آخر الأخبار

Generic selectors
Exact matches only
....بحث
Search in content
Post Type Selectors

محاضرات مختارة

تهنئة لحلول شهر رمضان المبارك

الصفحة الرئيسية » الحقيقة الضائعة » قسم الحقيقة الضائعة » الســــــــــــــــياســــــــــــــة

الســــــــــــــــياســــــــــــــة

        لعن الله السياسة يا أخي العزيز فكم حذرني منها أبي وقال:ابتعد عنها ابتعادك عن الاسد الجائع فإنها من شباك الشياطين وسلالم أبناء الدنيا الماكرين.

        وخوفتني منها أمي قبل ذلك وأنا بعد لم ابلغ الحلم قائلة:إن وجدت أهل السياسة في شارع فاسلك شارعا آخر وان وجدتهم في الأزقة فاجلس في البيت وإن دخلوا عليك البيت فتعامى أو تظاهر بالخبل والبله حتى ييأسوا منك ويبتعدوا عن طريقك يا بني.

        هكذا نصح عبدالسلام صديقه احمد وهما يتحدثان تحت شجرة يتسامران ليلهما تسامر الأحبة بعد فراق بينهما تجاوز اكثر من عقدين من الزمن, فر خلالهما احمد الى خارج البلاد خوفا على نفسه من سطوة جبار أثيم أهلك النسل والحرث تحت غطاء شعارات العصر الخلابة الذهبية المغرية الفارغة المنشئة بحسب الطلب المتغيرة تغير الرياح تبعا لمصدر انطلاقها غربا وشرقا ولو استدعى ذلك استخدام ذبذبات تبث ما يحتاجه الحدث من مكامن صرف الشيوعية او جفاف قسوة كهوف بعض المتزمتين في مدارسهم الدينية.

        أجل عاش احمد مأساة المهجر يبحث عن مأمن ولو من وراء البحور يستنشق فيه نسيم الحرية ولو بعيدا عن الأهل والأوطان عندما يكون الخيار بين الموت والغربة وكأن لسان حاله يردد ما أنشده فارس بني حمدان:

    وقال أصيحابي الفرار او الردى        فقلت هما أمران أحلاهما مر

        ثم التفت احمد الى صديقه فقال:جزاك الله خير جزاء الناصحين ولكن قل لي ما هو مصدر ما توصل إليه ابواك , هل هو ميزان شرع او إلهام عقل ام كان ذلك نتاج خبرة حياة غذياك عصارة لبابها.

        فنظر عبد السلام الى صاحبة مبتسما ثم قال: بلحن الساخر المتستغرب كأنما الغربة منحتك يا عزيزي الجديد من التعبير و المفهوم, فدفعت بك للترنم بما ليس معهودا منك وأنت تعرف أمي وأبي,فأين هما من مثل هذه التعابير بل إنما هي ارشادات الزاهد الورع إمام مسجد قريتنا الشيخ حمدان حفظه الله تعالى وأدام ظله على رؤوس أهل قريتنا التي طالما استنارت ببركات علومه وحفظت بواسط ارشاداته من خطر الجبارين والماكرين.

        فقال احمد:جزاك الله يا اخي جزاء المحسنين, قد ذكرتني بمولانا الشيخ الذي طالما صلينا خلفه وتعلمنا على يده الكثير من معالم ديننا, فان احيانا الله عزوجل فأحب ان أزوره لأجدد معه ذكريات الماضي التي عشت الكثير منها ليالي المهجر بما تحمل من مرارة او أنس عالم جديد تعلمنا منه الكثير على الرغم من جوانبه السلبية, فهاهي الدنيا بما تحمل في طياتها لساكنيها من خير او شر.

