هلا جميع اتباع الديانات آمنون ولا خوف عليهم يوم القيامة؟
سلام عليكم شيخنا ما هو تفسير الايه68 بسورة المائدة(ان الذين ءامنوا والذين هادوا والصبئون والنصرى منءامن بالله……الى آخر الايه
الجواب:
إن هذه الآية الشريفة و هي قوله تعالى : (إن الذين آمنوا و الذين هادوا و الصابئين و النصارى من آمن بالله و اليوم الآخر و عمل صالحا فلهم أجرهم عند ربهم ولا خوف عليهم ولا هم يحزنون)
يجري فيهاعدة إحتمالات:
الإحتمال الأول منها أن يكون المراد من الآية هو الإشارة الى كل من هذه الأديان او الشرايع بلحاظ زمن إعتبارها فأتباع نوح او ابراهيم او يحيى عليهم السلام ناجون ولا خوف عليهم ولا هم يحزنون قبل أن يصبح من اللازم العمل بالشرايع اللاحقة كشريعة موسى عليه السلام و من بعده شريعة عيسى عليهم السلام ثم العمل بشريعة محمد (ص) لأن كل شريعة بعد الإندراس والتحريف و الحاجة الى المزيد تأتي الشريعة اللاحقة لإحياء ما اندرس منها و إكمال ما يستدعيه منهج الكمال في الشرايع السماوية من آدم عليه السلام الى الخاتم لتسير البشرية في تأريخها الطويل من مرحة الى مرحلة كمالية أخرى.
و ثاني المحتملات في المقام هو أن يكون المراد من الآية الشريفة أنه لو عمل كل من اليهود و النصارى و الصابئة بتلك الشرايع السماوية كما جاء بها أصحابها غير محرّفة و غير مكتوم منها الكثير من واقعها بتبع الهوى لأنها في واقعها هي حق لا ريب فيه كما و أنها تسوق الى شريعة محمد لما في تلك الشرايع من التباشير بشريعة آخر الرسل وذلك لأن الدين عند الله تعالى هو الإسلام الذي هو شرع الله القويم من آدم عليه السلام الى الخاتم (ص) و ليس بين القرآن و بقية الشرايع المتقدمة أي خلاف من حيث الأسس و المباديء التوحيدية ومسالك الأعمال الصالحة لأن شرع الله تعالى هو الخير والحسن والكمال ولا يتغير منه إلا ما يكون مرتبطا ببعض خصوصيات الزمان او المكان او ما يكون من مقتضى التدرج في الكمال لأن الأديان كمناهج المدارس بدأت بما يناسب الإنسان البدائي حتى وصلت الى كمالها المطلوب في عهد خاتم الرسل (ص) لكن أنّى لأتباع الشرايع السابقة بعد التحريف و ظلمات الدهور من التمكن من المعتقد السليم و العمل الصالح و إلا لما جائت الشرايع متتابعة يتلو بعضها بعضا لولا التحريف والإندراس و الحاجة الى مزيد من الكمال.
و ثالث المحتملات في المقام هو أن الكلام في هذه الآية الشريفة عما لو تمكن اتباع هذه الديانات من العمل بمقتضى الفطرة و الفضائل النفسانية والبراهين العقلية القطعية التي هي لباب شرايع السماء ولا يكون ذلك الا لمن تمكن من الحياة حرّا بعيدا عن دوافع الأحقاد واللجاج و التقليد الذي هو من سنن البشرية كما تشير الى ذلك الآيات الكثيرة حكاية عن الأمم السابقة ومن ذلك قوله تعالى:(إنا وجدنا آبائنا على أمة و إنا على آثارهم مقتدون) فيكون عمل أتباع هذه الديانات بحسب بما توصل إليه مجتمعهم لقصور عن الوصول الى ما هو الأكمل والأحسن موردا للقبول الإلهي ولأن التقصير في بعض المواطن التي هي ليست من محالّ الإبتلاء بحسب الغالب كثيرا ما يكون مشمولا لواسع الرحمة فالله تعالى يقبل من العامل المريد لوجهه الكريم عمله وبالأخص بالنسبة الى الأمم في الأزمان السابقة التي كان التواصل بينها صعبا وربما وصلت إليها دعوات على هامش الأخبار حملتها إليهم أيد غير سليمة بإسم الإسلام ربما كان الكثير منها مشوها بواسطة من حملها بعد الأنبياء وهم الحكّام الذين هم في الغالب من المنهومين على الزعامات والرئاسات كما هو المشاهد من الحروب التي حدثت بعد رحيل رسول السلام محمد (ص) بإسم الجهاد ونشر الإسلام بالسيف وعدم إتمام البيان و الحجة التامة على الناس.
