ردا على سؤال احد الاخوة الكرام في معنى الشورى في الاسلام والقرآن الكريم
القسم الثاني
فالشورى هي الحكم المجعول في مواطن التطبيق للحقوق العامة الاجتماعية العائدة الى مصالح الأمة لكي لا تضيع الحقوق التي اضاعها الاستبداد وتلاعب بها وعاظ السلاطين لمرضاة اسيادهم وصمت عنها العارفون فهذا الحكم العام الضامن لحقوق المجتمع اول ما تلاعب به المتلاعبون بأن قال قائلهم الشورى لقريش وقال آخر انها لأهل الحل والعقل وقال ثالث أنها لأهل المدينة كل بتبع غايته حتى ضيع هذا الحق العائد الى مصالح المجتمع واصبح بتبع ذلك الفقه مجزئا لا يبحث الا عن قضايا خاصة لا تمس بحكم الحاكمين كما وأنه أضيع الحق والعدل اللذان هما أساس الدين وأصبح العالم المتقي بمنظار الأمة من يحدد خطاه البيت و المسجد لإقامة صلاة الجماعة و اصبح المتكلم عن الحق في مقابل الباطل والعدل في مقابل الظلم متدخلا فيما لا يعنيه او انه رجل سياسي منحرف في حين انه بذهاب الحق والعدل والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر على صعيد الشريعة بما هي يفقد الشرع مداه العام الذي جيء به لحياة المجتمع .
أجل جاء الإسلام لبناء حضارة فيها الثوابت كالحق والعدل والخير وان كانت لهذه الثوابت متغيرات بما يناسب الزمان والمكان ومن المعلوم ان تشخيص المصاديق يرجع الى أهل الاختصاص وليس مما يرجع فيه الى الفقيه وانما هو أحد افراد العُرف في هذا المجال.
واذا كانت الشورى بمعنى التشاور فنقول ان التشاور حكم عام وان كان يخصص بحسب الموضوع بما يناسب أهل الخبرة فالتشاور في البناء مع المهندس وفي البدن مع الطبيب وفي المكاسب مع التجار وفي شأن الامة وحقوقها مع كل من هو ذي حق من أفراد الأمة لأنه عائد الى المصالح والمفاسد الإجتماعية لنفس المجتمع ولما ورد في قوله تعالى : (وشاورهم في الأمر) حيث أنه أمر وظاهر الامر الوجوب فيكون حكما واجبا في الأمور الاجتماعية ولا يجوز لأي احد أن يتخطاه تحت اي تأويل وتوجيه كما صنع ويصنع الحكام المستبدون تحت ذرايع شتى واذا عجزوا عن فعل ذلك كما في العصر الحاضر راحوا ليتلاعبوا به تزويرا في صناديق الاقتراع ومن المعلوم ان كان النبي الأعظم مكلفا من قبل الله بمشورة الأمة فيما يرجع الى حياتها فكيف لا يكون ذلك واجبا بالنسبة الى الحاكم والوالي لكن أبت الأمة لنفسها بتبع حضارة الاستبداد إلا أن تعيش تابعة لاستبداد الحاكمين ولذا تفشى ذلك طيلة القرون من زمن البعثة ليومنا هذا لقاعدة كيف ما تكونوا يولى عليكم فليس الأمر كما يظن السواد الأعظم من كون الحاكم فقط هو من يتحمل الوزر والتخلف يوم الحساب بل له شركاء كل بحسبه فعالم بكتمان الحق وآخر بتأويله وتفسيره بتبع هوى الحكام وهلمّ جرى فلكل فرد من افراد الأمة نصيب على اختلاف مراتب الناس و تأثيرهم في ضياع شرع الله ومصالح الأمة ولا يستثنى من ذلك إلا ما ندر فالحكمومة الإسلامية من دعائمها الشورى للأخذ بأيدي الناس الى حياة الكرامة لتقرر الأمة ما يخدم مصالحها بوعي ودراية ليطبق العدل لكن بين الأمة وقمم علياء هذه الموازين الرسالية مابين السماء والارض وان رحنااليوم لنتطلع لإشراقة صبح جديد إذا انتفضت الأمة ضد حكامها الجائرين و وعت ما تريد حتى تستعد النفوس لقبول دولة الحق التي وعد الله تعالى بواسطة أنبياءه وكتابه المجيد البشرية بها .