        فقاما وتودعا ليكون المسجد غدا محل تلاقيهما مجتمعين في محضر الشيخ حمدان الأب الروحي لأيام الصبا فبات احمد ليلته يتقلب يمينا وشمالا يسامر أنجم السماء شوقا للقاء شيخه في مسجد هو جزء من حياته و كيان وجوده اكتسب فيه الكثير من معالم دينه وحضارته حينما كانت تملى عليه المفاهيم بعيدا عن مواطن الجدل والخلاف و مسالك الأفاق المتعددة المتصارعة في عالمه الجديد حيث اصبح المسلم منها متسائلا عنه فضلا عن مواطن النقاش ومحاور الإجتهاد.

        وما أن بزغت الشمس حتى اعد نفسه للقاء شيخه ومعلمه القديم  متذكرا كيف كان يأخذه ابوه الى الصلاة في بدايات الأمر الى المسجد ونفسه بعد تتوق للعب مع الصبيان وربما صلى بعض السنين مكرها مع الجمع يلتقط الانفاس عادّا لثواني اللحظات احقابا من الزمن, فسبق شيخه وزميله عبد السلام إلى قاعة المسجد يطالع فيه كل شيء مجددا بذلك سجلا من الذكريات في أرضه وسمائه ومحرابه وجدرانه على الرغم من واسع التغيير والترميم الذي طرأ على ذلك المسجد.

        ولما طال به المقام أملا قدومهما قبل الموعد المعهود عمد الى العبادة حتى وجد المكان يضج بكثرة الوافدين للصلاة ويغص بقوام الرجال, فإعتزل عندها الناس جانبا كالغرباء يمعن في وجوه القوم وهم يمعنون في وجهه كأن الجميع يسترق النظرات شأنه شأن كل غريب قادم الى قرية قد نسته الأيام فأنكرته الجدران والأبواب واستوحشت منه البواري والحصران فوجد نفسه في بلاده يتسأل عنه كل شيء حتى أبناء قريته التي قضى فيها شطرا من حياته يألفهم ويألفونه ويستوحش لفراقهم ويستوحشون لفراقه.

        وعندها لمس ما كان عارفا وأذعن بما كان سامعا فعاش عزلة في أعماق الضمير على الرغم من تدافع حشد القادمين حوله, فوجد كيف تبلي الأيام ما كان جديدا وتستنكر ما كان مألوفا ولا تستذوق ما كان شهيا ولا تطرب لما كان نغما تتمايل لحسن ألحانه في ليالي الأنس مقاديم الرجال وتهتز له الريم في مراتع الأمال فأنسته دهشة البلى معلم الصبا وصديق العمر, فراح يبحر في الدنيا ومعالم وهمها وجديد عهد منها أبلى ما كان بالأمس قائما, تعانقه همسات النسيم وتشتم شذاه أنفاس القادم والمقيم وتضمه الى صدرها بعد نظرات الشوق أكف النواعم الناعسات في منازل الوجد والنعيم.

        فبينما هو غارق في بحور افكاره تلقي به الأمواج تارة الى شواطيء الأمان وأخرى الى وسط أعماق هي مهابط الظلمات , إذ به يخرج من دوامة هواجس دهشته لصوت صديقه عبد السلام وهو يناديه:احمد يا احمد, كأنك غائب وإن حضر في المسجد منك تمثالك يلاطفه برقيق الكلمات, فانتبه احمد بعد غفلة كمستيقظ من نوم عميق حجبه حتى عن غاية نفسه التي جاء من أجلها فضلا عن تزاحم أقدام الرجال الى جانبيه.

        فانتقض قائما وهو يقول: أنا هاهنا, أنا ها هنا, فقد كنت منذ فترة من النهار بانتظارك يا عزيزي لكنك تأخرت, فاحسست بوحدة ساقتني الى الوحشة على الرغم من كثرة الأخوة المؤمنين حولي فقال له عبد السلام بعد السلام وقد بدت عليه العجلة قم يا اخي فهاهو الشيخ حمدان يدخل المسجد للصلاة لنسلم عليه قبل ذلك فتقدما يشقان صفوف المزدحمين للصلاة لتقديم التحية والسلام على شيخهما الأب الروحي وقد وجد احمد شيخه بعد توالي الحدثان ومرارة الأحزان شيخا كبيرا اعتصر الشيب معالم جماله ليفضي عليه معالم الهيبة والوقار في كل حركاته وسكناته.