فمحمد (ص) وهو صاحب الرسالة الغيور عليها يصبر على قريش اكثر من واحد وعشرين سنة ثم يقبل إسلامهم بلا استرقاق و الجيوش المنتسبة الى الإسلام تعطي الأمم ثلاثة أيام و المخاطب هم القادة بلا أن تعرف الشعوب أي شيء من الشرع الجديد ثم تأمر بالهجوم لتسترق الشعوب و تفتح أبواب الرقيق ولذا نقول قد يقبل الله تعالى من أتباع الديانات السابقة عملهم إن لم يكونوا معاندين وقد بلغتهم الدعوة بسلامها لا بعنفها وسيفها لأن من المؤسف أن ما وصل الى الأمم بعد رحيل الرسول محمد (ص) من الدعوة الى الإسلام ما كان إلا عنفا للهيمنة على الشعوب بعد إنقلاب الأمة الإسلامة نفسها على الأعقاب بعد رحيل نبيها الأعظم (ص) .
رابع المحتملات في المقام أن يقال أن الآية الشريفة لعلها تريد الإشارة الى أن أي احد إذا تمكن أن يأتي بواقع قيم رسالات السماء لأن المدار عليها لا على المسميات يكون له أجره ولا خوف عليه فعلى الإنسان أن يسعى سعيه لتحقيق هذه القيم ولكن لرب منتسب الى الإسلام ليس بمسلم وهكذا الأمر بالنسبة الى بعض المنتسبين الى الديانات الأخرى كما و أن الآية لم تبين بنفسها المسلك الذي به تتحق هذه القيم الرفيعة علما و عملا و إنما تقول من آمن بالله و اليوم الآخر وعمل صالحا وعليه فيكون من اللازم بحكم العقل البحث والسعي للوصول الى معرفة هذه القيم و العمل بمقتضاها كما و أنه من المستحيل أن يدعي شخص أن جميع هذه المسالك المنتسبة الى نوح أو يحيى أو موسى او عيسى عليهم السلام مما تحقق هذه القيم العليا بعد كونها مختلفة في نفسها وكذا مع ما جاء به محمد (ص) إلا بما لها من المقاسم المشتركة العامة وكيف يمكن القول بحقانيتها جميعا وهي بين قول بثالوث_أي ان الله ثالث ثلاثة_ و قول بتوحيد محض وبين مبيح للخمر ومحرم إياه وهكذا في كثير من الأمور الأخرى وكذا كيف يكون القول بمنهج يدعو الى القول بشعب الله المختار و القول بأن اكرمكم عند الله أتقاكم وهكذا كيف يمكن الإدعاء بأنها جميعا هي من مناهج الحق في حين كونها مختلفة فيما بينها في حين ان الدين عند الله الإسلام وهو نهج الله الواحد وصراطه المستقيم الذي شرعه لخلقه منذ بعث آدم عليه السلام الى زمن الخاتم محمد (ص).
