آخر الأخبار

Generic selectors
Exact matches only
....بحث
Search in content
Post Type Selectors

محاضرات مختارة

تهنئة لحلول شهر رمضان المبارك

الصفحة الرئيسية » الأسئلة و إجاباتها » الأسئلة الفلسفية » ما رأيكم في مصطلح الفلسفة بالنسبة للدين الإسلامي و مذهب أهل البيت عليهم السلام؟

قد وردني سؤال من أحد الإخوة الأجلاء من أهالي البحرين و هو السيد ع . خ , وفقه الله تعالى لمراضيه يقول فيه شيخنا: ما رأيكم في مصطلح الفلسفة بالنسبة للدين الإسلامي و مذهب أهل البيت عليهم السلام؟ 

فأقول في الجواب:

إن المسالك لمعرفة الحقائق وجودا او توحيدا و صانعا لا فيما يتعلق من الأمر بالأحكام او السيرة او غير ذلك من الأمور المختلفة كالخُلق الكريم البعيدة عن المعتقدات بل العائدة الى الأفعال و الأعمال او الحكمة العملية فإنها تختلف الرؤى في حقها بتبع القواعد العقلية او المناهج الدينية او المذهبية و قد تحدد جواهر أبعادها الغايات دنيوية كانت او أخروية ففرق مثلا بين من أراد الأديان و شرايع السماء جنة للنعيم و من أرادها معرفة للمعارج و اللانهايات و شهودا للحقائق ليصبح النعيم من توابع القُرب و المعرفة حينئذ بتبع زكاة النفوس او العقل برهانا و العلم إنارة للطريق و الصبر جهادا في سبيل الله على الصراط المستقيم حتى ولو جمع بين العديد من الناس دين او مذهب واحد او دخلوا جميعا تحت عنوان الموحدين حيث أن للتوحيد مراتب فمثلا من يرى الأديان طقوسا عبادية شخصية و أن قوامها على الأفعال و القيام بالمزيد منها ذكرا لفظيا او تسبيحا للوصول الى الغايات قربا من الحق تعالى او لدخول الجنان يرى أن الأدواة الموصولة لهذا القرب هي كثرة الأفعال صلاة او صياما و حجا و ذكرا و تسبيحا في أن من رأي حقائق الأديان فكرا و زكاة للنفوس و خيرا في مقابل كل الشرور سعيا لمعرفة الوجود و ما يعود الى الصانع و أسمائه و مظاهر آياته يكون تركيزه على البعد المعرفي أولا و بالذات و تكون الأفعال تابعة مقاما لأصولها المعرفية او تصبح الأفعال و الذكر عنده إنما تراد بالتبع لتقوية الواقع النفسي او لتصبح الأفعال تابعة لغاياتها و تقيّم عندئذ بقيم المعارف زكاة للنفوس لا بأنفسها و كثرة عددها كأن يسبّح كذا مرة و يفعل كذا فعل فمثلا الموحدون في مقابل المشركين و الملحدين و أبناء الدنيا الضائعين في أحلام عالم الخيال كل له منهاجه و برهانه للوصول الى معبوده و فهمه لحقيقة التوحيد من أعلى المراتب إدراكا لحقيقة الوجود أزلية و كونها صرف التحقق الذي لا ثاني له الى ان تصل له الى مهابط الآراء فهماً كأن يتصور السالك مسالك التوحيد أن الصانع تعالى على صفة الآدميين او يتوهمه بما فيه شوائب عالم الإمكان كأن يكون له ولد او أنه شاب أمرد او أنه ملك مهاب على عرش كما تكون للملوك عروش بما تبحر فيه المتخيلة في عالم الإمكان و هو يظن نفسه موحدا في واقع الأزلية و الوجوب الذاتي أي أنه مع كل ذلك يرى الشخص نفسه أنه من الموحدين و لا يرضى لنفسه الجهل او الشرك او الإلحاد كما و أنه كذلك قد يختلف الفهم لواقع النبوة او الإمامة على الرغم من الإشتراك في أصل المعتقد حتى ولو كان المعتقد نبوة بالنسبة الى نبي بعينه كمحمد (ص) و سنشير الى مراتب فهم المسلمين بالنسبة الى محمد نبي الرحمة حينما نتعرض الى ذلك تحت عنوان محمد (ص) في كتاب الله تفسيرا لآياته.