        فحيّاه عبد السلام تحية الإسلام محفوفة بأدب الأبناء مقبلاً يده ثم بشّره بعودة أحمد من المهجر إلى البلاد فاستبشر بذلك الشيخ بشارة لمس منها أحمد في أعماق قلبه بهجة وسرورا.

        ثم تقدم أحمد وكله وله واشتياق، فصافح شيخه الغالي محييا إياه تحية إمتزج فيها الكثير من معالم بقايا حضارة الماضي وأدب وحضارة الحاضر التي عاشها في ديار الغربة وهو واثق من نفسه أنه ما زال يعيش حضارة أبناء قومه لم يختلف عنهم إلا بما تحلى به من واسع تجارب الحياة.

        ثم التحق بصفوف المصلين تعلوه الثقة بالنفس، فهو يجدد عهدا يستعيد من خلاله ذكريات الماضي وأيام الطفولة والصبا وقد أحس بعد ما عرفه وحياه إمام المسجد إنه أصبح ليس غريبا على حشد المصلين فهو منهم وهم منه.

        وبعد ما أتم الصلاة جماعة عرّفه زميله لجمع المصلين فحيوه وسرّوا بعودته إلى مسقط رأسه وهو يظن أنه يفهمهم ويفهمونه.

        فأخذ بعد ذلك يكثر الدخول والخروج إلى المسجد، يجالس شيخه ويطرح عليه العديد من قضاياه مستفهما بذلك معالم دينه ثم اندفع ليصبح بعد فترة في بعضها ناقدا ومشكلا تتضايق منه غالبية أبناء قريته فضلا عن إمام المسجد الذي بات يلمس في أحمد حضارة غير مألوفة تستفهم عن كل شاردة وواردة وربما دفعت به إلى نقاش ما يعتبر مسلّما لدى أبناء قريته فضلا عن نقاشه في مواطن البحث والإجتهاد.

        فقال يوما لشيخه: يا مولاي ماذا تقصدون من السياسة التي طالما حذرتم منها من يعز لديكم من الأخوة الكرام؟ فقد وجدت صديقي عبدالسلام يتخوف منها تخوفا لا يوصف ببيان ولو أذن الحق تعالى للقلم أن يخط تخوفه لما كان قادرا على الإفصاح ورسم ما يعيشه لعجز قوالب الألفاظ عن بعد المعاني وهو يرى بلوغه هذا القدر من الحذر من بعض فضل إرشاداتكم عليه لحفظ دينه.

        فقال الشيخ: نعم يا بني، أنا أحذّر منذ زمن طويل كافة المؤمنين والمؤمنات من هذه التيارات التي غزت البلاد وما جنى منها أحد طيلة هذه العقود شيئا سوى قطارات من الشعارات الفارغة وكلما دخلت أمة لعنت أختها على اختلاف مظاهرها الوطنية أو القومية أو الديمقراطية أو الدينية وإن كانت نوايا بعض أذيال هذه التيارات قد تكون نزيهة أو بعضها في أصل تأسيسها ربما كانت نزيهة لكنه ربما اخترق أو استغل من حيث هو لا يشعر فأصبح كالدمى مسيّرا وهو يظن نفسه من الأبطال، فأعاذنا الله تعالى يا بني منهم ومن ألاعيبهم وبالأخص إذا كانت مطلاة بحنكة من قبل أشياخهم بطلاوة الدين فإنها تسحر العامة وتلقي بهم إلى لهوات الموت تحت عناوين الشهادة والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وأصحاب الدعوة هم وأبناءهم في الأمن والأمان.

        فإن هذه التيارات كلما كان الغطاء اكثر قبولا لدى العامة تصبح أشد خطرا على الأمة وأقسى طعناً وأجراً على الله تعالى إقداما.

