سلسلة من المقالات في الغناء اجابة على سؤال عدد من الاخوان حول صحة حرمة الغناء وعدمه
المقالة الاولى
مقدمة في بحث الغناء
الشريعة من حيث المعتقد والحكم الشرعي تنقسم الى قسمين وذلك لأن من المعتقد ما هو من ضروريات الدين الذي لا شبة ولا ريب فيه وكون المنكر له يعتبر منكرا لضرورة تخرجه من شرع الاسلام كمن ينكر الوحدانية لله تعالى او يقول بعبادة غير الله تعالى او لا يُقّر بخاتمية رسالة الرسول الاعظم محمد (ص) او ينكر المعاد والحساب مثلا كما و انه يخرج من المذهب الاثني عشري من لا يعتقد بأن الانبياء يخلفهم اوصياء الرسل ببيان الشريعة و تطبيقها لا الحكام ابناء الدنيا ومن لف حولهم من وعاظ السلاطين كما وان هناك ما هو من المسلمات والضروريات على صعيد الاحكام الشرعية ككون الصلاة واجبة و الخمر محرما و هناك من الامور مالا يعتبر من ضروريات الدين ويمكن ان نعتبر المخالف لها مجتهدا بل حتى المتردد فيها ولو لم يكن مجتهدا لا يمكن ان نعتبره خارجا من الدين او المذهب و ان امكن ان يكون خاطئا او فاسقا ومثل هذه المواطن يكون ثبوتها من باب الاجتهاد لما يفهمه الفقيه من الشرع بتبع ما يراه من الادلة وما يراه من الظهورات بحسب فهمه كالاختلاف الواقع على صعيد كثير من تفاصيل الامور العقدية_العقائدية_حيث يكون الشخص مجتهدا او تابعا لفقيه او يكون الشخص لعدم اعتقاده القطعي بشرعيتها مترددا فيها وقد يدفعه ذلك الى عدم الالتزام بها حتى ولو كان ذلك الامر مخالفا للمشهور او ما يدّعى عليه الاجماع لان الحكم بالخروج من الدين لا يمكن اعتباره الا فيما كان من مسلمات الشرع عقيدة او حكما.
وما نحن بصدد بيان حكمه وهو الغناء من هذا القسم الثاني الذي لا يمكن القول بأن المخالف له خارج عن الدين او المذهب حيث راح ليختلف الاعلام تارة في اصل حرمتها وعدمه بمعنى ان المحرم هل هو الغناء او ما يقارنها من مجالس الفسق والفجور التي كانت تحف الغناء في تلك العصور التي وردت فيها الاخبار من دخول الرجال على النساء وشرب الخمور.
كما وانه وقع الخلاف فيها من حيث السعة والضيق ككون الغناء لا مانع منه في الاعراس او مجالس الافراح وكذا في الحدوِ للإبل مثلا او في المعارك التي تهيج الجيوش للحرب اذا لم يقارن ما هو من المحرمات.
كما وانه وقع الخلاف فيها ايضا من ان المحرم هو نفس الغناء او ما كان منه من القول بالباطل وهل هو مجرد ترجيع الصوت او هو الصوت المطرب بحسب النوع لان الاحكام لا تأتي على الافراد وهل تدخل في الحرمة بناءا على حرمة الغناء المراثي وغيرها مما لا يمكن ان يقال في حقها انها غناء مطرب لأنه مما لا ريب فيه ان المراثي مدعاة للحزن لا للطرب.
واذا كان الغناء قد وقع فيها هذا الاختلاف بين الاعلام بهذه السعة الواسعة فهل تكون مشمولة للامر بالمعروف والنهي عن المنكر الذي لا يجوز الا فيما كان من الواجبات او المحرمات المسلمة لا لما هو مختلف فيه وان كان موافقا للمشهور او ما يدعى فيه الاجماع لأن مثل هذا لا يجعل الحكم حكما ضروريا يستوجب خروج المخالف من الدين او المذهب.
