قصيدة لسماحة الأستاذ الشيخ محمد كاظم الخاقاني
يا نهر كارون
ترنو إليك بوهج الواله المُقَلُ —- كارون يا عذب ماء كأسه ثملُ
قد عِشتُكَ العمرَ في ليل النَّوى سَهراً —- صبّاً تغازلني من طيفك المثـُلُ
إن بتّ عنك بَعيدَ الدّارِ مُغترباً —- ففي ربوعك منّي الروحُ تنتقلُ
تبقى كطير غرام في ربوع هوىً —- رغم الليالي التي قد لفّها الأجلُ
إن أبعدت كفُّ غدرٍ عنك لي قَدَماً —- فليس يبعد عنك الفكرُ والغزلُ
على ضفافك مني الروح ساهرةٌ —- حتى وإن ضربت أستارها الحيلُ
إن يمنعوا ركب عشاق الهوى وطناً —- فلن تنال صدى أنغامه الدّولُ
فالشعب أطولُ عمراً من شِقى ظلمٍ —- وإن تطاول طيش واعتلا دَغلُ
يا نهر كارون قم كاللّيث منتفضا—- يحمي حماه وإن طافت به العِللُ
- لا تُشمتنَّ عدوا بات مرتقباً —- نعي المنايا وما قد خطّه الهَبلُ
قل لي فما بال نخلٍ منه قد مُنعت —- حتى المياهُ شقاءً أيها الأملُ
واشرح لظى القلب أسفارا لذي شغفٍ —- همساً مخافة أن يشمت بنا العذلُ
إني أعيش صباباتِ الهوى ألماً—- على البلاد التي أزرى بها الدّجلُ
فأصبحت لغوايات الردى غرضاً —- يحدو بها حيثما يحدو به الزللُ
أضحت خرابا تعيش البؤس رافعةً —- لله طرفاً ومنها العينُ تنهملُ
منها المواهبُ للأهواء قد نُهبت —- والربع ذا هو من بعد الهنا طللُ
أفنَت مَعَالِمَه الغرَّاء جائرَةً —- كفُّ الشقاوة لا الأحقاب والحِوَلُ
وغيّرت منه حتى الإسمَ ساخرةً —- من كل حقٍ أقرّت أُسَّه الرسلُ
فأصبح الشَعبُ في أكواخه نكداً —- كأنّه قد جنى ما ليس يُحتملُ
يشكو إلى الله في أسحاره حِمَماً —- في جنبها الموت من أجل العلا عسلُ
كأنما الناس في أوطاننا سَمَلٌ —- حيث الشعوب برأس الحكم تُختزلُ
فهاك وصفاً إذا ما شئت معرفةً —- لمن يقال له في شرقِنا البطلُ
من فيه قد قيل تمّت كلُ موهبة —- فذا هو الحُسن والإخلاص والنبُلُ
وذا هو البدر ليلاَ والشموس ضحىً —- والعدلُ والعلمُ والأوطانُ والمللُ
من صار للطّهر في آفاقه علماً —- وكعبةً بفناها تسجدُ المقَلُ
إلا عيون رمى أشفارَها رمدٌ —- أو صدّها عن علاها للشقى حَوَلُ
فذا همُ الناس في أعتابه زُمَرٌ —- كأنهم من لظى أشواقهم قُبَلُ
فذلك الطودُ في سوح الوغى أسدٌ —- وفي لهيب قفارٍ للورى جَمَلُ
وفي المحاريب في ليل الوصالِ جُوىً —- وسيلُ دمع إذا ما بات يبتهلُ
يسامر العرشَ منهُ الطرفُ مبتسماً —- حيث الفناءُ لقربٍ شأنهُ جللُ
قبضا وبسطا تجلّى في مواطنه —- من فوق سبعٍ فلا عَجزٌ ولا كسلُ
ماذا يقال وفي كف الدنا قِصرٌ —- عن قامةٍ هي في علياءها قُللُ
كذا هو القول فيمن يُدَّعى شططاً —- من أنه الحقُ والإحسان والسبلُ
يكاد للجهل أن يدعى بلا خجلٍ —- من أنه مَن له الأكوان تنتقلُ
لو لا معارف توحيدٍ أقرّ بها —- لواقع الحق عقلٌ قيل ذا هُبَلُ
وأنه من له الأسماءُ قاطبةً —- بما لدى الحق من شأن هو الأزلُ
وأنه من له في ذرها اعترفت —- برقِّ ذاتٍ طباعٌ مِلأُها زللُ
لكي تكون بدنيا الجهل خاضعةً —- لِمَن هو الآي والإشراق والأملُ
كم صنَّمت لغوايات الهوى أممٌ —- بعضَ الرّجالِ فيا لله ما العَمَلُ
حكام غاباتِ وحشٍ فعلهم شررٌ —- وجَهلهم ليس تروي طيشه الجُمَلُ
آهٍ على أمة المختار كم لعِبت —- بقدس أسفارها في ليلها النُصُلُ
فَمزّقت كلَّما قد كان من عِظَم —- يهدي لرشد به قد جاءت الرُّسُلُ
فأينَ منّ يدعي الإسلام من قِممٍ —- هي المكارمُ والإحسانُ والنبلُ
0 تعليق