        ولذا أحذرك يا بني كما حذرت غيرك من ذي قبل لكي لا تقع في شباكهم ومكامن مصايدهم واعلم إنك إن لم تقصدهم قصدوك وقد أمرنا من قبل أئمتنا عليهم السلام لعلمهم بمئائل الأمور وغيب الدهور بالإبتعاد عن كل راية ترفع فإن صاحبها طاغوت يعبد من دون الله عزوجل كما وإنا أمرنا أن نكون سمل دورنا.

        واعلم يا بني إنهم سيدخلون إليك من كل مدخل ويفسرون ويؤولون لك كل آية ورواية طبقا لمذاقهم ولما تمليه عليهم مصالحهم والقرآن حمّال أوجه بحسب فهم بسطاء العقول ومن لم يعايش الكتاب المجيد كما أشار علي (ع) إلى ذلك وإن كان هو لدى أهله من أصحاب البصائر والعلم السراج المنير في ظلمات الدهور واضحة معالمه، بينة آفاقه.

        فقد أبلغتك يا بني وأقمت عليك الحجة وأنت جديد عهد على هذه الساحة الملقومة تنظر إلى الأمور بمظاهرها، فاتق الله عزوجل في نفسك ومن يتق الله يجعل له مخرجا.

        وإن أردت أن تعمل بعيدا عن مزالق الشبهات فلا تخرج عن نطاق عملك والبيت والصلاة جماعة والسؤال عن أحكام صلاتك وصومك وحجك وما أنت مبتلى به مما فرض الله تعالى عليك من الحق الشرعي لإيصاله للمرجعية وأنصحك بالرجوع إلى الأعلم وهو …

فوجد أحمد في إرشادات شيخه الكثير من الصواب ولكن رب حيطة دفعت إلى تطرف وجلبت بدلا من الخير طابورا من الأخطار والأخطاء وأجلست صاحبها في كهوف العزلة تاركا وراءه الدار والثمار والأهل عرضة لنهب الغازين والمكرة الطامعين لأن كل تطرف يسوق إلى تطرف آخر بحسب الغالب.

        وبعد جزيل الشكر ودع أحمد شيخه ومن بعد ما قضى قسطا من يومه مثالا لمظاهرحسن الإستماع يتعمق في مفردات الكلمات وأحرفها ذهب إلى البيت تحوطه الأفكار ليله ونهاره، فإنه ربما رجح أمرا وتردد في آخر وغرق في شأن أمر ثالث حينما انهالت عليه سيول التساؤلات وضاع في تقييم مراتب الأولويات.

        وقد وجد من اللازم أن يستعين بأسفار من الكتب فترة من الزمن ثم يعود إلى شيخه ليستعين به في كشف غوامض الأمور إن وجد لها عند الشيخ أجوبة تشفي الغليل وتفلج الصدر وترشد إلى الصواب ثم عاد إلى المسجد بعد فترة من الزمن ليطرح تساؤلاته ووجهة نظره مخاطبا مرشده الغالي يا مولاي: ماهو السبيل لمعرفة الأعلم إن كان من اللازم الرجوع إليه؟ وهل تثبت الأعلمية بالشهرة ورب مشهور لا أساس له؟

        فقال الشيخ:يا بني الأعلمية تثبت من قبل أهل الخبرة وأصحاب الفن وهم العلماء أهل الإختصاص.

        فقال أحمد:هل مشاهير الخطباء والوكلاء من أهل الخبرة وهم من أهم الأدوات لتعيين الأعلمية في الغالب؟

        فقال الشيخ: كلا وإن وجدت أحيانا الكفاءة في بعض الوكلاء أو الخطباء.

        فقال أحمد: على فرض وجودها في نوادر الوكلاء أو الخطباء هل تكفي شهادة الواحد لو وجد ذلك على الفرض والتقدير؟

        فقال الشيخ كلا، فقال أحمد: لو تركنا الخطباء والوكلاء فهل تلامذة فقيه حضروا لديه العلوم الشرعية فقها وأصولا تثبت بواسطتهم الأعلمية يا مولاي؟

        فقال الشيخ: نعم هذا من سبل معرفة الأعلمية.

