هل القول بلزوم جعل الاوصياء بعد الانبياء من خواص مذهب الشيعة ؟
الجواب:
قبل التعرض للادلة الشرعية لابد من الالتفات الى امر هام في المقام وهو أن الادلة الشرعية في جميع مواطن ادراك العقل انما تكون ارشادية لا مولوية ومن باب فذكر لا من باب التأسيس لأمر ولذا نقول ان جميع الادلة الواردة في الكتاب والسنة على اثبات التوحيد والصانع انما هي ارشاد وتأكيد لما ادركه العقل لكل عاقل ذي فطرة سليمة و من عرف الله تعالى بموازين العقل برهانا وسلامة الفطرة وجدانا عرف بذلك لزوم بعثة الانبياء و لا يعقل ان يعرف احد في العالمين التوحيد معرفة حقة ولم يتوصل بفطرته وعقله الى لزوم بعثة الانبياء من قبل الله تعالى ومن لم يدرك ذلك فالمشكلة انما هي في سلامة فطرته وعقله وحقيقة معرفته للتوحيد بما له من ابعاد في مرتبة الذات والصفات, فعليه ان يعود الى بعد معارفه في التوحيد ان كان سليم العقل والفطرة وكذلك اقول من عرف بسلامة فطرته وعقله لزوم بعثة الانبياء لهداية البشر لقصور و تقصير البشر في شهود الحقائق تفصيلا و في مواطن التطبيق عملا جزم جزما لا ريب فيه انه لابد بعد الرسل الكرام الذين بعثهم الله تعالى مبشرين ومنذرين من وجود اوصياء للرسل يحفظون الشرائع من تحريف المحرفين ومن الزيادة والنقصان و من تأثير الاجتهادات سواء كانت لقصور في الفهم او لدوافع الرغبات والشهوات التي لا يتردد متردد قرأ التأريخ وساير الامم ان الكثير من مناهج الشرايع تتصادم مع رغبات الحكام وعليه فلابد من تفسيرها و تأويلها بتبع الهوى بواسطة وعاظ السلاطين و ما اكثر العلماء المنحرفين المتزلفين الى الحكام المتملقين لهم الذين عاشوا على طول التأريخ البشري ويعيشون على حساب الاديان والامم وكم من عالم ساقه هواه او ضعف دينه ان يكتم الحق ولهؤلاء ايضا القسط الوافر من فتح المجال لتحريف شرايع السماء.
ولذا اقول ان لزوم جعل الاوصياء من قبل الله تعالى بعد الرسل لشرح رسالات السماء وتطبيقها تطبيقا سليما حتى تصبح حضارة و ثقافة للامم امر لازم لا ريب فيه ولذا جعل تعالى بعد جميع الانبياء اوصياء لفترة من الزمن كما صنع بالنسبة الى رسول الله (ص) حيث جعل من بعده اثني عشر نقيبا ومن تردد في جعل الانبياء بحسب عقله او فطرته ولم يفهم ذلك بواسطة ما جاء من الادلة الشرعية كتابا وسنة فالمشكلة ليست في فهمه للنبوة و اوصياء الرسل بل انما هي في التوحيد اي انه لم يفهم التوحيد كما ينبغي ولذا راح بعض هؤلاء الخاطئون في ابعاد التوحيد بأن يقول قائلهم ان الله يُرى يوم القيامة وهو شاب امرد او انه ثالث ثلاثة وغير ذلك من كلام لا يبتني الا على سوء فهم هؤلاء للتوحيد ولذا حصل لهؤلاء عدم الفهم بالتبع للنبوة والامامة وراحوا ليروا في وجه الفسقة والمجرمين والجبابرة مظاهر الحق وسموهم بأمراء المؤمنين .
واما ثانيا فإن كتب المسلمين سنة وشيعة مملوءة بالادلة القاطعة التي لا يتردد فيها متردد الا من سولت له نفسه ان بعد جميع الانبياء اوصياء من آدم عليه السلام الى عيسى عليه السلام ولم ينكر حتى ابناء العامة والجماعة اوصياء الرسل بعد هؤلاء الانبياء الكرام و من شك فعليه ان يرجع الى كتب القوم في التفسير وكتب الحديث وكذلك كتب التأريخ والسير وعليه فلا يصبح انكارهم بالنسبة الى وجود الاوصياء التي هي سنة الهية اقروا بها بالنسبة الى جميع الانبياء من آدم الى عيسى عليهما السلام الا عنادا بتبع الهوى كما هو شأن اكثر علمائهم وحكامهم او هو من باب الجهل كما هو شأن اكثر عوامهم على طول التأريخ حيث انهم للتهاون بالدين يريدون معرفته من الرجال و اصحاب المطامع والاهواء من العلماء والحكام ومن اكتسب دينه من الرجال ضاع في ظلمات الليال .