خامس المحتملات في المقام كما أشار إليه بعض المفسرين ومنهم السيد الطباطبائي صاحب الميزان بأن الآية في مقام بيان أن لا عبرة بالأسماء و الألقاب بل الملاك و المدار على الإيمان و العمل الصالح و تكرار الإيمان ثانية في الآية الشريفة المراد منه الإتصاف بحقيقته كما يعطيه ظاهر السياق فهو يفيد أن المراد بالذين آمنوا في صدر الآية هم المتصفون بالإيمان ظاهرا و محصّل المعنى أن التسمي بالمؤمنين واليهود والنصارى والصابئين لا يوجب عند الله أجرا لأحد و لا أمنا من عذاب و إنما الملاك هو حقيقة الإيمان لأن المدار على العبودية لله لا على هذه الأسماء و إن الآية المتقدمة على هذه الآية وهي قوله تعالى : (قل يا أهل الكتاب لستم على شيء حتى تقيموا التوراة و الإنجيل وما أنزيل إليكم من ربكم وليزيدن كثيرا منهم ما أنزل إليك من ربك طغيانا و كفرا فلا تأسى على القوم الكافرين)تفسر الآية التي من بعدها فيصبح المعنى أن أهل الكتاب لو أقاموا التوراة والإنجيل لكانوا على حق لأن في إقامتهما الكثير من الصواب لأنهما بلا شك لولا التحريف و التفسير بتبع الهوى يسوقان الى الحق و الى الإسلام لأن الدين عند الله هو الإسلام الذي بدأ به آدم عليه السلام.
ومن بعد ما تقدم من الإشارة الى بعض المحتملات بالنسبة الى الآية الشريفة لابد من نظرة إجمالية لسورة المائدة التي وردت فيها هذه الآية فالسورة تشير الى نقض بني إسرائيل العهود و تحريفهم للكلم عن مواضعه كما وأنها تشير الى نسيان النصارى حظا مما ذكروا به الى قولهم (إن الله هو المسيح بن مريح)ثم تتعرض الآيات قائلة(يا أيها الرسول لا يحزنك الذين يسارعون في الكفر من الذين قالوا آمنا بافواههم ولم تؤمن قلوبهم) وهؤلاء هم فريق من المدعين للإسلام و المنتسبين إليه ثم يخاطب الله تعالى نبيه (ص) قائلا إن جائك أحد من اليهود لتحكم له (فاحكم بينهم بالقسط) ثم يقول تعالى : (وكيف يحكمونك وعندهم التوراة فيها حكم الله) ثم يقول : (وليحكم أهل الإنجيل بما أنزل الله فيه) ثم يتعرض الله تعالى للغاية التي من أجلها فتح المجال للصراع بين البشرية قائلا (ولو شاء الله لجعلكم أمة واحدة) أي أنه فتح الأبواب لإختبار البشرية قاطبة بما فيهم المسلمون وأن الإنتساب الى اليهودية او النصرانية او الإسلام لا يغني من الحق شيئا مالم يتصف الشخص بمسالك العبودية واقعا ولذا يتعرض الله تعالى ثانية الى المنتسبين الى الإسلام قائلا (يا أيها الذين آمنوا من يرتد منكم عن دينه فسوف يأتي الله بقوم يحبهم و يحبونه أذلة على المؤمنين أعزة على الكافرين يجاهدون في سبيل الله ولا يخافون لومة لائم ذلك فضل الله يؤتيه من يشاء و الله واسع عليم) ثم يخاطب اليهود والنصارى قائلا :( ولو أنهم أقاموا التوراة و الإنجيل وما أنزل إليهم من ربهم لأكلوا من فوقهم و من تحت أرجلهم منهم أمة مقتصدة وكثير منهم ساء ما يعملون) ثم يخاطب الرسول محمداً (ص) قائلا بالنسبة الى أمته (يا أيها الرسول بلغ ما انزل إليك من ربك و إن لم تفعل فما بلغت رسالته و الله يعصمك من الناس إن الله لا يهدي القوم الكافرين) مشيرا بذلك الى إنحراف متعمق داخل الهيكل الإسلامي يعصف بالإسلام والمسلمين ويهدد حياة الرسول نفسه بالخطر العظيم لولا حفظ الله تعالى وهو صاحب الرسالة التي ينتسب إليها هؤلاء المسلمون تمهيدا لأمر هام وهو أن الإنحراف عام في جميع الأمم و أن الإنتساب الى كل من موسى و عيسى و محمد عليهم أفضل الصلاة والسلام لم يحقق رشدا لأحد ما لم تكن أعماق النفوس خاضعة بواقع العبودية الى الله تعالى ثم يقول تعالى : ( قل يا أهل الكتاب لستم على شيء حتى تقيموا التوراة والإنجيل و ما أنزل إليكم من ربكم وليزيدن كثيرا منهم ما أنزل إليك من ربك طغيانا و كفرا فلا تأس على القوم الكافرين) ثم تأتي الآية التي نحن بصدد بيانها لتقول : (إن الذين آمنوا و الذين هادوا و الصابئين والنصارى من آمن بالله و اليوم الآخر و عمل صالحا فلا خوف عليهم ولا هم يحزنون) ثم يلفت تعالى نظر المسلمين في هذه السورة المباركة الى سبل الهداية بعد أن حذرهم من الخطر الذي يعصف بهم و بالإسلام وبنبي السلام (إنما وليكم الله و رسوله والذين آمنوا الذين يقيمون الصلاة ويؤتون الزكاة وهم راكعون) راسما لهم سبيل النجاة بعد رحيل نبي السلام حتى لا يصابوا بما أصيبت به الأمم السابقة من الإنحراف لو شاؤوا الرشاد مبينا بأن سبيله و النجاة إنما يكون بمن هو مصداق لهذه الآية الشريفة وهو الإمام علي عليه السلام ملفتا نظر الأمة الى أن باوصياء الأنبياء لا بالحكام يكون معرفة الحق والعمل به.