و هاهنا نريد أن نتأمل في أصل المراد من الحكمة لغة او فيما يتعلق بها في الكتاب المجيد او بما يراد منها لدى فلاسفة اليونان او غيرهم من الأقدمين حيث نتسائل إن الحكمة و الفلسفة هل هما من واقعين مختلفين او هما يختلفان بحسب المصطلح او اللغة كأن يسمي العربي واقع أمر يريد التوصل اليه بالحكمة و ذاك يسميه بالفلسفة كل بتبع لغته ثم لتصبح هذه الكلمة كالفلسفة بعد واقعها الموحد بين الأمم ككثير من الكلمات التي تدخل في لغة من اللغات فتصبح بعد كثرة الإستعمال و الإستخدام من مفرادت تلك اللغة بأن تكون مثلا كلمة الفلسفة حينما يطلقها المسلم او العربي البسيط او العالم لا يراد منها إلا الحكمة حتى و كأنها تصبح من الكلمات المترادفة كما يقال أسد و سبع, فيوما مثلا يقول المدرس في بحثه و درسه بداية الحكمة و في يوم آخر يقول في درسه أين وصلنا في بحوثنا الفلسفية او العقلية و هو لا يقصد إلا امرا واحدا و هو البحث عن الحقيقة و الوجود و تمييزه عما يكون وهما او خرافة او ما يكون من الأباطيل التي لا مستند لها عقلي و لا علمي و لا شرعي و كمثال آخر قد نقرب به المراد فنقول إن السالكين مسالك المعرفة و الوجود او التوحيد هذا قد يستدل عليه ببرهان عقلي و ذاك قد يستدل عليه بعلم الفيزياء او الطب او الرياضيات و آخر قد يستدل على المراد بآية او رواية و المستدل قد يكون مصيبا لقوة دليله و قد يكون أحيانا مخطئا في منهجه و إستدلاله لكن ذلك لا يعني الخروج عن منهج الحق و التوحيد حيث أن البشر خطائون و لا عصمة إلا لمن عصمه الله تعالى لحفظ شرايع السماء بيانا و تطبيقا لإقامة الحجة نبيا كان او إماما مبينا و تارة أخرى لا يكون الإختلاف عائدا الى المسالك مع وحدة المراد و الغاية بل يعود الى حقيقتين لربوبية لله تعالى على الكون كله بسببية و علة و معد و تارة بجعل سببيات وهمية في الكون لبعض مالا واقع له كالأصنام او غيرها كما هو شأن جميع المشركين قديما و حديثا على الرغم من إعتقادهم بالصانع و بناءا على هذا حتى ولو رأى المشرك نفسه من المعتقدين بالله فإنه كمن يعتقد الباطل حقا لحضارة او عجب او كبر و ما أكثر الناس الذين هم من مصاديق قوله تعالى : (و إذا قيل لهم لا تفسدوا في الأرض قالوا إنما نحن مصلحون ألا أنهم هم المفسدون ولكن لا يشعرون).

و عليه فنقول ليس كل من جزم أنه على الحق فهو كذلك و هاهنا نتسائل هل الفلسفة التي بنى أسسها الفلاسفة القدماء من اليونانيين و سار على مسيرتهم بمزيد من الأدلة و البيان فلاسفة المسلمين هل يكون هذا من باب الحق كشريعة للمعرفة في مقابل الباطل او هو من باب سبل و طرق مختلفة للمعرفة يجمعها جامع الحق كالتوحيد و الوجود و نحن قبل الشرع قد إعتقدنا بالله تعالى بواسطة العقل و أن الأدلة الفلسفية هي من الأسس العقلية لإثبات التوحيد.

