آخر الأخبار

Generic selectors
Exact matches only
....بحث
Search in content
Post Type Selectors

محاضرات مختارة

تهنئة لحلول شهر رمضان المبارك

الصفحة الرئيسية » تفسير القرآن الكريم » تفسير القرآن الكريم (المحاضرات الكتابية) » المحاضرة الرابعة تفصيل آخر في الرحمن والرحيم

 المحاضرة الرابعة

تفصيل آخر في الرحمن والرحيم

(الرحمن):

أشار تعالى بواسطة كلمة الرحمن إلى الرحمة المطلقة الإلهية التي وسعت كل شيء وهي ظهور الذات في تجليها في مرتبة الأحدية وهو أول ظهور للحق تعالى المعبر عنه بالوجود الظلي الواحد البسيط الصادر من الواحد تعالى الذي به طرد العدم عن هيكل عالم الإمكان وهو وجهه تعالى الذي لا هلاك له إن فسرنا الوجه بالفعل لا بالصفات و لا مانع من أن يكون وجها فعليا بأزاء ما يمكن ان يكون وجها لله تعالى بلحاظ صفاته فهي وجوه يشرق بها على هياكل الممكنات يُعرف بها معرفة تكوينية او علمية على اختلاف مراتب المدركين و إن كانت الرحمة بما هي صفة إلهية ترجع الى الذات لا إلى الفعل و تسمى بالفيض الأقدس في مقابل الفعل المسمى بالفيض المقدس فمن شاهد الرحمة الفعلية كانت له آية للأخذ به لشهود الرحمة الذاتية و إن الرحمة التي وسعت كل شيء قد يُعبر عنها أيضا بالوجود المنبسط او النفس الرحماني وكل ما كان وجودا كان نورا وخيرا و لو افترضنا شرا في موطن من المواطن فإنما يكون شرا بالعرض لا بالذات لأنه تعالى أحسن كل شيء خلقه ولكن هذه الرحمة المطلقة إنما هي لحاظ الفيض قبل التعيّن أي قبل أن تصبح الممكنات بحسب قابلياتها في عالم النور او العقل او المثال او المادة متعينة تعينا خاصا وإن هذه الرحمة المطلقة البسيطة التابعة للمشيئة الإلهية هي الصادر الأول الذي لا يُعقل أن يفترض في حقه شرط او يُفرض لوجوده مانع لأن ما يفترض أنه محتاج الى تحقق الأسباب و المعدات والمأهلات و ارتفاع الموانع انما هو من شأن عالم المادة لا ما كان وجودا ظليا طرد به الله تعالى العدم عن ساحة الإمكان ولا ماكان مجرد إمكانه كاف لتحققه بفيض وحكمة العزيز القدير كعالم المجردات.

ولما كان هذا الفيض متعلقا بالمبدأ تعالى اللامتناهي وجودا وهو كذلك متحرك نحو المبدأ اللامتناهي سيرا تكامليا كان بهذا اللحاظ لأنه الرشحة الاولى لا مزيد يفترض فيه من حيث أصل التحقق لأنه ظهور وحدة الذات الإلهية التي هي محض الجود بما لها من الفيض فهو و إن كان على قدر صفحة عالم الإمكان بلحاظ الرشحة الأولى إلا أنه من حيث مسيرة الكمال بما لأفراده من التعينات هو قابل للمزيد والتكامل بلحاظ مبدأه اللامتناهي وغايته اللامتناهية ولذا لا يُعقل توقف الكمال و العروج الى المبدأ تعالى فمسيرة الكمال للممكنات لا تتوقف عند أي عالم من العوالم بعد هذه النشأة فلذا نقول إن الجنان ستتبدل الى جنان أخرى وهلمّ جرى الى مالانهاية له وكذا ستكون السماوات والارضين غير هذه السماوات والأرضين وغيرها أيضا سيتبدل ويتغير الى مالانهاية له وكذلك يكون عروج المدركات من الكائنات إنسا و جنا وملائكة بما لا وقفة فيه وسيكون التطلع الى الأفق المبين تحت الصُقع الإلهي أكثر إتساعا واشد سرعة في العوالم الأخرى وكلما ازداد القرب وانتهت حجب الظلمات لعالم المادة وكانت الحجب نورانية كما هو شأن العوالم الأعلى سيكون الممكن أكثر فأكثر إتساعا و عروجا ويكون العطاء من جانب المبدأ أعظم في ميادين عالم النور تسبيحا وتقديسا في بحور المحبة حيث طرب العشاق في المحضر الربوبي وهيامهم في شهود تعاكس المرائي في بحور الأسماء الحسنى ولذا قال تعالى مشيرا الى هذا الكمال غير المتناهي بحسب كل عالم من عالم المادة ومجراتها الى عالم المثال والعقل والنور بقوله :(والسماء بنيناها بأيد وإنا لموسعون) فإذن بلحاظ التجلي الأول لا مزيد لأنه الوجود المنبسط على هياكل الممكنات الذي به طرد العدم عن عالم الامكان وانما يكون المزيد والسعة اللامتناهية بعد التعيّن بحسب كل موجود بما يستحقه بمقتضى الحكمة والسبع والسبعون المشار إليها من السموات والارضين وغيرها بما يعود الى العوالم كلها لا بقيد عالم المادة هي اللانهايات من حيث المبدأ والغاية المشار إليها بـ (إنا لله وإنا إليه راجعون) أو من حيث القابلية للانهاية والمزيد كما هو شأن الأعداد القابلة لذلك.