ومن بعد هذه النظرة الإجمالية لسورة المائدة نقول إنه من أجل أن يبنى البحث على أصوله العلمية لابد من ملاحظة أمر وهو أن الآيات الشريفة يفسر بعضها بعضا ومن لاحظ آية بمعزل عن بقية الآيات في جميع القرآن المجيد قد يقع في الخطأ والخلط وعدم الصواب بل نقول أكثر من ذلك ان الأمر يستدعي فضاءاً أكثر اتساعا و ذلك لأن السنة النبوية الشريفة بإتفاق المسلمين هي الشارح لكتاب الله تعالى فلا يجوز الحكم والبت على أمر بمجرد ملاحظة آية بمفادها الظاهري في الكتاب المجيد وبالأخص بعد قول رسول الله (ص) في حق المسلمين أنفسهم فضلا عن اليهود والنصارى و إنحرافهم عن منهج أنبيائهم : (إن إمتي ستفترق الى ثلاثة و سبعين فرقة الناجية منها واحدة والباقون في النار) لأن السنن الإلهية القائمة على وجه الأرض لإختبار البشرية واحدة منذ خلق الله تعالى آدم عليه السلام الى أن تقوم الساعة فكيف بعد كل هذا يمكن أن يدعي أن القرآن يعطي صك أمان لكل من اليهود والنصارى والصابئة وهم مختلفون في مناهجهم حتى أتباع الشريعة الواحدة منهم فيما بينهم في حين أن الحق واحد لا تعدد فيه وهو صراط الله المستقيم الذي جاء به آدم عليه السلام وختمه بكماله محمد (ص) بل نقول أكثر من ذلك إن الفرقة الناجية نفسها لمجرد العنوان لا ينجو جميع أفرادها و إنما النجاة بتلك القيم وهي واقع العبودية في أبعادها علما و عملا و عندها فلا يخلص من الخلق بحسب واقع العدل الإلهي إلا نوادر من البشر هم أتباع الأنبياء حقا و يبقى الباقون ولو كانوا من الموحدين تحت ظل رحمة الله تعالى الواسعة يغفر لمن يشاء ويعذب من يشاء على إختلاف مراتبهم قربا وبعدا من الله تعالى وهو أرحم الراحمين و أعرف بحال عباده المذنبين.