وقد شاور الرسول (ص) الأمة في كثير من المواطن وفي أشدها حساسية وصعوبة كالحرب وعليه فلا يجوز بحكم الشرع والعقل لأي شخص مهما بلغ من العلم ان يفرض رأيه على الآخرين كما صنع ويصنع الحكام وبالأخص المنتسبين الى الاسلام فإن الاستبداد يسوق المجتمع الى الجمود العقلي ويدفع به الى عدم الاحساس فلابد من المشورة في الامور لتشترك العقول والمواهب في كافة ميادين الحياة لبناء مجتمع احسن .
وعليه فلابد من تحكيم روح المشورة في كافة مجالات الحياة ابتداءا بالأسرة لأنها الخلية الأولى لبناء المجتمع إلى أن يصل الأمر الى مرحلة العدالة الاجتماعية حتى يصبح قرار الحياة للأمة حقيقة وما ذاك إلا لأن مصير الأمة هو حق الأمة ولا يجوز لأي انسان ان يستبد فيه .
قال رسول الله (ص) : (إذا كان أمراءكم خياركم و أغنياءكم سمحاءكم وأمركم شورى بينكم فظهر الأرض خير لكم من بطنها واذا كان امراءكم شراركم وأغنياءكم بخلاءكم ولم يكن أمركم شورى بينكم فبطن الارض خير لكم من ظهرها ).
وكلمة شاورهم فعل امر من الله تعالى لنبيه (ص) بأن يبدي لهم رأيه ويأخذ آرائهم وبعد المشورة والوصول الى الامر الراجح لابد من العمل بالراجح بنحو القطع والابتعاد عن التردد والشك في الأمور .
ولم تترك الشورى في حياة الرسول (ص) كما تقدم حتى في اشد مواطن الحياة خطرا على الاسلام والمسلمين كما حدث في غزوة احد وغيرها وذلك لما يُعلم من أن ايجابيات حفظ السنن أولى من تخطيها على الرغم من بعض السلبيات التي قد تحفها لسوء التطبيق او الجهل فإن بالشورى تشترك الأمة في المسؤولية وتحمل النتائج وتنمو القابليات ويبتعد النظام الحاكم عن روح الاستبداد .
ومن المعلوم ان الخطأ ينبه الامة الحيّة إلى منازل الصواب ويبعدها عن مواطن الهزيمة لأن الهزيمة في بعض المجالات قد تبني أواصر القوة بعد مشاهدة الثغرات وطعم مرارة مذاقها وعمق تأثيرها على نفوس الاحرار لا بالنسبة الى الأمة الميتة المستسلمة لحكام الجور ولا بالنسبة الى نفوس الجبناء الذين يألفون حياة الذل والهوان.
وقد عوّد النبي الأكرم الأمة على المشورة حيث أنه لا خلود لنبي أو وصي نبي لتعتاد الأمة لو شائت حياة الكرامة في عصر عدم المعصومين للقيادة السليمة بما فيها من الايجابيات والسلبيات اذا خضعت لقانون العدل والشورى لا كما حدث بعد الرسول الاعظم من النهمة على الحكم حتى راح البعض ليقول ان الامارة لقريش والوزارة للانصار وآخر الى القول بأن الشورى هي لأهل المدينة وثالث الى القول بأنها لأهل الحل والعقد الى ان وصلت الشورى وغيرها من المناهج التي أسسها الاسلام الى مواطن المهازل العقلية كشورى الخليفة الثاني حيث أصرّ على ما أصر عليه الخليفة الاول من أن الشورى لقريش حينما جاء بهذه الاحاديث لابعاد الانصار بلا أي مستند شرعي من آية او رواية فقال الخليفة الثاني مدعيا إن رسول الله (ص) مات وهو راض عن هذه الستة من قريش فجعل كسلفه شرع السلام الذي جاء به نبي الرحمة رحمة للعالمين شرعا قبليا وهؤلاء الستة هم علي وعثمان و طلحة والزبير وعبد الرحمن بن عوف وسعد ابن ابي وقاص ولعله نسي او تناسى ما قاله ابو بكر قبل وفاته حينما جاءه طلحة