        فقال أحمد: كيف يكون من المعقول التوصل لمعرفة الأعلم بواسطة طلاب فقيه هم لم يحضروا عند عالم آخر وكيف راح هؤلاء ليجزموا بأن أستاذهم هو الأعلم من غيره وكيف حكم أهل النجف الأشرف بالأعلمية لفقهاء النجف على غيرهم من سائر المدن كعلماء كربلاء أو ايران أو غيرهما من سائر المدن؟

        وهل من المعقول بحسب العادة أن يرى طلاب عالم غير أستاذهم هو الأعلم ليدعوا الناس إلى تقليده؟ وهل على فرض إمكان ذلك يكون الطالب والتلميذ قادرا على تمييز الأعلمية أو غاية ما يمكن أن يتوصل إليه التلاميذ هو معرفة أصل الفقاهة والعلم لا البلوغ إلى دقائق مراتب علم الأصول والفقه وذلك لأن هذه المرتبة هي مقام الفقهاء أنفسهم الذين تتردد مسألة الأعلمية فيما بينهم.

        فقال الشيخ: لا أريد أن أقول أن الأعلمية يثبتها طلاب عالم وتلاميذه ولكن العلماء وكبار الفقهاء هم الذين يميزون ذلك وهم من تدور عليهم احتمالية الأعلمية.

        فقال أحمد: هل وجدت يا مولاي أن الفقهاء اجتمعوا يوما وبعد محاورات ونقاش طويل علمي فيما بينهم تنازعوا جميعا عن رفيع مقام الأعلمية وأعلنوا للناس أن الأعلم منا جميعا هو فلان؟ أم أن ذلك فرض يحسن في ميادين العرض بيانه ويندر في مواطن الخارج عيانه، ثم عاد أحمد على الوكلاء فقال: وأما الوكلاء وبالأخص الذين يستعيشون عن طريق وكالاتهم وربما عاش البعض منهم حياة الترف والنعيم لوكالته كيف يرجى منه أن يدعوا إلى غيرمن له الشهرة؟!

        ولكن لما وجد أحمد شيخه قد يحرج من الإجابة على بعض هذه التساؤلات ترك الكثير منها وما كان قد أعده من التساؤلات الأخر حول موارد صرف الحق الشرعي وكيف أصبح الثلث منه حقا مسلما بأيدي الكثير من الوكلاء وربما أصبح من المواريث بعد وفاة بعض أكابر المراجع وإنه لمَ لم تكن هناك لجنة تشرف على هذه الأموال التي تقام بها ميزانية دولة وأين النسبة بين عمل من أطفأ شمعة خوفا من التصرف في أموال بيت المسلمين وبين ما يجري اليوم من صرفها تحت واسع عناوين الشأنيات والمبررات الأخرى.

        وراح ليوجه أسئلة في مجالات أخر فقال: هل يأذن لي مولاي في طرح سؤال آخر؟ فقال الشيخ حمدان نعم، فقال أحمد: أمرتمونا يا مولاي بالإبتعاد عن كافة التيارات فهل ترون البديل لحفظ الدين وشريعة رب العالمين ما أشرتم إليه من دين يحدد مداه البيت والمسجد لصلاة جماعة وسؤال عن صلاة وصوم وحج وأداء لحق شرعي والدين منهاج الحياة بكافة معنى الكلمة؟!

        وهل ترون ما تصرف فيه الحقوق الشرعية ولو بحسب غالب مواردها مما يخدم الشرع القويم ويرضي صاحب الأمر عجل الله تعالى فرجه الشريف؟! وهل ترون ما سارت عليه الأمور من ترك لأبناء الطائفة يعيشون مأساتهم وفقرهم في كثير من البلاد وبالأخص التي دمرتها الحروب تحت ذرائع مختلفة ومنها أن التكلم عن ظلامة الشعوب ومأساتهم من السياسة التي لا ينبغي لرجل الدين التدخل فيها حتى دفع ببعض أبناء هذه الطائفة للجهل أو الفقر أو لما يشاهد في كثير من المواطن من السلبيات التي ارتكبت وترتكب بإسم الدين إلى أن يلقي بنفسه في أحضان أشقى ما خلق الله تعالى الذين هم مثال التحجر والقسوة والنصب لآل محمد (ص) وهم المكفرة رأس الكفر والنفاق، فهل هذا السير والسلوك يعتبر مما يخدم الشريعة أم أنه من موارد التخلي عن المسؤولية التي أملتها علينا أنظمة الإستبداد بأقلام وعاظ السلاطين؟