و إن المتأمل في سورة المائدة يجد الأمر جليا واضحا حيث تشير السورة الى نقض بني إسرائيل العهود وتحريفهم للكلم عن مواضعه و نسيان النصارى حظا مما ذكروا به و تجازوهم الحدود في الإنحراف عن مناهج الربوبية و مسالك الالوهية التي ساقتهم الى القول : ( إن الله هو المسيح بن مريم )ثم تشير الآيات في نفس السورة قائلة (يا أيها الرسول لا يحزنك الذين يسارعون في الكفر من الذين قالوا آمنا بأفواهم ولم تؤمن قلوبهم ) وهؤلاء هم فريق من المدعين للإسلام ثم تشير آيات السورة أيضا الى حال اليهود والنصارى كما تقدم و تلفت النظر الى أنه كيف يأتونك وكيف يحكمونك و عندهم التوراة فيها حكم الله ثم تشير الآيات : (وليحكم أهل الإنجيل بما أنزل فيه ) ثم تتعرض الى المسلمين أنفسهم كما تقدم كل ذلك للإشارة الى أن أهل الحق والملتزمين به من جميع الأديان من القلائل من البشر و ان ما اصيبت به الأمم السابقة من الانحراف يصيب المسلمين أيضا كما قال الرسول(ص) : (لتتبعن سنن من كان قبلكم شبرا بشبر و ذراعا بذراع ولو أنهم دخلوا جحر ضب لدخلتم فيه )وما حدث بالسقيفة بعد الرسول من النهمة على الحكم و ما سارت به الحكام بهذه الأمة و تسمية الأمة لكثير من الطواغيب باسم أمير المؤمنين لأكبر شاهد على مخالفة منهج الحق و إنحراف أمة محمد أيضا كسائر الأمم.
و من المؤسف أيضا أن المنتسبين الى مذهب أهل البيت عليهم السلام قد راح السواد الأعظم منهم ينازع أبناء العامة بانه لمن الحق بعد رحيل الرسول و نسي هو نفسه الحق في أبعاد المعارف و العدل فلا تكلم عن حق في ميادين المعرفة ولا في ميادين العدل للوقوف مع المظلوم ضد الظالم إلا من النوادر حتى راح ليعتبر البعض هذه الأبعاد أنها ليست من شأن المؤمنين ورجال الدين هذا هو واقع ما عليه الأمم بما فيهم المسلمون شيعة وسنة .
فنقول من بعد ما وصل بنا البحث الى هاهنا أنه كيف يمكن القول بأمان لا خوف ولا حزن يشوبه بالنسبة لليهود والنصارى والصابئة و صاحب الشريعة نفسه محمد (ص) لم يعط أمانا لإثنين و سبعين فرقة من أمته بل قال في حقهم أنهم في النار و الفرقة الواحدة الناجية نفسها أيضا لا يكفيها مجرد الإنتساب لشرع الله و الإعتقاد بالحق فلا يخلص منها إلا من كان مثالا للعلم والعمل الصالح و ما ذاك إلا لأن مجرد الإنتساب إلى شرايع السماء و الأنبياء والأولياء لا يكفي أحدا و لا يكون مؤمّنا يوم الحساب لأن المناط والمدار إنما هو على واقع العبودية بأبعاد العلم في ميادين الربوبية والعمل الصالح ولا ريب أن الإنسان بما هو إنسان لو كان قادرا من بلوغ مراتب العلم النافع في مدارج الكمال و تشخيص مصاديق العمل الصالح بنفسه في جميع الميادين لما كان محتاجا لبعثة الأنبياء و متابعة أوصيائهم الذين بهم حفظة الشرايع من الزيادة والنقصان.
فبحكم العقل و سلامة الفطرة يعلم الإنسان لو تجرد عن النزعات الطائفية و الميول القومية و تمكن من التخلص من قيود الجاهلية حتى ولو تلبست بلباس العلم والحضارات و عاش ذل العبودية بعيدا عن خيلاء كبر الشياطين أنه لا يمكن القول بصحة جميع هذه المسالك سواء في ذلك الإسلامية منها او اليهودية والنصرانية وغيرها لإختلافها في كثير من الأصول والفروع و إن وجدت المقاسم المشتركة فيما بينها هذا أولا وأما ثانيا فمن المعلوم أن المدار لسعادة الإنسان إنما هو الإيمان بالله و اليوم الآخر والعمل الصالح لا بالمسميات و مجرد الإنتساب إلى عظماء الخلق من الأنبياء الكرام.
فالآية محل البحث تلفت نظر الإنسان إلى ما به السعادة علما وعملا ولكنها بنفسها لم تحدد معالم الإيمان الصحيح و النهج السليم للعمل الصالح وعليه فيصبح تشخيص هذه المعالم علما و عملا محتاجا إلى جهاد النفس في سبيل الله تعالى حتى يعرف السالك سبل ربه مسالك السلام التي تأخذ به الى برّ الأمان لأن الآية و إن كانت صريحة بإناطة السعادة بالإيمان بالله و اليوم الآخر و العمل الصالح لكنها لم تبين محققات هذه الأمور و بعد إختلاف المناهج الداعية الى التوحيد و الجزم بأن الحق واحد و مبدأ الحق واحد أيضا وهو الله تعالى نعرف أن جميعها لا يمكن أن تؤدي إلى بر الأمان و لابد أن يكون التمكن من الإيمان بالله و العمل الصالح محتاجا الى مرشد وهاد يوصل الإنسانية إليه.