معترضا على تعيين عمر بلا شورى إنك يا طلحة شرّ هذه الامة فكيف يكون من هو شر هذه الامة هو من مات رسول الله وهو راض عنه ليصبح أحد افراد الشورى الستة ثم قال فقد رأيت ان اجعلها شورى بينهم ليختاروا لانفسهم ثم قال ادعوا لي ابا طلحة الانصاري فدعوه فقال له انظر يا ابا طلحة اذا عدتم من حفرتي فكن في خمسين رجلا من الانصار حاملي سيوفهم فخذ هؤلاء النفر بإمضاء الامر وتعجيله واجمعهم في بيت وقف باصحابك على باب البيت ليتشاوروا ويختاروا واحدا منهم فإن اتفق خمسة وأبى واحد فاضرب عنقه وان اتفق أربعة وابى اثنان فاضرب اعناقهما وان اتفق ثلاثة وخالف ثلاثة فانظر الى الثلاثة التي فيها عبد الرحمن بن عوف فارجع الى ما اتفقوا عليه فإن أصرت الثلاثة الأخرى على خلافها فاضرب اعناقهم وإن مضت ثلاثة أيام ولم يتفقوا على امر فاضرب أعناق الستة جميعا ودع المسلمين يختاروا لانفسهم فأيها الاخ الكريم بمثل هذه المهازل العقلية مرت الامة الاسلامية حينما راح الحكام ليفسروا لهم ويطبقوا شرع الله بتبع اهوائهم وهكذا تلاعب المتلاعبون بمباديء الشرع بتبع الهوى بمرأى ومنظر من الامة وعلمائها حينما ترك الحق في مقابل الباطل والعدل في مقابل الظلم حتى صار المتكلم عن الحق والعدل في أمة محمد رجلا سياسيا خارجا عن الدين وأصبح الساكت عن الحق الذي نعته الرسول (ص) بالشيطان الاخرس مثالا للزهد والتقوى الى أن وصل أمر هذه الأمة في شوراها الضامنة للعدل الى ما وصلت إليه بأن اصبح الحكم بالوراثة وأصبحت البيعة تحت ظلال السيوف ومع هذا كله راحت الامة لتسمى الخلافة شرعية يجب اتباعها وقد لفق لها أصحاب المصالح من وعاظ السلاطين الأحاديث المناسبة حتى قال قائلهم لا يجوز الخروج على الولاة ولو كانوا فسقة ظالمين ونسبوا الى رسول الله (ص) احاديث مضمونها أنه قال اصبروا على اذى الولاة وإن ضربوا ظهوركم وسلبوا أموالكم وأنه أمر بالصبر على جور الولاة والسمع والطاعة لهم وقال آخر ممن ينسب الى العلم في هذه الأمة لا نرى الخروج على أئمتنا ولا ولاة امرنا وان جاروا علينا ولا ندعوا عليهم ولاننزع يدا عن طاعتهم ونرى طاعتهم من طاعة الله عزوجل ولذا نقول إن الشورى التي هي من أسس الشرع لحفظ حقوق الامة يجب أن تراجع بتأمل وامعان كغيرها من الاسس الاخرى ليرى المسلم بنفسه بعد ظلمات الدهور ماهي ادلتها في الكتاب والسنة وما يناسبها من التطبيق بما يتماشى مع كل زمان ومكان لأن موازين الشرع تأويلا وتفسيرا وتطبيقا قد نال منها جور الزمان مانال حتى اصبح بعضها مشوه الوجه لسوء الفهم او لسوء التطبيق مع كونها هي شرع السلام للحياة الكريمة لكنها بقيت في عرش الخيال ولم تلق هذه القيم النبيلة ليومنا هذا على مسرح الواقع ظهورا ولا نأمله من أحد من المدعين على جميع الاصعدة من المنتسبين الى الاديان سنة وشيعة ويهودا ونصارى ولا من غيرهم من المدعين للديمقراطية و حقوق الانسان إلا على يد ذلك الرجل العظيم منقذ البشرية ألا وهو مهدي آل محمد الحجة بن الحسن العسكري عجل الله تعالى فرجه الشريف , جعلنا الله وإياكم من انصاره لتحقيق الحق ومن المستشهدين تحت لوائه انه أكرم الاكرمين .
0 تعليق