        فكيف نترك أبناء الطائفة فريسة لهؤلاء المكفرة الذين راحوا ليكفروا أتباع آل محمد (ص) طيلة القرون طاعة لأسيادهم الحكام إلى أن عبّر عنهم أسيادهم لمّا نازعوهم على الكراسي بالفرقة الضالة وإن كان يعيش في كنفهم من هم على شاكلتهم من بقية هؤلاء المكفرة لتمزيق صفوف المسلمين وكأنهم يعيشون في القرون الوسطى وبداوة الجاهلية الأولى لا شغل لهم سوى التكفير بدلا من السعي لنشر معالم الشرع وبذل الجهد لبناء المجتمع في ظل النظام الإسلامي الذي يسع البشرية فضلا عن المسلمين.

        ولو كان يا مولاي حياة الأئمة عليهم السلام بحدود ما أشرتم إليه، فهل تتصورون أنهم كانوا يتعرضون لأشد ما يحتمل من قسوة وتشريد واضطهاد وتنكيل وقتل وسم؟

        وهل يتخوف أمثال الرشيد مع عظيم إمبراطوريته من مدرّس يدرس الأحكام الشرعية من صلاة وصوم في زوايا مسجد أو في غرف دار وإن كان ربما أدى إليه بعض الشيعة على قلتهم آنذاك وفقرهم لإضطهادهم من قبل الحكام شيئا من الحق الشرعي الذي يصرف فقط لإنشاء الحوزات ورواتب الطلاب، بل لعلني أقول ، لو كان الأئمة عليهم السلام على ما عليه الكثير من علمائنا لافتخر بهم الحكام وقالوا:هؤلاء العلماء من أبناء عمومتنا وممن تفتخر بهم الأمة وقبيلة قريش، لكن يا مولاي المتتبع لحياة المعصومين عليهم السلام بعد رحيل الرسول الأعظم (ص) يشاهد وبوضوح أنهم على الرغم من عدم تخطيطهم لقبض أزمة الأمور كانوا ثورة ضد الباطل والظلم والجهل وما جلسوا يوما بمعزل يشاهدون كيف تفترس الحكام هذه الأمة وكيف ينهب الظالمون خيراتها وكيف يحرف الماكرون مناهج دينها.

        فلماذا يا مولاي كل شيء مقدس لايمكن النيل منه سوى هذه الأمة وحقوقها، فيوما قدست الخلافة وفي يوم آخر قدست عروش السلاطين ونخرج كل يوم من صنمية إلى صنمية أخرى تاركين وراءنا موازين الشرع نستطلع معالمها من وراء خطى الرجال وقد قال علي (ع): الحق لا يعرف بالرجال إعرفوا الحق تعرفوا أهله.

        فقال الشيخ حمدان يا بني لا تتدخل في السياسية ودعها وأهلها أما ترى إن أكابر العلماء يتجنبون مثل هذه الأمور ويترفعون عنها؟

        فاستغرب أحمد هذا المقال والإرشاد من شيخه وهو لا يشك في إيمانه إلا إنه ربما لمس رواسب الإستبداد طيلة القرون أملت الكثير من لوازم حضارتها على الأمة على اختلاف طبقاتها حينما انقلبت الموازين تحت ضغوط الجبارين وحرّف الحق بواسطة وعاظ السلاطين.