وبالجملة لو لوحظ الحق تعالى من حيث الذات والصفات لحكم العقل بحركة جوهرية لجميع الكائنات بلا استثناء لتعلقها بمبدأ وغاية غير متناهية سواء كانت من عالم المادة او المثال او العقل او النور وإن لوحظ الشرع فهو كذلك من حيث الدلالات من تبدل السموات والارضين ومن العدد المشار إليه بالسبع وهو القبول للازدياد اللامتناهي كما هو شان الأعداد القابلة لذلك كما وانه قد أشار تعالى لذلك قائلا :(قل لو كان البحر مدادا لكلمات ربي لنفد البحر قبل ان تنفد كلمات ربي ولو جئنا بمثله مدادا) الكهف 109, إذن الرحمن صفة ذات تشير الى مشيئة بها تحققت الرحمة المطلقة الفعلية الواحدة المنبسطة على جميع هياكل الممكنات المعبر عنها بالفيض المقدس الذي طرد العدم عن ساحة الإمكان قبل التعين ثم كان تعينا بحسب مراتب عالم الامكان قربا وبعدا وبساطة وتركيبا وكمالا فوق جميع المراتب جميعا بواسطة الكلمات التامات الإلهية التي بها جوامع الكلم وهي الانسان الكامل على اختلاف مراتبه الجامع لشتات عالم الامكان وهو اسم الله الأعظم الفعلي صاحب الولاية المطلقة تكوينا وتشريعا الذي علّم الملائكة الاسماء جميعا ولم يتعلم منها على الرغم من مقامها الرفيع وسجدت له و لم يسجد لها وعلى رأس الجميع ظهور الوحدة الجامعة للأسماء وهي الحقيقة المحمدية التي هي قرآن عالم الامكان في مقام ظهور الأحدية وهي فرقان هذا العالم في مرتبة الواحدية والكثرة الأسمائية الإلهية فهو الإمام المبين.

(الرحيم):

وهو المفيض للرحمة المعنوية الخاصة وهو كما تقدم على وزن فعيل صفة مشبهة تدل على الدوام والثبات وترجع الى اللطف الإلهي بحال عباده المتقين برفع الموانع عنهم وتحقيق الاسباب والمعدات والمأهلات لهم بتبع سعة العقل وخلوص النية وطهر النفس والاستقامة على الطريق بهدى إمام مبين ومن هذه النعم الرحيمية أيضا الإلهام على نفوس الاولياء في مقابل من كانوا لضعف نفوسهم او لحجبهم الظلمانية محلا لوساوس الشياطين وان شهود اولياء الله تعالى الذين لا تخلو الأرض منهم وقد كان الخضرعليه السلام مثالا لهؤلاء وكذلك هو الحجة المنتظر (عج) الذين هم قوام الأرض لإصلاحها باطنا فإنه أيضا من الرحمة الرحيمية لمن كان أهلا لشهودهم لكن من يدعي الشهود كاذب ومن يشاهد لا يدعي حيث قال (عج) : (ألا ومن ادعى رؤيتي بعد غيبتي هذه فكذبوه) فالمشاهد الزكي الطاهر يشاهد لعظيم مقامه ولا يريدها كمالا بأعين العامة من الناس والمدعي للشهود يريدها مكانة اجتماعية وكسبا بشريا فهو دجال كاذب ومن هذه الرحمة التي هي بحال المتقين الوحي وانما يكون على أهله لمقامهم ولإحيائهم الآخرين ومن ذلك نزول الملائكة وتحقق المعارج المعنوية او المعنوية والمادية معا كما كانت للرسول الاعظم (ص) حيث أن القرب المعنوي اكثر سعة لأن الانسان الجامع لشتات عالم الامكان يصبح مظهرا للأسماء والصفات الإلهية ومن أحاط بالعالم الاعلى كانت محيطا بالأدنى بلا ريب.