وإليكم نص بعض ما جاء في هذا المقام كنموذج للحق وعلى طالب الحق ان يبحث عن ذلك بنفسه ان كان يظن انه ملاق ربه بعيدا عن روح العناد واللجاج ونحن انما نبين الحق لإقامة الحجة ولبراءة الذمة لانفسنا فقط ليوم الحساب و إلا فلا نستجدي من احد من ابناء العامة ان يدخل الى التشيع ولو كان الحق بكثرة العدد لكان البوذيون احق بالحق من كل احد .
فإذن نقول ان المستفاد من جميع المستندات في المقام هو ما اتفق عليه جميع المسلمين بان هبة الله وهو شيث عليه السلام وصي آدم عليه السلام و في الحديث انه لما انقضت نبوة ادم عليه السلام واستكملت ايامه اوصى الله تعالى اليه بان يا آدم قد قضيت نبوتك فاجعل العلم الذي عندك و الإيمان و الإسم الاعظم وميراث العلم وآثار علم النبوة في العقب من ذريتك عند هبة الله ابنك فإني لم اقطع العلم والايمان والاسم الاعظم واثار علم النبوة في العقب من ذريتك الى يوم القيامة ولن ادع الارض الا وفيها عالم يعرف به ديني و تعرف به طاعتي ويكون نجاة لمن يولد بينك وبين نوح.
وفي حديث عن أم هاني بنت ابي طالب رضي الله عنه عن رسول الله (ص) : (ان الله جعل لكل نبي وصيا , فشيث وصي آدم عليه السلام و شمعون وصي عيسى عليهما السلام وعلي وصيي ).
ومن المعلوم لدى الجميع ان هارون عليه السلام كان وصي موسى عليه السلام ثم بعد وفاته كان الوصي يوشع ابن نون ومن بعده شبر وشبير ابنا هارون .
وفي هذا المقام يراجع كتاب الامامة والتبصرة لابن بابويه فقد ذكر فيه الاوصياء في باب تحت عنوان الوصية من لدن آدم عليه السلام الى امير المؤمنين عليه السلام.
وعقد الشيخ الصدوق بابا في الفقيه تحت عنوان الوصية من لدن آدم عليه السلام ذكر فيه عدة احاديث وجعل في اكمال الدين بابا تحت عنوان اتصال الوصية من لدن آدم (ع) وان الارض لا تخلو من حجة لله عز وجل على خلقه الى يوم القيامة.
وذكر العلامة المجلسي في الباب الثامن من كتاب الإمامة من بحار الانوار وعنوانه باب اتصال الوصية ذكر الاوصياء من لدن آدم (ع) الى آخر الدهر .
وكتب الاحاديث في ذلك سواء عن أبناء العامة والجماعة او الشيعة لا تعد ولا تحصى بحيث لا يبقى لاحد اي شك في ان سنة الله تعالى في الرسل ان من بعدهم اوصياء يشرحون للناس رسالات السماء الى فترة من الزمن ولو شاء الناس تطبيقها لطبقوها لهم حتى لا تصاب الرسالات بتحريف المحرفين وتاويل المأولين واجتهادات المجتهدين ليصبح الانحراف بعد ذلك عن الشرايع بقصد بتبع الهوى وحب الدنيا لا للجهل لتكون لله تعالى على الناس الحجة البالغة .
وأما كتب السير والتاريخ
فهي ايضا مملوءة بذلك ولا ينكر ذلك الا جاحد اصيب قلبه بمرض اللجاج والعناد واختار لنفسه العيش مع ائمة الضلال دنيا وآخرة بدلا من متابعة الحق .
فمن تلك الكتب ما جاء عن ابن سعد فقد ذكر اتصال الوصية من آدم عليه السلام الى نوح في رواية ابن عباس فقد جاء فيها اولا ذكر شيث ابن آدم عليه السلام وهو هبة الله وان شيثا اوصى الى انوش وانوش الى قينان و قينان الى مهاليل ومهاليل الى يرذ ويرذ الى أخنوخ وهو ادريس عليه السلام وادريس اوصى الى ولده متوشلخ ومتوشلخ لمك ومك اوصى لولده نوح عليه السلام .
اليعقوبي:
فقد ذكر الاوصياء بالتفصيل منذ آدم عليه السلام الى الحواريين اوصياء عيسى عليه السلام.
واما الطبري فكذلك ذكر الاوصياء للانبياء .
