المجتمع زمانا ومكانا بما لا ينافي ما فرض الله تعالى لأن شأن الزمان والمكان والفهم البشري من المتغيرات المحتاجة الى المسايرة بالاخذ بعين الاعتبار ما يراه المجتمع مصلحة لنفسه لأنه حياة الامة وهذه المصالح لا تناط بالاحكام بما هي بل بما تكون بقيودها الزمانية والمكانية وبما يرجع الى فهم النصوص من حيث التطبيق على الواقع الخارجي وهذا لا يمكن ان يقيد بقيد فهو سار مع سيلان الزمان على مر الدهور والازمان وبالجملة ما هو من شأن الزمان والمكان لابد وان يكون خاضعا للتغيير ولا يمكن ان يصبح حكما مطبقا على المجتمع بلا مرضاة الشعب عن طريق المشورة والاخذ بالراجح من الامور فالشورى في الامور الاجتماعية العامة والمشورة في كل شيء من الامر الراجح حيث انها تكون مع اهل الاختصاص لسبيل الكمال والحصول على الافضل من المصالح.
ومن المعلوم ان التطبيق للعدالة او الشورى او الحكومة الاسلامية او غير هذه من المفاهيم الأخرى تابع لحضارات الأمم فمثلا قد جرت الشورى او المبايعة على مدى قرون طويلة تحت ظلال السيوف ولكن اعتبرتها الامة مبايعة او شورى على اختلاف مدى هذا الاعتبار والقبول لكنها ما كانت متنافرة مع عقلية الأمة وحضارتها وإلا لما امكنها ان تستمر و أن يعتبر المخالف للحاكم من يشق عصا المسلمين او من الناكثين للعهود والعقود وما ذاك الا تصديقا لقوله تعالى : (إن الله لا يغير مابقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم)الرعد11 وما ورد عن الرسول (ص) : (كيفما تكونوا يولى عليكم) فإذن لما كان الاستبداد قرين حضارة هذه الامة راحت لتفهم من الحكومة الإسلامية بما لها من بعد الشورى والعدالة ما فهمت وكذا كان التأثير على بقية الأبعاد في مواطن التطبيق سواء الشورى منها او العدالة او المبايعة اوغير هذه المفاهيم و القيم الرسالية وليس ذلك بغريب أمر حتى على صعيد حضارات الامم الأخرى فالعدالة او الديمقراطية او حقوق الانسان للحضارات تأثير واضح في فهم هذه الأبعاد وكذا التطبيق فكم راح العالم وبالاخص في عصرنا الحالي ليفخر بعناوين هي في القمم صرحا وفي عظيم الابعاد خيالا لكن لم يلمس منها العالم ليومنا هذا سواء على صعيد الفهم او التطبيق إلا بعض الجوانب النادرة .
أجل التجدد بما هو من شان الزمان والمكان امر لازم لحياة البشرية وكذا ما هو من شأن الفهم للقيم الانسانية او النصوص الرسالية الالهية ولذا لا يمكن الحكم على ذلك بالجمود لافيما يتبع ما فهمه المتقدمون ولا مايرجع الى مواطن التطبيق فالشورى ايضا ايها الاخ الكريم من هذه الامور الخاضعة لهذا المجال سواء على صعيد الفهم او التطبيق وان كانت هي باطارها العام من رفيع رسالة السلام لكنها جُعلت من حيث السعة والضيق في متناول ايدي الناس لتأخذ بهم الى قمم الحرية والكرامة بتبع حضارتهم ومعرفتهم او الى الضيق كما اخذتهم بهم في ظلمات زمن الجاهلية وان سُمِي ذلك بحكم اسلامي حيث انها وصل امرها الى ما وصلت اليه بعد نبي السلام محمد صلى الله عليه وآله وسلم على أيدي فراعنة حكام المسلمين ووعاظ السلاطين حينما كانت الامة من حيث الفهم والقبول للحكم تتناسب مع هؤلاء المتسلطين الظالمين لقاعدة كيفما تكونوا يولّى عليكم وذلك واضح لأنه لا اثنينية في واقع الامر بين الحاكم والمحكوم والكلام كما هو واضح انما هو عن السواد الاعظم لا الفرد فإن في المجتمع قد يكون امثال ابي ذر وعمار ومالك الاشتر كما وانه قد يكون فيهم من هو من رؤوس المنافقين والزنادقة والملحدين.
وفتح الباب للفهم والتطبيق هو الاجتهاد الذي فُتح بابه في المذهب الشيعي في مقابل الجمود الذي اختاره لنفسه المسلك السني في حين ان العالم سيلان وتطور وتغيير بما يناسب الزمان والمكان إلا فيما كان من الثوابت التي اشرنا إليها وهي الخطوط الحمراء من حيث النص الشرعي او الخلق الكريم البشري فالتجدد اذن في الفهم لما هو قابل لذلك من الشرع في هذه الميادين وكذا التطبيق فالشورى اذن يجب ان يحدد اطارها سعة وضيقا بحسب الفهم البشري على قدر البعد المعرفي وزكاة النفس وبما يخدم مصلحة الامة لتحقيق واقع العدالة الاجتماعية في مواطن القضايا العامة والمشورة في كل مجالات الحياة مع من هم أهل الخبرة والاختصاص ليعيش الفرد خبرة الآخرين واختيار الراجح وما فيه مزيد المصلحة لحياة أحسن وما ذاك إلّا لأن الوجود فيه ماهو ثابت لا تناله يد الاقدار والاطوار وفيه ماهو متغير وتابع لما يحدث في الزمان والمكان حيث ان الوجود سيّال أيضا فمن تمكن ان يلحظ واقع الوجود ببعديه الثابت والمتغير لم يضيّع القيم الثوابت ولا المتغيرات والشورى وان كانت ضرورة الحياة شرعا وعقلا إلا أنها من حيث الفهم والتطبيق قابلة للبحث, والأديان وان اشتركت جميعا من زمن آدم عليه السلام الى الخاتم (ص) في اصول مباديها لكنها بما يناسب الزمان والمكان تعرّضت للنسخ والتغيير كما وانها تعرضت لذلك من حيث طرو التحريف والجمود وسوء الفهم والاجتهاد تأويلا وتفسيرا بتبع ايحاءات العقول والحضارات فللفهم وسلامة العقل التأثير البالغ في حقوق الامة حتى ولو فرض ان الشورى قد تحفظ حقّ الاكثرية لكن ليس معناه ضياع حقوق الأقلية فانه يجب دراستها وكيفية حفظها لو فرض ان الاحكام راحت لتجري لخدمة مصلحة الاغلبية لكثرة الاصوات في مجلس الشورى فمثل هذا يجب ان يدرس درسا عقليا وعلميا سليما حتى لا يضيع حق بأزاء حق آخر تحت لواء الدين او الديمقراطية.
يتبع انشاءالله تعالى في القسم الثاني
0 تعليق