و الآن و بعد هذه المقدمة نريد ان نتأمل في المراد من الحكمة بما هو مراد لغة و شرعا ثم لننظر الى ما هو المراد من كلمة الفلسفة عند قدماء فلاسفة اليونان و من سار على مسيرتهم من الفلاسفة او حكماء المسلمين بل و حتى بعض أكابر فقهائنا حيث درسوا الفلسفة و درّسوها و ألّفوا فيها كتبا بحيث لا يمكن بكلمة بتبع الذوق او الإجتهاد ان نخرجهم من الدين او ننسبهم الى الجهل و حيث لا يمكن لأي شخص بتبع إجتهاده من الفقهاء الذين يرون الفلسفة او العرفان او علم الكلام من الباطل و الضلالات الحكم على الآخرين من كبار علماء المسلمين سنة و شيعة من الذين درسوا و درّسوا الفلسفة او غيرها من العلوم العقلية بأنهم ضالون و أنهم قد أدخلوا ماليس في الدين في الدين حيث أن مفاتيح الجنة ليست بيد زيد او عمرو كما و أن الخروج من الدين يحتاج الى ما يكون من الأمر الثابت كمن يدعي الإسلام وهو يشكك في كون القرآن من الله تعالى او يدعي الإسلام و هو ينكر ضروريات الدين معتقدا او حكما.

فإذن أولا نبحث عن المراد من الحكمة لغة و شرعا و فلسفة لنرى هل هي حقيقة واحدة عند الجميع او أنها بمعان مختلفة حتى ولو جمعتها الجوامع من بعض الجهات او أن المراد من الحكمة لغة و شرعا يخالف المراد منها لدى فلاسفة اليونان و من سار بمسالكهم من علماء المسلمين.

فنقول أما لغة فالحكمة هي وضع الشيء في موضعه كلا بما يناسبه حتى بالنسبة الى أبسط الأمور و الأشياء فمن وضع الشيء في محله كان حكيما سواءا كان وضعا عقليا او علميا او خارجيا أي أن الحكمة تعم الأشياء الفكرية و الخارجية بتمامها فمن وضع الكلمة في محلها المناسب لها زمانا و مكانا كان حكيما في إستخدام الكلمات و المعاني و كذلك للسياسة حكماء و للجيش حكماء حربا و سلما و إدارة للمعارف كما و أن للهندسة و البناء حكماء بل و من وضع أثاث البيت كل شيء في محله كان حكيما لذوق سليم.

فالحكمة إذن جارية في كل شيء صغيرا كان او كبيرا علميا كان او عقليا او كان أمرا خارجيا حينما يقع الشيء عقلا و علما و خارجا في محله المناسب له و بما يناسبه زمانا و مكانا حيث أنه من الواضح أن هناك من الحقائق ما يجب ان تُعلم فالحكيم او السالك مسالك الحكمة من عرفها حق معرفتها لأن الحكيم بإطلاق الكلمة هو الله تعالى فقط ثم يجب ان يكون لكل معرفة أثر في النفس بما يتناسب و الأمر المعلوم او المتيقن به كمعرفة الوجود و أنه قديم او حادث او علة او معلول و كمعرفة الصانع او النبوة او الإمامة او العدل او المعاد او القضاء و القدر او الخير و الشر ثم العمل بما يناسب المعرفة فمثلا للموحدين سلوك لا يكون حاصلا لغيرهم من المشركين او الملحدين و إلا لا يكون التوحيد توحيدا فلأهل الجزم و اليقين بعد المعرفة ما ليس لغيرهم ممن هم ضعفاء في واقع الحكمة العملية فكم من إنسان يعرف الحق و لكنه يتلاعب لضعف نفس او مصلحة فلا يمكن ان يقال في حقه أنه حكيم .

أجل قد يكون الإنسان ولو بتسامح في التعبير حكيما فيما يعود الى العقل النظري فهما لحقائق الأمور لكنه على أرض الواقع يتعامل مع الحقيقة و الحق تعامل الجهلة او الجبناء او المنافقين فمثل هذا لا يُعد في واقع الأمر حكيما لأن فعله يُكذّب ما يُظهر او ما يعتقد و ذلك لأن المعرفة لو كانت قرارة نفسية لما تمكن من مخالفتها عملا لحكم الوجدان و العقل و زكاة النفس المهيمنة على الجسد لأن النفس تحكمها الغايات.

و الحكمة المفقودة عادة هي الحكمة في مقام العقل العملي حيث أنه قلما يوجد هناك إنسان لا يعرف الحق او الخير او الخُلق الكريم و القيم الإنسانية بل و حتى التوحيد و الحقائق المعرفية و إلا لما كان مكلّفا لو كان دون مستوى العقل إدراكا لكن المشكلة حينما يأتي دور الحكمة العملية تحقيقا لواقع الصدق على أرض الواقع يضعف الإنسان او يتلاعب فيجعل لنفسه المبررات في اي موطن أراد ان يخرج من الحق.