من بعد هذه المقدمة نقول ان الغناء من الامور التي لم تدخل تحت اطار المحرمات المسلمة لمخالفة بعض الاعلام في اصل حرمتها ولاختلاف القائلين بالحرمة انفسهم في سعتها وضيقها و لاختلافهم في الكيفية المحرمة منها وتفسير بعض الروايات او (لهو الحديث) او اللغو بالغناء لا يجعلها من المحرمات المسلمة شرعا بنفسها لوجود ما يخالف هذه الروايات اولا كما وانه قد يستفاد من بعضها ثانية ان الغناء ليس محرما الا فيما اذا اصبح من مصاديق اللهو او من مجالس الفسق والفجور كما وانه قد يستفاد من بعضها انها مدعاة للدخول في المحرم بما يقارنها بحسب العادة من المحرمات و لربما يستفاد من بعض الروايات مجرد مرجوحيتها لكن مجرد المرجوحية لا يدخل الشيء في المحرمات بل يبقى امرها تحت اطار حكم الاجتهاد و بالاخص بعد كون القرآن المجيد على الرغم من كون الغناء ليس من محدثات الايام لم يذكره بالاسم ولم يكن النهي فيها نصا واضحا كما ورد بالنسبة الى الغيبة او غيرها من المحرمات التي كان الردع عنها واضحا ومشددا ومكررا في عدة آيات والمفروض ان يكون امر الغناء كذلك بعد كونها مما هي من موارد الابتلاء منذ القدم وعلى صعيد عالمي فمثل هذه الامور تكون الاحكام بالنسبة اليها مبينة للكيفية او محددة للإطار ولكن ليس معنى ذلك ان نجزم بعدم ما يدل على حرمتها لانه لا يعرف الشرع في مثل هذه الموارد بنحو الجزم الا من كان مخاطبا به او كان وصي نبي كالائمة الهداة عليهم السلام .
فاذن نشير اولا لبعض ما ورد من الاخبار في المقام ومنها ما ورد من ان الغناء من خطوات الشيطان الى قوله عليه السلام بالنسبة الى السامع أنه مغفور له ذلك ان شاءالله مالم يمنعه ذلك من الصلاة وسائر الواجبات وعيادة المرضى وحضور الجنائز حيث يستفاد من ذلك أن الغناء من الأمور التي قد تدفع بالانسان الى أن يصبح في معرض ترك الواجبات وعدم القيام بما وضع على عاتقه بأزاء اخوانه و الانشغال عما أوجب عليه أو رجح له من سائر الافعال الصالحة لأنه قد يصبح الغناء من مصاديق اللهو المحرم اذا صار الانسان مدمنا عليه حتى ولو لم نقل بحرمته في نفسه لان كلما يلهي عن ذكر الله يكون محرما و الخطوات كما هو معلوم هي المقربة للشيء لا نفس الشيء فتكون الحرمة بالنسبة الى ما يؤدي إليه لا في نفس الخطوات لكن لما كان الغناء يؤدي بحسب العادة الى المحرم راح ليسأل الإمام عليه السلام السائل هل هذا السماع من هذا الرجل الى الغناء قد أدى الى المحرم كترك واجب مثلا فلما قال السائل لا قال له الإمام عليه السلام ان شاء الله يغفر الله له ذلك .
وعن أبي جعفر عليه السلام انه قال: ( بيت الغناء لا تؤمن فيه الفجيعة ولا تجاب فيه الدعوة ولا تدخله الملائكة) فصدرهذا الحديث الشريف يحذر المؤمن من المواطن التي قد تكون مدعاة للوقوع في الاخطاء والمحرمات حيث صب فيه الكلام على بيت الغناء الذي هو بحسب المتعارف في ذلك الزمان من مواطن المنكرات حيث يدخل فيه الرجال على النساء وتشرب فيه الخمور فهو من بيوت أهل الفسق والفجور وليس الكلام فيه عن نفس الغناء بما هو واذا كان الأمر كذلك فمن الواضح ان مثل هذا البيوت المعدّة لما لا يرضي الله تعالى لا تستجاب فيها الدعوات ولا تدخلها الملائكة ولذا قال عليه السلام لا تؤمن فيه الفجيعة والمحرم من حيث هو لا يقال في حقه مثل ذلك لأنه محل الفجيعة والحرمة فالكلام هاهنا عن الغناء لا من حيث نفسه بل من حيث العارض والمقارن وهو البيت الذي يعد للهو والفسوق .
وتليها المقالة الثانية ان شاء الله تعالى
0 تعليق