        فقال يا سيدي: كيف يكون الدفاع عن حق المضطهدين والمظلومين والأيتام والأرامل من السياسة بناء على أن المراد من السياسة المكر والدجل والكذب والنفاق وسحق القيم بإزاء المصلحة والحال أن قوام الشرايع على دفع الظلم وقد قال تعالى: (ليقوم الناس بالقسط) وقد بنت الشرايع موازينها على أسس العدل وجعلت غاية الانبياء الظهور على الدين كله على يد مهدي آل محمد (ص) بإقامة دولة العدل وكيف نأمل أن ترقى أمة إلى المجد والكمال تحت نير الإستبداد حتى راح الإستبداد ليغزو المجتمع في كل ميادين الحياة وهانحن نجد معالمه في كل بيت وزقاق بلا حاجة لتحمّل عناء السفر للوصول إلى قصور أصحاب الفخامة حيث نجد حضارة القمع للفكر تتجلى في أكثر البيوت فنرى الأب وهو يلغي الجميع من زوجة وأبناء مادام في البيت وعند خروجه تقوم الزوجة بنفس الدور فتلغي الأبناء كذلك وعند خلو البيت من الأب والأم يقوم الولد الأكبر بهذه المهام لفرض سلطانه على البيت كل ذلك باختلاف العناوين فتارة تحت عنوان لزوم إطاعة الزوج والأب وتارة تحت عناوين أخرى محمّلين الشريعة كل ذلك وقد بلغ الإستبداد بالأمة أن يفرض على الزوجة عدم الخروج من البيت ولو لزيارة أبيها المشرف على الموت لرغبات سلطان صاحب البيت بدعوى لزوم طاعة الزوج المفروضة على المرأة من قبل الله تعالى كل ذلك حينما فسرت الشريعة تحت قيم الإستبداد وحضارة الجاهلية.

        فهلا تحتملون يا سيدي أن ما توصل إليه الفهم من لزوم الإنطواء على بعض أبعاد الشريعة بتجزئتها وترك اكثر أبعادها كان مما أملته عليه هذه الحضارات؟

        وأين يا سيدي كلكم راع وكلكم مسؤول عن رعيته، وأين قد ذهب لا طاعة لمخلوق في معصية الخالق وقد أصبح الحكام طيلة القرون يرسمون مصير هذه الأمة بلا رادع ولا مانع وأين ذهبت إطلاقات الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وأين ذهبت أبعاد كلمة حق عند سلطان جائر وأين ذهب قول علي (ع) في خطبة الشقشقية: وما أخذ الله على العلماء ألا يقاروا على كظة ظالم ولا سغب مظلوم، وأين نحن من قول رسول الله (ص) من أصبح ولم يهتم بأمور المسلمين فليس بمسلم، والكلام عن أمور المسلمين لا عن بيان أحكام الشريعة فقط.

        فكيف يكون يا مولاي من الزهد والورع السكوت عن الظلم والظالمين والأمة في اكثر بلاد الله تأن من سطوة الجبارين ومن تحريف وعاظ السلاطين و قد بات لا يرى العلماء من مسؤوليتهم الدفاع عنها وتوعيتها بواقع مفاهيم الشرع حيث بات كتمان الحق منهجا عند البعض وراح آخرون يتترسون بالتقية الحقة بعد تحريفها للتخلص من كاهل المسؤوليات.

        أفليس من الممكن يا مولاي إن الموازين قد تبدلت تحت ظل ظلمات الدهور فأصبح الحق باطلا والباطل حقا والمعروف منكرا و المنكر معروفا والواجب محرما والمحرم واجبا وقد أضيعت الأولويات وشوهت الحقائق وأنه لابد من عودة لفهم مناهج الحق وشريعة الله تعالى بعيدا عن إملاءات القرون وفهم الرجال واجتهاداتهم.