فالحكيم إذن هو صاحب البعد العقلي السديد بتبع الفطرة السليمة و العقل غير المحجوب و بتبع الشرع الحقيقي و العمل المفيد لا المستند الى الفهم التبعي الحضاري او القبلي او الاجتماعي السائد عائدة بين المجتمعات البشرية و لما كانت حقيقة الحكمة عظيمة المكانة في كل شيء علما و عملا نجدها كانت و قبل كل شيء من الأسماء الإلهية فهو تعالى الحكيم و الرسل و الأئمة الهداة جميعا من مظاهر هذه الحكمة في عالم الإمكان كما و أن العالم بتمامه من مظاهر حكمته فعلا و إيجادا و سيأتي تفصيل الحديث عن المراد من كونه تعالى حكيما و ما هو المراد من الحكمة في القرآن المجيد و ما هو المراد ايضا من الفلسفة التي قَبِلَها حتى الكثير من علماء المسلمين و قالوا بأنها لا تخالف شرايع السماء لأنها من الأسس المعرفية لمعرفة الوجود و التوحيد.

 

وبعد هذه المقدمة التمهيدية لفهم المراد من الحكمة و الفلسفة نتكلم الآن بما يعود الى صُلب الموضوع من أن الحكمة بما لها من الأبعاد المختلفة وردت في القرآن المجيد سواءا بما يعود لله تعالى ككونه حكيما و أنها بهذا الواقع العظيم تكون من الأسماء الحسنى الإلهية او بما ورد في مواطن عدة أخرى تعود في الغالب الى الحكمة العملية و الخُلق الكريم و إن جمعها جميعا في كافة المواطن واقع الإحكام و الإتقان لأن الحكيم بما له من الإتقان يعود امره الى العلم.

فإذن نتحدث أوّلا عن المراد من الحكمة بحسب ما ورد في القرآن المجيد ثم بعد ذلك نتعرض للمراد منها بما يعود للفلاسفة الأقدمين و الإسلاميين الموحدين حيث نظروا الى الوجود بما له من الأزلية و القدم و الحدوث و العلّية و المعلولية و بما للكون من عوالم طولية من عالم النور الى العقل الى المثال الى المادة و بما له من عوالم لا يعلمها إلا الله تعالى عرضية لكل من هذه العوالم المختلفة.

و لذا نقول إن من الأسماء الإلهية الحكيم حيث ورد العليم الحكيم و العزيز الحكيم و الحكيم الخبير و هو الواضع للأشياء بإتقان في محلها المناسب لها لتجري لغاياتها كمالا حيث يجد المتأمل أنه يراد منها واقع الحكمة العملية بعد أصل خلق الكون بما وُضع له من علل و أسباب و معدّات و مؤهلات و غايات و كذلك هو الأمر فيما ورد من كلمة الحكمة في بقية المواطن كما قال تعالى (وَمَن يُؤْتَ الْحِكْمَةَ فَقَدْ أُوتِيَ خَيْرًا كَثِيرًا ) حيث أن المعرفة بما هي لا تكفي لبلوغ الغايات و الكمال و لا يعود شأن الحكمة الى شأن الحق تعالى ذاتا و إن كان هو تعالى عالم إذ لا معلوم و ربٌ إذ لا مربوب كما ورد في بعض خُطب الإمام علي عليه السلام و كذلك الحكيم إذ لا خلق و لا إيجاد و لمثل هذا البُعد العظيم شأن معرفي آخر يحتاج الى تفصيل غير ما نحن بصدد بيانه هاهنا.

و قد قال تعالى :(وَأَنزَلَ اللَّهُ عَلَيْكَ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ) حيث جريان الحديث عن البُعد المعرفي كتابا في المرتبة الأولى و البُعد العملي و السلوك حكمة في المرتبة الثانية فالكتاب هو كتاب التكوين بلسانه التدويني و الحكمة هي الواقع العملي لذوي الألباب إختيارا و حركة نحو الله تعالى : (إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ) حركة بتبع الغاية  للانهايات مبدئا و هو الله تعالى فهو الأزل و الأبد طلبا للمعارج بتسديد رب الأرباب لكل وجود بحسب سعة وجوده و ضيقه و حيث يقول تعالى أيضا (ٱدْعُ إِلَىٰ سَبِيلِ رَبِّكَ بِٱلْحِكْمَةِ وَٱلْمَوْعِظَةِ ٱلْحَسَنَةِ)  أي بالكلام السديد و العمل الصالح.