واما المسعودي فقد ذكر اسماء الاوصياء ايضا من آدم الى سام وصي نوح و افرد كتابا بعنوان الوصية اثبت فيه الوصية منذ آدم عليه السلام الى النبي محمد (ص) الى زمن الامام المنتظر(عج).
واما الرازي فقد اشار ايضا الى ان وصي موسى كان يوشع ابن نون في تفسيره لسورة المائدة .
واما ابن كثير فقد ذكر وفاة آدم عليه السلام وان وصيه ولده شيث .
وعن الزهري انه لما حضر يوشع الوفاة استخلف كالب ابن يوفنى .
وقال الشهرستاني ذكر اليهود في وصية موسى عليه السلام وقال قالوا كان موسى عليه السلام افضى باسرار التوراة والالواح الى يوشع ابن نون وصيه و فتاه و القائم بأمره من بعده ليوفضي بها الى اولاد هارون .
واما ابن الجوزي فقد ذكر اسماء الاوصياء منذ آدم عليه السلام الى متوشلخ وصي ادريس عليه السلام .
وهناك روايات عدة عن الامام الصادق عليه السلام يذكر فيها اوصياء الانبياء الى القائم عليه السلام وكذا ذكر الثعلبي وصية آدم عليه السلام الى ولده شيث وابن عبد الرب المالكي ذكر وصية آدم عليه السلام .
فما ذكرناه هاهنا ليس الا قطرة من بحر لإلفات نظر الغافلين حتى يراجعوا بانفسهم ومن لم يخف من ربه لنفسه وخلاصها يوم الحساب ويتبع المصادر بنفسه لو جئنا إليه بجميع النصوص لاوّلها وتلاعب بها وهذا شأن المعاندين الذين لا يصلحهم الا السيف في دار الدنيا وغضب الله تعالى ونيرانه يوم الحساب و إلا فكيف يجيز لنفسه عاقل مؤمن بربه ويوم الجزاء ان يقول ان المراد من الحديث المتفق عليه بين ابناء العامة والشيعة وهو (من مات ولم يعرف امام زمانه مات ميتة جاهلية) وفيهم كما تعلمون حكام زماننا الذين لا يتردد متردد في فسقهم وظلمهم وجورهم ومن المعلوم ان من مضى من الذين سماهم ابناء العامة والجماعة بامراء المؤمنين جلهم كانوا اقبح من حكام زماننا الذين قد يتوقفون عن بعض الجرائم خوف الفضيحة والضجة لان الدنيا اصبحت قرية و اولئك الحكام كانوا لقوة سلطانهم وخفاء جرائهم لا يتوقفون عند حد و كان لهم من الاشقياء من وعاظ السلاطين و قضاة السوء من يوجّه امرهم و يضلل الأمة لهم .
ومما لا يبقي لطلاب الحق أي شبهة في مسألة لزوم الاوصياء بعد الانبياء كثرة الانبياء وقلة أولي العزم منهم فإن قلنا بأن أولي العزم من الرسل خمسة فمعناه ان بقية الانبياء كانوا تبعا لهؤلاء في المنهج مبينين وشارحين ومطبقين لرسالات هؤلاء الانبياء العظام كما يشهد لذلك قوله تعالى (وآمن له لوط ) أي لابراهيم عليه السلام مع ما ان لوطا عليه السلام كان نبيا من الانبياء وهكذا هو حال اكثر الرسل من بعد موسى (ع) فإنهم كانوا أوصياء له وشراحا لرسالته وهكذا من كان من بعد آدم الى عيسى عليهما السلام .
وان كل من يدعي أن جميع الانبياء الذين كان عددهم 124 ألف نبيا او اكثر من ذلك بكثير كما نعتقد بأنهم جميعا كانوا اصحاب كتب مستقلة لا يرتبط بعضها ببعض وانهم جميعا كانوا كأولي العزم من الرسل فإنه يغالط نفسه ويكابر الحق الذي لا ريب فيه حيث ان الأنبياء انما كانوا تبعا لأولي العزم من الرسل ولا كلام لنا مع المعاندين الذين يريدون انكار الواضحات لتصحيح ما قام به المنقلبون على الاعقاب في السقيفة ولو دخلوا النار عنادا مع الداخلين.