وليس الاختلاف في الجود رحمانية ورحيمية من قبل الجواد الكريم بل إنما هو لوجود المانع من قبل القابل إذا تحققت الحجب بين العبد وربه او يكون لقصور ذاتي يرجع لحكمة وعلم أزلي يرتبط بالقضاء والقدر الإلهي الذي هو كما تشير الروايات بحر عميق نهينا نهيا إرشاديا عن الخوض فيه لأنه يرجع الى المشيئة الالهية والعلم والحكمة التي هي فوق إدراكات المدركين إلا من خصه الله تعالى بشيء من ذلك كما نهينا أيضا قبل ذلك عن التفكر في ذات الله تعالى ارشادا لعدم امكان احاطة المحدود باللامحدود.

والرحمة لغة كما تقدم وإن كانت من رحم رحمة اي رقّ له وشفق عليه وهي رقة القلب المفضية للإحسان وهي بحسب الممكن حالة انفعالية وتأثر خاص يلمّ بالقلب عند مشاهدة شيء او احتياج إلا أن هذا المعنى بحسب التحليل العقلي هاهنا لا يناسب الحق تعالى بل يرجع الى الاعطاء والافاضة لرفع الحاجة وبهذا المعنى يتصف به تعالى فإذن هو من الفعل لا الانفعال هاهنا كما وان علمه تعالى فعلي وليس بانفعالي والحمد لله رب العالمين.

 

0 تعليق

إرسال تعليق

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

آخر الأخبار

المحاضرة السابعة عشر تفسير قوله تعالى : (الذين يؤمنون بالغيب)

المحاضرة السابعة عشر تفسير قوله تعالى : (الذين يؤمنون بالغيب) من بعد ما تكلم الله تعالى عن المتقين جاء ليبن خصائصهم حتى يُعرف بسيماهم لدى من عرف الحق لا بألقاب قد تُفدى للرجال لزخارف الأقدار كحكم قد يهب طاغية عنوان أمير المؤمنين ومكرا قد يهب دجالا صفة الأولياء...

المحاضرة الخامسة عشر تفسير : (ذلك الكتاب لا ريب فيه)

المحاضرة الخامسة عشر تفسير : (ذلك الكتاب لا ريب فيه) كلمة ذلك يؤتى بها للإشارة الى البعيد في حين أن الكتاب المجيد بأيدي الناس ينظرون إليه ويشاهدونه فكيف يؤتى للقريب بما هو من شأن البعيد؟ فنقول إن ذلك واضح لدى أهل الأدب والمعرفة حيث أن المراد بالإشارة للبعيد في المقام...

المحاضرة الرابعة عشر بداية عرض الأخبار الأمرة بالعرض على الكتاب المجيد ثم تفسير (ألم)

المحاضرة الرابعة عشر بداية عرض الأخبار الأمرة بالعرض على الكتاب المجيد ثم تفسير (ألم) سورة البقرة مدنية كلها إلا آية واحدة كما قيل. قبل الدخول في تفسير سورة البقرة لا بأس بذكر الأحاديث الآمرة بلزوم العرض على كتاب الله تعالى ليعرف القاريء الكريم أن الأساس في كل شيء هو...

المحاضرة الرابعة عشر تفسير قوله تعالى : غير المغضوب عليهم ولا الضالين

المحاضرة الرابعة عشر تفسير قوله تعالى : غير المغضوب عليهم ولا الضالين من بعد أن طلب العبد المؤمن من ربه أن يوفقه ليصبح من الذين أنعم الله عليهم أرشده تعالى الى أن يدعو أيضا بألا يصبح من المغضوب عليهم ولا الضالين إما من باب التأكيد أو لأن العبد قد يظن نفسه من الذين...

أسئلة عقائدية

تابعنا على صفحاتنا