فالحكمة إذن تابعة لعلمه تعالى الأزلي يمنحها لعباده الصالحين ليُصبحوا قربا و رضوانا و ليكونوا في جواره في جنات النعيم مع النبيين و الشهداء إن لم يكونوا أنبياء او شهداء حق يوم الجزاء و معنى كونه تعالى حكيما أي المُتقن للأمور الذي له الأمر من قبل و من بعد و أنه المهيمن بقضاءه و قدره و الآخذ بالكائنات نحو الرُقي و مسالك الخير.

و من الواضح أن من أدوات الحكمة العلم و إعمال العقل و إعمال جميع المُدركات سمعا و بصرا و إحياء الضمير بزكاة النفوس لتحقق الشهود للعمل الصالح بلا حجب و غشاوات ليعيش العبد الحق معروفا و يبتعد عن الباطل منكرا و إن رأس الحكمة بعد المعرفة مخافة الله تعالى حقا بحُسن التصرف لبلوغ الغايات بما يتناسب و الفعل زمانا و مكانا حيث أن الحكمة هي ضالة المؤمن.

و من الواضح أيضا أن مجرد المعرفة لا تسوق الى الكمال ما لم تتحقق بحقائق الحكمة العملية و إلا فهذه هي شرايع السماء مهجورة عند الأمم على الرغم من عظيم الإدعاء الإعتقاد بها و كذلك  هو شأن مصادر التشريع للأمم فإنها في كثير من مواطنها و إن كانت حسنة تتناسب مع واقع الحرية و الكمال و القيم الإنسانية لكنها عند التأمل إنما هي شعارات لم يعمل بها احد في العالمين على صعيد الحكومات او المنظمات الإنسانية إلا نادرا و لذا كان على الإنسان أن يبذل الجهد لتحقيق واقع الحكمة على جميع الأصعدة و قد قال تعالى (وَمَن يُؤْتَ الْحِكْمَةَ فَقَدْ أُوتِيَ خَيْرًا كَثِيرًا) و ذلك لأن المعرفة فطرة و عقلا و علما بدون وضع الأشياء قولا و عملا في محلها بما يناسب الزمان و المكان لا يكون رُقيا ولا كمالا حيث أن المصب في الحكمة بما جاء في الكتاب المجيد إنما هو على الحكمة العملية بعد المعرفة بما يتطابق و العمل الصالح و الخير و المعروف في مقابل الفساد و الإفساد و الشرور و المنكر و كذلك شأن الحكيم تعالى إنما كان بلحاظ واقع الكون أخذا به الى الخير و الكمال بتبع العلم الأزلي.

و أما ما هو المراد من الحكمة بحسب فلاسفة اليونان و المسلمين الموحدين فهو في جانب من جوانب الحكمة المرادة في الكتاب المجيد حيث أن من شرط الحكمة سبق العلم لكن لدى الفلاسفة كان المراد فقط هو معرفة الوجود بما له من الأزلية و الحدوث و العلية و المعلولية فهي حكمة وضع الحقائق عقلا في محلها ثم ليكون ذلك من دواعي الخير توحيدا للكمال كما هو شأن العرفان حيث أن التركيز فيه على المعرفة حكمة لفهم الواقع و إتقانه أكثر مما يعود الى الحكمة العملية و تجسيد الواقع في الخارج بأن يكون الفرد خيرا و معروفا و إصلاحا في الأرض و لا ربط للحكمة بما فُسّرت به لدى بعض الفقهاء من أنها السنة النبوية كمعرفة فإن ذلك لا يتطابق مع ظاهر المفهوم من الآيات ولا مع ما هو المراد من الفلاسفة من موضوع و هو معرفة الوجود كما و أن تفسير الحكمة بالكتاب فيه تأمل لأن ذلك لا تساعد عليه الآيات الكريمة.

