بسم الله الرحمن الرحيم
السلام عليکم و رحمه الله و برکاته
قد ورد في جوابکم علي سوال مصطفي تقولون فيه [ فإن وجدتم ما تنطبق عليه الروايات ومن يكون مجسدا بقدر ما لسيرة الرسول وأهل بيته الكرام وأتباعهم كأبي ذر الذين هم منار الحق وسبل إقامة العدل فقلدوه ومن المعلوم أنه لا تخلوا الأرض من الأبرار ولا يجوز مع وجود هكذا علماء البقاء بلا تقليد وإلا فارجعوا الى من شئتم من علمائنا الأبرار الماضين وسلوا من تثقون بدينه عما يحدث لكم من الحوادث او المسائل الدينية وفقكم الله تعالى لمعرفة دينه والعمل به والاستقامة على الطريق والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته ] ، هل يجوز تقليد الميت ابتداء ؟
و شکراً
الجواب :
إن العلماء في زمن الغيبة نواب الأئمة الأطهار عليهم السلام والنائب يخلف المنوب عنه للهداية نحو الرشاد علما ليخرج الناس من الظلمات الى النور وعملا بالإستقامة على الصراط المستقيم مجسدا بذلك سيرة الأنبياء والأئمة عليهم السلام وما كان عليه رجال الله كأبي ذر ومالك الأشتر ليكون أسوة وراسما للشرع في أقواله وأفعاله تقتدي به الناس وترى به سيرة الأولياء ولذا قد ورد عن الحجة (عج) في الغيبة الصغرى : (وأما الحوادث الواقعة فإرجعوا فيها الى رواة حديثنا…..) ومن الواضح أن الحوادث ليست مجرد حكم شرعي يبين فيه الحلال والحرام بل هي رجوع الأمة الى علمائها في منعطفات الحياة لمعرفة ما يجب إتخاذه لتصبح السيرة العطرة للمعصومين عليهم السلام متجلية في أقوال وأفعال علماء الدين كمنهج حياة للأمة لتخرج بذلك من ظلمات الجهل وذل الإستسلام و الضياع في كل ما تحتاجه في مطاوي الحياة ,أضف الى ذلك ما للعلماء من أثر بالغ في سلوكهم إن كان يحكي سلوك الأولياء حيث يقول الإمام علي عليه السلام :(قد أخذ الله على العلماء ألا يقاروا على كظة ظالم ولا سغب مظلوم) ليصبح العالم لسان صدق للحق والدعوة الى العدل إلى جانب المظلومين ضد الظالمين حتى لا تعتاد الأمة حياة الخنوع والذل بإسم الزهد والصبر والتقوى وليس الدين كما تعلمون مجرد أحكام على صعيد الطهارة والنجاسة وبيان بعض أحكام الصلاة بل الدين منهاج الحياة المحتاج دائما في مجالاته المختلفة إلى رجال أقوياء يشرحون الكتاب بما يريد الله تعالى ويبينون سنة رسول الله (ص) على جميع الأصعدة ويجسدون سيرة الهداة من الأئمة المعصومين بعيدين عن طلب الزعامات والرئاسات متخذين منهجا وسطا بين حب الدنيا وطلب الزعامة والإنزواء والعزلة وإن تلبس ذلك بلباس الصديقين والزهاد وقد اشترطت الروايات في العلماء شروطا حيث قد ورد :(فأما من كان من العلماء صائنا لنفسه حافظا لدينه مخالفا على هواه_مخالفا لهواه_ مطيعا لأمر مولاه فللعوام أن يقلدوه) وهاهنا بعد تحقق الشروط المذكورة في الحديث في رجل الدين التي مع كل الأسف راح الناس في أغلب موارد التقليد ليغضوا عنها الطرف مكتفين بمجرد العلم فإنه يبدو ان وراء مكانة العلم التي لا تميتها الأيام والقرون حيث أن العلماء باقون ما بقي الدهر لكن لا ننسى أن لحسن السلوك المجسد لسيرة الأولياء من الانبياء والأئمة الطاهرين وصدق الكلام والعزم على منهج الكرامة الأثر البالغ في إحياء النفوس وإخراج الأمة من الجهل وغفلة السبات وكل ذلك لا يمكن ان يستفاد من مجرد الآثار العلمية للعلماء بل يحتاج لشهود تربية وثبات وإرشادات كأن يصبح العالم كأب للمجتمع يربي الأجيال ليسترشد به الناس في حوادث الدهور حيث تحتاج الأمة دائما إلى من تهتدي به لتعرف ما يجب فعله في كل موطن من مواطن الحياة حتى ولو لم يكن العالم حاكما بيده مقاليد الأمور ولذا أبقى الله تعالى الأوصياء بعد الأنبياء رساما لمناهج الحياة ليعرف الناس بهم ما هو السبيل لحياة الكرامة والعلم وليصبح العلماء من بعدهم رسام طريقهم بسيرتهم في الأمم على صعيد الشريعة مطلقا حقا في مقابل باطل وعدلا في مقابل ظلم لحياة كريمة يصبح فيها العالم سند الأمة و كل ذلك يحتاج الى قيادة تأخذ بالأمة الى الرشاد لم تتجزأ بها الشريعة لتصبح شريعة خاصة ضيقة الدائرة لا تتكلم إلا عن طهارة ونجاسة و بعض الأحكام ولذا أقول لا يجوز الرجوع إبتداءا للعلماء الماضين مادام يوجد من يقود الأمة الى حياة العلم والنور والعدل والكرامة بما يناسب الزمن لكي لا تعيش الأمة الجهل والذل والظلم فمثل هؤلاء العلماء العظماء هم خلفاء النبيين والأئمة المعصومين عليهم السلام حقا وأما من كان منهم لا يعيش حياة الأمة بعد كون دين الإسلام دين الحياة ولا يريد من الناس إلا أن تدفع له الحق الشرعي ويسألونه فقط عن بعض الأحكام التي لا تمس بحياة ظالم ولا تدعو الى يقظة من سبات فإن الرجوع الى علمائنا الأبرار الماضين خير من موت الدين على أيدي أمثال هؤلاء العلماء الذين يعيشون بمعزل عن واقع حياة الأمة وعن بيان شرع الله والأمة تعاني ما تعاني من الظلم والإضطهاد والجهل وسيتضح لك أيها السائل الكريم جليّا إذا عشت حياة الرسول والأئمة والأنبياء والأبرار كأبي ذر ومالك الأشتر وغيرهم من المتقين فإن اولئك لو كانوا في مدارسهم يعيشون بيان طهارة ونجاسة لما تضايق من وجودهم الحكام الظالمون بل لإفتخروا بوجودهم ولقال قائلهم للناس إنظروا الى هؤلاء الزهاد لكن الظالمين يعلمون أن بحياة الأنبياء والأئمة حياة الحق والعدل وأن بها موت الجهل والظلم وهو ذلك المستنقع الذي يعيش فيه الحكام الظالمون وأتباعهم من العلماء الماكرين و هؤلاء يعلمون ان لا حياة لهم مع حياة اولئك العظماء .
وفي الختام أقول يجب التأمل بكل دقة وإمعان الى ما ورد عن الحجة المنتظر (عج) وما أشرت إليه من الحديث :(وأما الحوادث الواقعة فإرجعوا فيها الى رواة حديثنا……) حيث أن الحوادث هي ما تعيشه الأمة وراء بيان الأحكام الشرعية على صعيد خاص كالطهارة والنجاسة , هدانا الله وإياكم الى الصواب ورحم الله أباك رحمة الابرار والسلام عليكم رحمة الله وبركاته .
0 تعليق