        وهل من الممكن أن يكون المراد من : كونوا سمل دوركم، الوارد عن المعصومين عليهم السلام هو التخلي عن المسؤوليات وترك قيم الشرع تنهب بأيدي الطامعين والتفرج على الأمة ومأساتها وترك الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر إلا في مثل ترك الصلاة وشرب الخمرأم أن الأمر بالمعروف و النهي عن المنكريعم المعروف والمنكر على صعيد الشريعة وحياة الأمة وأي منكر هو أشد من ظلم الأمة وتحريف مبادئها ونهب تراثها وقتلها وزج أبناءها في ظلمات السجون تحت عناوين مختلفة كالإخلال بالأمن والخيانة وها هو القرآن المجيد والأحاديث كلها تحث على مقاومة الظلم والظالمين وتعتبر الصابر على الظلم مع إمكان التخلص ظالما ليس له إلا النار ونحن نشاهد الفقر والحرمان والقتل والتشريد والمخدرات راحت لتعم الكثير من البلاد.

        فكيف وصل بنا الأمر أن يعتبر من الزهد والورع السكوت عن مأساة الأمة ويكون المدافع عنها متدخلاً في غير ما يعنيه فهو سياسي منحرف ولو كان من أكابر علماء الشيعة ولماذا لا يكون يا مولاي هناك خط وسط بين التحرك السياسي للوصول إلى سدة الحكم وبين الإلتزام بالشرع غير المجزء بالقيام ببيان الشريعة والدفاع عن المظلوم ولعله هو المستفاد من سيرة المعصومين عليهم السلام وهو الذي ساقهم لمقابلة الطغاة والجبارين باسم الدين.

        وقد أصبح الكثير من الناس يتسائلون ويستفهمون عن عدة نقاط ربما تجاوزها المجتمع في ماضي الزمن للتقديس والبساطة ولكنها يا مولاي أخذت تستفحل في هذا العصر يوما بعد يوم ولا تجد الناس لها أجوبة مقنعة ولا أدري إلى أي نفق ستساق هذه الأمة من جراء هذه الثغرات التي يحاول الكثير تغطيتها كفلتة القوم التي ساقت الأمة إلى الفلتات حتى نسف الدين وضاعت الأمة، فهلا تحتملون يا مولاي أن يدفع بنا السكوت خوفا من تربص الأعداء إلى طريق مسدود وهلا تتصورون يا مولاي أن السكوت عمن باتوا تحت شتى العناوين ينهبون ثروات هذه الأمة ويلعبون بها تحت مئات المبررات ونسيج الشأنيات سيسوق إلى طريق مسدود لا رجعة فيه.

        فقال الشيخ حمدان: أولا الكثير مما ذكرت هو فوق نطاق قدرتنا فلا سبيل إلى إصلاحه وثانيا المفروض أن تصلح هذه الثغرات بواسطة من بأيديهم القرار وثالثا الإصلاح يحتاج إلى التضحيات وقل من يجرأ إلى خوض المعارك في ميادينها.

        فقال أحمد:إنا لله وإنا إليه راجعون، شمعة تطفأ لأنها من بيت مال المسلمين وحديدة تحمى لأخ جائع فقير ونحن نشاهد نهب خيرات الأمة والمتكلم في شأنها يصبح خائنا أو مهينا لكرامة بعض أصحاب الكرامة…

        فترك عندها أحمد أسفارا من تساؤلاته واعتذرخوفا  من سوء أدبه في محضر أستاذه وعاد إلى البيت غارقا في بحور أفكاره يتطلع إلى الأفق المبين لعله يشاهد فيه معالم تلك الطلعة البهية والأنوار المحمدية العلوية لصاحب الأمر عجل الله تعالى فرجه الشريف.

 

 

0 تعليق

إرسال تعليق

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

آخر الأخبار

أما لليلك صبح أيها الوطن

قصيدة أما لليلك صبح أيها الوطن بقلم و صوت الأستاذ الشيخ محمد كاظم الخاقاني  أما لليلك صبح أيها الوطن أما لليلك صبح أيها الوطن                      به تُسر قلوب لفها الحزن مالي أراك و منك الدمع منهمل           و الربع قد طاف فيه الهمّ و الشجن و أنت من كنت في سوح الوغى...

أسئلة عقائدية

تابعنا على صفحاتنا