و آخر ما نختم به الحديث هو التأمل في قوله تعالى : (إِذْ قَالَ اللَّهُ يَا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ اذْكُرْ نِعْمَتِي عَلَيْكَ وَعَلَىٰ وَالِدَتِكَ إِذْ أَيَّدتُّكَ بِرُوحِ الْقُدُسِ تُكَلِّمُ النَّاسَ فِي الْمَهْدِ وَكَهْلًا) و محل الشاهد من الآية هو قوله تعالى : (وَإِذْ عَلَّمْتُكَ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَالتَّوْرَاةَ وَالْإِنجِيلَ ۖ) حيث أن الحكمة هاهنا يقينا لا يمكن حملها على سنة النبي محمد (ص) إلا بما يعود الى شرايع السلام و هو الأمر المشترك بين جميع الرُسل الكرام حيث أن الكتاب هو كتاب التدوين الحاكي عن كتاب التكوين الذي يعم بواقعه دعوة جميع الأنبياء معرفة للحقيقة و ليس هو القرآن او الفرقان او التوراة او الإنجيل بالخصوص و اذا كان الأمر هو كذلك كانت التوراة و الإنجيل العائدة الى موسى و عيسى عليهما السلام شريعة و تصبح الحكمة وراء  ذلك هي الميزان في مواطن التطبيق لواقع الخير و المعروف و الإصلاح كما تقدم بيانه إبتعادا عن الإفساد في الأرض و الشرور و المنكر و الأخطاء.

هدانا الله و إياكم الى فهم الحقيقة بهدى الكتاب و السنة و السيرة لمحمد و آله و الرسل الكرام عليهم السلام.

الداعي لكم بالخير محمد كاظم الخاقاني 

ملاحظة: هذه كتب المرحوم الوالد في الفلسفة المثل الأعلى في الفلسفة و المثل النورية في فن الحكمة و إني قد حضرت على يده الكثير من الكتب الفلسفية و لا يمكن بتبع الذوق او الاجتهاد لفقيه أن نُلغي علما او نتهم رواده و هم من أكابر علماء الشيعة او المسلمين بالإنحراف او الكفر او أنهم أدخلوا في الدين ما ليس فيه فهما طريقان شرعا و عقلا للوصول الى رب العالمين و قد يكون علم الطب او الفلك او الرياضيات او غير ذلك من دواعي المعرفة أيضا و الوصول الى الله تعالى حيث أن الأدلة على الصانع او التوحيد على قدر أنفاس الخلائق.

 تحميل كتاب المثل الأعلى في الفلسفة للمرجع الديني الكبير الشيخ محمد طاهر آل شبير الخاقاني

تحميل كتاب المثل النورية في فن الحكمة للمرجع الديني الكبير الشيخ محمد طاهر آل شبير الخاقاني

0 تعليق

إرسال تعليق

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

آخر الأخبار

ما رأيكم بمصطلح الفلسفة؟

ما رأيكم في مصطلح الفلسفة بالنسبة للدين الإسلامي و مذهب أهل البيت عليهم السلام؟ الأستاذ الشيخ محمد كاظم الخاقاني الحلقة الأولى   الحلقة الثانية الحلقة الثالثة...

هل ماهية الموت هي العدم ام هي وجود؟

السؤال: وردني سؤال من أحد المشايخ المحترمين من أهالي المحمرة يقول فيه: شيخنا الكريم هل ماهية الموت هي العدم ام هي وجود؟ و إذا كان الموت عدما فكيف الله تعالى في القرآن يقول (الَّذِي خَلَقَ الْمَوْتَ) فهل الله يخلق العدم؟!  الجواب:  فأقول في الجواب إن العدم المطلق ليس...

سؤال حول القول بالوحدة الشخصية.

الجواب : مقدمة لابد من القول بأن ما اوجبه الله تعالى على عباده من الأمور العقدية إنما هي المفاهيم والمدركات الفطرية البديهية الاولية سواءا في التوحيد او النبوة او الإمامة او غيرها من الأمور الأخرى وهناك مراتب للكمال والعروج نحو الحق تعالى لا تحد بحد غاية ولا من حيث...

ما رأيكم بالفلسفة والعرفان و وحدة الوجود ؟

بسم الله الرحمن الرحيم وصلى الله على ساداتنا وأولياء نعمتنا محمد وأهل بيته الطيبين الطاهرين ولعنة الله على مخالفيهم ومجانبيهم من الأولين والآخرين سيما الثلاثة المتقدمين على سيدنا ومولانا أمير المؤمنين أبد الآبدين السلام ‏ عليكم ورحمة الله وبركاته شيخنا الفاضل محمد...

أسئلة عقائدية

تابعنا على صفحاتنا