هذا كله لو عامل الله تعالى عباده بميزان عدله حيث لا ينجو عندها إلا المقربون و عباد الله المخلصون ولكن الذي يهوّن الخطب على البشرية أن الإنحراف عن مسالك الرشاد بعد الأنبياء الكرام لم يكن وصمة عار فقط في جبين أتباع الأنبياء السابقين بل هو أمر عام راح ليعم أتباع الأنبياء جميعا من آدم الى الخاتم عليهم السلام كما أشارت إلى ذلك العديد من الآيات و الروايات و منها قوله تعالى : (وما محمد إلا رسول قد خلت من قبله الرسول أفإن مات او قتل إنقلبتم على أعقابكم) وما تقدم من قول الرسول من إفتراق أمته الى ثلاثة وسبعين فرقة وما ورد أيضا عنه : (لتتبعن سنن من كان قبلكم شبرا بشبر و ذراعا بذراع) فهذه هي سنن الأولين التي أتبعهم عليها الآخرون وهو تعالى العالم بعباده ووساوس الشياطين وما هم عليه من الضعف في ميادين الحكمة العلمية والعملية و إلا فلو أخذهم بمر الحق و العدل لما نجى في كل قرن من ملايين البشر إلا النوادر من المخلصين.
إذن كون الإنسان بحكم العدل الإلهي يستحق دخول النار و أنه سوف يسأل عن كل صغيرة وكبيرة و أنه لم أضاع الحياة في متاهات ظلمات الدنيا للتهاون في الدين ليس معناه أنه تعالى سيدخله النار حتما ولو أدخله النار سوف يخلده فيها لأن الله تعالى يوم الحساب بعد أن يكشف للناس منازلهم بحسب ما يستحقونه علما وعملا يعاملهم بواسع رحمته التي وسعت كل شيء ليصبح عدم السير في مدارج الكمال حسرات في قلوب العالمين من الجنة والإنس أجمعين ثم يكون الخلود في النيرات للمعاندين الذين غضب الله عليهم من رؤساء المنقلبين على الأعقاب الذين غيروا شرايع السماء بعد الأنبياء وقادة الإلحاد الذين ضلوا و أضلوا عباد الله لظلمات الكبر والعناد.
و أما سائر الخلق و بالأخص الموحدين منهم من المسلمين وغيرهم من اليهود والنصارى و الصابئة فلا يضيع الله تعالى عمل عامل من ذكر او انثى ولو كان مثقال ذرة و لا يكون المفسد والمصلح و الصادق والكاذب عند الله تعالى في ميزان سواء فالصادق من الموحدين من اليهود والنصارى و الصابئة وغيرهم مسلم في صدقه و خير من الكاذب من المسلمين لأنه من الكافرين في كذبه و كذا بالنسبة الى كل فضيلة وعمل صالح لأن الإنسان جزاء عمله من خير او شر يدور مدار القيم لرسالات السماء بعد الإقرار بالتوحيد و عدم العناد لا على الأسماء والألقاب و قد يدخل الله تعالى الجنة بواسع رحمته قلبا عطوفا رحم حيوانا راجيا عطف ربه كما و أنه قد يدخل النار بعض الجفاة من المسلمين لقساوة قلب إنتزعت منه الرحمة حتى بالنسبة الى الأبناء والبنات فكم من منتسب للإسلام راح ليضحي ببنته يسلبها حق الحياة و لولم يدفنها حية لحضارات جاهلية ليومنا هذا.
وفي الختام أقول إن الله تعالى في واسع رحمته التي وسعت كل شيء أوسع من ضيق أذهاننا بالنسبة الى عباده المذنبين داعيا إياه أن يعاملنا بلطفة وعطفه وكرمه لا بعدله و السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
0 تعليق