وبالجملة مما لا ريب فيه لمن تأمل بعقل سليم ان اكثر الانبياء انما كانوا اوصياء لأولي العزم من الرسل ولا ربط لهؤلاء الانبياء الكرام بمن تسلط على رقاب البشرية من الحكام و وعاظ السلاطين باسم الدين على طول التأريخ سواء بعد آدم عليه السلام او نوح او ابراهيم او موسى او عيسى عليهم السلام وهكذا كانت سنن أبناء الدنيا بعد نبي السلام محمد (ص) فمن تسلط منهم باسم الدين انما كان من الحكام اصحاب المطامع و اكبر دليل على ذلك انه لم يحدثنا التاريخ يوما من الايام ان دول الحق والعدل أقيمت بعد نوح او ابراهيم او موسى او عيسى عليهم السلام بل عاش اوصيائهم الاضطهاد و اصبح يصول ويجول باسم الشرايع من بعدهم اصحاب المطامع من الحكام و وعاظ السلاطين وقد قال رسول الله (ص) بالنسبة الى أمته التائهة الضائعة :(لتتبعن سنن من كان قبلكم شبرا بشبر او ذراعا بذراع ….الى آخر الحديث).
ومما يبطل مدعى ابناء العامة والجماعة القائلين بعدم وجود اوصياء لنبي الاسلام محمد (ص) بعد اقرارهم بوجود اوصياء لجميع الرسل المتقدمين هو ما وقع بالفعل من الاختلاف علما و عملا بعد وفاة الرسول (ص) من يوم السقيفة و الرسول بعد لم يدفن و اختلاف الانصار مع حزب المؤامرة القرشية برئاسة ابي بكر وعمر في السقيفة لأكبر شاهد على ذلك ولولا ان ابابكر حرّك في الانصار روح القبلية واحقاد الجاهلية التي كانت بين الاوس والخزرج لما تمكّن من قبض ازمة الامور ولوقعت الفتنة وسفكت فيها الدماء ورسول الله بعد لم يدفن ومنهج ابي بكر وعمر في استدلالهما للوصول الى الكراسي المبتني على اسس القبلية لخير دليل لمن كان طالبا للحق.
ومن تردد في وقوع الاختلافات بين الصحابة في جميع ميادين العلم والعمل عليه ان يراجع التاريخ من زمن وفاة الرسول (ص) الى انتهاء زمن الصحابة ليرى كم من اختلاف وقع بينهم ساق الأمة الى حروب وتمزق فضلا عما كان من الاختلاف على صعيد فهم الشريعة في ميادين العلم وتطبيقها على صعيد الحكم وبيان احكامها الشرعية وقول القائل ان ذلك لا يضر بمقام الصحابة لانه من باب الاجتهاد و كلهم عدول متقون ماقصدوا إلا خدمة الشرع فإن مثل هذا التوجيه لا يجدي نفعا في ميادين صيانة الشريعة من التحريف و وصولها مشوهة للأجيال حتى ولو فرضنا ان هذا مجدٍ لاثبات عدم فسق هؤلاء وعدم ضلالتهم.
واما الادلة على ثبوت اوصياء النبي محمد (ص) فكتب ابناء العامة والجماعة فضلا عن كتب الشيعة مليئة بذلك والآيات قبل ذلك أدل دليل فمن كان يخاف يوم الحساب عليه ان يراجع تلك المصادر بنفسه فإنها اليوم متوفرة لأي طالب حق في المكاتب العامة كما وانها موجودة على المواقع والقنوات المختلفة بعيدا عن مقاص قطع الرقاب السلفية والوهابية وحكام الجور الذين حكموا المسلمين باسم الاسلام وأما من لا يريد المعرفة و الوصول الى الحق اما عنادا او تهاونا بالدين حيث انه لم يجعل و لو ساعة واحدة كل يوم او كل اسبوع لمعرفة الحقائق ومتابعة المصادر بعد قرائتها بزكاة نفس بعيدة عن الاحقاد الطائفية فانه انما يضر نفسه كما وانه من اراد ان توصله الرجال للحق فهو يقاد كالاعمى فيكفيه قول رسول الله (ص) حيث قال : (الحق لا يعرف بالرجال) , فما ضل اليهود والنصارى ومن كان قبلهم من الامم الا لمتابعة احبارهم ورهبانهم حين عبدوهم من دون الله اي اطاعوهم بعماء و ذلك لاحد امرين اما للجهل و التهاون بالدين او للعناد كما قلنا وهذه هي سنة الاولين التي اتبعهم عليها الآخرون فأقول لهذه الأمة التي تنسب نفسها لنبي الهدى محمد (ص) كفى جهلا متابعة الرجال اصحاب المصالح اكثر من الف واربعة سنة من بعد هجرة الرسول الاعظم ولعل الظهور لولي الله الاعظم قريب وعندها يخسر المبطلون في الدنيا قبل الآخرة والسلام على من اتبع الهدى .
0 تعليق